Ch12 برج الأبروش
عادةً لا يكون مزاج تشن جيايو جيدًا قبل زيارة والدته ،
المستشفيات لم تكن أماكنه المفضلة ، يكره رائحة المطهرات القوية ، كما أن الجو المليء بالرهبة واليأس يثقل صدره
لكن اليوم كان مختلفًا ، فقد كانت رحلته أبكر من الجدول الزمني ، وسارت الأمور على ما يرام حتى هبوطه ،
مما جعله بمزاج حسن ، بل إنه بدأ يدندن لحنًا وهو يقود في طريقه إلى المستشفى
لكن هذا المزاج الجيد تبخر بمجرد أن أخرج هاتفه
إشعار من تطبيق ويتشات ظهر له يحمل أيقونة لشخص لم يتواصل معه منذ زمن طويل
في الحقيقة، لم يكن يريد أن يفتح الرسالة، لكن محتواها جعله مضطرًا لذلك
الرسالة كانت من يان يو : ( حبيبته السابقة )
[ جيا ، سمعت أن العمة في المستشفى ؟ ]
على مر السنين ، اعتادت أن تناديه ' جيا ' لأن كلاً منهما
يحمل الحرف ' يو ' في اسمه ، وبعدها بفترة بسيطة ،
أرسلت رسالة أخرى :
[ والدي أيضًا يجري فحصًا صحيًا هناك ، ونريد أن نزور العمة في طريقنا ]
شعر تشن جيايو بالانزعاج فورًا
لم يتواصل هو ويان يو منذ أكثر من نصف عام
آخر مرة تحدثا فيها كانت عندما تم تشخيص والدته لأول مرة ، حينها اتصلت لمواساته
أيام ارتباطهما ، كانت يان يو فتاة مدللة من قبل والديها ،
ولم تُبدِ أي مبادرة للاهتمام بوالديه ، والآن بعد أن انفصلا ،
بدا أن رغبتها المفاجئة في زيارة والدته غريبة ،
لم يكن تشن جيايو ساذجًا ، فقد عرف أن يان يو من النوع
الذي يفتعل العواصف من لا شيء – تمامًا كما يوحي اسمها
الذي اختاره لها والداها ،
لم يرغب أن تلتقي بوالدته ، فقد تتسبب لها بمشاكل هي في غنى عنها
اضطر للرد بسرعة :
[ دعينا نتحدث على الهاتف ]
بعد دقائق ، جاء اتصال من يان يو
و بلا مقدمات ، أجاب قائلًا : " ما الأمر ؟"
جاء صوت يان يو رقيقًا وبطيئًا: " أنا في مستشفى سان مع
والدي للفحص ، وفكرت أنه بما أنك ذكرت أن والدتك هنا أيضًا ، أسألك ."
عبس تشن جيايو بحاجبيه: "... هل العم يان بخير ؟"
رغم طباع يان يو المدللة ، إلا أن والديها كانا شخصين
طيبين ، وخصوصًا والدها ، ضابط البحرية المتقاعد ، الذي
كان يُبدي ودًا كبيرًا تجاه تشن جيايو
ردت يان يو : " مجرد فحص روتيني . هذا العجوز سأل عنك حتى ."
لم يعرف تشن جيايو كيف يرد، لكنه في النهاية قرر أن يكون
صريح : "يان يو .. إذا لديكِ شيء قوليه .
والدتي ليست في حالة نفسية جيدة مؤخرًا ، ولا أريدها أن
تتعرض لأي صدمات ،
وأيضاً مرّ تقريبًا عامان منذ انفصالنا ، وذاكرتها لم تعد كما كانت ."
كان في كلامه معنى ضمني ، ويان يو بالتأكيد التقطته ،
وبعد صمت قصير، قالت : "حسناً … أردت فقط التحدث
عما حدث في ذلك الوقت"
تنهد تشن جيايو … فالأمر بدا وكأنه نفس الموضوع القديم مرة أخرى
شعر أنه ناقشه كثيرًا سابقًا ، ولم يبقَ ما يُقال بينهما ،
: " ما الذي تفكرين فيه الآن ؟"
يان يو: " في ذلك الوقت… هل كنت متضايق من لوو كايوان ؟
عندما التقيت به كنا قد انفصلنا منذ شهرين ، ولم نرتبط إلا بعد نصف عام ."
فهم تشن جيايو ما تقصده بشكل عام : " هل انفصلتِ عن لوو كايوان؟"
فقد اعتاد أن يرى حولها الكثير من المعجبين ، كما لاحظ
أنها تميل دائمًا للرومانسية ،
لذا لم يستغرب سبب تواصلها معه الآن ،
أكدت يان يو: " نعم "
تشن جيايو: " لقد انفصلنا أصلًا ، ولم يكن السبب لوو كايوان ،
لم أشك أبدًا بوجود شيء بينكما… فقط لم نكن مناسبين لبعض ،
وأنتِ تعرفين ذلك أفضل مني ."
يان يو بعدما أدركت أنها لا تستطيع مجادلته ، تنهدت وخففت نبرة صوتها :
“ نعم، معك حق. أنا فقط… فقط أفتقدك ،
أعلم أنه لم يكن ينبغي أن أتصل بك، لكنني فقط…”
ارتجف صوتها وهي تتحدث
كان هناك شيء تريد قوله لكنها لم تجرؤ – ' لقد كنتَ
الشخص الذي عاملني بأفضل شكل ، أفضل من أي أحد آخر '
هذه كانت الحقيقة ، لكن قولها بصوت عالٍ بدا محرجًا للغاية
شعر تشن جيايو بعدم ارتياح
لطالما كان يميل إلى التهاون عندما يُقابل باللين ، والآن ،
وهو يرى يان يو تختنق بالكلمات ، لم يرغب في إحراجها أكثر ،
ففي النهاية، عندما انفصلا ، كان قد اقترح أن يتم الأمر بود،
وأخبرها أنه سيكون مستعدًا لمساعدتها إذا احتاجت يومًا ،
والآن بدا أن يان يو ' تحتاج المساعدة ' وجاءت إليه ،
ومن منظورها ، كان ذلك منطقيًا
في الماضي ، كانت يان يو تعمل مضيفة طيران في نفس
الشركة التي يعمل بها
وللأمانة، لم تكن الأجمل بين زميلاتها ، فقد كان هناك الكثير
من المضيفات الأكثر جاذبية منها
لكن يان يو كانت تملك شخصية باردة وملامح أقرب إلى
عارضات الأزياء ، وهو ما منحها هالة من الجفاء والبرود ،
وجدها تشن جيايو مثيرة للاهتمام ، لقد لاحقها أكثر من
نصف عام حتى نجح أخيرًا في الارتباط بها
لكن بعد أن بدءا علاقتهما ، لاحظ أن يان يو قد تغيّرت
أصبحت كثيرة الانتقاد والتدقيق في التفاصيل الصغيرة
في نظرها ، كان على تشن جيايو أن يكون ' الحبيب المثالي'
أن يبدو أنيقًا في العلن ، بارًا بوالديه في المنزل ، ويتحمّل
مسؤوليات الأعمال المنزلية في أيام عطلته ،
و عليه أن يطبخ في المنزل ، يدفع ثمن الوجبات في
المطاعم ، يعود إلى البيت كل يوم عند تسيير الرحلات
الداخلية ، ويشتري لها مستحضرات التجميل عند السفر بالرحلات الدولية
في البداية ، رأى تشن جيايو أن الأمر معقول، وأن من
الطبيعي أن يبذل جهدًا إضافيًا لإسعادها
فلم يسبق لأي من علاقاته السابقة انتقده لعدم كونه جيدًا
بما فيه الكفاية بأي شكل من الأشكال ،
لكن بمرور الوقت ، بدأ يدرك أن طبيعة العلاقة بينهما لم
تكن صحية من الأساس ؛ فقد كان هو دائمًا الطرف الذي
يعطي ، بينما يان يو الطرف الذي يأخذ ،
عندها خطر له أنه قضى النصف الأول من حياته محاولًا دائمًا ' تجاوز التوقعات ' — يهتم بما يريده والديه وما تنتظره شريكته منه ،
يسعى لأن يكون أفضل مما يتوقعه الجميع
لم يكن الذنب ذنب يان يو بالضرورة ، لكنها ببساطة حبسته
داخل إطار تفكيرها الغريب ، بينما هو استسلم لذلك
قبل حادثة هونغ كونغ بشهر تقريبًا ، بدأ يشعر أن هناك خطأ ما
حينها طرحت يان يو موضوع الزواج ، ولأول مرة منذ بداية
علاقتهما ، رفض تشن جيايو
وبعد حادثة هونغ كونغ ، وعيناها محمرتان من البكاء أعادت طرح الموضوع مجدداً
وهذه المرة ، رفضها تشن جيايو للمرة الثانية
ولم يدرك إلا لاحقًا ، بعد أن قرأ تقريرًا إخباريًا مفصلًا عن
رحلة CA 416، أن الكثير من الأزواج الذين مرّوا معًا
بتجارب تهدد حياتهم ونجوا منها بمعجزة، غالبًا كان ينتهي
بهم الأمر إلى واحد من خيارين:
إما أن يتزوجوا ويتعهدوا بالبقاء معًا للأبد ، أو أن ينفصلوا ،
مدركين قِصر الحياة وعدم توافقهم ، ليبحث كل منهم عن
حبه الحقيقي في مكان آخر
أدرك تشن جيايو أن علاقته مع يان يو كانت من النوع الثاني
⸻
اتفق فانغ هاو و غو تشون على تناول العشاء بجانب منزل فانغ هاو
غو تشون هو من اختار المكان ، لأن فانغ هاو ادّعى أنه لا يستطيع أن يقرر
أصرّ غو تشون على أن يدفع الحساب ، بينما أصرّ فانغ هاو على تقسيمه
في الحقيقة كان فانغ هاو يعرف أن وراء عرض غو تشون
معنى أبعد – فإذا دفع غو تشون هذه المرة ، فالعشاء
القادم سيكون على حسابه هو
وبما أن غو تشون كان شخصًا طيب القلب ، فقد أبدى قلقًا وقال:
“ بحثت قليلًا عن مجال عملك مؤخرًا ، سمعت أن مراقبي
الحركة الجوية لا يتقاضون الكثير ، وأن العمل مرهق جدًا "
ربما لو قالها شخص آخر لاعتُبرت وقاحة ، لكن غو تشون
كان يتحدث بلباقة ، ابتسم فانغ هاو ولم يبدُ منزعجًا ، بل قال:
“ لا بأس ، أستطيع أن أدفع ثمن هذا العشاء .”
لقد تفاجأ فعلًا من أن غو تشون اهتم بمعرفة المزيد عن عمله كمراقب جوي
ولمّا لم يستطع إقناعه بالعكس ، تركه غو تشون يُصر على تقسيم الفاتورة
—- بعد العشاء ، وصلا إلى منزل فانغ هاو
ألقى غو تشون نظرة حوله وقال :
“ منزلك جميل جدًا ، دافئ ومريح .”
شقة فانغ هاو تقع بالقرب من مطار داشينغ، وكانت فسيحة نسبيًا
وخلال العام الماضي أضاف بعض اللمسات عليها ، مثل
خريطة معلّقة على الحائط
كان مولعًا بالخرائط ، رغم أن عمله يجعله يتعامل يوميًا مع
خرائط الرادار ، إلا أنه لم يملّ منها يومًا
وفي الأشهر الأخيرة ، بدأ أيضًا بتحميض بعض صوره بالأبيض والأسود
في إحدى الخزائن وُضعت صور مع والديه وأخيه الأصغر ،
وفي أخرى عُرضت مجسمات الطائرات التي جمعها ،
الغرفة كانت تبعث شعورًا بالدفء والحميمية
معظم الأثاث كان من متاجر المستعمل ، بطابع قديم بعض
الشيء ، أقرب لما يسمّى بالـ ' منتصف القرن العصري '
لاحظ غو تشون مجسمات الطائرات المختلفة ، والتي تمثل
العديد من طائرات الركاب المدنية ، ووجدها مثيرة للاهتمام :
“ أنت تجمع هذه ؟”
أجاب فانغ هاو: “ نعم ، بدأت منذ الجامعة . وبعدها ،
بحكم عملي ، تمكنت من جمع المزيد .”
وجد غو تشون الأمر ممتعًا ، فأمسك مجسّم لطائرة DC-9،
ثم أخرى EMR-15
“ هل هذه طائرات ركاب ؟ لم أرَى مثل هذه الطائرات الصغيرة في المطار "
فسّر له فانغ هاو:
“ داخل الصين حركة الطيران المحلي كبيرة ، لذا سترى في
الغالب طائرات 737 تقلع ،، أما في الولايات المتحدة ،
فالكثير من الخطوط الإقليمية تستخدم طائرات أصغر ،
في مرة من المرات ركبت طائرة فيها سبعة مقاعد فقط .”
وأشار إلى المجسمات بجانبه ، وتابع :
“ أنت بالتأكيد تسافر كثيرًا صحيح ؟
لا بد أنك ركبت العديد من هذه : 737، 747، 777، 787،
وكذلك إيرباص A320، A330…”
أُعجب غو تشون بتركيز فانغ هاو وهو يتحدث — و بينما فانغ هاو ينظر إلى مجسمات الطائرات ، كان غو تشون يراقب ملامحه الجانبية ،
لم تكن ملامحه مذهلة على نحو خاص – حاجبان حادّان ،
زوايا عين مرتفعة ، أنف صغير ، وشفاه نحيلة ،
كل جزء منه عادي عند النظر إليه منفردًا ، لكن حين تجتمع
معًا ، فإنها تُكوّن وجهًا مريحًا وسهل الملاحظة ، جذابًا ومُريحًا للنظر
شاهدا معًا نصف فيلم أوروبي فني في غرفة المعيشة ،
فيلم بطيء وإيقاعه رقيق ، مليء برغبات الشباب ، ثم تابعا
النصف الثاني في غرفة نوم فانغ هاو
هذه الليلة —- لاحظ غو تشون أن فانغ هاو لا يبدو راغبًا في إبقائه ، فقال وداعه وغادر …
جلس غو تشون في سيارته وتنهد —- الساعة بالضبط الحادية عشرة مساءً — لطالما كان يحترم حدود الأخرين
أما فانغ هاو —- فوقف عند النافذة يراقبه وهو يقود مبتعدًا ، وتنهد أبضاً
كان قادرًا على استشعار اهتمام غو تشون به ، لكنه لم يشعر بأي انجذاب تجاهه ……
يتبع
لم يكن تشن جيايو ساذجًا ، فقد عرف أن يان يو من النوع
الذي يفتعل العواصف من لا شيء – تمامًا كما يوحي اسمها
الذي اختاره لها والداها ،
معنى يان يو —- يان لقب عائلي ، و يعني ' صارم ، دقيق ، أو شديد ' — أما ' يو ' تعني المطر — و عند جمعهما معًا ،
يمكن ترجمتهما إلى "مطر غزير" أو "مطر شديد"
تعليقات: (0) إضافة تعليق