القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch42 | DSYOM

 Ch42 | DSYOM


[ أسعد إنسان هو أعظم إنسان ]


في جنوب نهر اليانغتسي، حين انخفضت درجة الحرارة شتاءً 

إلى ما دون الصفر، 

كان الجميع يرتدي المعاطف السميكة والأوشحة وسراويل القطن الداخلية الدافئة ، 

حتى ذلك البروفيسور الذي اعتاد ارتداء البذلات طوال العام 

لم يجد مهرب من التخفف من عادته ،


ومع ذلك ، وبرغم ملابسه الثقيلة ، ظلّ بيان تشنغ متميزًا 

بوضوح عن سائر الناس في القرية


عندها اضطر وين دي أن يتفق ، مُكرهًا ، بوجود شيء في 

هذا العالم يُسمّى ' الهيبة ' أو ' الهالة ' 

في هذا الرجل ما دام صامتًا 


قال وين دي وهو يناوله كيسًا بلاستيكيًا:

“  بودنغ التوفو و فطائر يو تياو .”


أخذ بيان تشنغ الكيس وسأله :

“ متى تغلقون ؟ تعال إليّ بعد ذلك .”


التفت وين دي نحو والديه المنشغلين في المطبخ ، 

ثم اتسعت عيناه وهو ينظر إلى بيان تشنغ:

“ هل فقدتَ صوابك ؟”


إن مجرد تخيله يلتقي بزوجِه القانوني في الشارع التجاري 

الرئيس لمسقط رأسه كان كافيًا ليُفْضي به إلى عرق بارد


بيان تشنغ بهدوء:

“ أنا أسكن في فندق ييلين القريب ، رقم الغرفة 306 .”


وكان مثل هذا التصريح كفيلاً بسوء الظن


فارتجف وين دي وقال:

“ وما علاقتي أنا بالأمر ؟”


فأجابه بيان تشنغ :

“ ألم أقل لك من قبل؟ جئتُ لأعطيك هدية رأس السنة .”


{ ما الذي ينوي فعله هذا الرجل ؟! }


لقد أطال الضيف الغريب جلوسه، حتى إن أمَّ وين دي 

أطلت برأسها من خلف قدر البخار


ارتجف وين دي ولوّح بيديه بعجلة ، حتى بدت حركته كأنها ظلّ في الهواء :

“ اذهب بسرعة ، بسرعة ، بسرعة ! 

سيخرج والداي في أية لحظة !”


بيان تشنغ:

“ هل ستأتي أم لا؟”


قال على عجل:

“ نعم ، نعم، نعم.” ثم مال قليلًا إلى الجانب وصاح بصوت مرتفع :

“ ماذا تودّين أن تطلبي أختي ؟”


غادر بيان تشنغ وهو يحمل الكيس البلاستيكي، 

بينما انشغل وين دي بتجهيز كرات السمسم وقد خالطه قلق شديد


فالبلدة صغيرة، وأي خبر تافه سرعان ما ينتشر فيها حتى يغدو حديث الجميع


وزيادةً على ذلك، فذكاء هذا الرجل العاطفي في الحضيض، 

وإن وقع في أية شبهة أو شائعة ، فلن ينجو وين دي أيضاً


ومع اقتراب نهاية العام ، ازدهرت حركة البيع ؛ فقبل 

التاسعة بقليل نفذت جميع الـ يو تياو و البوزاي


وحين شاهد وين دي والده يعيد الطاولات إلى داخل الدكان ويغلق الأبواب ، قال له:

“ سأتمشى قليلًا في البلدة — لقد اتفقتُ مع أحد زملائي على تناول الغداء معًا .”


سألته أمه:

“ وكيف ستعود بعدها ؟ المكان يبعد أميالًا عدّة ، 

ولا توجد دراجات اشتراكية هنا .”


فأجاب وهو يدفعها نحو العربة الثلاثية العجلات :

“ سأعود سيرًا وأهضم الطعام . 

أنا الآن في أواخر العشرينات ، وما زلتِ تخشين أن أضلّ طريق المنزل ؟”


تابع بنظره دراجة والداه وهي تبتعد في الأفق ، 

ثم أدخل يديه في جيوب معطفه المنفوخ واتجه إلى الفندق ، 

وهو يتلفت بين الحين والآخر خشية أن يراه أحد معارفه


وحين وصل باب الغرفة 306 ، 

رفع يده وطرق الباب بخفوت


فتح بيان تشنغ الباب


ولعلّ بيان تشنغ لم يعتد على هذه البرودة ، إذ أن مكيّف 

الغرفة مضبوط على حرارة مرتفعة


وما إن لامس وين دي ذلك الدفء حتى دخل فوراً


وبالقرب من سلة القمامة ، رآى ثلاثة أكياس تحوي أوعية 

بلاستيكية فارغة، ومناديل ورقية، وزجاجات ماء معدني


فشهق في دهشة { حتى في الفندق لم يُغفل هذا الرجل فرز النفايات ! }


عقد ذراعيه ووقف عند المدخل وهو يحدّق فيه قائلًا:

“ لم أتوقع أنك ستفعل أمرًا سخيفًا إلى هذا الحد .”


{ فالهدية التي تحدّث عنها لم تكن سوى نفسه ! } 


فكرة أن تصدر لفتة رومانسية كهذه من البروفيسور بيان 

جعلت وين دي يتساءل إن كان العالم قد شارف على نهايته

وبينما يتكلم، رفع عينيه يتأمل ملابسه الجديدة وقال ساخرًا :

“ ولماذا لم تُربط شريطًا حول نفسك كهدية ؟”


نظر إليه بيان تشنغ بدهشة ، وكأن كلامه غير مفهوم ، 

ثم أخذ علبة من على الطاولة المجاورة للسرير وناولها له قائلًا :

“ ذهبتُ إلى مكتب البريد ، لكنهم أخبروني أنهم سيوقفون 

خدمات الشحن قريبًا ، 

ولن يمكنهم توصيلها ، فاضطررتُ لجلبها بنفسي .”


وين دي نظر إلى العلبة أمامه { حتى هذه العلبة لم يكن عليها شريط هدية }

انحبست الكلمات في حلقه { اللعنة ماذا كنت أتوقع أصلًا ؟ 

كيف خطرت ببالي فكرة سخيفة كهذه ؟ }


قال بيان تشنغ وهو يدفع العلبة نحوه مجدداً :

“ افتحها وانظر "



تنهد وين دي …. فبما أن توقعه الأول لم يتحقق ، 

لم يكن يتوقع أن يعطيه بيان تشنغ شيئًا يستحق …

لكن داخل العلبة كان هناك هاتف

هاتف جديد


حدق وين دي على الشاشة اللامعة ، ثم إلى بيان تشنغ


بيان تشنغ :

“ المفاجأة الحقيقية تحت الهاتف "


كان وين دي قد توقّع تقريبًا ما سيجده


رفع الهاتف وأزاح طبقة البلاستيك الواقية تحته…


في قاع العلبة —- سبع أوراق نقدية مصطفة بعناية ، 

جميعها تحمل صورة فرانكلين وهو يبتسم ابتسامة جانبية خفيفة


رفع وين دي نظره من الأوراق النقدية إلى بيان تشنغ


كان بيان تشنغ راضيًا تمامًا عن هذه الهدية ، 

وقال وهو يشير إلى العلبة كأنه يعرض كنزًا :

“ لقد بحثتُ جيدًا ، وأخيرًا وجدتُ جذر المشكلة .”


تجمّدت ذراعا وين دي في الهواء وهو يمسك الهاتف والعلبة ، ثم قال ببرود :

“ أنت تظن أني أريد المال "


فأجابه بيان تشنغ:

“ ومع الهاتف أيضًا . لقد وعدتك من قبل .”


صو وين دي على أسنانه 


كان عليّ أن أُخفض توقعات أكثر من ذلك


فمع عقلٍ يطفو خارج حدود التوزيع الطبيعي للبشر 

كيف يمكن لبيان تشنغ أن يتوصل إلى أي استنتاج منطقي ؟ }

أغلق الغطاء وأعاده إليه قائلًا :

“ الأمر ليس وكأنك سرقته ؛ لا داعي لأن تعوضني "


لكن بيان تشنغ لم يأخذه:

“ لقد وعدتك بها في عهود زواجي ، فكيف أرجع عن كلامي ؟ 

خذه ، لا داعي أن تشعر بالحرج .”


{ إذًا هذا الرجل يظن فعلًا أنني أتظاهر بالتهذيب ! }

شعر وين دي أن لا أمل في طريقة تفكير هذا البروفيسور ، 

لكن في الوقت نفسه كان يعرف كم هو مرهق أن يسافر 

أحدهم من بكين إلى هنا


بما أن بيان تشنغ تكبّد هذا العناء ، 

كان لا بد أن يُظهر له بعض الحد الأدنى من حسن الضيافة ،

وضع العلبة على الطاولة قائلًا :

“ دعني أعزمك على الغداء .”


