القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch15 برج الأبروش

 Ch15 برج الأبروش



كان جدول عمل تشن جيايو هذا الأسبوع مريح ، كان لديه ثلاث ساعات طيران في يومين فقط ،، 

وبعد عودته إلى ليجينغ بوقت قصير ، تلقى اتصالًا من تشانغ بين ، يدعوه فيه إلى عشاء مع بعض المشروبات


( تشانغ بين الكابتن المساعد الي كان معاه وقت الحادث )


منذ حادثة الهبوط الاضطراري في هونغ كونغ ، أصبح تشن جيايو محط أنظار الجميع ، 

حيث أغدقت عليه الشركة بالامتيازات ، وثبّت مكانته بقوة


أمّا تشانغ بين، وهو كابتن طائرة مخضرم يبلغ من العمر 

تسعة وأربعين عامًا، فلم يحظَ بنفس القدر من الاهتمام


ونتيجة لذلك ، وبعد شهرين فقط ، أغرته شركة طيران 

هاينان بعرض عمل أفضل أجرًا وأخفّ عبئًا ، فانتقل إليها


تشن جيايو يعلم أنّ لتشانغ بين ابنة في المرحلة الثانوية ، 

وكان هو وزوجته يفكران في إرسالها للدراسة في الخارج ، 

لذا بدا الانتقال خطوة جيدة لزيادة الدخل وتخفيف الضغط ، 

وقد شعر تشن جيايو بصدق بالسعادة من أجل زميله القديم ،


وبما أنّ تشانغ بين أصبح متمركزًا في مطار العاصمة بعد 

انضمامه إلى طيران هاينان ، قلّت لقاءاتهما ، وبدأت العلاقة 

بينهما تفتر قليلًا ،،

و قد مرّ أكثر من عام منذ آخر لقاء بينهما ،، 

لذا شعر تشن جيايو بالمفاجأة السارة عندما تلقى رسالة من تشانغ بين


دعا تشانغ بين صديقه إلى مطعم محلي ، ووصل قبله ، 

حيث طلب بعض الأطباق الباردة كمقبّلات


وعندما وصل تشن جيايو، عانقه بشدّة وقال مبتسمًا:

“ طالت الغيبة يا تشانغ العجوز . كيف حال دو دو هذه الأيام ؟”


دو دو هي ابنة تشانغ بين ، وتُدعى تشانغ أيرونغ ، كانت تُلقّب بدو دو بدلال


ابتسم تشانغ بين :

“ هي بخير و تستعد الآن لتقديم طلبات الدراسة في الخارج . قالت إنها تراك على ويبو ، وطلبت مني أن أخبرك 

أن تنشر أكثر . لديك معجبون كثر .”


أحسّ تشن جيايو بشيء من الحرج وقال :

“ لا أملك الكثير مما يستحق المشاركة . كنت أفكر أن أبثّ 

مباشرة لأعلّم الناس كيف يطيرون . برأيك ، هل يصلح أن أنشر ذلك ؟”


وبعد أن تبادلا أطراف الحديث وطلبا الطعام ، ومع وصول 

الطبق الرئيسي الأول، ملأ تشانغ بين كأس تشن جيايو وقال:

“ جيايو … دعوتك فجأة لأن لديّ أمرًا أريد أن أخبرك به "


ظنّ تشن جيايو أنّه بحاجة إلى مساعدة ، فسارع إلى القول:

“ لا داعي للتردّد إن كان بوسعي المساعدة في أي شيء .”


لكن تشانغ بين هزّ رأسه بابتسامة متعبة وقال:

“ ليس الأمر كذلك . سأُحال إلى التقاعد .”


تفاجأ تشن جيايو وسأل:

“ وماذا عن الشركة ؟ إذا رغبت بالعودة ، يمكنك ذلك في أي وقت…”


إلّا أنّ تشانغ بين هزّ رأسه مجددًا وقال:

“ لن أعود ... ولن أذهب إلى شركة أخرى أيضًا ... 

ببساطة… لم أعد أريد العمل .”


: “ الأخ بين…” في هذه اللحظة ، لم يجد تشن جيايو ما يقوله { هل أعبر عن أسفي ؟ 

لكن تشانغ بين قد اتخذ قراره بعد تفكير طويل 

هل أهنئه ؟ 

لكن تشانغ بين أكثر من مجرد زميل ، هو معلمي ورفيق 

رحلاتي }


تشانغ بين طيّارًا متمكن ، شغوف بالطيران ، و يحمل رخصًا 

لقيادة أنواع مختلفة من الطائرات ، منها إمبراير-175 وبومباردييه


ورغم أنّ العديد من الطيارين التجاريين يستمرون بالتحليق 

حتى سن الستين ، قرر تشانغ بين التقاعد مبكرًا ، 

قبل بلوغ السن المعتاد لإنهاء الخدمة ، لذا بدا أن التهنئة لن تكون مناسبة


وبعد لحظة من التفكير، خمّن تشن جيايو وقال:

“ هل الأمر… ما زال بسبب حادثة هونغ كونغ ؟”


وكما توقّع ، لم يقل تشانغ بين شيئًا، لكن صمته كان إقرارًا بحد ذاته


ساد الصمت على المائدة


شرب تشانغ بين من كأسه ، ثم قال بصوت منخفض:

“ جيايو … ما سأخبرك به الآن لم أبوح به لأحد من قبل ... 

في الحقيقة .. لم أنوِي إخبار أحد أصلًا

لكن بما أنّي سأتقاعد قريبًا ، أظن أنّ عليّ أن أكون صريحًا معك ”


قال تشانغ بين بصوت مبحوح:

“ بعد هونغ كونغ ، لم أطِر لما يقارب نصف عام كما تعلم على الأرجح 

تقنيًا، كان السبب انتقالًا إداريًا في الشركة ، لكن في الواقع ، 

كنت بحاجة إلى أن أستعيد توازني … 

وخلال العامين الماضية عندما عدت للطيران ، اكتشفت 

أنني صرت أكثر مقاومة له يومًا بعد يوم ،، 

لا مشكلة لديّ في الرحلات الروتينية العادية ، لكن ما إن 

يحدث أي خلل أو مشكلة—حتى لو كانت مشكلة بسيطة جدًا— لا أستطيع التوقف عن تخيّل أسوأ الاحتمالات

أعجز عن اتخاذ القرار ، وأخشى أنني هذه المرّة قد لا 

أستطيع إعادتنا بسلام إلى المدرج كما فعلت في هونغ كونغ ….”


توقف قليلًا ثم أضاف بصوت أثقل :

“ قبل شهرين ، كنت في رحلة من هونغ كونغ إلى سنغافورة ، 

وظهرت مشكلة طفيفة في ضوء عجلة الهبوط ، 

خفت أن عجلة المقدمة لن تنفتح — في تلك اللحظة ، 

كنت مقتنعًا أنني سأموت

يوم الهبوط الاضطراري في هونغ كونغ ، شعرت وكأن القدر 

قد حقق لي كل أمنيّاتي دفعة واحدة ، وكنت واثقًا أنّه لن 

تكون هناك فرصة أخرى. بل حتى أنني بدأت أفكّر : الحمد لله أنني تركت رسالة وداع لدو دو ”


خفض تشن جيايو صوته وسأل بقلق :

“ وماذا حدث بعدها ؟”



أجاب تشانغ بين :

“ لحسن الحظ لم أكن الكابتن في ذلك اليوم .. الكابتن المسؤول خفّض الارتفاع 

ليفحص فريق الأرض عجلة الهبوط ، 

واتضح أن الأمر لم يكن سوى مصباح معطوب ، 

العجلة نفسها كانت سليمة ، لكن منذ ذلك الحين ، لم أعد 

أستطيع الطيران إلى هونغ كونغ … حاولت التحدث مع 

طبيب نفسي ، فنصحني أن آخذ إجازة 

مدّدت إجازتي السنوية أسبوعين إضافية ، لكن لم أستطع حلّ المشكلة …. 

لم ينفع … أنت تعلم… الطيران كان بالنسبة لي يومًا ما طبيعيًا مثل التنفس .. 

والآن… بدأت أشعر أنني أضجر منه .”


قال تشن جيايو متفهمًا:

“ حين تحب الطيران ، تشعر وكأنّه شيء بين يديك ، تسيطر عليه 

تقضي نصف عمرك وأنت تتعلم كل ما يجب على الطيار أن يعرفه ، وتتقن جميع المهارات اللازمة 

ثم في لحظة… تكتشف أن هذا الشيء، في النهاية، ليس بيدك .”


خفت صوته شيئًا فشيئًا حتى كاد لا يُسمع


كان يفهم تمامًا مشاعر تشانغ بين


فقد عاشا سويًا ذلك الذعر الجارف ، وحملا معًا ثِقَل 238 روحًا معلقة بين الحياة والموت


حاولا وقتها أن يحافظا على هدوئهما وسط الخوف ، يقلّبان 

صفحات قوائم التحقق ، يتتبعان الأعطال بدقة ، 

ويتخذان القرارات بينما بدا الزمن متوقفًا ،


نظر تشانغ بين إليه بتعبير يائس وقال:

“ في الحقيقة جيايو .. كانت لديّ فرصة لرؤيتك أكثر خلال 

العامين الماضية ، لكن في ذلك الوقت كنت أصارع تبعات ما جرى… و كلما رأيتك ، كنتَ تذكّرني بما حدث ،، 

أشعر أنني خذلتك .”


ارتجفت يد تشن جيايو ——

حاول أن يتكلم ، لكنه لم يستطع أن يخرج كلمة واحدة ——


فعلى الرغم من نجاتهما المعجزة ، وبعد خوضهما عشرات 

المقابلات معًا ، لم يتحدثا أبدًا عما وقع في ذلك اليوم ——


لم يتحدث تشن جيايو علنًا عن الحذر المبالغ فيه الذي صار 

يتّبعه أثناء الطيران ، 

ولا عن الخوف الذي يتملّكه كلما واجه عطلًا تقنيًا ——

لكنه كان يعرف أن تشانغ بين يفهمه ، 

لكنه لم يجرؤ قط على سؤاله مباشرة كيف كان يتعامل مع الأمر ، 

أو ما إذا كانت الذكريات ما تزال تطارده ——

 ربما كان ذلك بدافع الكبرياء ، أو من باب العزاء النفسي —

فقد كان تشانغ بين أكثر خبرة


وافترض تشن جيايو أنه تجاوز الأمر أفضل منه —— لكنه لم 

يدرك أن تشانغ بين كان يتعذّب بالقدر نفسه ، إن لم يكن أكثر منه ——


وعندما استرجع الماضي ، لم يلقِ اللوم على تشانغ بين 

بسبب المسافة التي نشأت بينهما خلال العامين الماضيين؛ 

بل شعر بالندم لأنه لم يبادر بالتواصل معه في وقت أبكر


وفي النهاية، لم يستطع إلا أن يقول:

“ لا تقل ذلك يا أخي بين ….. الطيران معك على متن الرحلة 416 قبل ثلاث سنوات كان ربما أطيب حظ حظيت به في حياتي 

و إذا شعرت أنك لا تستطيع تجاوز الأمر ، فلا بأس ألا تراني بعد الآن —— ما دمت تجد راحتك ، فذلك يكفي .”


سارع تشانغ بين بالرد :

“ ذلك كان سابقاً ،، أما الآن فأنا بخير .. مع التقاعد ، تأقلمت 

مع وضعي ، وسأكون بالقرب منك طوال الوقت .”


ابتسم تشن جيايو ابتسامة مجبرة


لقد أثارت هذه الوجبة عاصفة من المشاعر في داخلهما


ورغم أنهما انفتحا أخيرًا على بعضهما ، كان تشن جيايو 

يعلم أن صراحة تشانغ بين قد أيقظت بداخله قلقًا عميقًا دفينًا


لقد ترك الهبوط الاضطراري في هونغ كونغ ندبة لا تُمحى، 

وكان مقدرًا له أن يكون محطة فاصلة في حياته


وعلى الرغم من أنه أقنع نفسه مرارًا بأنه تجاوز الأمر ، إلا أن التجربة كانت تعود لتطارده مرة بعد أخرى


يتبع

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي