Ch17 برج الأبروش
كان فانغ هاو بارعًا في إدارة وتيرة حياته ،، فعندما أدرك أنه
ليس في حالة جيدة بعد حادثة الرادار ،
اتصل بقوه تشيفانغ ليبدلا المناوبة ، رغم شعوره بالحرج ،
نظرًا لأن قوه تشيفانغ حامل في شهرها السابع ، كان عادةً
يحاول ألا يزعجها إلا عند الضرورة القصوى ، لكن اليوم كان
ظرفًا استثنائيًا ،،
لقد كان فانغ هاو يدرك الطبيعة الصارمة لمهنتهم ؛
فعملهم لا يسمح بارتكاب أي خطأ
إن جوي في حالة غير مثالية يشبه قنبلة موقوتة — وبما أنه
شعر بعدم اليقين بشأن حالته ، فقد اختار بطبيعة الحال أن
يأخذ فترة من الراحة ويبدل المناوبة ، متحمّلًا المسؤولية
عن نفسه وعن من حوله ،
وبرغم اعتماده المعتاد على نفسه ، إلا أنه حين يتعلّق الأمر
بسلامة الطيران ، كان لا بد لكرامته أن تتراجع إلى الخلف
والمفاجئ أنه انتهى به المطاف بالحديث مع تشن جيايو
لأكثر من نصف ساعة بالأمس ، ثم ودّعه عندما اتصل برج
المراقبة لإبلاغه بوصول الفني الكهربائي
وعند مغادرته مقهى كوزا ، قبِل فانغ هاو على مضض
الكيس الورقي الذي أخرجه تشن جيايو من حيث لا يدري ،
وأصرّ على أن يأخذ معه قطعة أخرى من مافن التوت الأزرق ،
امتلأت السيارة برائحة المافن في طريق العودة إلى المنزل،
مما جعله يشعر بالجوع
تناول بضع لقيمات من المافن ، وفكّر في تفاعله مع تشن جيايو …. مدركًا أنه بحاجة إلى إعادة تقييم نظرته إليه
فـتشن جيايو لم يكن أنانيًا ومتطلبًا كما تصوّر من قبل ،،
حتى وإن كان دعوته اليوم محاولة للتقرب ، فقد خففت
محادثتهما بعضًا من توتره ، وإخلاص الإنسان يُشعر به من خلال الكلام ،
على الأقل ، خلال تلك النصف ساعة ، بدا تشن جيايو
الجالس أمامه صادقًا وحقيقيًا
وقبل أن يغادر فانغ هاو ذلك اليوم ، استفسر عن خطط
تشن جيايو للأيام القادمة
وعندما ذكر الأخير: “ ما زال لديه رحلات شينجن وشنغهاي.” أراد أن يعرف تحديدًا
أي الرحلات في شينجن
لكن تشن جيايو لم يتمكن من تذكّر التفاصيل على الفور،
فوعده بأن يرد عليه لاحقًا ،
لكن فانغ هاو لوّح بيده مشيرًا إلى أن الأمر لا يستحق ،
معترفًا في نفسه أنه لم يفكر حقًا في سبب سؤاله ،
فقال تشن جيايو ممازحًا : “ ماذا ؟ هل تنوي دعوتي على العشاء ؟”
وبرغم أنها قيلت على سبيل الدعابة ، إلا أن قلبه شعر أن
استفسار فانغ هاو عن جدوله لم يكن مجرّد اهتمام عابر
في البداية ، كان فانغ هاو ينوي أن يردّ بمزحة ، لكنه تذكّر
كيف أن تشن جيايو بقي إلى جانبه وهو خارج نوبته ليواسيه ،
و ربما كان عليه أن يدعوه فعلًا إلى وجبة ، فقال : “ حسنًا،
شكرًا على اليوم . دعني أعزمك على العشاء يومًا آخر .”
وعندما عاد إلى منزله ، كان قد نسي الأمر تقريبًا ، إلى أن
وصله فجأةً رسالة من تشن جيايو:
[ الرحلة 3307 يوم الخميس ، 1462 يوم الجمعة .]
ارتعش جفن فانغ هاو الأيسر حين قرأ رقم الرحلة 1462—
{ أيمكن أن يكون ؟ يا لها من مصادفة !
إنها نفس الرحلة المسائية يوم الجمعة التي حجزها أخي }
عمل فانغ هاو في مطار داشينغ لما يقارب السنتين ،
وبرغم أن تشن جيايو كان أحيانًا يطير على رحلات دولية من
داشينغ، إلا أنهما لم يتقابلا هناك قط
لكن منذ أن التقيا، تكررت مصادفاتهما باستمرار على مدى
الشهر الماضي—مرة في إحدى الحفلات ، ثم في المطار ،
وغالبًا في الأجواء ،
والآن ، حتى حجز رحلة فانغ شنغجي بدا وكأنه يتقاطع معهما
بدأت تتشكل خطة في ذهنه ، لكنه لم يكن ينوي إخبار تشن
جيايو بها —- قرر الانتظار حتى تهبط رحلاتهما
⸻
يوم الجمعة ——- ،
فانغ هاو مناوبًا في الوردية النهارية
وبسبب تغيير الجدول المتعلق بمهام الرادار مع قوه
تشيفانغ —— اضطر أن يعمل في الوردية الليلية يوم الخميس
وبعد أن حصل على بضع ساعات من النوم واستحم سريعًا
في المنزل ، عاد إلى عمله
في البداية اقترحت قوه تشيفانغ أن يستمرا في تبادل المناوبات يوم الجمعة أيضًا ،
كي يتمكن من الراحة أكثر
بالعمل في الليل ، لكن جدول فانغ هاو ليوم الجمعة كان قد
عُدِّل خصيصًا لأن أخاه الأصغر سيصل على رحلة مسائية،
وكان فانغ هاو يريد أن يكون في استقباله
و حين أرسل له فانغ شنغجي رسالة نصية :[ صعدت إلى الطائرة ، أراك قريبًا ]
عاد فانغ هاو إلى مقعده سعيدًا واستأنف عمله
وبرغم أن اليوم كان مساء جمعة ، إلا أن ضغط العمل كان مقبولًا ،،
فقد طغى شوقه للقاء أخيه على أي تعب ناتج عن قلة النوم،
ومرّت الساعتان المتبقيتان من نوبته سريعًا ،،
وكما هو متوقع ، كان فانغ هاو قرابة السادسة والنصف في
استقباله لتشن جيايو وطاقمه المتجهين إلى بكين ،،
و وجّه الطائرة بهدوء :
“ رحلة إير تشاينا 1462، تقترب من بكين أبروش ، الرادار يلتقطكم ،،
حافظوا على ارتفاع 5500، سرعة 320.
المدرج المتوقع… 17L ، هبوط أعمى متوقَّع .”
عندما سمع تشن جيايو صوت فانغ هاو وذكره للمدرج 17L ،
أحس وكأن سماء بكين قد اضائت فجأة ~~ ،
و كرر التعليمات قائلاً :
“ ارتفاع 5500، سرعة 320، المدرج 17L .
رحلة إير تشاينا 1462 ….” و أضاف مبتسمًا: “يا له من يوم رائع "
لم يكن يعلم أن هذا اليوم كان بالفعل مميزًا ؛ إذ صادف عيد ميلاد فانغ شنغجي
وهذا من طباع تشن جيايو—يقول ما يجول بخاطره عبر موجات الراديو ،
بينما بوسع فانغ هاو أن يتجاهله إن كان
الراديو مشغولًا ، ويواصل إعطاء التعليمات
وبالفعل ، لم يرد فانغ هاو على تعليق تشن جيايو، بل
خاطب الطائرة التي أمامه :
“ رحلة ساوثرن 1470، انخفضوا إلى 4000 وحافظوا على
الارتفاع ،، من الذي سمح لكم بتعديل سرعتكم ؟”
ارتجف قائد ساوثرن 1470 وأسرع يبرّر: “ اعتقدت… عادةً
بعد الدخول… ينبغي أن أعدل إلى أقل من 300 "
حين سمع فانغ هاو هذا { ها قد ظهر واحد آخر من مدرسة ' اعتقدت '
لكنه كان في مزاج جيد ، فاختار ألا يوبخه ، بل نصحه بصبر:
“ إن لم تتلقوا تعليمات محددة ، فلا تعدّلوا سرعتكم ،،
كنتم على سرعة 280 عند ارتفاع 5000 قدم ، والطائرة
خلفكم كادت تتجاوزكم ، انخفضوا فورًا إلى 4000 قدم
واضبطوا السرعة على 300 "
: “ مفهوم ، الانخفاض إلى 4000 ، السرعة مضبوطة على 300. ساوثرن 1470.”
بعد أن تأكد من فصل المسافة بين ساوثرن 1470 و إير
تشاينا 1462، عاد فانغ هاو يخاطب تشن جيايو وطاقمه:
“ رحلة إير تشاينا 1462، اتجهوا 090. استعدوا للنهج على المدرج 17L .”
فأجابه تشن جيايو:
“ رحلة إير تشاينا 1462، الاتجاه 090، نستعد للنهج على المدرج 17L .”
واصل فانغ هاو قائلاً :
“ رحلة إير تشاينا 1462 حافظوا على ارتفاع 1200، وادخلوا على مسار الانحدار ،،
مصرح لكم بالاقتراب الآلي ILS على المدرج 17L ”
فأكّد تشن جيايو:
“ نحافظ على 1200، ندخل على مسار الانحدار ،
مصرح لنا بالاقتراب الآلي ILS على المدرج 17L إير تشاينا 1462 "
ولإنهاء الاتصال ، ذكّر فانغ هاو قائلاً:
“ رحلة إير تشاينا 1462، اضبطوا سرعتكم وارتفاعكم وفق المطلوب .
تواصلوا مع البرج على التردد 123.4. إلى اللقاء .”
أجاب تشن جيايو بحدة واضحة :
“ 123.4، إير تشاينا 1462.”، منهياً تبادلهما
كان فانغ هاو قد أنهى نوبته لليوم ، لكنه بقي ليتابع إجراءات
هبوط طاقم تشن جيايو ثم توجه إلى الطابق العلوي في برج المراقبة ——
صادف أن تكون هذه أول نوبة ليلية لـ تشو ييرو
ومن موقعهما ، شاهدا طائرة إير تشاينا تهبط بسلاسة على
المدرج 17L ، متباطئة تدريجيًا وهي تسير على الممر الأرضي ،
ولاحظ فانغ هاو أن تشو ييرو لم تكن منشغلة بمهام أخرى،
فجلس بجانبها قائلاً:
“ دعيني أنادي رحلة إير تشاينا 1462 "
تساءلت تشو ييرو وهي منشغلة بتوجيه الهبوط عمّا إذا كان
بين فانغ هاو وتشن جيايو شيء من التوتر:
“ ما الذي يجري بينك وبين الأخ جيايو مجددًا ؟
هل تنوي الجدال معه ؟
لم تنهيا جدالكما على تردد الأبروش ، والآن تريد المتابعة على تردد آخر ؟”
تفاجأ فانغ هاو من افتراضها وقال بسرعة:
“ بالتأكيد لا ،، وحتى لو أردت أن أجادله ، فلن أجرؤ على
مقاطعته أثناء الهبوط …. لا تقلقي ... إنه عيد ميلاد شنغجي اليوم ،
وهو على متن تلك الرحلة .”
عندها فهمت تشو ييرو الموقف ، فسلمته الميكروفون مطيعةً :
“ آه، فهمت "
أمسك فانغ هاو بالميكروفون ونادى :
“ رحلة إير تشاينا 1462، هنا برج المراقبة .”
عندما سمع تشن جيايو صوت فانغ هاو — فوجئ
فعادةً لا يتدخل البرج في الاقتراب بعد أن تُسلَّم السيطرة ،
إلا في حالات نادرة مثل أن يضبط الطاقم ترددًا خاطئًا
لكن بما أن تشن جيايو كان قد تلقى تعليماته من البرج ،
كان يعلم أن تردده صحيح ،
و التفسير الوحيد هو أن فانغ هاو قد ناداه شخصيًا من البرج ،
فسارع تشن جيايو بالرد:
“ رحلة إير تشاينا 1462 تفضل "
فانغ هاو :
“ رحلة إير تشاينا 1462… لدي طلب صغير "
وبما أن مهمة الطيران كانت قد اكتملت ، ردّ تشن جيايو بنبرة مرتاحة وهادئة :
“ تفضل ، برج المراقبة معك إير تشاينا 1462.”
فانغ هاو:
“ أخي الأصغر على متن رحلتكم ، واليوم يصادف عيد ميلاده الثامن عشر ،
هل يمكنكم… أن تذيعوا له تهنئة بعيد ميلاده من فضلكم ؟”
لمعت الدهشة على وجه تشن جيايو للحظة ، ثم سرعان ما وافق :
“ برج المراقبة ،لا مشكلة ،، ما اسم أخيك ؟
وهل لديك رقم مقعده ؟ سأطلب من الطاقم التأكد .”
فالتأكيد ضروري ، وإلا سيكون محرجًا إن كان الشخص خاطئًا
فانغ هاو:
“ فانغ شنغجي في المقعد 27C.”
أشار تشن جيايو للمضيفة الجوية وطلب منها التحقق من قائمة الركاب
وفجأة أدرك مغزى سؤال فانغ هاو السابق عن الرحلات المتجهة إلى شينجن ،
وفهم سبب رده عليه بإيموجي 👍🏼
ثم صمته بعد أن أعطاه رقم الرحلة ، شعر تشن جيايو
بمزيج من المشاعر ؛ فعلى الرغم من أنه كان يعتبر نفسه
منفتحًا ويظن أنه يعرف فانغ هاو جيدًا ، إلا أنه لم يكن على
علم بأهمية شقيقه الأصغر بالنسبة له
وبينما ينتظر المضيفة ، التقط تشن جيايو جهاز الاتصال وقال مازحًا :
“ من كان يظن يا فانغ هاو… أنك رومانسي إلى هذا الحد. "
اكتفى فانغ هاو بهمهمة محرجة:
“ مم…”
فلم يعرف كيف يرد ، مدركًا أن الآخرين ربما يستمعون ،
كما أن مخاطبته من قِبل تشن جيايو بهذه الألفة جعلته
يشعر ببعض الحرج
ولحسن الحظ أكدت المضيفة سريعًا ،، فأبلغ تشن جيايو:
“ تم التأكد من كل شيء ،، سأقوم أنا الكابتن بالإعلان ،،
انتظر لحظة ….”
ثم فعّل نظام البث وأعلن :
“ سيداتي وسادتي أهلًا بكم جميعًا ،،، نرحب بكم في بكين ،
الطقس الآن صافٍ والحرارة 11 درجة مئوية ،،
ولدينا أيضًا رسالة خاصة—للمسافر في المقعد 27C فانغ شنغجي — نتمنى لك عيد ميلاد سعيدًا في عامك الثامن عشر!
هيا بنا جميعًا نغني له أغنية عيد الميلاد !! "
تفاجأ فانغ شنغجي — فقد كان منشغلاً بترتيب سماعاته
وجهاز الآيباد حين باغته الركاب من حوله بتهاني عيد الميلاد
وبما أنه يحب الاحتفالات ، غمرته السعادة عندما انضم
الجميع إلى الغناء له، بل وصوّر اللحظة بهاتفه
وعند نزوله من الطائرة ، لمح تشن جيايو وهو يبتسم له و أول ما خطر في ذهنه
{ أليس هذا الطيار الشهير الذي أجرى الهبوط الاضطراري ؟ }
أوقفه تشن جيايو وهنأه شخصيًا مجدداً :
“ أنت فانغ شنغجي صحيح ؟ عيد ميلاد سعيد "
تفاجأ فانغ شنغجي وشعر بشيء من الفخر:
“ شكرًا كابتن ،، هل أنت… صديق لأخي ؟”
مجاريًا خطة فانغ هاو — أجاب تشن جيايو:
“ نعم هذا صحيح . كانت فكرته بالكامل "
ابتسم فانغ شنغجي :
“ شكرًا ….. أشعر أنني محظوظ جدًا "
قال تشن جيايو مبتسمًا:
“ بلوغ الثامنة عشرة محطة مهمة ، هل لديك أمتعة مسجلة ؟ سأرافقك لملاقاة أخيك بعد قليل .”
وبالطبع لم يكن فانغ هاو قد طلب منه ذلك ، بل كانت
مبادرة من تشن جيايو نفسه
وبما أنه شاب مهذب ، بادر فانغ شنغجي بسؤاله :
“ نعم… هل سيكون هذا عبئًا عليك ؟”
لوّح تشن جيايو بيده نافيًا :
“ لا عبء على الإطلاق ،، عليّ فقط توقيع بعض الأوراق ، ثم
سأنتظرك عند استلام الأمتعة .”
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق