Extra9 | DSYOM
في يوم حفل التخرّج —- ،
الطقس غير متعاون البتّة
فمنذ الصباح الباكر ، الحرارة لاهبة كقدرٍ يغلي بالبخار
وكان على الطلاب الذكور ارتداء قمصان تحت الأرواب الأكاديمية ،
مما حوّل الجوّ إلى جحيمٍ رطب يقطر عرقًا
جلس وين دي على المقاعد البلاستيكية في الملعب الشرقي ،
يمسح عرقه بينما ينظر إلى المنصّات على جانبي الملعب
الأصدقاء والأهل الذين جاؤوا لحضور الحفل فتحوا مظلّاتهم ،
فشكّلوا منظرًا أشبه بصفوفٍ من الفطر الملوّن المتناثر على المدرجات ،
وفي يومٍ مهم كهذا ، حضر والدا وين دي بالطبع
وحتى جدّاه ، اللذان نادرًا يرغبان في السفر لمسافات بعيدة،
أصرا على المجيء لمشاهدة الحفل
وفوقها —- حتى عمّه أصرّ على القدوم ، معتقدًا أن حضور
حفلات التخرج يساعد على ' صقل شخصية ' ابنه ،
وكان لا بدّ لهذا أن يخلق بعض المشاكل
أولاً : مسألة تذاكر الضيوف ——
فالجامعة T كانت على الدوام تعامل طلاب البكالوريوس
كأبنائها الشرعيين ،
بينما تعتبر طلاب الماجستير والدكتوراه أشبه بالأبناء المتبنَّين ،
لقد عاش وين دي معاملة ' الابن الشرعي ' أثناء دراسته الجامعية ،
أما الآن عندما صار ' ابنًا متبنَّى ' فقد رأى مدى وضوح التفاوت في المعاملة بصراحة ،
لقد حصل على خمس تذاكر في مرحلة البكالوريوس ،
أما حالياً —— قاتل ليحصل على مثلها
ولحسن الحظ كان بعض طلاب الدكتوراه في قسمه لا
يملكون عائلات كبيرة للحضور ، فتنازلوا له عن تذاكرهم
وبعد جهدٍ وترقيع من هنا وهناك ، نجح أخيرًا في جمع العدد الكافي
لكن المقاعد توزّعت على نحوٍ مزعج —- : تذكرتان في المنطقة الشرقية الثانية ،
وتذكرتان في المنطقة الغربية الثالثة —- ،
وتذكرة واحدة للمشاهدة عن بُعد في قاعة المحاضرات ،
ليجد أفراد عائلته متفرّقين هنا وهناك
فاضطر إلى التلويح بيديه مرارًا — مرة نحو الشرق ،
وأخرى نحو الغرب ~
ثانياً : مسألة الجدول السياحي ——
فبما أنّ عائلته نادرًا تزور بكين ، وبما أنّ تكلفة التذاكر والإقامة عالية ،
كان من الطبيعي أن يدمجوا الرحلة ببعض الجولات السياحية ،
وخلال اليومين الماضية ، وتحت شمس بكين الحارقة ،
خاض وين دي مع عائلته تجربة الاكتظاظ البشري من
المدينة المحرّمة حتى سور الصين العظيم
وبشرته القمحية المسمرة من الشمس بدت أكثر صحة وجاذبية
وانشغالًا بترتيب شؤون عائلته ، لم يرى وين دي بيان تشنغ طوال الأسبوع
فمع وجود أهله ، كان لا بدّ أن يتجنّب أيّ شبهة
بل إنه أعاد ملابسه المعتادة ووساداته إلى السكن الجامعي
تحسّبًا لزيارة مفاجئة من والديه
ولحسن الحظ كان قد حصل على وظيفة في جامعة ببكين ،
وإلا لكانت أمه قد حزمت أغراضه وأرسلته بها إلى المنزل ،
وهو أمر كان سيشكّل له صداعًا حقيقيًا
وبينما يفكّر في ذلك، مسح وين دي عرقه من جديد،
ودفع خصلة شعرٍ التصقت بجبهته
ألقى نظرة على الرداء الأسود المزيّن بحاشية حمراء ،
وشعر بوخزة خفيفة من الندم
وجود عائلته كان بالطبع أمرًا حسنًا ،
لكن ومع كل تلك العيون الموجّهة نحوه ،
لم يكن بوسعه أن يلتقط صورة مع بيان تشنغ ،
وكان مؤسفًا أن تمرّ مناسبة مهمة مثل التخرّج دون صورة تذكارية
مقاعد قسم العلوم الإنسانية بعيدة عن المدرجات ،
والكلمات التي ألقاها السكرتير والخريجون القدامى لم
تصلهم إلا كطنينٍ متواصل
لكن حين صعد ممثل طلاب الدكتوراه إلى المنصة ،
تسرّبت بضع جمل واضحة إلى آذانهم
لقد كان من قسم الهندسة الكيميائية ، وعلى وشك أن
يصبح بروفيسور في إحدى ' جامعات 211 'في المنطقة الغربية
( مجموعة من الجامعات الصينية الرائدة المدرجة
في ' مشروع 211 ' الذي يهدف إلى تعزيز حوالي 100
مؤسسة للتعليم العالي والتخصصات الرئيسية )
طالب دكتوراه يصبح بروفيسور هناك ؟! معقول؟
كيف يمكن لإنسان أن يحقق ذلك ؟
ناقش وين دي الأمر مع زملائه من حوله ،
وانتهوا إلى نتيجة واحدة : “ إذا كنت بارعًا بما فيه الكفاية، تستطيع .”
أمّا هو، فلم يشعر بالغيرة ولا بالحسد،
بل بمزيج من الإعجاب والاندهاش: هل هذا فعلًا إنسان؟
ثم بالرضى الهادئ: ليس غريبًا إذن
استمرّ الحفل ساعةً واحدة فقط ، لكنها بدت أشبه بعصرٍ جليدي
وعندما ارتفع النشيد الجامعي ، كان ظهره قد ابتلّ بالعرق تمامًا
بدأ البث يذيع أسماء الكليات ،
وكان على الطلاب أن يقفوا حين يُنادى على كليتهم ،
ليصطفّوا متجهين نحو الصالة الرياضية لأداء طقس
' لف الشرّابة '
وقف وين دي في الصف ، يهوّي نفسه بقبعته ،
وقضى ساعة أخرى يقطر عرقًا حتى تمّ الإجراء الأخير
وحين خرج من الصالة يبحث عن والديه ،
لمح على الدرج هيئة مألوفة ، فارتفع حاجباه بدهشة
كان بيان تشنغ يسير عبر قوس الزينة الذي كُتب عليه [ تخرّج سعيد ] متجهًا نحوه
يرتدي رداءً أكاديميًا أيضًا ، لكن بخلاف الأرواب السوداء
الخاصة بالطلاب ، كان على ظهره علامة كبيرة حمراء —رداء البروفيسورات
وقف وين دي عند المدخل ينتظره ،
عاجزًا عن كبح الابتسامة التي ارتسمت على شفتيه ، قال:
“ لماذا جئت؟”
أجابه بيان تشنغ بجدّية:
“ لقد تخرّجت رسميًا الآن . لم تعد طالبًا في جامعة T، لذا فإن مواعدتك لا تُعتبر خرقًا للوائح الجامعة .
وبالتأكيد … نحتاج إلى صورة تذكارية .”
أطلق وين دي صوت تسك متصنّعًا الاستنكار :
“ الصورة لا بأس بها ، لكن لماذا ترتدي رداء الأساتذة ؟”
ابتسم بيان تشنغ :
“ إذا رآك عمك أو عمّتك ، فقط قُل لهم إنني عضو في لجنة
منح الدرجات ، و ساعدتُ في لف شرّابتك ”
انفجر وين دي ضاحكًا ، وسلّم هاتفه لأحد زملائه ،
ثم رفع يده ليعيد الشرّابة —التي كانت قد تحوّلت إلى
اليسار—إلى اليمين
كان الجو في قسم اللغات الأجنبية دائمًا متفتحًا ومرنًا
زميل الصف المكلف بالتقاط صورهم اكتفى بتجعيد أنفه معلقًا : " أنتم تجعلون الناس يشعرون بالحسد "
ركّزت الكاميرا عليهم
نظر بيان تشنغ إلى وين دي، رفع يده، وأعاد ببطء الشرّابة
إلى اليمين، وابتسامة عريضة تعلو وجهه
وقال :
“ مبروك على تخرّجك دكتور وين "
— الــ 🥂🌃🩵 ـنـهـايــة —
تعليقات: (0) إضافة تعليق