لكن بيان تشنغ ردّ:

“ لا حاجة . سأعود قريبًا . يوجد قاصر في المنزل ، وغيابي 

عنه لهذه المدة يُعتبر تصرفًا غير مسؤول .”


ارتبك وين دي :

“ يعني جئتَ كل هذه المسافة فقط لتوصل لي سبعمائة دولار ؟”


بيان تشنغ:

“ كيف تقول فقط ؟ هذه المسألة تعني لك الكثير . 

لقد نسيت أمر الكازينو ، ونسيت أمر الزواج ، لكنك لم تنسَى هذا .”


برغم أن نبرة صوته بدت هادئة ، فإن كلماته كانت مشوبة ببعض التذمر ، 

ضيّق وين دي عينيه وقال:

“ يبدو أنك تحمل في قلبك شكاوى كثيرة تجاهي "


رد بيان تشنغ:

“ ليست كثيرة . واحدة فقط .”


حدّق وين دي فيه طويلًا

{ أهو جاء ليسوي الخلافات أم ليفتعلها من جديد ؟ }

“أنت ما زلتَ تحمل ضغينة، أنت…” ثم توقف في منتصف الجملة، وهزّ رأسه قائلًا:

“ لا بأس . مثلي ، كشخص بمستوى خمسة ، ما مؤهلاتي 

لأعطي نصيحة لرئيس مستوى عشرة ؟”


سأله بيان تشنغ بارتباك:

“ مستوى خمسة ؟ مستوى عشرة ؟”


ابتسم وين دي بسخرية :

“ أمي سجلت في موقع للتعارف . لو كنتَ موجودًا هناك ، 

لكنتَ بالتأكيد مستوى عشرة . 

لكن برأيي ، الزواج لا يُبنى على المعايير الجامدة وحدها . 

مع شخصيتك هذه، ستخسر على الأقل عشرين مستوى .”


بيان تشنغ بجدية :

“ موقع تعارف ؟ تريد أن تذهب إلى موعد مدبر؟ متى؟ أين؟ لماذا ؟”


وين دي:

“ من قال إني أريد ؟ أمي فقط سجلت من باب التسلية ...” 

ثم أدرك فجأة أنه كان يشرح نفسه باندفاع زائد : 

“ لحظة ، ولماذا عليّ أن أقدم لك تقريرًا عن حياتي العاطفية ؟”


حدق إليه بيان تشنغ غير مصدق وقال:

“ أنت شريكي القانوني ”


رفع وين دي إصبعه محذرًا :

“ مهلًا، مهلًا، مهلًا !!! أليست حجتك دائمًا المنطق والحقائق ؟ 

لماذا تتمسك بالقانون الآن ؟” و أضاف ساخرًا:

“ في قوانين بلدنا نحن لا يُعتبر هذا قانونيًا .”


حدّق بيان تشنغ فيه طويلًا حتى بدأ وين دي يشعر وكأنه ارتكب ذنبًا يجب أن يخجل منه

فقال وين دي معترضًا:

“ لا يجوز الكيل بمكيالين . 

لا أذكر أنك قدمتَ لي تقريرًا عن مواعيدك . 

هل ستقول لي إنك لم تذهب إلى موعد واحد خلال 

السنوات الخمس الماضية ؟”


رد بيان تشنغ بجدية قاطعة :

“ طبعًا لا. ذلك يُعتبر خيانة زوجية .”


: “ خيانة… ماذا؟” تشوّش عقل وين دي تمامًا، 

وقبل أن يتمكن من التفكير في رد مناسب، 

كان بيان تشنغ قد التقط بطاقة الغرفة، سحب المفتاح ، 

وغادر بخطوات واسعة


وأثناء مروره بجانبه ، انحنى فجأة وقبّل شفتيه قائلاً بهدوء :

“ سنة جديدة سعيدة "


تجمد وين دي لثوانٍ مصدومًا من القبلة المباغتة ، 

وما إن استوعب ما حدث حتى أن المكان قد خلا من كل شيء ، 

ولم يبقَى سوى السرير المرتب بعناية ، والقمامة المصنفة ، 

وعلبة الهاتف على الطاولة


أدار رأسه مذهولًا نحو الممر ، وكان خاليًا تمامًا، 

بلا أثر لأي شخص—{ هل قبّلني ثم هرب ؟ وبسرعة أيضاً ؟ }


لقد ظهر فجأة ثم اختفى فجأة ، 

تاركًا وراءه فقط الهاتف والسبعمائة دولار


لم يستطع وين دي سوى أن يضع الهدية جانبًا ويظل يفكر ما جرى


وبعد تفكير قليل، فهم السبب


{ لقد غادر على عجل لأنه خشي أن أرفض أخذ المال


دماغ بدرجة ذكاء 180، وبعد كل هذا التفكير توصّل إلى 

نتيجة أنني أعشق المال لكني أخجل من قبوله مباشرةً —

فتركه على الطاولة وهرب ، 

تمامًا مثل العمّات والجدّات حين يضعن ' العيدية ' في رأس السنة ويهربن }


وكأن لتأكيد أفكاره ، ظهرت رسالة على هاتفه فورًا : 


بيان تشنغ : 【 لا تنسَ المال】


{ هذا الرجل يظن فعلًا أنه قام بخطوة ذكية ! }


ظل وين دي يحدّق في الشاشة، 

متذكرًا جميع لقاءاته السابقة مع هذه ' التفرّد البشري '

وشعر بيأس كامل تجاه مستقبل هذا الزواج


وما زاد من يأسه أن موعدًا آخر ينتظره الآن—لقاء زملاء الصف


———————


المدينة صغيرة ، وبعد أن وصل إلى متجر آر تي-مارت

لمح مباشرةً مطعم الهوت بوت بجواره


كان زميله قد حجز غرفة كبيرة خاصة بداخلها طاولتان 

دائريتان واسعتان، 

تتسع كل منهما لأربعة عشر شخص


أمام كل شخص قدر صغير للهوت بوت، 

بينما وُضعت اللحوم والخضروات في وسط الطاولة —

ترتيب حديث ومريح


ما إن دخل وين دي الغرفة حتى تعرّف وسط الضباب 

الأبيض الكثيف إلى كثير من الوجوه المألوفة


ذلك الطويل كان مسؤول اللجنة الرياضية سابقًا ، 

بارع في تسلّق الأسوار ، وأول من تجرأ على قيادة التلاميذ 

للهروب إلى مقهى الإنترنت


أما ذو الوجه المستدير فهو ابن صاحب متجر الأطعمة 

شرق المدينة ، بدا الآن أنحف بكثير


والفتيات اكتسبن لمحة ناضجة ، يلبسن بأناقة ويبدون 

أجمل من ذي قبل


و أيضًا طفلة صغيرة ، تمصّ حلوى مصاصة وتتنقل بين 

الطاولتين جريًا، على الأرجح ابنة أحدهم


قال أحد أصدقائه القدامى وهو يقفز بحماس:

“ أليس هذا وين دي؟! 

إله جامعة T قد وصل ، افسحوا الطريق !”


التفت الجميع ينظرون إلى وين دي، فاحمر وجهه خجلًا


في المرحلة المتوسطة كان بالفعل شخصية مشهورة ، 

دائمًا الأول على الدفعة ، 

متقدمًا بعشرات النقاط عن المركز الثاني ، 

حتى إن المدرسة بأكملها كانت تعرف أن هناك عبقريًا بينهم


ولم يدرك وين دي إلا في الثانوية أنهم كانوا يدرسون أشياء 

بسيطة أكثر مما ينبغي


قال صديقه بحماس وهو يشير إلى مقعد فارغ بجانبه:

“ تعال، تعال، اجلس هنا بجانبي !”


تحت أنظار الزملاء ، تقدم وين دي بحذر وجلس في المقعد الفارغ


عندها ركضت الطفلة الصغيرة ، وقد لمحت الأخ الوسيم 

الجديد ، فاقتربت منه وهي تمصّ مصاصتها وتنظر إليه بعينين واسعتين


ابتسم وين دي بتوتر، لكن صوت رئيس الصف علا من 

الطرف الآخر للطاولتين:

“ مياو إير لا تركضي ! انتبهي ، لا ينسكب مرق الهوت بوت !”


تجمد وين دي بدهشة وهو ينظر إلى الطفلة :

“ هل هي ابنته؟” { كانت قريبة من سن دخول الابتدائية ! }


رفع صديقه حاجبيه وقال:

“ ألم تكن تعرف؟ 

' ركبوا السيارة أولًا ثم أخذوا الشهادة ' لاحقًا . 

( فعلوها بعدين تزوجوا )

كانت فضيحة كبيرة وقتها .”


حسب وين دي الأمر ؛ كان في سنته الجامعية الثالثة وقتها، 

وكان في تبادل خارجي


وقتها نادرًا تفقد دردشة القروب ، ولم يعد للقرية في 

عيد رأس السنة ، فـ فاتته فرصة متابعة القيل والقال


قال صديقه وهو يعدّ بأصابعه وينظر إلى الفتيات عبر الطاولة :

“ الأخوان تشو وهوان تزوجا أيضًا . 

الجميع على تلك الطاولة متزوجون . 

شياو يي أنجبت مؤخرًا ، 

وابن فانغ فانغ صار في الروضة هذا العام .”


رمش وين دي بعينيه شاعراً بمرور الزمن


مسقط رأسه تغير كثيرًا ، بينما هو لم يخرج بعد من طور الدراسة


تمتم وين دي:

“ الجميع ارتقى درجة .”


ضحك صديقه وقال وهو يمد يده لطبق لحم الضأن ويضع نصفه في المرق الحار:

“ هاه ، البقاء هنا يعني البقاء كما نحن أليس كذلك؟ 

على عكسك، أنت طالب متفوق في مدينة كبيرة، تعيش حياة مريحة .”


قرر وين دي مجاراة تصوراتهم وحفظ بعض ماء الوجه لذاته الماضية :

“ ليس سيئًا .”


قال صديقه وهو يحرك اللحم في القدر:

“ ألم تقل إنك تتابع الدكتوراه ؟ ما خطتك بعدها ؟ 

بروفيسور جامعي؟ 

أليس دخلكم الإضافي مرتفعًا جدًا ؟ 

كثير من المشاهير على الإنترنت أساتذة من جامعات 

مرموقة ، سمعت أنهم يكسبون مبالغ كبيرة .”


وين دي { هذا تحيّز ناجين ، بينما في الحقيقة هناك من 

يعمل طوال العام بلا ترقية ، 

ويُفصل كثيرون عند مفترق ' إما ترقية أو رحيل ' }

لكنه آثر الصمت الغامض؛ ففي مواجهة زملاء قدامى ، 

أراد الاحتفاظ ببعض من بريقه السابق


سأل وين دي:

“ وأنت ؟ أين تكسب مالك هذه الأيام ؟”


أجاب صديقه وهو يتنهد :

“ أتابع أبي في بعض المشاريع الصغيرة ، 

كل يوم أشرب مع المسؤولين ، أقدّم الشاي ، 

وأتصرف كالتابع، بالكاد أتدبر أموري . 

بعد سنة كاملة من التعب ، بالكاد أجمع مئتي ألف .”


كاد وين دي أن يغشى عليه { هذا أفضل بكثير من وضعي

لكنه فكّر ثانية ولزم الصمت


أضاف صديقه بصوت منخفض:

“ الأخ تشو يعمل مهندسًا في المدينة الإقليمية ، سمعت أنه يكسب جيدًا "


وين دي:

“ صحيح ، أعلم .”


: “ والأخ هوان ذهب إلى لجنة المحافظة.”


: “ يبدو أن الجميع بخير.”


أومأ صديقه رأسه وقال بعد أن شرب عدة جرعات من البيرة وربّت على كتف وين دي:

“ عمّ تتحدث ؟ أنت بالتأكيد ستجني مالًا كبيرًا . 

في الماضي ، بينما كان الجميع يهربون من الصفوف ، 

ويتشاجرون ، ويسهرون في مقاهي الإنترنت يتصفحون صور 

الفتيات الجميلات، كنت أنت تدرس ليل نهار دون أن ترفع 

رأسك حتى مع كل الضجيج من حولك .  

حينها أيقنت أنك شخص سيحقق إنجازات عظيمة .”


ابتسم وين دي بمرارة :

“ أهكذا ترى؟ 

إذن سأقبل منك هذه الأمنية الطيبة .”


قال صديقه المقرب مبتسمًا :

“ حين تنجح يومًا ما، وإذا أردت أن تحوّل بيت عائلتك إلى فيلّا ، عليك أن تأتي إليّ، سأعطيك خصم 20%.”


رد وين دي:

“ حسناً، حسناً .”

لكنه تساءل { هل سيأتي ذلك اليوم أصلًا ؟ 

أن أجني مالًا كبيرًا وأبني فيلّا ؟ }



كانت الأجواء على مائدة العشاء صاخبة مليئة بالحديث، 

بينما جلس وين دي يأكل بلا طعم، 

يستمع إلى زملائه القدامى وهم يتحدثون عن عائلاتهم

ومشاكل عملهم ، 

وشعر غصّة من الحسد تعتصر قلبه


نعم، البقاء في مسقط الرأس، الزواج والإنجاب، والعيش 

يومًا بعد يوم كما فعل والده وجده وأسلافه، 

حياة يمكن التنبؤ بنهايتها منذ البداية؛ ليست جميلة ولا شاعرية


لكن هو، بعد أن كافح في المدينة الكبيرة حتى بلغ الثلاثين، 

كل ما جناه شهادة لامعة وراتب قليل


مقارنةً بهم ، كل ما فعله أنه بذل بضع سنوات إضافية من الجهد


بعد انتهاء العشاء ، كان شعوره بالكآبة أشدّ من ليلة رأس السنة



عاد إلى المنزل وجلس على سريره الصغير ، 

يراقب والدته في الجهة المقابلة وهي تحيك وشاحًا


الإبر الخيزرانية تتحرك صعودًا وهبوطًا في إيقاع متناسق، 

بينما يزداد الوشاح طولًا مع تعمّق الليل


لاحظت أمه سكونه لنصف ساعة ، فوضعت الوشاح جانبًا، وداعبت رأسها بإبرة الخيزران، ثم سألت:

“ ما بك؟ 

هل شعرت بالضيق بعد اجتماعك بزملائك ؟”


تأمل وين دي الضوء الأصفر الخافت ، وأغمض عينيه ببطء ثم قال:

“ أمي … ماذا لو لم أصبح شيئًا في حياتي ؟ 

ماذا لو كان كل زملائي أفضل حالًا مني ؟ 

ماذا لو ظللت فقيرًا طول عمري ؟”


نظرت إليه والدته بدهشة ، ثم صمتت لحظة وقالت:

“ حينها كُل صحنين إضافيين من الأرز .”


تقلص وجه وين دي بألم :

“ ماذا ؟”


ابتسمت :

“ كُل أكثر ، تمرّن أكثر ، وحافظ على صحتك . 

في العشرينات والثلاثينات يمكنك الحديث عن العمل والعلاقات . 

أما حين تدخل الأربعينات والخمسينات ، فلن يتبقى سوى 

الحديث عن التهاب المفاصل ، ضغط الدم ، وأمراض القلب . 

عندها لن يبقى مجال للتفاخر بالوظائف والمال . 

لذا، لا تأخذ الأمر بجدية مفرطة .”


شعر وين دي ببعض العزاء:

“ هكذا إذن ؟”


وأضافت:

“ وأيضاً عائلتنا ليست مجرد عائلة فقيرة عادية ، نحن فقراء 

منذ خمسة أجيال .”


تمتم وين دي:

“ ألا يمكن أن نورث شيئًا غير الفقر ؟”


اقتربت والدته منه و عانقته :

“ فكّر جيدًا ، كم يمكن أن تكون حياة الأغنياء أفضل ؟ 

الكركند الأسترالي لا يختلف كثيرًا عن الكركند العادي في الطعم ، 

والسيارة الفارهة العالقة في الزحام ليست أفضل من دراجة ثلاثية مهترئة .”


تنهّد وين دي بأسى:

“ لكنني لم أذق الكركند الأسترالي من قبل . 

أريد فقط أن أجربه ، بدافع الفضول .”


قالت الأم:

“ هل فهمت قصد أمك ؟”


أجاب:

“فهمت، فهمت… لكنني فقط أشبه أبي ، 

وإلا لكنت سعيدًا كل يوم .”


دفعتْه أمه مبتعدة ، ثم نهضت واستدارت لتخرج من الغرفة :

“ أي كلام هذا ؟ والدك ما إن سمع أنك ستعود يوم السابع والعشرين ، حتى بدأ يتبّل لحم البقر منذ يوم ياااه .”


ناداها وين دي من خلفه :

“ هل ستشين بي عند أبي ؟”


ردت بابتسامة وهي تواصل طريقها:

“ دَع والدك يذهب إلى السوق ، وسيشتري لك كركندًا أستراليًا .”


يتبع

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي