القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch44 | DSYOM

 Ch44 | DSYOM



[ والحظ ، مبتسمًا على شجاره الملعون ، بدا كعاهرة متمردة ]


مرّ الشهر الأول من فترة التدريب بهدوء ——-


وفي أحد الأيام ، سلّم المعلم الأجنبي لوين دي خطة الدرس 

وطلب منه أن يجرّب تدريس فصل كامل


كان وين دي قد قام بالتدريس الخصوصي أثناء الجامعة، 

لكن التعليم وجهًا لوجه لطالب واحد يختلف كثيرًا عن 

مواجهة فصل مليء بالطلاب


مع عشرات الوجوه أمامه، تضاعفت الأمور التي تحتاج إلى الانتباه عشرات المرات


إيقاع عرض النقاط المعرفية، ردود فعل الطلاب، 

تقنيات طرح الأسئلة، 

ثم التغذية الراجعة وتقييم الطلاب—كل ذلك استلزم منه 

تشغيل كل حواسه، 

ليبقى مشدود الذهن طوال الوقت حتى يضمن إتمام الدرس


ومع ذلك، فإن أصعب ما في الأمر كان الحفاظ على النظام



بين هؤلاء الطلاب الأثرياء، 

يوجد الطلاب النموذجيين الجديين كما يوُجد المدلّلين


بعضهم لا ينتبه إطلاقًا ، ينشغلون بهواتفهم ، 

يغطون في النوم ، 

أو حتى يتحدثون بصوت مرتفع، إلا حين يطلقون النكات


لم يجرؤ وين دي على ضبطهم، بل شعر أنه غير مؤهل لذلك

بصفته “عاميًا”، كيف يجرؤ على استفزاز هؤلاء الذين 

سيصبحون “أصحاب المناصب” في المستقبل؟


خلال استراحات التدريب، بدأ وين دي يُعيد التفكير


جزء كبير من رغبته في دراسة الدكتوراه كان بدافع المكانة 

الاجتماعية لأستاذ الجامعة


فإذا انتهى به الحال إلى حياة متواضعة كهذه، ألن يتناقض ذلك مع نواياه الأولى؟


لكن المقابل المادي—سواء الأجر المباشر أو المنافع غير 

المعلنة—كان مرتفع


وجد وين دي نفسه ممزقًا بين المال وطموحاته الأصلية، 

فقرّر أن يستمر مؤقتًا


أليس الأمر مجرد خدمة للآخرين ؟ 

أشبه بوجود عشرين ' العجوز ليو ' جالسين في قاعة الدرس


وبالحديث عن العجوز ليو ، لم يخبره وين دي عن تدريبه


فمشرفه لم يكن يسعد بسماع أخبار الطلاب الذين يحققون مستقبلًا مشرقًا ؛ 

بل لو علم أنهم يتدربون خلال الأسبوع، لاعتبر ذلك مجرد 

عذر لعمالته الرخيصة كي تتنصل من العمل


سابقًا، حين تدربت إحدى الزميلات في شركة أجنبية ، بطريقة ما وصل الخبر إلى العجوز ليو


وأثناء اجتماع المجموعة ، صارت هدفًا لغضبه ، 

حتى انهارت باكية من قسوة انتقاداته


وكان خلاصة ما قاله العجوز ليو: إن قضاء الوقت في “الأمور 

التافهة” لا يقلل فقط من القدرة الأكاديمية، بل يضعف الصلابة النفسية أيضًا


لذا ، وبالاستفادة من التجربة السابقة، قرر وين دي أن يكون 

أكثر حذرًا ويُخفي أمر التدريب


لحسن حظه، كونه طالبًا في العلوم الإنسانية، 

لم يكن بحاجة إلى التواجد في مختبر؛ عادةً يذهب إلى المكتبة


ما دام العجوز ليو لم يستدعِه فجأة ، 

وحضر اجتماعات المجموعة في وقتها ، فلن يُكتشف أمره


ومضت الأيام——— ، انقضى الشتاء وجاء الربيع ، 

وتفتحت البراعم على الأغصان خارج النافذة ، 

وغرّدت الطيور بألحان عذبة


فتح وين دي النافذة ، فداعب النسيم الربيعي وجهه ، وأحيا روحه


تنفّس بعمق رائحة الأرض التي تعانق الحياة مجددًا، 

ومضى إلى المطبخ بحماس، يشعل الموقد


اليوم موعد مقابلة يو جينغيي الثانية، وقد أراد إعداد إفطار مميز


غلى الماء ، ووضع فيه بعض البيض ، ثم أطفأ النار ونزل 

لشراء أعواد اليو تياو المقلية


وعندما دخلت يو جينغيي المطبخ، 

كان الإفطار يتصاعد منه البخار على الطاولة


وين دي: “ كلي بسرعة، كلي. عود واحد من يو تياو المقلي، وبيضتان.”


ابتسمت يو جينغيي وهي تأخذ بيضة، 

تضربها على حافة الطاولة لتكسر قشرتها

و قالت: “ لقد أكلت في امتحان الكتابة ، هل يجب أن أفعل 

الأمر نفسه في المقابلة ؟”


أجاب وين دي: “ألستِ حصلتِ على المركز الأول في الاختبار الكتابي؟ 

إذا أكلتِ ثانية، ربما تحصدين الدرجة الكاملة في المقابلة أيضًا.”


يو جينغيي: “أي نتيجة فوق الثمانين تُعد عالية للمقابلة—

لا يوجد ما يسمى درجة كاملة .”


تجاهل وين دي كلامها وسأل: “ هل لديك حذاء نايكي ؟”


هزّت يو جينغيي رأسها


تنهد وين دي لكنه سرعان ما ابتسم: “ لا بأس، حتى من 

دون بركة شعار (السووش)، ستتفوقين عليهم .”


يو جينغيي: “ أنت تستخف كثيرًا بماجستير الترجمة الفورية 

في اللغات الأجنبية .”


ضحك وين دي : “ طبعًا ، أنا ما كنت لأصمد أمامهم . 

لكنك مختلفة . 

في مسابقة الخطابة يومها ، هزمتِهم جميعًا—فكيف الآن…؟”


ابتلعت يو جينغيي البيضة كاملة ورفعت يدها لتوقف مديحه :

“ حسناً، حسناً ، سأستعير كلماتك الطيبة ...”

ثم نظرت إلى وين دي بمزيج من العجز والامتنان:

“ أنت تضعني في مكانة عالية جداً ، 

تجعلني أبدو وكأنني موهبة نادرة .”


قال وين دي وهو يجلس مقابلها ليبدأ إفطاره:

“ لكنّك حقاً كذلك . أنت لا تعرفين كم أثّرتِ في حياتي .”


: “ أنت تبالغ مجدداً "


ابتسم وين دي وقشّر بيضته بينما غاص في الذكريات بنبرة يغمرها الحنين:

“ أتذكرين في السنة الأولى حين فزتِ بكأس الأمل للمرة الأولى ؟ 

سألك الحكّام إن كنتِ قد درستِ لدى أساتذة أجانب منذ 

الصغر ، أو سافرتِ إلى الخارج من قبل . 

لكنكِ كنتِ على المنصة هادئة وقلتِ : والداي يعملان في 

مصنع إلكترونيات ، لم أسافر من قبل ، 

ولم نستعن أبداً بأستاذ أجنبي . 

حين كنت صغيرة أحضرت أمي جهاز راديو من المصنع ، 

ومن خلاله تدربت .”


تأمّلت يو جينغيي لحظة وقد بدت في عينيها الحيرة:

“ أقلتُ شيئاً كهذا فعلاً ؟”


أجاب وين دي وهو يجمع قشور البيض في وعاء :

“ نعم . ومنذ تلك اللحظة شعرت براحة كبيرة .”


: “ راحة من ماذا ؟”


هزّ رأسه دون أن يوضح ، واكتفى بالقول :

“ أتمنى لكِ التوفيق في المقابلة ”


ابتسمت يو جينغيي:

“ حين أنجح ، سأعزمك على وليمة كبيرة .”

أنهت عصا اليو تياو المقلي في بضع قضمات ، 

وعلّقت حقيبتها ذات الخيط المفكوك على كتفها ، 

ثم غادرت:

“ استمتع بمهرجان الثقافة .”


تناول وين دي عصا أخرى من اليو تياو وهو يمضغها قائلاً:

“ جيايو!” ( فايتنغ بالصيني )



———


اليوم مهرجان الثقافة الدولية في مدرسة شينغتشنغ الثانوية


المدرسة تزخر بالأنشطة اللاصفية ، 

وعندما رأى وين دي كتيّب الأندية للمرة الأولى ، 

شعر بالارتباك لكثرة الخيارات


فإلى جانب أندية الدراسة والاهتمامات المعتادة ، 

وُجدت حفلات موسيقية ، عروض مسرحية ورقص ، 

مغامرات خارجية ، نموذج الأمم المتحدة ، 

حفلات حدائق ، ومسابقات رياضية مثل الإبحار وتسلق الصخور


وبالمقارنة مع سنوات دراسته الثانوية التي لم يعرف فيها 

سوى المذاكرة والامتحانات والدروس الخصوصية ، 

بدت له هذه الأنشطة عالماً آخر


مهرجان الثقافة الدولية تقليداً عريقاً للمدرسة ، 

حيث يختار كل صف ثقافة من العالم لعرضها ، 

بهدف توسيع آفاق الطلاب وتنمية وعيهم الثقافي


لا توجد حصص في فترة ما بعد الظهر أثناء المهرجان ، 

لذا بإمكان وين دي العودة مبكراً إلى الجامعة ، 

لكنه فضّل البقاء بدافع الفضول ليرى ما يمكن أن يبدعه 

هؤلاء الطلاب الأثرياء


وعندما وصل إلى ملعب الرياضة ، 

وجد دائرة من الخيام نُصبت فوق العشب الصناعي ، 

تعجّ بالضجيج


أمام كل خيمة يقف طلاب بملابس قومية ، 

وداخلها تُعرض الحرف اليدوية والأنشطة الثقافية المختلفة


وبعد جولة قصيرة ، وجد أن المشهد يشبه إلى حد كبير 

معارض الأندية الجامعية


سار حتى وصل إلى الركن البعيد ، فاستوقفته لافتة كتب 

عليها: الثقافة التقليدية الصينية


الثقافة الصينية بحر واسع ، وقد بدا له أن هذا الصف اختار 

موضوع واسع للغاية


اقترب وين دي ليلقي نظرة


أمام الخيمة توجد طاولة خشبية فوقها رقعة ' غو ' 

وأوراق وأدوات حبر متاحة للتجربة





وفي وسط الخيمة ، 

وُضع إناء من الخيزران بجانبه عدد من الأسهم الخشبية 

القصيرة غير الحادة



عرف وين دي هذا من دروس الأدب والتاريخ الصيني، 

' لعبة رمي السهام – توهو '


الزوار قليلين عند هذا الركن ؛ لم يكن هناك سوى فتى واحد 

ينحني ليلتقط الأسهم من الأرض


وقف وين دي أمام الخيمة ، نظر حوله ، ثم هتف بدهشة:

“ إنه أنت!”


رفع الفتى رأسه ، وابتسم ابتسامة مشرقة وقد تعرّف عليه هو أيضاً


وحين رأى نظرات وين دي تتجه إلى إناء الخيزران ، 

تقدّم نحوه وسلّمه جميع الأسهم الخشبية قائلاً :

“ هل تريد أن تجرب ؟”


لوّح وين دي بيده :

“ أنا لست طالب .”


لكن الفتى دفع الأسهم في يده وأجاب بإيماءة رأس:

“ لا يوجد أحد غيرك .”


نظر وين دي إلى السهم الذي بين يديه ، ثم إلى الخيمة الفارغة ، وقال:

“ أين بقية زملائك ؟”


أجاب الفتى :

“ لديهم أمور أخرى ، فتركوني هنا .”


بدا أنهم ذهبوا ليتسلّوا بمفردهم


تأمّل وين دي السهم للحظة، ثم ابتسم بقبول


فإن رفض هدية من شابٍ بطيبة نية سيبدو قليل الذوق


ضيّق عينيه ، اختار سهماً ، صوب نحو أنبوب الخيزران، ورماه


لكن رغم أن المسافة لم تكن بعيدة، 

إلا أن التصويب لم يكن سهلاً


و انحرف السهم الخشبي قليلاً عن الهدف وسقط خلفه


ابتسم الفتى مشجعاً وكأنه يخشى أن يفقد وين دي حماسه بعد المحاولة الأولى:

“ لا بأس ، جرّب مجدداً .”


لم يهتم وين دي إن أصاب الهدف أم لا


لكن تشجيع الفتى جعله يشعر ببعض الحرج


فركّز أكثر محاولًا إيجاد الطريقة الصحيحة ، 

وبالفعل تحسّنت دقته قليلًا


لكن لسوء الحظ كان أنبوب الخيزران موضوع فوق العشب الصناعي ، فلم يكن ثابتًا ؛ 

وكلما أصاب حافته أو لامسها ، كان يسقط أرضًا


وقبل أن ينتهي وين دي من رمي جميع السهام الخشبية ، 

كان الفتى قد ركض عدة مرات لإعادة تثبيته


قال وين دي وهو يلوّح بيده بعد أن أنهى السهام :

“ شكرًا ، شكرًا… استمتعت كثيرًا . بالمناسبة ، ما اسمك؟”


ابتسم الفتى له، وظهرت غمازتان عند زاويتي فمه:

“ اسمي جيانغ يو "


وعند رؤية ابتسامته المشرقة ، شعر وين دي فجأةً بشيء 

من عدم الرغبة في المغادرة


ومع جمعه للمشهد السابق حين كان يدفع الصندوق الخشبي ، 

استطاع أن يستنتج أن جيانغ يو يتعرّض لنوع من التنمّر في المدرسة ،


لكن بعد تردّد لثوانٍ ، غادر في النهاية


فهو مجرد معلّم متدرّب ، ليس له حتى سلطة التدريس 

الرسمية ، ولا مكانة تخوّله معاقبة الطلاب


وأيضاً هو مكلّف بالقسم الثانوي ، 

فلماذا يتدخّل في شؤون القسم الإعدادي ؟


وما إن ابتعد وين دي ———-


حتى عاد مجموعة من الفتيان من الصف نفسه


يتقدّمهم فتى طويل، في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة من العمر مثل جيانغ يو


جلس على الكرسي خلف الطاولة الخشبية ، 

وجلس الآخرون أيضًا ، بينما بقي جيانغ يو واقفًا على الجانب 


بعد قليل ، جاء بعض الطلاب وشاهدوا لعبة توهـو

فوجدوها مسلية وجديدة


سلّمهم جيانغ يو السهام الخشبية ، فوقفوا في طابور 

وبدأوا يجربون واحدًا تلو الآخر


لكن أنبوب الخيزران ظل غير مستقر ، يسقط مع كل محاولة


تجهم الفتى الطويل من الإزعاج، وأشار إلى جيانغ يو:

“ ألا تفهم شيئًا ؟ اذهب وأمسكه بيديك !”


قال جيانغ يو وهو يعانق السهام بين ذراعيه :

“ لكنني ما زلت بحاجة لالتقاط هذه .”


اشتد غضب الفتى الطويل :

“ ألا تستطيع فعل الأمرين معًا ؟ عقلك لا يتحمّل ؟”


فمشى جيانغ يو وانحنى على الأرض، 

ممسكًا بالأنبوب بكلتا يديه


عندها ثبت ولم يسقط مهما رُميت عليه السهام ، 

لكن الطلاب ضعيفو التصويب أصابوه مرارًا


ورغم أن رؤوس السهام كانت غير حادّة ، 

فإنها كانت مؤلمة عند ارتطامها به


كاد أحدها أن يصيبه في عينه ، فرفع يده ليحمي نفسه ، 

فوقع الأنبوب مجدداً 


فنهض الفتى الطويل وقد ضاق ذرعًا ، وتقدّم وصفعه على مؤخرة رأسه :

“ ألم أقل لك أن تمسكه جيدًا ؟”


قال جيانغ يو وهو يشير إلى مكان إصابته :

“ إنه يؤلمني "


ردّ الفتى الطويل ساخرًا :

“ عجيب ؟ ، ليست سهامًا حقيقية فكم يمكن أن تؤلم ؟ 

ألا تستطيع أن تكون ذا فائدة ؟” 

ثم أشار إلى الحلقة من حوله :

“ هل يمكنك التخطيط للأنشطة ؟ كتابة المستندات ؟ 

استئجار الأماكن ؟ 

لكل شخص مهامه ، وأنت لا تفعل شيئًا سوى الوقوف بلا جدوى . 

وحين أطلب منك عملًا تشتكي ؟”


بدا الارتباك على جيانغ يو —- فلم يفهم معظم ما قيل


فعاد الفتى الطويل وصفعه مجدداً على رأسه :

“ هل تعرف أصلاً معنى أن تساهم في الجماعة ؟”



أومأ جيانغ يو:

“ أعرف "


قال الفتى الطويل ساخرًا:

“ أأنت لا تجيد سوى التسبب بالمشاكل للجميع ؟”


هزّ جيانغ يو رأسه


: “ إذن أمسكه جيدًا ولا تتحرك ، فهمت ؟”


فبقي جيانغ يو ساكنًا ، مطيعًا ، ممسكًا بأنبوب الخيزران بكلتا يديه


وبدأت السهام الخشبية تنهال على ذراعيه وكتفيه وساقيه، 

لكنه لم يتجنبها


وبينما الفتى الطويل يراقب ، التفت فجأة إلى زميله بجانبه وقال :

“ أما ترى أن هذا أمتع من لعبة رمي القدور ؟”


أمعن الآخر النظر قليلًا ثم أومأ:

“ صحيح .”


ابتسم الفتى الطويل ابتسامة جانبية ، 

ونهض ليلتقط سهمًا خشبيًا من الأرض


أما بقية الطلاب ، فقد تبادلوا النظرات وابتسموا باهتمام ، 

ثم اصطفوا خلفه


قال أحدهم مقترحًا:

“ لنضع نقاط : إصابة الساق بنقطتين ، الذراع بثلاث ، 

الكتف بأربعة ، والرأس بخمسة .”


ردّ الفتى الطويل وهو يفرك يديه :

“ اتفقنا . سأبدأ أولًا ”


نظر جيانغ يو إليهم وهم يتجمّعون أمام الطاولة الخشبية، 

وعيناه مليئتان بالارتباك


قال الفتى الطويل بابتسامة عريضة وهو يمسك السهم :

“ نحن نرى أن هذه الفعالية الثقافية بحاجة إلى تطوير . 

فقط ابقَ مكانك ودعنا نختبر القواعد الجديدة . 

هذه مساهمتك في الجماعة ، أليس كذلك ؟”


لم يفهم جيانغ يو قصده ، لكنه حين رأى أعين الجميع 

معلّقة به بانتظار رد، فعل ما اعتاد عليه حين يحتار : أومأ برأسه —


فانفجر الواقفون عند مدخل الخيمة بالضحك


ولم يكد جيانغ يو يستوعب الأمر حتى بدأت السهام الخشبية تنهال عليه


أراد أن يرفع يديه ليغطي رأسه ، لكنه تذكّر أنه لا ينبغي أن يتحرك ، 

فاكتفى بخفض رأسه قدر المستطاع ليحمي وجهه


لم يصرخ ولم يهرب ولم يستغث


وبعد أن لعبوا فترة ، شعر الفتى الطويل بالملل ، 

وصفق بيديه وقال بضجر :

“ كفى ، لم يعد ممتعًا . من الفائز ؟”


رفع أحد الطلاب يده وقال :

“ أنا ، حصلت على ثمانٍ وخمسين نقطة .”


فصفق الجميع ، ووصل الصوت إلى داخل الخيمة


رفع جيانغ يو رأسه ورأى أن الجميع يصفقون


وتذكّر أنه كلما وُزّعت الجوائز في الصف أو أقيمت 

المسابقات الرياضية، كانوا جميعًا يصفقون معًا، فشاركهم التصفيق


تعالت الضحكات أكثر عند المدخل



عاد طلاب آخرون إلى الداخل جماعات صغيرة


بعضهم وقف صامتًا ، وبعضهم انسحب بهدوء


و بين الحين والأخر كان أحدهم يهمس : “ توقفوا عن اللعب”


لكن نظرة واحدة من الفتى الطويل كانت تكفي لإسكاتهم


حتى المعلّمون الذين مرّوا بجوار المكان مضوا في طريقهم 

من دون أن يلتفتوا أو يتدخلوا



في الخيمة المجاورة ، كان موضوع الفصل عن ثقافة جزر المحيط الهادئ


فتاة ترتدي زيًّا تقليديًا سامويًا لم تتمالك نفسها فقالت:

“ لا تبالغوا "


رفع الفتى الطويل حاجبيه وسأل :

“ وما خطبنا ؟ نحن نمزح فقط . 

ألا ترينه سعيدًا ؟ انظري ، ما زال يبتسم .”


نظرت الفتاة إلى جيانغ يو — فرأته يلتقط السهام المبعثرة 

بوجه باسم كعادته ، 

وكأنه فعلًا غير منزعج ،

شعرت أنها تقتحم ما لا يعنيها ، فالتفتت وغادرت


في تلك اللحظة ربّت أحد زملاء الفتى الطويل على كتفه 

مشيرًا إلى جهة الفتيات وقال :

“ انظر هناك… تلك كبيرة "


ابتسم الفتيان بصمت ، واضح أنهم لاحظوا ذلك أيضًا


فجزر المحيط الهادئ تقع في منطقة استوائية ، 

وأزياؤهم التقليدية خفيفة ، 

فكانت الفتيات يرتدين قمصانًا ضيقة بلا أكمام مع تنانير من 

العشب ، مما أبرز أكثرهن نضجًا


خطر للفتى الطويل فكرة جديدة 

فتقدم نحو جيانغ يو —- و ربت على كتفه وسأله :

“ هل تعرف معنى الوفاء ؟”


رمش جيانغ يو ببطء وهز رأسه


قال الفتى الطويل مشيرًا بإبهامه :

“ الوفاء يعني أن أخًا لك يريد فعل شيء ولا يجرؤ ، فتفعله 

أنت عوضًا عنه . هذا هو الوفاء . 

الرجال الحقيقيون يُعجبون بالوفي . 

ألا تريد أن يُعجب بك الجميع ؟”


لمعت عينا جيانغ يو —- وأومأ برأسه


فأحاط الفتى الطويل كتفه بذراعه وأشار إلى الفتاة في الخيمة المجاورة :

“ ترى ذلك الرباط على ظهرها ؟”


كان بالفعل هناك شريط يربط قميصها من الخلف ، 

فأجاب جيانغ يو:

“ أراه "


قال الفتى الطويل وهو يربت على كتفه من جديد :

“ اذهب واسحبه . 

حينها ستكون رجلًا حقًا ، رجلًا وفيًا ”


انفجر الفتيان من حولهم بالضحك المكتوم ، 

عيونهم كلها على الفتاة ،


فهذا الأحمق يصدّق كل ما يسمعه ، ويسهل خداعه وإغواؤه ، 

ويذعن بسهولة ،


و متأكدين أن هذه المرة ستكون هنا فضيحة ممتعة


نظر جيانغ يو إلى زملائه ، ثم إلى الفتاة ، لكنه لم يتحرك


فدفعه الفتى الطويل قائلًا :

“ ما الذي تنتظره ؟”


سأل جيانغ يو ببراءة :

“ هل هي تعرف ؟”


عبس الفتى الطويل بحاجبيه :

“ من ؟”


جيانغ يو :

“ أمي تقول ، قبل أن تلمس فتاة ، عليك أن تسأل إن كانت موافقة . 

فهل هي موافقة ؟”


ازداد الصبي الطويل نفادًا للصبر ؛ 

لم يتوقع أن يحتاج الأمر إلى كل هذه الخطوات فقط لرؤية بعض الجسد

قال: “ أمّك كانت تتحدث عن الأولاد العاديين . 

أما أنت ، فأنت أحمق ؛ يمكنك قتل الناس بلا أي مشكلة .”


هزّ جيانغ يو رأسه بحزم: “ هذا ليس صحيحًا .”


ومهما حاول الصبي الطويل إقناعه ، ظلّ جيانغ يو يكرر 

بعناد : “ هذا ليس جيدًا "


فغضب الصبي الطويل لدرجة أنه ركله وقال : “ أنت أحمق ، 

وتريد أن تعلّمني ؟”


سقط جيانغ يو أرضًا ، وتناثرت الأسهم الخشبية على الأرض


جمعها من جديد ونهض


قال أحد زملائه وهو ينظر إلى ساعته : “ هوا-غا لنذهب ، 

حان وقت درس الـ IELTS "


وبالفعل، عند النظر حولهم ، 

كان معظم الصفوف قد بدأوا في ترتيب أشيائهم ؛ 

فقد انتهى المهرجان الثقافي


وبعد أن ينتهي الجميع من جمع أشيائهم ، 

سيتولى عمال المدرسة تفكيك الخيام ، 


أما بقية الأدوات التي جلبها الطلاب فعليهم إعادتها بأنفسهم


لم يكن طقم لعبة الطاولة وأنبوب الخيزران ثقيلين بحدّ ذاتهما،  

لكن كل القطع معًا كانت مرهقة


فأشار الفتى الطويل إلى جيانغ يو: “ نحن مستعجلون على 

الدرس ، أنت ستحمل هذا إلى الصف .”


وافق بقية الزملاء فورًا ، مبرّرين انصرافهم بأنهم سيلعبون 

الغولف مع آبائهم أو سيذهبون لدروس الفروسية ، 

وتفرّقوا جميعًا تاركين جيانغ يو وحده يتولى جمع أغراض الثقافة التقليدية


نظر جيانغ يو إليهم وهم يضحكون ويتحدثون من دون أن 

يبدو عليهم أي استعجال حقيقي


بل إن اثنين من أعضاء نادي الدراجات أخرجا دراجاتهم 

الجبلية الجديدة من غرفة النادي وبدآ يعرّفان الآخرين على 

الطراز الجديد ،

لم يبدو أنهم في عجلة من أمرهم إطلاقًا ———


اقترب أحد عمال المدرسة المسؤول عن تفكيك الخيام 

وسأله إن كان الجناح جاهزًا للتوضيب


فجمع جيانغ يو الأدوات على الطاولة في صندوق كرتوني ، 

ورفعه ، وبدأ يمشي


كان عليه أن يقطع نصف الحرم المدرسي من الملعب حتى 

مبنى صفوف السنة الثانية، 

وبحلول الوقت الذي وصل فيه إلى الطريق المظلّل 

بالأشجار بجانب المبنى التعليمي، بدأت ذراعاه تؤلمانه


أراد أن يضع الصندوق ليستريح قليلًا ، لكن فجأة سمع رنين جرس دراجة خلفه


عندما التفت ، رأى الفتى الطويل يقود إحدى الدراجات 

الجبلية متجهًا نحوه مباشرةً

صرخ : “ انتبه !”


لكن الدراجة لم تنحرف عنه مطلقًا


أسرع جيانغ يو بالابتعاد إلى الجانب ، لكن الدراجة تبعته 

فورًا وكأنها ستدهسه


تساءل الفتى : “ لماذا لا تعمل المكابح ؟”


تشبّث جيانغ يو بالصندوق بقوة وبدأ يركض



وفي اللحظة نفسها تقريبًا ، اندفعت الدراجة للأمام 

واصطدم مقودها بظهره ، ما جعله يتعثر ويسقط أرضًا


انقلب الصندوق وتناثرت قطع لعبة الطاولة السوداء 

والبيضاء على الأرض


و توقفت الدراجة الجبلية


زمجر الفتى الطويل وهو ما يزال على الدراجة: “ ماذا تفعل بحق الجحيم؟ 

كل هذه الأشياء من بيتي ، لو انكسرت هل تستطيع أن تدفع ثمنها ؟”


كان كفّ جيانغ يو قد انخدش، وبدأ الدم يتسرب 


نظر مذهولًا إلى الفوضى على الأرض، 

وفجأة ظهرت أمامه يدان امتدتا لتمسكا به وتساعداه على النهوض


رمش بعينيه فرأى الشاب الذي كان يلعب لعبة التوهو قبل قليل ( وين دي )


حدّق الشاب بغضب في الفتى الطويل وقال : “ تدهسه ثم 

تصرخ في وجهه ؟ 

ما هذا التصرّف المتعجرف أيها الصغير ؟ 

أي صف أنت ؟  

تعال معي إلى مكتب الإدارة —لنستدعِ والديك !”


يتبع

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي