Ch16 برج الأبروش
بعد يومٍ من الراحة ، كان تشن جيايو يستعد لرحلته من بكين إلى شنغهاي ،،
لكن حديثه مع تشانغ بين في ذلك اليوم ترك في داخله
شعورًا بالاضطراب ،،
حتى أنه لم ينعم بنوم هادئ ليلتين متتاليتين ….
في الساعة السادسة صباحًا ، بكين مغطاة بضباب كئيب
يميّز بدايات الخريف
توجه إلى بيت والديه ، لكن بما أنّ الوقت كان ما يزال مبكرًا ،
لم تكن والدته قد استيقظت بعد، بينما نزل والده إلى
الأسفل ليتمشى قليلًا
أعدّ تشن جيايو سريعًا قدرًا من عصيدة القرع لوالدته ،
فوضع حبوبًا متنوعة وقطعًا من القرع داخل قدر الأرز
وضبطها لتطبخ
وبعد أن ضبط المؤقّت ، ألقى نظرة على غرفة نوم والدته ،
متأملًا وجهها الهادئ وهي نائمة بسلام
لقد أصبح هذا الطقس البسيط مصدر مواساة له خلال الأشهر الأخيرة ….
—
هذه المرة ، كان مساعد الطيار المرافق له يُدعى يوي داتشاو ، وهو أيضًا يتمركز في بكين ، ويملك خبرة تتجاوز
الألف ساعة في قيادة طائرة 737
وبما أنهما سيتناوبان على الرحلتين ، الذهاب والإياب ، بدت
المهمة في ظاهرها سهلة وبسيطة
قاد تشن جيايو الطائرة في رحلة الذهاب ، وسارت الأمور على ما يرام
ولشدة ارتياحه ، فإن القلق الذي أرقه طوال الليل لم يظهر له أثر
كان الطقس في شنغهاي رائع ، والهبوط هادئًا وسلسًا ، بلا أي اضطراب
ووفقًا لما ذكره طاقم الضيافة ، فقد صفق له كثير من
الركاب بعد الهبوط ، بل إن يوي داتشاو نفسه هتف إعجابًا
لكنهم واجهوا عاصفة مطرية مفاجئة في رحلة العودة
جلس تشن جيايو هذه المرة في مقعد مساعد الطيار ، يتابع
تحديثات الطقس عبر الراديو لمنطقة شمال الصين
وأفاد مركز المراقبة في بكين أن الطقس في مطار داشينغ لا بأس به،
بينما تعذّر على عدة رحلات الهبوط في مطار العاصمة،
واضطروا إلى التحويل نحو داشينغ للهبوط هناك
شعر يوي دا تشاو ببعض الخيبة لفوات فرصة حصوله على
مكافأة التوفير في الوقود لهذا الشهر … فطمأنه تشن جيايو قائلًا :
“ ما دام الطقس مناسبًا ، فلا بأس بوجود بعض الرحلات المحوَّلة . دعهم يهبطون قبلنا ”
فأومأ يويه داتشاو موافقًا وقال :
“ صحيح . لقد خسروا مكافآت التوفير على أي حال .
على الشركة أن تبحث هذا الأمر داخليًا وتمنحنا الأولوية ”
ابتسم تشن جيايو —- لكن أفكاره سرحت نحو فانغ هاو —-
لم يره في المطار مؤخرًا ، لكنه سمع من تشنغ شياوشو—
الذي سمع من تشو يرو—أن فانغ هاو كان مشغولًا جدًا في
الفترة الأخيرة باستقبال الرحلات القادمة ——
————-—
كان من المفترض أن يكون اليوم نوبة عمل تلميذه وانغ تشانبو وكان الطقس ملبّدًا قليلًا بالغيوم ،
مع مدى رؤية يبلغ نحو تسعمئة متر—ليس مثاليًا ، لكنه ليس سيئًا أيضًا
استعد فانغ هاو وفريقه بعد تلقي تقارير عن هطول أمطار
غزيرة وتيارات هوائية قوية عند مطار العاصمة
ففي مثل هذا الطقس ، تكون الرحلات المتجهة إلى مطار
العاصمة بالتأكيد ستتحول إلى داشينغ ، وهو ما يساهم في
تخفيف الازدحام المروري هناك
و نظرًا لغياب المديرة قوه تشيفانغ ، أصبح فانغ هاو الآن
الأقدم رتبةً في غرفة مراقبة الأبروش
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا
الموقف ، وقد اعتاد فانغ هاو عليه
ومع ازدياد حركة الطيران ، تبادل هو ووانغ تشانبو الأدوار ،
فجلس وانغ تشانبو خلفه يراقب ويسجل الملاحظات
كان فانغ هاو يتكئ على الميكروفون داخل الغرفة المكيّفة ،
يصدر التعليمات لتوجيه الرحلات :
“ ساوثرن 1577، انتظر عند نقطة JVN، حافظ على ارتفاع 5100،
واستعد للاقتراب من المدرج 31.”
