القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch49 | DSYOM

Ch49 | DSYOM


[ العائلة ] 


رحيل الناس يترك فراغًا ، بينما يواصل العالم الدوران حول ذلك الفراغ


بيان تشنغ يحضر محاضراته ، يعمل على الاشتقاقات ، 

ويكتب أبحاثه كالمعتاد كل يوم ،

وفي الليل ، 

يتحدث مع جيانغ يو عبر الهاتف — أحيانًا يتبادلان الحديث، 

وأحيانًا يكتفيان بالبقاء على الخط في صمت


لقد اعتاد بالفعل أن يقول له “تصبح على خير”


بعد شهر ، تلقّى بيان تشنغ اتصالًا هاتفيًا في وضح النهار


وهذه المرة أدّى الرقم الذي أعطاه جيانغ يو غرضه الأصلي


كانت جيانغ يونرو في حالة حرجة


ومع ذلك ، عندما وصل بيان تشنغ إلى المستشفى ، 

لم يجد المشهد الذي تخيّله من حزنٍ مفجع


كانت جيانغ يونرو ممددة بهدوء على سريرها الأبيض، 

وجهها الشاحب متجه نحو ابنها الجالس بجوارها


كان جيانغ يو يمسك بألبوم صغير يجمع فيه نباتات البرسيم 

ذو الأربع أوراق، 

وأشعة الشمس تنساب عبر الزجاج لتضيء تلك الأوراق الخضراء


هذا ثاني لقاء لبيان تشنغ مع الموت خلال ذلك العام


لكن هذه المرة لم تكن هناك باقات زهور ولا سلال فاكهة بجانب السرير ، 

ولا حتى خصوصية لجلسة عائلية 


إلى جانب الأم وابنها ، يشارك خمسة مرضى آخرون الغرفة ، 

كل منهم يواجه معاناته الخاصة


حين دخل بيان تشنغ، نهض جيانغ يو بسرعة ليُفسح له المكان، 

لكن بيان تشنغ هز رأسه رافضًا، 

فعاد جيانغ يو وجلس على حافة السرير


لم تُبدِ جيانغ يونرو أي دهشة لرؤيته؛ فقد كانت لديها بعض 

الظنون بشأن مكالمات ابنها الليلية


سألته كعادتها :

“ هل تناولت الطعام ؟”


أجاب بيان تشنغ بالنفي


فكّرت قليلًا ثم قالت :

“ لا يوجد شيء يستحق الأكل في هذا المستشفى .”


ثم أخرجت ورقة نقدية من جانب السرير ، وناولتها إلى جيانغ يو:

“ اذهب واشترِي تفاحتين . هل تعرف كيف تختارها ؟”


أومأ جيانغ يو برأسه ، قفز من السرير ، وخرج مسرعًا من الباب


نظر بيان تشنغ إلى هدايا الشفاء الموضوعة بجانب أسِرّة المرضى الآخرين وقال:

“ كان ينبغي أن أكون أنا من يجلب الفاكهة "


فأجابته جيانغ يونرو :

“ شراؤها سيكون إهدارًا . لم أعد أستطيع الأكل .”


لم تكن جيانغ يونرو تكبره بكثير ، وما زالت بعض ملامح 

الشباب عالقة في وجهها ، 

لكن المرض التهم معظمها ،


تذكّر بيان تشنغ سبب مجيئه ،

أخرج ملفًا من حقيبته وقدّمه لجيانغ يونرو :

“ أعدت صياغة هذا ، واستشرت محاميًا . 

يفترض ألا تكون هناك مشاكل بعد الآن .”


أخذت جيانغ يونرو المستند من الملف وألقت عليه نظرة


كان اتفاقًا لنقل حضانة الطفل


فصّل المستند حقوق وواجبات الوصي خلال فترة الحضانة، 

بما في ذلك التكاليف الشهرية المقدّرة للمعيشة والتعليم 

والرعاية الطبية، إضافةً إلى ترتيبات السكن وخطة التعليم 

والرعاية الصحية للطفل


ظلت يدها ممسكةً بطرف الورقة معلّقة في الهواء طويلًا دون أن تتحرك


لم يستطع بيان تشنغ أن يستشفّ مشاعرها من تعابيرها — 

فهذا لم يكن من نقاط قوّته


بعد صمتٍ طويل ومراجعة دقيقة ، وضعت جيانغ يونرو 

المستند جانبًا وسألت :

“ هل لديك قلم ؟”


أخرج بيان تشنغ قلمًا من حقيبته وناولها إياه


قامت بترتيب الورقة بعناية ، ثم وقّعت اسمها بخط واضح أسفل الوثيقة


وعندما أعادت الاتفاقية إلى بيان تشنغ قالت:

“ شكرًا لك "


أجابها:

“ لا داعي  . أنا أفعل هذا من أجل نفسي .”


نظرت إليه جيانغ يونرو ، فأضاف قائلًا :

“ مؤخرًا ، إن لم أسمع أحدًا يقول لي ’تصبح على خير‘ كل 

يوم أشعر بفراغ في قلبي .”


: “ سمعت من آ-يو أن جدّك توفى "


: “ نعم "


: “ تعازيّ "


بيان تشنغ:

“ قبل أن يرحل ، ظل يردد : ’سيكون من الوقاحة ألا أموت‘ 

حاول كل من حوله إبقاءه هنا بكل وسيلة ، لكنه لم يُعر الأمر أي اهتمام .”


قالت جيانغ يونرو :

“ تلك جملة جيدة . أن يظن المرء أن الموت لا بأس به الآن، 

فهذا يعني أن حياته كانت تستحق أن تُعاش .”


: “ حقًّا ؟”


: “ حقًّا "


فكّر بيان تشنغ لحظة وسألها :

“ وماذا عنكِ أنتِ ؟”


ابتسمت بمرارة :

“ أنا ؟ بالطبع لا أظن ذلك . 

فالقليل جدًا من أمنياتي تحقق .”


: “ أي أمنيات؟”


قالت:

“ الكثير ، 

الكثير… والدان محبّان ، عائلة سعيدة ، بيت جميل ، 

عمل أحبه… حين تفشل في الحصول على ما تريد مرة أو مرتين ، 

تفقد الجرأة على الأمل في أي شيء بعد ذلك .”


وفي النهاية ، حتى الحياة نفسها أصبحت شيئًا لم يعد 

بوسعها أن تأمل فيه


كانت الغرفة دافئة يسودها جو من الوئام ، 

وكأن الجميع يستقبلون الموت بهدوء


لكن تحت هذا الهدوء كان هناك استياء مكبوت ، 

سخط مكتوم


لقد أرادت أن تصرخ في وجه أحدهم بأعلى صوتها


جيانغ يونرو :

“ لماذا أنا ؟ لماذا من بين هذا العدد الكبير من الناس 

الذين يعيشون حياتهم بهناء ، يجب أن أكون أنا من يموت ؟”


نظرت إلى الأشجار ، إلى السماء ، 

إلى المباني العالية والطرق المزدحمة خارج النافذة


“ غدًا ، وبعد غد، ستظل كلها هنا ، ستظل موجودة . 

وحدي أنا سأختفي . 

هذا غير عادل ...”


خفضت صوتها حتى لا تزعج المرضى الآخرين الذين يتحدثون مع أبنائهم


وفي النهاية، لم تصرخ ولم تشتم أحدًا


عاد جيانغ يو وهو يحمل كيسًا فيه تفاحتان


قدّم النقود المتبقية إلى والدته ، التي عدّته بيدها ، 

ثم هزّت رأسها وهمست بأن البائع هنا غير أمين


لم يسمع جيانغ يو تنهيدة أمّه ….

غسل التفاحتين ، ثم جلس بجانب السرير يقشرهما ببطء وحذر


وبعد أن ترك التفاحة في حالة مزرية مليئة بالجروح ، 

ناولها لبيان تشنغ بفخر


فتقاسماها وأنهيا أكلها معًا


….


في المساء ، 

اصطحبه بيان تشنغ إلى مطعم معكرونة قريب من المستشفى


وبعد أن طلبا الطعام ، أخرج بيان تشنغ هاتفه ليدفع ، 

لكن جيانغ يو لوّح بيده سريعًا مانعًا إياه


فقد أوصته أمه ألّا يسمح أبدًا للضيف أن يدفع


فكّر بيان تشنغ لحظة ولم يمنعه


أخرج جيانغ يو كمية من الفكة المعدنية من جيبه ووضعها على الطاولة ، وظل يحدّق بها طويلًا


أخرج ورقة نقدية من فئة عشرين يوانًا ، 

ثم ورقة أخرى من فئة خمسة


تردّد في إضافة المزيد ، فكّر قليلًا ثم أعادها ، 

لكنه أخرج ورقة أخرى من فئة عشرين


قال صاحب المطعم :

“ يكفي يا صغير "


كان جيانغ يو يبدو شاردًا ، فأخذ صاحب المطعم ورقتي 

العشرين ، أعطاه الباقي ، ووضعه أمامه


ثم بدأ جيانغ يو يعيد النقود المعدنية إلى جيبه ببطء شديد، 

حتى إن العملية كلها بدت مزعجة من فرط بطئها


جلسا متقابلين على الطاولة ، 

وسرعان ما وُضعت أمامهما أوعية المعكرونة


كان عبق زيت السمسم شهيًا، 

وبجانب البيضة المقلية الذهبية توجد كمية سخية من المخلل


بدأ بيان تشنغ يقلب معكرونته ببطء، بينما نفخ جيانغ يو 

على الحساء لينخفض حرارته، 

وهو متلهف للوصول إلى قطعة اللحم


لم يكن الوقت مناسبًا لطرح الأسئلة ، 

لكن بيان تشنغ لم يضع يومًا في اعتباره التوقيت أو الجو :

“ هل تحضر حصة الرياضيات عادةً ؟”


أومأ جيانغ يو


: “ هل تحل التمارين ؟”


أومأ مجددًا وقال :

“ المعلم قال إن الرياضيات مهمة جدًا ويجب أن ندرسها جيدًا ”


سأله بيان تشنغ:

“ هل تعلمت جدول الضرب ؟”


بدأ جيانغ يو يحدّق في الفراغ


اعتقد بيان تشنغ أنه ربما تعلمه لكنه نسي


أخذ بعض الفول السوداني المقلي ووضعه في وعاء صغير بجانبهما


: “ الضرب يعني جمع الرقم نفسه عدة مرات . 

العدد الذي تضرب به يخبرك كم مرة ستجمعه .”


انتقى أربع حبّات فول سوداني


: “ على سبيل المثال ، هذا الرقم أربعة "


أومأ جيانغ يو


: “ إذا كان اثنان في أربعة ، 

فهذا يعني جمع أربع حبّات مرتين ….” وأضاف أربع حبّات أخرى : 

“ كم صار المجموع ؟”


عدّها جيانغ يو واحدة واحدة وقال :

“ ثمانية .”


: “ صحيح ….” أضاف بيان تشنغ أربع حبّات أخرى : 

“ إذا كان ثلاثة في أربعة ، فهذا يعني جمع أربع حبّات ثلاث مرات . 

كم صار الآن؟”


عدّها جيانغ يو كلها من جديد وقال :

“ اثنا عشر .”


“ إذن ماذا عن ثمانية في أربعة ؟”


حدّق جيانغ يو طويلًا في الوعاء ، 

ثم أمسك حبّة فول سوداني بعيدان الأكل ووضعها بجانب البقية


نظر إلى بيان تشنغ


وحين لم يرَى أي رد فعل ، أضاف أخرى ، ثم نظر إليه مجددًا

ولما لم يتكلم ، استمر في الإضافة… حتى توقّف فجأة — لم يتبقّ أي فول سوداني



تنهد بيان تشنغ وسكب الفول السوداني مجددًا في الوعاء


حدّق جيانغ يو في وعاء معكرونته وهو يشعر بالإحباط لأنه 

لم يستطع الإجابة على سؤال أخيه


وفي تلك اللحظة، أدرك بيان تشنغ أنه قد أصبح من ذلك 

النوع من الآباء الذين كان يزدريهم أكثر من غيرهم — أولئك 

الذين يتحدثون عن الدراسة أثناء تناول الطعام


قال :

“ لن أتحدث عن الرياضيات بعد الآن "


لم يظن يومًا أنه سيقطع مثل هذا الوعد لأي شخص في حياته


حينها أدرك أنه قد استهان بثقل مسؤولية تربية جيانغ يو


{ فهذه الرحلة ستكون أطول وأشقّ مما تخيّلت }


بعد أن أنهيا عشاءً كئيبًا بعض الشيء ، عادا إلى المستشفى



وبمجرد دخولهما إلى الجناح ، 

بدا وجه جيانغ يونرو أسوأ من ذي قبل


تحت ضوء الفلوريسنت البارد ، بدا مظهرها مخيفًا ، 

أشبه بعظام بيضاء مكسوة بطبقة رقيقة من الجلد


لكنها ما إن رأت جيانغ يو حتى ارتسمت على محياها ابتسامة

سألت:

“ ماذا تناولتما للعشاء ؟”


أجاب جيانغ يو بصوت مليئ بالبهجة مؤكّدًا :

“ معكرونة… وأنا من دفع الحساب ! "

 

قالت:

“ هذا رائع "


أشرق وجه جيانغ يو بابتسامة ساطعة ، 

وفي ذلك الضوء الأبيض المرهق الذي يهيمن عليه المرض، 

تلألأت ابتسامته كالشمس — مشرقةً إلى حد يصعب معه ربطها بالمعاناة


تقدّم وأعطى أمه الباقي من النقود ، 

ثم أخذ إبريق الماء وهزّه


كان لا يزال يحتوي بعض الماء ، لكنه لم يملأه منذ فترة طويلة ، فربما صار باردًا ، فقال:

“ سأذهب لملء الماء .”

ثم خرج حاملاً الإبريق


تابعته جيانغ يونرو بنظراتها، 

وتلاشت ابتسامتها عن وجهها، 

ثم تنهدت ونظرت إلى الوصيّ المستقبلي لابنها :

“ هل دفع المبلغ الصحيح هذه المرة ؟”


أومأ بيان تشنغ نافيًا ، ثم قال:

“ أنا حقًا معجب بك "


أجبرت جيانغ يونرو نفسها على ابتسامة ، ثم التفتت تنظر عبر النافذة 

“ لو كان عندي خيار آخر ، فهل كنت سأُسلِّمه إلى شخص غيري ؟”


كان بيان تشنغ طويل القامة ، فبدا بارزًا وهو واقف بجانب السرير

جلس على كرسي فجأة وقال:

“ مدار الكويكب 2009JF1 يمر قريبًا جدًا من الأرض "


تحولت ابتسامة جيانغ يونرو إلى نظرة حيرة


تابع بيان تشنغ:

“ النجم بيتيلجوس، أو ألفا الجبار ، عملاق أحمر فائق ، 

سينفجر يومًا ما كمستعر أعظم . 

الإشعاع الهائل الذي سيُطلقه قد يجعل النظام الشمسي 

بأكمله بلا حياة . 

أمّا V616 وحيد القرن ، فهو أقرب ثقب أسود إلى الأرض ، 

يبعد حوالي ثلاثة آلاف سنة ضوئية . 

صحيح أنه بعيد عنا الآن ، لكن الثقوب السوداء تتحرك ، 

وربما تبتلع الأرض يومًا ما. 

هذا بالإضافة إلى احتمال اندلاع حرب نووية شاملة في المستقبل .”


جيانغ يونرو:

“ لا تخبر جيانغ يو بهذه الأشياء المعقدة "


فأجاب بيان تشنغ:

“ إذن ربما لستِ الوحيدة التي ستختفي . 

الأشجار خارج النافذة ، السماء ، ناطحات السحاب ، 

ربما تختفي جميعها معك . 

فبعد رحيلك ، قد تُدمَّر البشرية كلها ، وقد يُمحى العالم بأسره .”


نظرت إليه جيانغ يونرو بدهشة ، 

ثم بدأت تسعل بعنف وكأن كلماته قد علقت في حلقها ،

وبعد لحظة ، هدأت قليلًا ، 

وحدّقت في بيان تشنغ قائلة :

“ افعل لي معروف ”


: “ ما هو ؟”


جيانغ يونرو:

“ ساعدني في الإمساك بيده… أنا أؤمن أنك تستطيع ذلك "


لم يفهم بيان تشنغ ما قصدته ، لكنه أومأ ووعد بجدية بالغة


يتبع

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي