القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch32 | DSYOM

 Ch32 | DSYOM



[ الماضي ] ——-


طوال الطريق —- ، ظلّ الرجل الذي قدّم نفسه باسم ' إيثان ' صامت ، 

لا يتكلم إلا ليخبره بالاتجاه عند كل مفترق طرق


مرا بكازينوهات مزخرفة فاخرة ، وفنادق ، ونوادٍ ليلية ، 

وكنائس صغيرة ذات طراز فريد


وبعد ما يقارب الساعتين من السير ، بدأت أضواء النيون 

المبهرة تخفت تدريجياً ، 

وبدأت مصابيح الشوارع تضعف ، 

لتظهر على جانبي الطريق مساحات شاسعة من المصانع 

المبنية بالطوب الرمادي والمستودعات الخرسانية


النوافذ غارقة في الظلام ، في تناقض صارخ مع صخب 

الشارع الرئيسي—لقد كان المكان أشبه بمنطقة صناعية


شعر وين دي بألم في ساقيه ، 

فجلس على صمّام إطفاء الحرائق عند جانب الطريق


ألقى نظرة حوله ، فوجد أن مصباحين في الشارع مكسوران، 

مما جعل قراءة لافتات المصانع أمراً شبه مستحيل


الشيء الوحيد المؤكد أنه لم يكن هناك أي فندق قريب


نظر إلى الرجل بريبة وسأله :

“ هل أنت متأكد أننا في الطريق الصحيح ؟”


زاد صمت الرجل من اضطرابه —-


وين دي : “ ماذا ؟! 

لا تقل لي أنك لا تعرف الطريق ؟!” 

اجتاح قلبه موجة من الأسى العارم ، 

تلك البقية الصغيرة من الأمل التي كان يتشبث بها تحطمت 

في لحظة { بالتأكيد العالم يتآمر ضده } : “ وتجرؤ على 

الادعاء بأن لديك ذاكرة فوتوغرافية !”


اعترف بيان تشنغ أخيراً :

“ ربما أخطأت في قراءة أرقام أحد الشوارع… 

وانعطفت عند المفترق الخطأ .”


مرّت أمام عيني وين دي سلسلة من الذكريات التعيسة 

كأضواء فانوس دوّار ( كناية عن شريط الذكريات ) 


{ لقد طُعنت في ظهري من أول حبيب لي دام خمس سنوات ، 

جُرِّدت من جميع ممتلكاتي ، 

والآن ، بعد أن عرض رجلٌ أخيراً تعويضي ، ها هو يضيع الطريق ! }


حدّق في الرجل بعينين ملتهبتين


{ كيف سمحت لنفسي وأنا مخمور أن أثق بغريب ؟ 

إنني لا أعرف حتى اسمه الحقيقي ! }


وبينما يتأمل ما حوله من خراب ، 

شعر بقشعريرة تسري في جسده ،

نظر إلى الرجل بريبة وقال:

“ ألن تكون قد خدعتني وجلبتني إلى هنا لتقتلني وتلقي بجثتي ؟ 

أخبرك من الآن ، لم يتبقَّى معي أي نقود ! 

كل ما كنت أملكه أنفقته من أجلك ! 

حتى للإنسانية حدود !”


لم يُكلّف بيان تشنغ نفسه عناء تبرئة نفسه ، 

بل فكّر قليلاً ثم قال شيئاً دفع وين دي إلى حافة اليأس:

“ هذا المكان مهجور جداً في الليل . 

لا أعلم إن كنا قد نواجه الوضع نفسه من جديد . 

الأفضل أن نعود إلى شارع لاس فيغاس بوليفارد . 

هناك مركز المدينة ، أكثر أماناً ، 

وعلى الأقل يمكن أن نجد مكاناً نرتاح فيه .”


{ العودة… من… حيث… أتينا }

تمنّى وين دي أن يحفر حفرة في الأرض ويستقر فيها إلى الأبد


بيان تشنغ: “ فلنذهب "


امتلأ قلب وين دي بالحزن والغضب


ولولا حاجته لتوفير طاقته ، لتمنّى لو يسحق الرجل سحقاً


قال وهو ينهض ببطء : “ انتظر قليلاً ….

دعني أنفّس عن غضبي ، وإلا فلن أرغب إلا بالموت .”


نظر إليه بيان تشنغ بحذر :

“ ماذا تنوي أن تفعل ؟”


اقترب وين دي ببطء من مدخل أحد المصانع


الجدار الخارجي الأبيض يبدو شاحباً مخيفاً تحت ضوء القمر ، 

والداخل غارق في الصمت ،

شبك كفيه حول فمه ، أخذ نفساً عميقاً ، 

ثم صرخ في الفراغ :

" يا هيي ونشوان… أيها الخسيسُ الحقير ، 

يا دودة تقتات على فضلات غيرها ، 

يا وضيع متعجرف أجوفَ الجوف ، 

يا عبداً ذليلاً لا يملك من الرجولة غير غلاف هزيل !

يا من تستقوي بالسلطان وتَقمَعُ الضعيف ، 

يا بائس يلوذُ بالمسكنة كالمتسوّل ، 

يا قمامةً مجمّلة بطلاءٍ زائف ، 

يا نذلَ الأنذال ، يا كلباً أجربَ لا يساوي قَذى العين ولا وسَخ الأذن !

مجرد النظر إليك يبعث القيحَ والصديد في عيني ، 

ولو بصقتُ عليك لَدنّستُ بُصاقي "


( اتوقع من الشابتر الأول للآن واضح لكم إنه لعنات وسبّات 

وين دي كلها مقتبسة من شكسبير ~ ) 


انهمرت الكلمات الجميلة كقطرات شلال ، 

تتدفق في أغنية لا تنتهي


عبس بيان تشنغ بحاجبيه ، 

ولأول مرة ظهرت على ملامحه الهادئة بادرة انزعاج ، 

كأن وين دي قد لطّخ وجهه بالقيء ،


واصل وين دي شتائمه ثلاث دقائق كاملة ، 

متنقلاً من سبّ حبيبه السابق إلى اللصوص ، 

ومن أجداد حبيبه السابق إلى السماء نفسها ، 

حتى بَحّ صوته ، 

عندها فقط توقّف يلهث ——

 

سأله بيان تشنغ بجدية :

“ أنت تدرس الأدب ، فكيف تستطيع أن تسبّ بهذا العنف؟”


رمقه وين دي بغضب :

“ أليس الأدب خُلق لتوسيع حصيلتك اللغوية في شتم الناس ؟!”


تجاهل بيان تشنغ هذا الكلام السخيف وتنهد قائلاً:

“ حسناً يااه ، هل انتهيت من الصراخ ؟”


: “ إلى حدٍّ ما ...” أجاب وين دي، ثم تابع : “ أتريد أن تقول 

بضع كلمات أنت أيضاً ؟”


نظر إليه بيان تشنغ كما لو أنه مجنون :

“ ولماذا ؟”


قال وين دي وهو يسحبه من ذراعه :

“ أليس لديك أي كبت في صدرك ؟ 

لقد تعرّضنا للتو للسرقة ! جرّب أن تصرخ ، ستشعر بالراحة . 

المكان خالٍ تماماً ، إنها فرصة لا تتكرر ! هيا ، هيا ”


هزّ بيان تشنغ رأسه

{ لقد جعلته يمشي ساعتين كاملتين وهذا الغريب ما زال لا يفكر بعقل ؟ 

أحقاً الكحول يستوعبها بهذا البطء ؟ }


صفع وين دي الرجل على ظهره بقوة وقال:

“ أرى أنك تكبت كل شيء في نفسك . اصرخ ! 

حتى لو سمعك أحد ، من هنا سيعرف من تكون ؟”


تردّد بيان تشنغ قليلاً ، ثم شبك كفيه أمام فمه ،


أومأ وين دي برضا :

“ هكذا تماماً "


ثم صرخ بيان تشنغ بالإنجليزية :

“ آسف إن كان أحد قد سمع ما قيل للتو فلا تعيروه اهتماماً . 

هذا الشخص تخلّى عنه رجل ، لذا لم يعد بعقله !”


غطى وين دي فم الرجل على الفور ، يغلي غضباً :

“ ما الذي تهذي به؟!”


أنزل بيان تشنغ عينيه، وحين تكلم مجدداً كان صوته قد عاد 

إلى طبيعته ، خافتاً بسبب يد وين دي التي عليه و بالكاد مسموع :

“ ألَم أُلخِّص الأمر بشكل صحيح ؟”


وحين أدرك وين دي أن الرجل قد سمع محادثته مع هيي 

ونشوان منذ البداية ، 

غمره شعور بالحرج والغضب معاً:

“ من قال إنه تخلّى عني ؟ أنا من تخلّيت عنه مفهوم ؟!”


لم يُبدِ بيان تشنغ أي رد فعل، 

بينما كاد وين دي أن يطحن أسنانه من الغيظ


وين دي { لولا مسألة السبعمئة دولار ، 

ولولا أنني لا أعرف طريق العودة ، 

ولولا أن مظهر الرجل القوي ينبئ بأن أي مواجهة ستكون 

خاسرة ، لقاتلته حتى الموت !! 


أي نوع من ' الحظ ' هذا الذي يجعلني التقط من بين حشد 

كامل من المثليين في الحانة أكثرهم إزعاجاً ! }


أمسك بيان تشنغ بمعصم وين دي وسحب يده للأسفل قائلاً :

“ هل يمكن أن نذهب الآن ؟”


ظل وين دي يحدّق به بغضب، حتى انسدّ حلقه


فأمسك الرجل يده ببساطة وبدأ يجرّه نحو الشارع الرئيسي، 

بينما وين دي مشوشاً من الغضب فلم يقاوم


بعد أن قطعوا ثلاثة شوارع ، قال وين دي بحدة :

“ ألم تواجه أي نكسة في حياتك قط؟”


لم يُعرف إن كان الرجل لم يسمع أو أنه لم يكلّف نفسه عناء الرد


فتابع وين دي:

“ الأمر واضح من النظرة الأولى—أنت لا تملك أي مشاعو "


رد بيان تشنغ ببرود :

“ أنا فقط لا أظن أن الصراخ يجدي نفعاً "


رد وين دي ساخطاً :

“ بلى ، الحقيقة أنك لا تملك الشجاعة لذلك . 

وحتى لو فعلت ، فهل يمكن أن يكون أشد إحراجاً مما مررتُ به؟”


بعد لحظة صمت ، قال بيان تشنغ:

“ أليس الأمر كله أن حبيبك السابق سيتزوّج ؟”


: “ اللععععننننة ...” ــ سماعها من فم شخص آخر جعل وقعها أقسى ،

 فقبض وين دي على صدره وقال:

“ هل تدرك كيف عاملتُه طوال السنوات الخمس الماضية ؟”


كان الطريق طويلاً بما يكفي ليجعل وين دي يُسهب في الحديث : من حمل الماء له أثناء التدريب العسكري إلى مفاجأة عيد الميلاد ،

وكلما استرسل في الكلام ، ازداد إحساسه بأنه كان مغفّلاً 

تماماً ــ خمس سنوات من التفاني والوفاء ، 

ليُنظر إليه في النهاية كخادم عملي أكثر من كونه حبيباً ، 

كافي للعِشرة لكن غير كافي للزواج ؛ 

بلا طعم حين يؤخذ ، وبالغ الندم حين يُترك ،


لم يقاطعه بيان تشنغ بكلمة


ولمّا أطلّت أضواء النيون من جديد على الشارع الرئيسي ، 

وكان وين دي قد أنهى تاريخه الدامي مع خمس سنوات من 

العاطفة ، قال بيان تشنغ أخيراً :

“ أنا أحسد حبيبك السابق "


فانفجر وين دي:

“ هراء ! 

إن لم تعرف كيف تواسي ، فاسكت أفضل .”


لكن بيان تشنغ لم يُعر كلامه اهتماماً ، بل تابع قائلاً :

“ أن تلتقي بشخص يحبك بكل قلبه أمر نادر . 

وهو فرّط بذلك بسهولة شديدة . 

العار عليه هو ، وليس عليك .”


بُهِت وين دي


لقد هيأ نفسه لاستقبال إحدى سخرياته المعتادة ، 

ولم يتوقع هذا الجواب


ربما لأن سلوكه السابق جعل سقف التوقعات متدنياً إلى 

حد أن أي بادرة إنسانية بدت مؤثرة على غير العادة



فقال وين دي مذهولاً :

“ لم أتوقع أن تتكلم يوماً كبشر "


نظر بيان تشنغ إليه بنظرة حادة


لكن وين دي أضاف :

“ و مع ذلك… ليس هذا ما أشعر بالخزي حياله "


وقف بيان تشنغ حائراً

{ فمنذ قليل وهذا الشخص يسبّ حبيبه السابق سباباً لا ينتهي ، 

ويصوره أسوأ من الخنزير والكلب ــ أليس السبب زواجه ؟ }


فجأة سأله وين دي:

“ ما مهنة والديك ؟”


رغم غرابة السؤال ، أجاب بيان تشنغ :

“ كلاهما أستاذان في الجامعة "


أومأ وين دي، وتنهد قائلاً:

“ يا لها من نعمة . حين يسألك أحد عن عمل والديك ، لا بد 

أنك تجيب بكل راحة .”


استغرب بيان تشنغ وسأله :

“ وماذا عن والديك ؟”


: “ يديران كشك فطور ”


بيان تشنغ :

“ ألستَ صريحاً تماماً أنت أيضاً ؟ 

وما علاقة مهنة والديك بأي شيء ؟”


ابتسم وين دي بمرارة :

“ لا شيء . 

لم يعد يعني لي شيئاً وأنا في الحادية والعشرين ، 

لكن حين كنت في السادسة عشرة ، كان يعني لي الدنيا بأسرها …. ”

توقف قليلاً ، وكأن الذكريات المريرة عادت لتطرق بابه، 

وانخفضت زوايا فمه ، ثم قال:

“ حين بدأت علاقتي بـ هيي ونشوان… حبيبي السابق ، 

خرج مع أصدقائه وذهبت معهم . 

كانوا جميعاً أبناء مدراء شركات ، وأصحاب أعمال ، 

ومهندسين كبار . 

وأثناء تناولنا الطعام، سألني أحدهم : ماذا يعمل والداك؟ 

أجبتهم : والداي طبيبان .”


بقي بيان تشنغ صامتاً، مستعيداً دوره كمستمع صامت


فأكمل وين دي:

“ ومنذ ذلك الحين ، كي أحافظ على الكذبة ، 

صرت أبحث في كل ما يخص الأطباء : الجامعة التي يفترض 

أنهم تخرّجوا منها، 

التخصصات التي درسوها، 

العمليات الجراحية التي يُجيدونها ، 

أيام المناوبة في المستشفى ، والمرضى المستعصين الذين عالجوهم . 

اختلقت كل ذلك، بتفصيل أدق من كتابة رواية ….”

ابتسم بسخرية :

“ مفارقة غريبة ؛ قبل الثانوية ، كنت أظن نفسي أكثر الأبناء حبّاً لوالديه في العالم ….”


كانت الكلمات التالية أصعب على لسانه ، 

فتوقف وين دي قليلًا ، 

وبدأ يفرك طرف ملابسه مرارًا حتى تمكّن من مواصلة الحديث


: “ كنتُ أظن أن القصة التي اختلقتها محكمةٌ بلا ثغرات . 

لكن بعد أن ضبطتُ حبيبي السابق وهو يستعدّ للزواج ، 

ذكر شيئًا عن التقديم للجامعات في الخارج ...” رفع يديه 

ليمسك برأسه بألم : “ لقد كان يعلم ! 

كان يعرف منذ البداية ! منذ أيام الثانوية ! كل هذه 

السنوات ، ظل يشاهدني وأنا أمثّل دور ابن الأطباء ، 

ولا أدري كم سخر منّي مع أصدقائه من وراء ظهري ... 

أتدري ما معنى هذا ؟”


لم يعرف بيان تشنغ بماذا يجيب ، فاكتفى بهزّ رأسه


وين دي ؛ “ كل شيء تدمّر ….

حتى آخر ذِكرى كنتُ أتمسّك بها لم يعد لها أي قيمة .”


على سبيل المثال —- ، في أحد أعياد ميلاده ، 

دعا هيي ونشوان وين دي إلى مطعم فاخر للعشاء


جلسا بجوار النوافذ الممتدّة من الأرض حتى السقف في الطابق الأعلى للمبنى، 

والمدينة كلها تتلألأ تحت أقدامهم


الأضواء والموسيقى ساحرتين حدّ الثمالة ، 

لكن منذ اللحظة التي جلس فيها وين دي ، 

أحسّ أن كل شيء في غير مكانه ،


عندما جلس ، حرّك كرسيه إلى الخلف بعفوية ، 

ولم ينتبه إلى النادل خلفه إلا حين نبّهه هيي ونشوان ألا يتحرك


وعندما صبّ النادل الخمر ، رفع وين دي كأسه تلقائيًّا ليقرّب حافتها من الزجاجة


وحين جاء النادل ليجمع الصحون ، سلّمه طبقه الفارغ 

ووضعه بنفسه على الصينية


كان هيي ونشوان يراقبه طوال الوقت


وعندما سأله وين دي عمّا به، ابتسم الآخر وقال: “ فقط أجدك لطيفًا ”


حينها شعر وين دي بحلاوة الحب الأول تملأ قلبه


لكن بالنظر إلى الماضي الآن ، 

قد لا تكون تلك النظرة نظرة إعجاب ، بل نظرة إحراج


وين دي : “ هل تعرف ما معنى ذلك ؟

أن تدرك فجأة أن الشخص ليس هو من كنتَ تظنه ، 

ثم تعود بذاكرتك إلى كل تلك اللحظات الجميلة ، 

لتكتشف أنها جميعًا قد انقلبت رأسًا على عقب .”


رد بيان تشنغ فجأة : “ أعرف "


لم يكن وين دي يعرف شيئًا عن ماضي هذا الشخص، 

لكن طريقة نطقه، ونبرة صوته، وتعبير وجهه، 

جعلت وين دي يشعر، على نحوٍ غامض، أن هذا الرجل يفهم حقًّا


وين دي : “ لقد تخلّيتُ عن كوني ابنًا لوالدَيَّ من أجل شخصٍ كهذا ،،

الزواج ، الخيانة ، طلبات الجامعات… 

كل تلك الأمور مقزّزة ومعوجّة ، لكنها كانت اختياراته هو . الشيء الوحيد الذي كان خطئي أنا هو هذا .  

في كل مرة أراه فيها ، أتذكّر أنني كنت يومًا ما كاذبًا احتقر والديه . 

ربما السبب الذي جعلني ألعنه بكل تلك القسوة هو أنني 

كنت خائب الأمل من نفسي .”


وعند الفجر ، حين يُفترض أن يسود السكون ، ظلّ الشارع 

الرئيسي مضاءً بشكل ساطع ، 

والسياح الذين لم يتأقلموا بعد مع فرق التوقيت يمرحون 

في الكازينوهات ،


هذه المدينة ، كما يُقال ، لا تنام أبدًا ، مدينة يمكن للمرء أن 

يُلقي فيها بهمومه ، 


لكن الشخص الواقف إلى جانب وين دي كان يعترف اعترافًا مريرًا


بيان تشنغ : “هذا التفكير لا داعي له إطلاقًا "


لم يعتد وين دي أن يسمع منه رأيًا صريحًا، فصُدم ، وشعر 

بتيار من النشاط يبدّد التعب المتراكم طوال الليل


تابع بيان تشنغ : “ ألم تخفِي مهنة والديك لأنهم لم يخلقوا 

لك بيئةً تُشعرك بالراحة في قول الحقيقة ؟

لقد وضعوا نوعًا من الضغط عليك ، وجعلوك تشعر أنك لا 

تستطيع أن تقول الحقيقة . هذا ذنبهم هم فلماذا تتحمّله أنت على عاتقك ؟”


لا يدري لماذا ، لكن تلك الجملة البسيطة جعلت الضباب 

في قلب وين دي يتبدد فجأة


شعر بالارتياح ، لكنه شعر في الوقت نفسه بخوفٍ من هذا الارتياح


{ هل كان التخلّص من الذنب أمرًا بهذه السهولة حقًّا ؟ 


أكنت طوال هذا الوقت أبحث فقط عن ذريعة لأترك الماضي خلفي ؟ }


بيان تشنغ : “ لا تُضِيّع كل وقتك في الندم . 

ابدأ بالبحث عن الأسباب عند الآخرين .”


لم يستطع وين دي إلا أن يضحك ، 

ومع ضحكه امتزج شعور بالامتنان مع لمحة من الإعجاب:

“ ليتني أستطيع أن أكون مثلك ، أقول ما أشاء وألقي 

بمشاعري على غيري . 

لكانت الحياة أسهل بكثير .”


أومأ بيان تشنغ برأسه ، في إشارة إلى أنه يوافق على هذا 

الأسلوب ويمارسه فعلًا ، ثم أضاف:

“ لكن هذا قد يكون وحيدًا جدًا "


: “ حقًّا ؟”


بيان تشنغ : “ بالطبع ، هذا ما يحدث حين لا تتبع قواعد التعامل الاجتماعي ،،

الآخرون سيظنّون أنك غريب الأطوار ”


أدخل وين دي يديه في جيبيه، وأمال رأسه مفكّرًا للحظة، 

ثم عبس بحاجبيه :

“ لكن ،،، أليس مفهوم الغرابة أمرًا متغيّرًا ؟”


: “ متغيّر؟”


: “ الغريب ، المجنون ، العادي … 

هذه ليست كالمعادلات الرياضية ، لا تبقى ثابتة ...

يوجد أناس يرون أن الخروج عن المألوف أمر طبيعي ، 

ويوجد من يجد الجنون ساحرًا ، 

ويوجد من يرى أن التفرّد في العادي…” توقّف قليلًا ، 

ثم أشار إلى نفسه وإلى الرجل معًا : “ وهناك من يفهم 

الأسباب الكامنة خلف الكذبة . 

أليس هذا أجمل ما في لقاء البشر ؟”


نظر إليه بيان تشنغ وسأله: “ فأيّ نوع من الناس تظنّني أنا؟”


فكّر وين دي قليلًا ثم قال: “ شخصٌ مميّز "


: “ هذا يبدو أفضل من كلمة ‘غريب’ "


ابتسم وين دي ابتسامة عريضة ، مفتخرًا بقدرته على انتقاء 

الألفاظ ، ثم حاول مواساة الآخر:

“ على أي حال ، والداك بالتأكيد لا يظنّانك غريب . 

ومع دعم عائلتك ، لن تكون وحيدًا أبداً .”


: “ ليس ذلك مؤكدًا "


تأمل وين دي ملامحه المضيئة بأنوار الشارع وقال: “ماذا حدث لك؟”



لم يُجبه بيان تشنغ

تردّد قليلًا عند التقاطع، 

ثم استدار عائدًا إلى شارع لاس فيغاس بوليفارد


وين دي : “ أخبرني ،،،

لقد صارحتك بالسر الذي كنتُ أخفيه في قلبي ، فما المانع 

أن تُصارحني أنت أيضًا ؟”


البنايات الشاهقة تصطف على جانبي الشارع ، 

وفي وسطها حديقة صغيرة


وما إن رأى وين دي المقعد حتى شعر كأنه نال عفوًا ، 

فجلس بسرعة دون أن يبالي بالغبار الذي يعلوه


رفع عينيه إلى الرجل الواقف أمامه


كانت نظرات الرجل ( بيان تشنغ ) ثقيلة ، متردّدة ، 

كأنه يحسب المخاطر المترتبة على ما سيقوله


وحين ظنّ وين دي أن لعبة تبادل الصمت هذه ستستمر 

إلى الأبد ، تكلّم الرجل أخيرًا


بيان تشنغ : “ هل صارحتَ عائلتك بميولك ؟”


وين دي : “ اهاا ،، إذن هذا هو الأمر . هل كان ردّ فعل والديك عنيفًا ؟”


: “ إنه والدي "


: “ الأجيال الأكبر غالبًا يكون تفكيرهم محدود ، 

ومن الطبيعي أن يجدون صعوبة في تقبّل الأمور الجديدة .

والداي والدان صالحان ، ولم أجرؤ أنا نفسي أن أُصارحهما بعد . 

ماذا عن والديك ؟ هل هما غاضبان منك ،  

أم يذرفان الدموع ويتوسّلان إليك أن تتزوّج ؟”


بيان تشنغ : “ مزيج من الاثنين . 

عليّ أن أتزوّج بمن يوافق والدي عليه . 

الشهر الماضي كله كان دوّامة من المواعيد المدبرة .”


نظر إليه وين دي بعطف : “ هذا صعب.”


تابع بيان تشنغ بعد أن توقّف قليلًا ، وقد خفَض صوته: 

“ ثم اكتشفتُ أمرًا ما "


قصّ عليه باختصار محادثته مع زوجة أبيه


وبينما يلفح الهواء الصحراوي الحار وجهيهما، 

شعر وين دي فجأة بقشعريرة


لم يستطع أن يجد أي كلمات مناسبة لمواساته


الخيانة من قِبَل العائلة تختلف عن الانفصال عن حبيب؛ 

فالجذور في شرق آسيا تجعل قطع صلة الرحم أمرًا شديد الصعوبة


لم يكن بيان تشنغ يتوقّع المزيد منه، بل استمر قائلًا: 

“ لا أعلم إلى ماذا ستؤول علاقتنا . 

هو لا يستطيع تقبّل ميولي ، وأنا لا أستطيع تقبّل زواجه…”


حدّق فيه وين دي فجأة وقال: “ ولماذا لا تتزوّج رجلاً بدلًا من ذلك ؟”


تجمّد بيان تشنغ في مكانه

{ من أين جاءت هذه الفكرة أصلًا ؟ }


وين دي: “ الزواج المثلي قانوني هنا . 

عندما تتزوّج كيف لوالدك أن يجرؤ على ترتيب مواعيد مدبرة لك مجددًا؟ 

فقط صارحه بوضوح : ميولك لا يمكن تغييرها ، 

ومن المستحيل أن يتحكم بزواجك . 

وأيضاً تزوّج من وراء ظهرك ، فلماذا لا تفعل الشيء نفسه؟”


جعله يبدو وكأن الزواج أمرٌ عابر ، لا يختلف عن شراء حزمة 

بصل أخضر من السوق


بيان تشنغ : “ أتزوّج فقط لأغيظه؟ 

أليس هذا تصرّفًا طفوليًا بعض الشيء ؟”


رد وين دي بثقة لا تتزعزع : “ وما العيب في التصرف الطفولي ؟ 

تبدو وكأنك لم تفعل شيئًا طفوليًا في حياتك كلها . 

حياة لا تخرج فيها عن المسار أبدًا ليست كاملة .”


كانت جملة عبثية ، لكن بعد سلسلة المواقف العبثية التي 

مرّا بها هذه الليلة ، صار اللاعقلاني يبدو معقول


حتى أن بيان تشنغ جارى تفكير وين دي قائلًا: 

“ حتى لو كان في كلامك بعض المنطق ، من أين لي أن أجد 

شخصًا لأتزوجه ؟ 

أتظن شوارع لاس فيغاس مليئة برجال مثليين يبحثون عن الزواج ؟”


لو كان صاحيًا لما قال وين دي شيئًا كهذا أبدًا


لكن هذه الليلة ، منذ لحظة دخوله الحانة ، 

كان في حالة من الضبابية ، 

يرنّ في ذهنه صوت هيي ونشوان عبر الهاتف : ' أنا '


بيان تشنغ و وين دي ، الذي لم يمضِ على لقائهما 

سوى ليلة واحدة ، تبادلا النظرات في صمت


وين دي: “ أنت تريد خوض حرب مع أبيك ، 

وأنا أريد أن أُري حبيبي السابق من أكون . 

أليس هذا مناسبًا تمامًا ؟ انظر هناك ...”


وأشار إلى مبنى من الطوب الرمادي بجانب الحديقة


: “مكتب تسجيل الزواج . 

صادف أن وصلنا إلى مكان التسجيل بالذات ، أليس هذا إرادة السماء ؟”


في هذه اللحظة ، شقّ خيط من نور الصباح عتمة السماء



خمدت أضواء النيون ، 

وأُطفئت مصابيح الشارع بهدوء 

وكأنها تتنحّى جانبًا لتفسح المجال للشمس


بدأ العشب يستيقظ تحت أشعتها الرقيقة ، 

والهواء العليل امتلأ برائحة الأزهار ونكهة التراب الندي


وفي هذه اللحظة القصيرة ، 

بدت هذه المدينة الصاخبة وكأنها تغرق في سكينة غير مألوفة


أشرقت الشمس ، وأشارت عقارب الساعة إلى بداية يوم جديد


بيان تشنغ وهو يتأمل الأفق المذهّب : “ حسنًا لنتزوّج "


في لاس فيغاس ، يعمل مكتب تسجيل الزواج من الثامنة 

صباحًا حتى منتصف الليل


وبمجرّد تقديم الأوراق ، يحصل المرء على رخصة الزواج في اليوم نفسه


بعد ذلك كل ما يلزم هو إيجاد شاهد ، وإجراء المراسم ، 

وتوقيع الشاهد على الرخصة ، 

ثم إعادة الوثيقة الموقّعة إلى المكتب ليتم التسجيل ،

وهكذا يصبحان شريكين قانونيين رسميًا


أما المراسم والشهود فليست صعبة الترتيب


فكل فندق في المدينة تقريبًا يعرض باقات زفاف متكاملة : 

من الولائم الفاخرة إلى المراسم البسيطة في الكنائس 

الصغيرة ، مرورًا بتجارب مفعمة بالمغامرة مثل الهروب عبر 

طائرة مروحية فوق شارع لاس فيغاس ، 

والتحليق عند سد هوفر وعبر الأخدود العظيم ، 

والاحتفال في الجو بين الجروف الصخرية مع فرقعة زجاجة شمبانيا


الزواج هنا سريع وسهل إلى درجة أن المدينة تتصدر 

الولايات المتحدة في الزيجات المفاجئة


لكن توجد مشكلة واحدة فقط


بيان تشنغ : “ لا نملك أي مال "


يتبع

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي