Ch36 | DSYOM
[ الماضي ] ——-
ربما وكأنه شعر بعودة ابنه ، ففي الليلة التي عاد فيها بيان
تشنغ إلى البلاد ، استعاد بيان هواييوان وعيه
جفناه كانا ثقيلين كالحديد ، يتحركان ببطء ،
يفتحان ويغلقان عدة مرات
شيئًا فشيئًا ، طفى وعيه إلى السطح وسط الرؤية الضبابية
غرفة المستشفى مضاءة بخفوت،
وكل شهيق يجيء معه إحساس ثقيل ومتعثر
رنين أجهزة المراقبة الطبية كان يتردد في أذنيه ،
يربطه بالعالم ، وصوتها المنتظم يهمس له أنه ما زال حيًا
الألم الناتج عن العملية كان أشبه بتيار خفي تحت أعماق
البحر—كان يشعر بوجوده ، لكن دفء المهدئات كان يخفيه
أسرع الطبيب ليتفقد مؤشراته الحيوية ،
متأكدًا من انتظام ضربات قلبه وضغط دمه ،
وكذلك من قدرته على تحريك أطرافه
ومع وضوح وعيه أكثر ، حاول بيان هواييوان تحريك أصابعه
ليستعيد السيطرة على جسده
سأله الطبيب إن كان يفهم ما يجري ، وإن كان يشعر بأي
خدر أو وخز في أطرافه
هزّ بيان هواييوان رأسه ، لكن نظره تجاوز الطبيب—إلى
حيث يقف بيان تشنغ
دوّن الطبيب ملاحظته ، ثم التفت إلى بيان تشنغ وقال:
“ لقد تجاوز مرحلة الخطر الآن ، لكننا بحاجة لمراقبته اثنتي
عشرة ساعة أخرى .”
أومأ بيان تشنغ شاكرًا ، ثم سحب كرسيًا وجلس بجانب
السرير ، وسأله إن كان يريد بعض الماء
هزّ بيان هواييوان رأسه ، يراقبه بصمت :
“ لقد حلمت بشيء حدث منذ زمن بعيد ”
توقف يده فوق كوب الماء
سأل : “ هل تذكر عندما كنت في الحادية عشرة ؟
كنت تتدرب في نانجينغ من أجل نهائيات الأولمبياد الدولي
للرياضيات ، وكنت حينها صغيرًا جدًا ...”
عضلاته لا تزال متيبسة فلم يستطع الإيماء بيده ،
فاكتفى بتعبيرات وجهه ليستحضر ذكرياته
بطبيعة الحال بيان تشنغ تذكر
كان كل شيء محفورًا بوضوح في ذهنه
بيان هواييوان:
“ قبلها بعامين كان الفريق الوطني قد فاز بالميداليات
الذهبية ، والمدرب أراد الحفاظ على البطولة ثلاث سنوات متتالية .
كنت تحت ضغط هائل ولم تنم طوال الليل .
في كل زيارة لك، كان وجهك صلبًا كالصخر ، بلا أي ابتسامة .
وقلت في نفسي: ' أنت تحب الرياضيات كثيرًا ، فكيف تجعل
ما تحب يتحول إلى معاناة ؟ '
لذا هربت بك سرًا في سيارة إلى المنزل "
بيان تشنغ : " لكن بعدها اتصل المدرب ووبخني، فاضطررنا للعودة .”
بيان هواييوان : “ صحيح ,
لكن على الأقل قضيت يومًا عند بحيرة شوانوو "
وحين ذكر الذكريات الجيدة ، تذكّر أن هناك الكثير ما زال باقياً
بيان هواييوان:
“ بعد ذلك توقفت عن فعل تلك الأشياء ، وحاولت أن أجد
طرقًا أخرى لأجعلك سعيد .
عائلتنا ليست بارعة في الدعابة ، فصرت أبحث عن النكات
في الإنترنت وأحكيها لك عندما أزورك .
لكنك، أيها الولد، كنت صعب الإرضاء .
لم تضحك ولو مرة واحدة .”
بيان تشنغ: “ تلك النكات كانت مملة حقًا "
تنهد بيان هواييوان وحدّق في السقف:
“ ثم استيقظت ، وشعرت أن ذلك الحلم كان من حياة سابقة .”
سحب بيان تشنغ يده بهدوء ، ووضعها على حافة السرير ،
على بُعد إنش واحد فقط من الأنبوب الموصول بيد والده
أدار بيان هواييوان رأسه قليلًا لينظر إليه ،
فاحتك شعره بالوسادة محدثًا صوتًا خافتًا:
“ كيف وصلنا إلى هذه الحال ؟”
لقد كان ذلك سيف ديموقليس المعلّق ،
وكان سقوطه مسألة وقت فقط ،
والآن ، المريض الممدد على السرير هو من بادر بقطع الحبل بنفسه
بيان هواييوان:
“ لم أتعرف عليها إلا بعد وفاة أمك .
لا أفهم كيف استطعت أن تفكر عني بهذا الشكل .
لقد درست مع أمك في الجامعة ، وعشنا أكثر من عشرين سنة معًا .
هل تظن فعلًا أن كل ذلك كان زيفًا ؟”
بيان تشنغ نظر إلى جهاز تخطيط القلب بجانب السرير ،
حيث يرسم قوسًا أخضر يتحرك ببطء:
“ كنت غاضبًا جدًا في ذلك الوقت ، لم أفكر قبل أن أتكلم .
لا تأخذ الأمر على محمل الجد يا أبي "
سأله بيان هواييوان بصوت متقطع ، أنفاسه متسارعة وأصابعه ترتجف :
“ هل قصّرتُ مع أمك؟ هل قصّرتُ مع جدك ؟
هل يمكن للمرء أن يمثل طوال أكثر من عشرين سنة ؟
في ماذا كنت تفكر ؟”
بلا وعي —— أمسك بيان تشنغ بيده
مهما كان ، هذا والده
على الرغم من العشر سنوات الممزقة بينهما، والأكاذيب،
والشكوك، والضغائن،
إلا أن الأيدي التي بنت قطع الليغو في الطفولة،
والصوت الذي كان يقرأ له بجانب السرير،
والكرة التي كانت تتدحرج فوق العشب—كلها كانت حقيقية
بالنسبة له، في معظم الوقت، كان والده بالفعل أبًا صالحًا
قال بيان تشنغ بصوت هادئ ، نبرته أبطأ وأكثر طمأنة:
“ أبي لا تنفعل . لقد تعافيت للتو ، والطبيب قال إنك تحتاج إلى الراحة .
قلت لك، لم تكن سوى كلمات غضب .”
ابتسم بيان هواييوان ابتسامة هزيلة وقال بصوت متعب :
“ الأب رجل عادي فقط . حين تقترب فتاة شابة جميلة لا بد
أن يتأثر… لا أتوقع منك أن تفهم ،
لكن… لا يمكنك أن تعاملني كأني خاطئ ،
لا يمكنك أن تنكر مافعلتـ…”
توقف لحظة ثم أكمل:
“ حين سمعت كلماتك ، كان الأمر كطعنة في القلب .
لم أستطع حتى أن أتنفس .
وعندما انهرت، فكرت أنني ربما لن أنال عفوك إلا إذا متّ "
ارتعشت يد بيان تشنغ المعلقة إلى جانبه فجأة
نظر إلى والده ، الذي عاد للتو من حافة الموت ،
وأدرك فجأة أنه قد لا يتمكن أبدًا من البوح بزواجه ،
قال بيان تشنغ بهدوء :
“ المسألة ليست مسألة عفو . كل منا له حياته الخاصة .
كنت أتمنى لو أخبرتني مبكرًا .”
بيان هواييوان:
“ دفعتك نحو المواعيد المدبرة فقط لأنني أردت أن أراك سعيد .
مع هذا الجسد ، من يدري كم بقي لي من العمر ؟
قبل أن أموت ، لو أستطيع أن أراك تتزوج وتنجب…”
قاطعه بيان تشنغ :
“ لا تقل مثل هذه الكلمات المشؤومة .
الطبيب قال إن العملية ناجحة جدًا . ما دمت تستريح جيدًا ،
فلن تكون هناك مشكلة .”
تنهد بيان هواييوان:
“ أعرف ، لن أجبرك على الزواج من أحد . لكن…
ألا يمكنك أن تكون مع شخص يعجبك على الأقل؟
يوجد الكثير من الفتيات الممتازات، ألا تعجبك أي واحدة منهن ؟”
اختار بيان تشنغ ألا يجادل حول ميوله بعد الآن
قال:“ أبي، لنعقد اتفاقًا بين الرجال .”
حدق بيان هواييوان إليه:
“ اتفاق؟”
بيان تشنغ :
“ لن أعلن ميولي على العلن ، وسأتأكد من ألا يعرف أحد في
الدائرة أن ابنك مثلي .
وفي المقابل، لا يمكنك أن تجبرني على الزواج .”
نظر بيان هواييوان إلى ابنه —- والآخر يبادله النظرات بثبات
أنزل الأب عينيه ، واليد التي كانت يومًا تُحتجز كلها في كفه ،
بات هو الآن من يمسكها بسهولة
تنهد أخيرًا :
“ حسنًا… حسنًا "
هدنة مؤقتة …
أدار بيان هواييوان رأسه فرأى كوب الماء بجانب السرير
التقطه بيان تشنغ وقرّب القشّة إلى شفتيه
تسلّل الماء ببطء عبر الأنبوب،
وحاول بيان هواييوان رفع يده ليمسك بالكوب،
لكنها ارتفعت إلى منتصف الطريق ثم هوت بخيبة
في تلك اللحظة ، بدا الشخص الممدّد على السرير أكبر سنًا بكثير
هذا الإحساس بالهشاشة جعل بيان تشنغ يدرك أنه قد خسر بالفعل
كان والده ضعيف ، وبعد حديث قصير ، غرق بيان هواييوان
مجددًا في نوم عميق
خرج بيان تشنغ من الغرفة وجلس على المقعد الذي جلس
عليه شقيقه سابقًا ، وهو يفكر في زوجه الجديد
{ غادرت من دون أن أقول كلمة ، عابرًا المحيط ،
ولم أترك أي وسيلة للتواصل
عندما يستيقظ ذاك الشاب في الفندق ، ليجد المساحة
بجانبه فارغة وزوجه قد اختفى في الهواء — كيف سيكون شعوره حينها ؟ }
مرّر بيان تشنغ يده في شعره بغيظ،
ودفن وجهه بين كفيه
{ عليّ أن أعثر على ذلك الشاب ، لكني لا أعرف عنه شيئًا
سوى أن اسمه وين دي، وأن لديه اسمًا إنجليزيًا شائع جدًا }
استعاد ملامح وجهه الشاب ، وشعره المبعثر وهو نائم،
والشتائم العالية في الزقاق الفارغ،
والقبلة الدافئة في الكازينو
كانت تلك الذكريات واضحة جدًا ، كالألعاب النارية التي
تومض فوق أرض قاحلة
{ لكن ما الذي مثّلته هذه الذكريات لذاك الشخص ؟
ربما لم تكن سوى مصيبة هبطت من السماء }
وبطريقة ما، لم يكن هذا الفهم خاطئًا
إذ بعد أن استيقظ وين دي، بكى بحرقة عشرين دقيقة كاملة
وين دي ينتحب ، وهو يحتضن ملابسه : “ لقد سلب
جسدي ، لكن لماذا أخذ مالي أيضًا ؟
إيجاري… مصروف طعامي…”
جيانغ نانزي وهو يراقبه ببرود ، شعر بألم في ساقيه ،
فمد يده يرفعه ، ثم جرّه خارج الفندق وألقاه في سيارة أجرة :
“ حسنًا، حسنًا، حتى لو خدعك وسلبك المال والجسد ،
فعلى الأقل ترك لك أعضاءك سليمة .”
حدّق وين دي به بحزن ، من دون أن يشعر بأي عزاء :
“ حتى هاتفي أخذه ! لماذا ؟ ما فائدة أخذ ذلك الخردة ؟
لقد كان فيه رصيد كبير…”
تنهد جيانغ نانزي وأخرج هاتفه :
“ خذ ، يمكنك استخدام هذا مؤقتًا .”
حدّق وين دي بالهاتف ، على وشك أن يمد يده لكنه تردّد بدافع الأدب :
“ أأنت حقًا تعطيني إياه ؟”
قال جيانغ نانزي وهو يرميه إلى ذراعيه:
“ كنت سأشتري واحدًا جديدًا على أي حال ،
وإلا فهذا مضيعة . أنا من طلبت منك أن تغازل ذلك الرجل .
أنا أتحمل نصف المسؤولية . اعتبره تعويضًا عن خسارتك .”
تنشّق وين دي بعمق ، وتردّد لحظة ، ثم أخذ الهاتف رغم ذلك
لقد كان بحاجة ماسّة إليه
جيانغ نانزي :
“ وإذا لم تكفيك مصاريفك ، يمكنني أن أقرضك بعض المال .”
فكّر وين دي قليلًا ، ثم قال بلا تردّد :
“ سأعيد لك المال بأسرع وقت ممكن .”
ليلة ربيع واحدة عابرة ، لكن الألم يمتد بلا نهاية
خلال الشهرين التالية ، وجد عملاً جزئيًا كمدرّس عبر الإنترنت ،
ليملأ أيام دراسته بالخارج بحصص مجنونة ،
ألغى كل خطط السفر ، وخفّض مصاريف الطعام مرة بعد مرة
وأثناء حساب رسوم الدروس التي تخصمها المؤسسة ،
كان يلعن في قلبه ذلك الرجل المجهول بأشد العبارات
لقد فهم أخيرًا أن جميع الرجال أوغاد بلا استثناء
{ ومنذ الآن فصاعدًا ، إن وقعت في حب رجل آخر،
فلتضربني صاعقة خاطفة تعمي عيني —
هذا الدماغ الرومانسي الأحمق الذي لا يتوب ! }
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق