Ch10 برج الأبروش

 Ch10 برج الأبروش

طلب فانغ هاو سيارة عبر هاتفه ، لكنه اضطر للانتظار قليلًا ، 

إذ لا توجد الكثير من السيارات المتاحة في داشينغ في 

الساعات الأولى من صباح الجمعة ، 

لقد مضى أكثر من شهر على بداية الخريف ، وها هو يشعر بالبرد حقًا

وتحت تأثير الكحول ، بدأ يلاحظ أن ردود أفعاله تباطأت، 

حتى أنه لم ينتبه حين اقترب منه تشن جيايو

قال تشن جيايو وهو ينظر إليه :

“ هل ستأخذ سيارة أجرة ؟”

أجاب فانغ هاو باختصار ، وهو يتحرك في مكانه ليتدفأ:

“ نعم "

ابتسم تشن جيايو:

“ هيا، سأوصلك .” وأومأ برأسه مُشيراً نحو موقف السيارات

تردد فانغ هاو قليلًا :

“ سيكون الأمر مرهقًا لك. يمكنك الذهاب .”

لكن تشن جيايو قال:

“ ألم تقل لو يان إن بيتك يبعد خمس عشرة دقيقة فقط؟”

لم يرد فانغ هاو — بل بدأ بالسير نحو موقف السيارات، ثم سأل :

“ وأنت ، أين تسكن ؟”

: “ في شوانغجينغ ” أجابه تشن جيايو — 

فتفاجأ فانغ هاو ، 

فالمكان بعيد نوعًا ما ،

وهنا تحركت غريزته المهنية ،

فبدأ يحسب المسافة ويخطط الطريق في ذهنه ——

و قال :

“ آه، منزلي في الشمال… دعني أفكر…” ،

ابتسم تشن جيايو وكأنه قرأ أفكاره :

“ لا تشغل بالك بالحسابات ، منزلي أبعد حتى من المطار جنوبًا . لو حسبناها سنجد أنفسنا في هيبي .”

لم يفهم فانغ هاو المزحة ، فاكتفى بالقول :

“حسنًا ، شكرًا لك جيا غا ”

طمأنه تشن جيايو:

“ لا تقلق ، الطريق فعلاً يمر من هناك .”

سيارة تشن جيايو من طراز بورش ماكان بيضاء ، 

أنيقة ولامعة ،

لم تكن سيارة رياضية صاخبة ، لكنها جذبت الأنظار 

بلمستها الفاخرة البسيطة ، 

السيارة نظيفة إلى حد الكمال ، تنطق برفاهية غير متكلّفة

عادةً يحصل الكابتن على راتب سنوي لا يقل عن مليون يوان ، 

أما شخص مثل تشن جيايو — المعروف على نطاق واسع، 

فيجني أكثر من ذلك بكثير عبر المكافآت والدعوات والمحاضرات

حين وقعت عينا فانغ هاو على السيارة ، لم يسعه إلا أن يفكر { كما توقعت تمامًا }

أدخل فانغ هاو عنوان منزله ، وما إن جلس تشن جيايو 

خلف المقود حتى شغّل هواء التدفئة والمقاعد المسخّنة  ،

اندفعت الحرارة فجأة بعد برودة الخارج ، فشعر فانغ هاو بدوار خفيف ،

سأل تشن جيايو فجأة :

“ لماذا ينادونك بالجنرال فانغ ؟”

ابتسم فانغ هاو مترددًا في التفسير:

“ آه… هذا مجرد لقب أطلقه عليّ بعض الزملاء لا أكثر .”

فأضاف تشن جيايو:

“ ليس تشو تشيتشن وحده من يناديك بذلك .”

رفع فانغ هاو حاجبه متسائلًا :

“ ومن غيره يستخدم هذا اللقب ؟”

تذكّر تشن جيايو أنه سمع اللقب أول مرة في قروب على ويتشات ، 

حيث اعتاد الطيارون التحدث عن فانغ هاو من وراء ظهره ،

و لم يشأ أن يكشف ذلك ، فاكتفى بالقول :

“ سمعت بعض الطيارين يطلقونه عليك أيضًا .”

فقال فانغ هاو بنبرة ساخرة :

“ هل مدير إدارة مراقبة الحركة الجوية يعرف بالأمر ؟”

 

ضحك تشن جيايو:

“ ليس المدير فانغ وي مين ….” ثم بدا وكأنه أدرك فجأة:

“ هل المدير فانغ… والدك ؟”

ابتسم فانغ هاو ابتسامة متحفظة وقال:

“ لا … والدي لم يعد موجود . تلك مجرد شائعات ...” ثم 

أدار بصره نحو النافذة وهمس:

“ بصراحة… لم أكن لأمانع لو كان الأمر صحيح .”

عندها أدرك تشن جيايو السبب وراء لقب الجنرال فانغ

فبهيبته وحضوره الطاغي، من الطبيعي أن يظن الناس أنّ له 

نفوذًا أو خلفية قوية

لكن الحقيقة كثيرًا ما تفتقر إلى درامية الشائعات

راقب تشن جيايو ملامح فانغ هاو الجانبية وكأنه بدأ يفهم 

القصة الخفية وراء ذلك اللقب

أما فانغ هاو — فلطالما فضّل الابتعاد عن الحديث عن 

شؤونه الخاصة —- وبعد صمت قصير ، التفت ليسأله :

“ وماذا عنك أنت الأخ جيا ؟  

لماذا تتجنب الحديث عن هونغ كونغ ؟”

كان في صوت فانغ شيء من الحدة ، ربما بسبب الكحول ،

ففي الظروف العادية ، لم يكن ليطرح سؤالًا كهذا ، 

وربما لم يكن حتى ليفكر فيه ، 

تشن جيايو لم يشأ أن يكشف كل التفاصيل ، لكنه في الوقت 

نفسه لم يرد أن يترك الأمر معلقًا ، فاكتفى بجواب مختصر :

“ لقد قمت بما كان متوقعًا مني… وتكرار القصة عشرات 

المرات أصبح أمرًا مرهقًا "

اختار فانغ هاو ألا يتعمق أكثر

لكنه لم يستطع كبح فكرة مرّت في ذهنه { تشن جيايو هذا 

ظهر في الأخبار والبرامج والمقابلات لسنوات… أليست كلها تكرارًا للقصص ذاتها ؟ 

راتبه ومكافآته بين يديه ، والآن يقود سيارة فارهة ، 

ثم يقول : لا أحب الإفراط في الدعاية ؟ 

أشبه بمن يربح الصفقة كاملة ثم يتظاهر بالتواضع } 

ومع هذا ، أبقى هذه الأفكار في صدره ، فلم يكن يرغب في تجاوز الحد

لاحظ تشن جيايو صمته فقال :

“ هل أثر عليك الشراب قليلًا ؟”

هز فانغ هاو رأسه :

“ لا بأس… لقد شربت على مهل ،، فقط أشعر ببعض التعب ، 

كانت لدي نوبة عمل ليلية أمس .”

كان قد عاد إلى منزله في الثامنة صباحًا ، ورغم أنه نام 

ثماني ساعات كاملة ، إلا أن الإرهاق لم يفارقه

وربما لأن جو السيارة كان خانقًا بعض الشيء ، غيّر تشن 

جيايو الموضوع فجأة وسأل :

“ إذن ماذا تفعل عادةً في وقت فراغك ؟”

أجاب فانغ هاو بصراحة :

“ ليست لدي هوايات كثيرة… أجري قليلًا ، وأحيانًا أخرج مع 

أصدقائي لالتقاط صور للمناظر الطبيعية .”

بدا أن تشن جيايو تذكّر شيئًا وقال :

“ آه، أذكر أنك كنت في فريق ألعاب القوى أيام الجامعة ، صحيح ؟”

تفاجأ فانغ هاو بذاكرته القوية ورد :

“ نعم ، هذا صحيح . كنت أجري سباقات العشرة آلاف متر ، 

ومثّلت الجامعة في بعض المنافسات ، 

لكنني لم أكن أكثر من عدّاء عادي .”

أثنى عليه تشن جيايو:

“ الجري لمسافة عشرة آلاف متر أمر مدهش بالفعل .”

تواضع فانغ هاو قائلًا :

“ ليست مسافة طويلة جدًا ، ولم أكن متميزًا على أي حال .”

فسأله تشن جيايو :

“ وهل تشارك في الماراثونات إذن ؟”

أومأ فانغ هاو قائلًا :

“ نعم ، أركض… الماراثونات وحتى الألترا ماراثون ، لمسافات 

تتراوح بين خمسين إلى مئة كيلومتر ،

لكن لم أشارك في أي سباق منذ عامين . فالمشاركة تحتاج 

إلى استعداد ، والاستعداد يحتاج إلى جري مستمر ، 

والجري يتطلب وقتًا… والوقت هو ما أفتقده الآن .”

تفهّم تشن جيايو الأمر بطبيعته :

“ برج المراقبة في داشينغ لا بد أنه يعاني نقصًا في الكوادر ، 

خصوصًا مع كونه مطار جديد .”

أومأ فانغ هاو مجدداً ، ثم نظر إليه مترددًا قليلًا قبل أن يتابع :

“ برج المراقبة الجوية في الخطوط الأمامية يعاني دائمًا من قلة الأفراد ،، 

حاليًا يقوم شخص واحد بعمل شخصين ،، وأحيانًا ، عندما 

نضطر إلى فرض قيود على حركة الرحلات فجرًا أو في 

حالات الطقس السيئ ، يكون الضغط هائلًا .”

كان صوته الآن أهدأ بكثير مما بدا حين كان في موقع القيادة

جلس قريبًا من تشن جيايو، ومع امتزاج ذلك بقليل من 

دالعطر الخفيف في السيارة، بدا غريبًا أن لقاءهما لم يتجاوز 

مرتين فقط، وأن اللقاء الأول كان متوترًا ، بينما الآن يسودهما إحساس بالألفة

جعل هذا الحديث الصادق تشن جيايو يشعر بالذنب

فمهما نظر إلى الأمر ، لم يستطع إنكار أنه لم يرى الصورة 

الكاملة في ذلك اليوم الجمعة

{ لا بد أن فانغ هاو كان تحت ضغط شديد وهو يوجّه طائرة ' KLM ' لأكثر من ساعة ، وعقله مثقل بالمسؤوليات ، 

فلم يتبقى له وقت لمناقشة تفاصيل توزيع البوابات }

في البداية كان فانغ هاو ينوي أن يتحدث مع تشن جيايو عن 

لقائهما أمام المقهى

فحين استرجع الموقف ، أدرك أنه كان جافًّا في كلماته أكثر مما ينبغي

وكان يعرف أن عباراته ربما أزعجت أي كابتن طائرة آخر ، 

فكيف بمن يحرص على سمعته مثل تشن جيايو

لكن ها هما يجلسان في السيارة منذ عشر دقائق ،  

وتشن جيايو لم يأت على ذكر الحادثة مطلقًا ،

و عندها فكّر فانغ هاو { يبدو أنني تجاوزت الأمر فعلًا }

قاد تشن جيايو السيارة إلى داخل المجمع السكني ، وأصرّ 

على إيصال فانغ هاو حتى مدخل المبنى ، 

و انتظر حتى رآه يدخل ويغلق الباب ببطء ، ثم غادر بالسيارة

وخلال طريق العودة إلى ليجينغ ،… ظلّ ذهنه مشغولًا بما قاله فانغ هاو قبل قليل

يتبع