“ الانتظار عند JVN، الحفاظ على ارتفاع 5100،
الاستعداد للاقتراب من المدرج 31، ساوثرن 1577.”
“ شانغهاي 7318، حافظ على ارتفاع 3000، انعطف
يسارًا على الاتجاه 300، خفّض السرعة إلى 180.”
“ الحفاظ على 3000، انعطاف يسار على 300، تخفيض السرعة إلى 180، شانغهاي 7318.”
“ شنلو 4355، حافظ على ارتفاع 6300 فوق DULES.”
“ الحفاظ على 6300، شنلو 4355.”
“ يونايتد 2618، ارتفع إلى 1800.”
“ الصعود إلى 1800، يونايتد 2618.”
“ هاينان 6713، اتجه مباشرة إلى SOAS، استأنف الملاحة الخاصة بك، ارتفع إلى 2100 وحافظ.”
“ الاتجاه مباشرة إلى SOAS، الصعود إلى 2100 والحفاظ، هاينان 6713.”
“ ساوثرن 3189، الارتفاع 4200، غير كود التعرّف إلى 1010.”
“ ساوثرن 3189، بكين، اقتراب على المدرج 04،
استعد لهبوط أعمى، انخفض إلى 3600 وحافظ، السرعة 220.”
“ إير هونغ كونغ 439 اتصل بالمغادرة على 124.5 . يوم موفق .”
جلس فانغ هاو ثابتًا لخمس دقائق كاملة ، لم يتحرك ولم
يشرب حتى رشفة ماء ، بل ظل كالصخرة الصلبة يصدر التعليمات
و خلفه ، بدا وانغ تشانبو شارد الذهن
فرغم نحافة فانغ هاو وارتدائه قميصًا خفيفًا فقط في الغرفة الباردة ، فإن حضوره كان يبعث على الاطمئنان ،
وكأنّ قوته الداخلية تمنحه جاذبية خاصة من الاعتماد والموثوقية ،
و بدأ وانغ تشانبو في التفكير بتمعّن ، محاكياً سيناريو حركة
المرور الكثيفة الجارية أمامه ، متخيلًا كيف سيتولى توجيهها
لو أُسند الأمر إليه
وفجأة، بدأ رادار الشاشة يومض بشكل متواصل
شعر وانغ تشانبو بالخطر ؛ لم يصادف مثل هذا الموقف منذ أشهر
وبالفعل ، بعد ومضات قليلة ، اسودّت جميع شاشات
الرادار دفعةً واحدة —— فنهض وانغ تشانبو مذعورًا من
مقعده ، وسقطت مفكرته وقلمه على الأرض
توقف فانغ هاو للحظة وجيزة ، ثم استأنف الاتصال بسرعة قائلاً :
“ إلى جميع الوحدات ، أوقفوا الإرسال فورًا وابدأوا السيطرة الإجرائية .”
في السيطرة الإجرائية لا يملك المراقبون مواقع فورية للطائرات ، ويضطرون للاعتماد على تقارير الطيارين
للحصول على المعلومات الحيوية
ومع شاشة رادار فارغة ، واصل فانغ هاو إصدار التعليمات بهدوء تام —— :
“ ساوثرن 1577، استمر بالانتظار عند نقطة JVN .”
“شانغهاي 7318، حافظ على ارتفاع 3100.”
“شنلو 4355، أبلغ عند وقت TAl.”
“يونايتد 2618، ارتفع إلى 2100.”
“هاينان 6713، ارتفع إلى 2800، وأبلغ الوقت الذري.”
“ساوثرن 3189… استمر بالنزول إلى 3600، واضبط السرعة على 200.”
مع كل أمر ، كان يضبط شرائط تقدم الرحلات في يده ،
ويسجل بسرعة المعلومات ذات الصلة
شعر وانغ تشانبو بعرق بارد على ظهره
كان ذهنه فارغًا ، ولم يستطع تذكر أي شيء
لكنه كان يعلم أنّه في هذه اللحظة الفاصلة حين اختفى
الرادار ، كان فانغ هاو قد حفظ مواقع وارتفاعات واتجاهات
وسرعات جميع الطائرات في ذهنه ——-
التعامل مع تدفق الطائرات ، بما في ذلك التحويلات من
مطار العاصمة ، كان مهمة شاقة للغاية
في البداية يكون تنظيم وصول الطائرات الأولى لتوزيعها هو الجزء الأصعب ،
بينما يمكن للرحلات اللاحقة ببساطة اتباع الإجراءات والانتظار —
أما الآن ، وفي السيطرة الإجرائية ، يجب الحفاظ
على فصل الطائرات بمقدار عشر دقائق على الأقل بسبب
عدم توفر بيانات دقيقة في الوقت الفعلي ——
بعد أربع دقائق ، عاد الرادار إلى وضعه الطبيعي
ألقى فانغ هاو نظرة على الشاشة — فكانت مواقع الطائرات
العشر تتطابق تمامًا مع أوامره ومحاكاته الذهنية —-
تنفس الصعداء
فانغ هاو : “ إلى جميع الوحدات ، عاد التحكم بالرادار للعمل .
شانغهاي 7318، انخفض إلى 2500 وحافظ على الارتفاع.
انعطف يسارًا على الاتجاه 290 "
الكابتن : “ الانخفاض إلى 2500، انعطاف يسار، الاتجاه 290، شانغهاي 7318 ...” لم يستطع المقاومة و أضاف : “ لن أقول الكثير ، لكن ذلك كان مثيرًا للإعجاب .”
سأل كابتن شاب غير معتاد على هذا الموقف : “ بكين أبروش هل تعطل الرادار للتو ؟”
أكد فانغ هاو بهدوء : “ صحيح ، الرادار انطفأ فجأة .”
قال كابتن آخر ، صوته مألوف لكنه لم يستخدم رمز
الاتصال : “ فانغ هاو ، كلمة واحدة فقط : رائع !”
وقال كابتن آخر : “ أرفع لك القبعة ، حقًا لم ألاحظ شيئًا .”
في غرفة مراقبة الاقتراب الأبروش ، همس وانغ تشانبو :
“ يا معلمي ، للتو…”
نظر إليه فانغ هاو : “ هذه أول مرة لي أيضًا ”
تدفق الأدرينالين في جسده ؛ حتى اليد التي تمسك بشرائط
تقدم الرحلات ارتجفت قليلًا ، كلاهما كانا يعلم أنّهما قد
عاشا للتو أربع دقائق من الموت مع نجاة ضيقة
—
عندما استمع تشن جيايو ويوه داشاو لتردد بكين أبروش ،
سمعا عدة كباتن يشكرون فانغ هاو عبر الراديو
بعد لحظة صمت ، أرسل تشن جيايو : “تشاينا إيسترن 1588، على ارتفاع 5000 قدم ، كود 3037 في انتظار أوامركم .”
رد فانغ هاو : “ تشاينا إيسترن 1588، تم التواصل بالرادار ،
استعدوا للوصول GREDO-7، خذوا المدرج 17L.”
ومع انضمام تشن جيايو — توقف الحديث عبر الراديو عن الحادث الأخير
لم يذكر أحد ما حدث للتو
هل انفجر إطار طائرة ؟ لم يلتفت تشن جيايو للأمر كثيرًا …..
فقد خصص فانغ هاو له المدرج 17L
بعد إكمال قائمة الفحص قبل الهبوط ، سلّمهم فانغ هاو لتردد البرج
لم يفكر تشن جيايو كثيرًا فيما حدث للتو ، إذ كان بحاجة للتركيز على الهبوط
في هذه الأثناء ، وصل فو زيسيانغ — مراقب آخر ، قبل
عشرين دقيقة لتولي مهمة استراحة فانغ هاو
و عندما رآه فانغ هاو خلع سماعة الرأس وقال:
“ زيسيانغ هل يمكنك أن تتولى عني ؟”
وافق فو زيسيانغ ، متفاجئًا من طلب فانغ هاو
فقد عملا معًا لأكثر من عام ، ولم يسبق لفانغ هاو أن طلب
المساعدة من قبل { ما الذي حدث ؟ }
عندما رأى فانغ هاو فو زيسيانغ يتولى المهمة ، وقف ،
وتوجه إلى صالة الاستراحة ، ورش بعض الماء البارد على وجهه
على الرغم من فراغ معدته ، شعر بالغثيان ،،
تقيأ وتشنج مرارًا ، ثم غسل وجهه بالماء البارد
أربع دقائق ، عشر طائرات ، وبافتراض وجود مئتي راكب لكل
طائرة ، أي أن نحو ألفي روح كانت بين يديه للتو ،،
استوعب كل هذا بقوة ، كقذيفة مدفعية باردة وثقيلة ،
وانتشر شعور الخدر ببطء من صدره إلى عموده الفقري
شكروه الكباتن عبر الراديو ، لكنه لم يشعر بالفخر ، بل
بشعور مرعب من الخوف يتسلل إلى أعماقه
——
بينما فانغ هاو يبتعد ، همس وانغ تشانبو لِفو زيسيانغ: “ أخي شيانغ كل أجهزة الرادار في قسم الاقتراب تعطلت
لمدة أربع دقائق .”
صُدم فو زيسيانغ : “ اللعننننة …”
أضاف وانغ تشانبو: “حتى أن هناك تدفقًا للطائرات المحوَّلة
من مطار العاصمة إلينا بسبب الطقس.”
لم يقل فو زيسيانغ شيئًا ؛ فقد فهم الأمر تمامًا
⸻
عاد فانغ هاو إلى غرفة الاقتراب وأجرى على الفور مكالمتين هاتفيتين
أولًا، أبلغ مشرفه بالوضع ،،،
ثم اتصل بفني كهربائي لفحص أجهزة الرادار ،،
سواء كان انقطاع الأربع دقائق نتيجة عطل في المعدات أو مشاكل في الدائرة الكهربائية ،
فقد كان خطرًا محتملاً ويحتاج إلى اهتمام عاجل ،،،
كان الفني يسكن بالقرب من المطار ، لكن وصوله
سيستغرق نصف ساعة
كان فانغ هاو قلقًا من ترك فو زيسيانغ ووانغ تشانبو
وحدهما ، فقرر الانتظار حتى ينهي الفني فحص المعدات
قبل اتخاذ أي قرار
في المقعد المخصص للسيطرة ، أدار فو زيسيانغ حركة الطائرات القادمة بكفاءة
رغم أنها كانت فترة متأخرة من الليل مع حركة جوية
مخففة ، استمرت الطائرات في الهبوط واحدة تلو الأخرى،
مستخدمين جميع المدارج السبعة بسبب ظروف الطقس في مطار العاصمة
ظل هاتف فانغ هاو يرن بإشعارات من ويتشات
أولًا ، وصل خبر الوضع لموظفي البرج ، ثم رسائل دعم من تشو ييرو التي لم تكن في الخدمة ،
واستفسارات من قوه تشيفانغ. رد بسرعة على كل رسالة ليبقيهم على اطلاع ،،
ثم أضاءت قروبات محادثات مراقبي داشينغ بالرسائل
عادة يكونون هادئين ، مع بعض الإعلانات بين الحين والآخر،
لكن هذه المرة ، أشاد عدد من الطيارين الذين يسافرون
بشكل متكرر من وإلى داشينغ بفانغ هاو وشكروه على قيادته للتو
رغم أن فانغ هاو لم يشعر بالفخر حيال الوضع المروع، فإن
رؤية تقدير طواقم الطائرات جلب له بعض الراحة
و كان تشن جيايو أيضًا في القروب
و عندما رأى ذلك ، لم يستطع الصبر وأرسل رسالة ويتشات
لفانغ هاو: [ ماذا حدث للتو ؟] تلتها بسرعة أخرى :
[ وصلت متأخرًا وفاتني كل شيء.]
رد فانغ هاو: [ أنت محظوظ لأنه فاتك .]
تشن جيايو: [?]
فانغ هاو: [ تعطلت شاشات رادار الأبروش ]
تشن جيايو : [ اللعنة ]
أراد فانغ هاو أن يقول شيئًا أكثر لكنه لم يعرف ماذا ،
فأرسل ايموجي
فانغ هاو : [ 🙆♂️ ]
حدّق تشن جيايو في هاتفه ، ثم انفجر ضاحكًا
بجانبه ، ألقى يوي داتشاو نظرة على سجل الرحلات ومازح قائلاً: " أخ جيا لقد وفّرنا بعض الوقود في هذه الرحلة .
الهبوط على المدرج 17L دائمًا يشعرني وكأننا أصبنا الجائزة الكبرى ."
لم يرد تشن جيايو ؛ في الحقيقة ، لم يعد يهتم بكفاءة الوقود
ومع ذلك ، ذكّره تعليق يوي داتشاو بأن فانغ هاو قد منحَه أفضل مدرج ،
وكان عليه أن يفي بوعده ، و بالطبع أرسل رسالة إلى فانغ
هاو: [ ما رأيك أن نأخذ شيئًا لشربه لنهدأ ؟]
في البداية أراد فانغ هاو أن يكون بمفرده ليهدأ ، لكن مع
دعوة تشن جيايو — فكّر أن فحص الفني ربما سيستغرق
أكثر من نصف ساعة ، لذا لم يرفض
—
اتفق الاثنان صامتين على الالتقاء في مقهى كوزا
مشى تشن جيايو بخطوات واثقة ، ماسحًا المكان بعينيه
حتى لاحظ فانغ هاو جالس على طاولة صغيرة قرب البار،
متكئًا على الحائط وكأس ماء كبير أمامه، وعيناه تحدقان في
الفراغ وكأنه في غيبوبة
قال تشن جيايو وهو يضع حقيبة الطيران على الأرض ويعلّق
معطفه على ظهر الكرسي : " أنت هنا مبكرًا هذه المرة ،،،
ماذا تحب أن أقدّم لك ؟"
فقط عندها أدرك فانغ هاو وصول تشن جيايو — ابتسم
ابتسامة بسيطة : " مجرد لاتيه عادي ، ساخن ، في كوب صغير … و… حليب الشوفان بدون سكر ."
رأى تشن جيايو فانغ هاو يسرد طلبه كما لو أنه يعطي
أوامر ، فأعاد بسلاسة : " لاتيه ساخن ، كوب صغير ، مع حليب الشوفان ، بدون سكر ."
لم يفهم فانغ هاو المغزى ، فسأل: "ما الخطب ؟
هل… غريب ؟"
ابتسم تشن جيايو: " لقد كررت طلبك فقط بشكل صحيح،
هذا كل شيء بكين أبروش ~ "
تلعثم فانغ هاو قليلًا
وفقط عندما رأى تشن جيايو يتجه إلى البار ليطلب، أدرك –
{ هل كان تشن جيايو يمزح معي ليخفف عني ؟ }
( لما فانغ يعطي أوامره للكباتن دايماً يكررون بعده للتأكيد إنهم سمعوا صح — وهذا الي سواه جيايو )
طلب تشن جيايو قهوة سوداء عادية ، وأحضر قطعتين من
المافن بالتوت الأزرق
قال وهو يجلس، واضعًا ساقيه الطويلتين متقاطعتين :
" واحدة لك وواحدة لي ،، لنأكل شيئًا " ودفع المافن نحو فانغ هاو
المقهى في المطار صغير وبسيط في ترتيبه ، مليئ بطاولات
دائرية صغيرة ومقاعد منخفضة ، بالكاد تكفي لـ اللابتوب ،
و مع وجود أربع أو خمس طاولات فقط ، يبدو كوزا مزدحمًا جدًا في زاويته ،
بعد أن جلس تشن جيايو، كادت ساقيه تلمس ركبتي فانغ هاو
شكره فانغ هاو : " دعني أحوّل لك المال عبر ويتشات ،،
لن أتناول المافن ؛ ليس لدي شهية اليوم ."
ارتدى تشن جيايو تعبيرًا يوحي باللوم : " لماذا تكون مهذبًا هكذا ؟
ألم نتفق أنني سأدعوك إذا أعطيتني 17L؟"
تراجع فانغ هاو قليلًا بدهشة : " أعطيتك…؟"
حتى تشن جيايو تفاجأ : " عندما هبطنا اليوم ، كنت أنت من
يوجّهنا تشاينا ايسترن 1588؟"
عبس فانغ هاو و كأنّه يحاول تذكّر الأمر : “ آسف ، لا أستطيع تذكّر ”
{ إذن فانغ هاو لم يتعرّف على صوتي ؟
و أعطانا بطريق الخطأ المدرج 17L ؟
هل كان حادثًا بحتًا ؟ } عند إدراك ذلك ، شعر تشن جيايو
ببعض خيبة الأمل —- لكنه لاحظ أيضًا سلوك فانغ هاو غير
المعتاد وحاول مواساته : “ لا بأس ، لا بد أنك كنت مشغولًا اليوم "
لكن فانغ هاو لم يشعر بالراحة. قال: “ أنا لا أنسى أبدًا ... سابقاً …” لكل رحلة كان يوجّهها ، لكل وجه مألوف ، كان يتذكر
رقم الرحلة إذا سُئل بعد الدوام ، لكن اليوم ، لم يستطع
فقط تذكّر رقم الرحلة ، بل لم يتذكّر حتى سماع صوت تشن جيايو على الراديو
استمر فانغ هاو في السؤال : “ في أي وقت هبطتم ؟”
لم يستطع تخطي الأمر
أراد التأكد مما إذا كانوا قد هبطوا أثناء وجوده في الأبروش ،
وليس بعد أن تولى فو زيسيانغ المهمة
أجاب تشن جيايو: “ هبطنا عند الدقيقة 33 "
تنهد فانغ هاو: “ إذن ،،،، كان الأمر بسببي ...
لا بد أنني… لم أنتبه ”
بينما قال ذلك ، بدا فانغ هاو محبطًا بعض الشيء ،
ورآه تشن جيايو فلاحظ أنّ التعبير وردة الفعل كانت مألوفة نوعًا ما —- ' مضطرب ... خائف '
سأل تشن جيايو بحذر : “ كم استمر انقطاع الرادار ؟
ألا يوجد نظام احتياطي ؟”
أجاب فانغ هاو: “ نعم ، كان معطلاً لمدة أربع دقائق كاملة .
حتى النظام الاحتياطي فشل ، كل الشاشات أصبحت
سوداء ، لا معلومات على الإطلاق .”
علق تشن جيايو وهو يبدأ بتناول المافن : “ هذا مخيف ...
مجرد سماع ذلك يجعلني أرتجف .”
أومأ فانغ هاو برأسه: “ كان مروعًا ... لو اتخذت قرارًا خاطئًا ،
أو ضبطت ارتفاعًا خاطئًا… لم أجرؤ على التفكير في ذلك .”
حاول تشن جيايو مواساته : “ في النهاية ، الطائرات لديها TCAS كحل أخير .”
( نظام تجنب الاصطدامات المرورية )
بالطبع كان فانغ هاو يعلم —— فهو ملم بجميع برامج
الطائرات ومواصفاتها
قال: “ حسنًا ، إذا اضطررنا للاعتماد على TCAS، فمن
الأفضل أن أنسى استخدام الميكروفون لبقية حياتي ،
وإذا أعطيت أمرًا ، وصدرت تعليمات متعارضة من TCAS،
أيها يجب على الطائرة اتباعه ؟” إذا حدث ذلك، فقد يكون
خطوة نحو كارثة جوية كبيرة —- هذه الطريقة التي حدثت بها مأساة أوبرلينغ
نظر تشن جيايو إلى عينيه ، وكان في نظره نوع من الهدوء القوي ، وبعد لحظة ، قال : “ فانغ هاو … لقد لاحظت أنك متشائم
إلى حد ما "
سأل فانغ هاو بهدوء: “ هل أنا كذلك ؟”
أجاب : “ نعم "
ظل فانغ هاو صامتًا { هل أنا … متشائم ؟ }
التحكم في الحركة الجوية كان وظيفة تتطلب وتختبر القدرة على إدارة المواقف
استمتع فانغ هاو بأن يكون مسيطرًا ،، سواء في توجيه
الطائرات في السماء ، أو التقاط اللحظات بالكاميرا ،
أو التحكم الصارم في معدل ضربات قلبه ليكون أقل من 150 خلال ركضة 20-30 كيلومتر
كان يحب التحكم في مصيره بنفسه ويكره فقدان السيطرة
بعد فترة ، تحدث فانغ هاو : “ جيايو .. بعد تجربة مثل هذه
والخوف بعدها ، أشعر أنه ليس من مكاني الحديث عن الأمر ...
ربما لم أختبر سوى جزء صغير من الخوف اليوم ”
طبعًا فهم تشن جيايو أنه يشير إلى هبوطه الاضطراري في هونغ كونغ ،،
ولم يرغب في المبالغة في التفكير بذلك ،، و قال : “ الضغط
والشعور لا يمكن قياسهما ، ولا يوجد مقارنة ،،
إذا أردنا القياس ، فإن الأرواح التي كانت بين يديك كانت
عشرة أضعاف التي كانت معي "
نظر إليه فانغ هاو بعينين ثابتتين : “ إذاً هل شعرت بالخوف من قبل ؟”
أجاب تشن جيايو دون تردد : “ بالتأكيد ! ”
فانغ هاو : “ لقد قمنا بمحاكاة العديد من حالات الطوارئ ،
مثل 7700 و7500، لكن فشل الرادار الكامل لم يتم محاكاته أبدًا ،،
وعندما حدث ذلك فعليًا… وجدت أنه لم يكن أمامي خيار
سوى الاستمرار ومواصلة إصدار الأوامر ”
شعر تشن جيايو بتأثير كلمات فانغ هاو في أعماقه ،،، و قال:
“ أتعلم ، كطيار ، كل عام خلال التقييمات ، يجب علينا
محاكاة فشل محرك واحد وإجراء هبوط اضطراري ،
إنه سيناريو إلزامي ،
لكن لا أحد يحاكي سيناريو يفشل فيه محرك واحد ، بينما لا يقل محرك الآخر من قوته ،
كيف نقترب للهبوط ، وما هي إعدادات اللوح ، وكيفية
التقاط مسار الانحدار ، بأي زاوية ، وبأي طريقة للهبوط ،
وعندما يحدث ذلك فعليًا ، ينظر الجميع إليك ، ولا يكون
أمامك سوى الاستمرار فقط .”
كان هذا شيئًا لم يتحدث عنه أبدًا منذ حادث هونغ كونغ،
بغض النظر عن المكان أو الوقت
و لا في أي برنامج أو مقابلة ،،، لكن عند النظر إلى عيني فانغ هاو … لامع في بؤبؤيه المظلم بريق يجعل المرء يشعر
بالرغبة في إفشاء كل شيء
غالبًا يكون تشن جيايو محاطًا بالناس – الآباء الفخورون ،
القادة ، المعلمون ، وأولئك الذين يريدون التملق له أو
اللحاق به أو طلب مساعدته ، لكن من بينهم ، قلائل فقط
يتحدثون معه بالصدق ، بعضهم يتردّد بسبب هيئته ،
والبعض الآخر أراد الحفاظ على النسخة المثالية لتشن جيايو في أذهانهم ،
بعد حادث هونغ كونغ ، هل شعرت بالخوف ؟ سؤال بسيط ،
ومع ذلك لم يسأله أحد من قبل ——
كان الجميع يفترض أنه بخير ، يمكنه التعامل مع الأمر ،
أنه فوق البشر وقادر على مواجهة أي شيء ،
وإذا لم يستطع الآخرون ، بالتأكيد يمكنه هو ——
ومع ذلك ، غالبًا تكون الإجابات البسيطة بسيطة جدًا
لقد خاف ، خاف حينها ، وخاف بعدها ، وما زال بإمكانه أن يشعر بالخوف حتى الآن
شرب فانغ هاو رشفة من اللاتيه الساخن ، وكأنه يحاول تهدئة مشاعره
لم يتوقع أن يثير تشن جيايو الموضوع بهذه الصراحة
وما كان غير متوقع أكثر هو إدراكه مدى ما يجمع بينهما من أشياء مشتركة
من جانب تشن جيايو —— كان جيايو يحدق في فانغ هاو بثبات ——
{ فانغ هاو بلا شك وسيم ،،، وهو أمر أعرفه منذ البداية ... تحمل وسامته جاذبية شبابية ، مع لمحة من العناد
وعندما يتحدث فانغ هاو .. يفعل ذلك بثقة ، ويرفع ذقنه
قليلًا ، مع وضوح أفكاره أمام الجميع … }
في البداية حصل تشن جيايو على رقم تواصل فانغ هاو للاعتذار ، بما في ذلك عرض أخذه لتناول العشاء وإيصاله إلى المنزل ،
كل ذلك تم بطريقة عفوية وسلسة ، بهدف تحسين
العلاقات العملية في المطار أو ربما لتكوين صديق جديد ،
دون أي نوايا أخرى
لكن اليوم بدا مختلفًا
شعر تشن جيايو بأن خيطًا في قلبه قد تم عزفه ——- ,
وقد فاجأه هذا الإدراك – لم يتوقع أن يشعر بهذه الطريقة مجدداً ——- ,
ولم يكن مستعدًا لذلك بالتأكيد ——- ,
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق