القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

ch192 tgcf

 الفصل مئة واثنان وتسعين : الشبح ذو الثياب البيضاء يعيّن المحارب الأسود جنرالًا -١-.







كان واضحًا من صوته وهيئته أنه "شاب".


كان يرتدي درعًا محاربًا أنيقًا مرتبًا، طويل القامة ممشوقًا، كغصن خيزران يانع، تفوح منه براءة الشباب. ملابس سوداء كالمداد، وشعر أسود كالمداد، مربوطًا عاليًا. وعلى خصره كان يتدلى سيف نحيل طويل. رفع رأسه ببطء، وعلى وجهه قناع أبيض ناصع مرسوم عليه ابتسامة هلالية.


كرات متتابعة من الضباب الأسود تمايلت بين العويل والصفير، ثم امتصها الرجل ذو الثياب البيضاء كلها إلى المصفوفة في كمّه، وكأنه يجمع نهرًا كاملًا في علبة صغيرة من اليشم. أما الشاب المتشح بالسواد، فقد ظلّ ثابتًا وسط ذلك الإعصار الأسود المضطرب.


سأل الرجل ذو الثياب البيضاء:

"مَن كنتَ تنادي؟"


ذلك الشاب ذو الملابس السوداء كان لا يزال جاثيًا على ركبة واحدة، خاضعًا كخادم، لكنه بدا أيضًا كأنه يؤدي قسمًا. أجاب:

"كنتُ أناديك، يا صاحب السمو."


قال الرجل ذو الثياب البيضاء ببرود:

"لستُ صاحب السمو."


غير أن الشاب المتشح بالسواد أجاب:

"بل أنت هو. لن أنسى صوتك وهيئتك أبدًا."


امتزج صوت الرجل ذو الثياب البيضاء الآن بالغضب:

"قلت لك، لستُ هو."


ذلك الرجل ذو الثياب البيضاء لم يكن سوى شي ليان، الذي ارتدى ثوب الجنازة الأبيض ووضع القناع الضاحك-الباكي.


بما أن وجهه محجوب خلف القناع، لم يستطع أحد التعرف إليه، وهو بدوره لم يرغب في أن يُعرف. ومع ذلك، في ساحة المعركة هذه، ناداه محارب أسود تائه بهويته مباشرة.


فجأة، اندفع شريط الحرير الأبيض الملفوف على كمّ شي ليان الواسع، كأفعى سامة، نحو الشاب المتشح بالسواد. للوهلة الأولى بدا قماشًا لينًا وواهيًا، لكنه حين هجم كان وحشيًا، طافحًا بالشر. بدا أن الشاب المتشح بالسواد سيتقيّد به، لكنه مد يده فجأة وأمسك الشريط بقوة.


طرف من الشريط كان ملتفًا حول معصم شي ليان، والطرف الآخر حول معصم ذلك الشاب، وبينهما الشريط مشدود أكثر فأكثر. لم يكن أنه لا يستطيع الانفلات، بل لأن الشاب شد قبضته عليه بإحكام، كأنه يمسك أفعى قاتلة عند عنقها، ومن يده انبعث برد لا نهائي.


لم يكن هناك شك، إنه روح ميت.


بل روح ميتة شديدة القوة!


وبعد أن شعر شي ليان بأن قوة هائلة تُنقل عبر شريط الحرير، سأل:

"ما اسمك؟"


بعد لحظة صمت، أجاب الشاب :

"لا اسم لي."


فلم يُلح شي ليان، بل قال:

"من لا اسم له يُسمى وومينغ."


قال الشاب:

"نادني كما تشاء."


تابع شي ليان:

"هل أنت روح جندي ميت في هذه الساحة؟"


"أنا كذلك ." أجاب وومينغ.


حينها فقط أرخى شي ليان قبضته، فقفز الشريط الأبيض عائدًا إليه، يهتز بتباهٍ تجاه ذلك الشاب، كأنه يمد لسانًا سامًا.


بما أنه روح جندي ميت سقط في المعركة، فليس غريبًا أن يستجيب لندائه. هذا المحارب المتشح بالسواد لا بد أن صدره ممتلئ بالحقد على يونغ آن أيضًا. أي أنه يمكن استغلاله، إذ إن هدفهما واحد.


قال شي ليان:

"إذن، اتبعني."


ومد يده إلى ذلك المحارب المتشح بالسواد:

"سأمنحك ما تريد."


كان وجه الشاب أيضًا محجوبًا بقناع، لذا لا يمكن معرفة تعابيره. كانا متشابهين.


وبعد لحظة صمت، قبض الشاب بلا تردد على يد شي ليان الممدودة، وانحنى عميقًا، ضاغطًا جبهته الباردة على ظهر يده.


ثم قال بصوت عميق:

"أقسم أن أفدي حياتي في اتباعك، يا صاحب السمو."


غير أن شي ليان سحب يده، وأدخل ذراعيه في كمّيه، ثم استدار وقال ببرود:

"لقد متَّ فعلًا. تعال."


نهض المحارب المتشح بالسواد، ولما التفت شي ليان ليلقي عليه نظرة، اكتشف أن هذا الشاب كان أكبر حجمًا مما تخيل. كان في السادسة عشرة أو السابعة عشرة على الأغلب، لكن قامته كانت ضخمة بالفعل، أطول منه قليلًا.


لكن لم يكن هذا مهمًا، فاكتفى شي ليان بنظرة سريعة قبل أن يستدير ويواصل طريقه.


تقدّم شي ليان، والمحارب عديم الاسم يتبعه كما هو متوقع.


"إلى أين تريد الذهاب، سموك ؟"


أجاب شي ليان بنظره الممتد إلى البعيد:

"إلى قصر يونغ آن."


كان قصر يونغ آن قائمًا في مدينة كبيرة أخرى في الغرب. هذه المدينة الحصينة كانت يومًا زاخرة بالبذخ، لكنها ظلت مقموعة تحت ظل العاصمة الشرقية شيان لي . والآن بعدما سقطت شيان لي ، نقل الملك الجديد العاصمة إلى هنا، ولن يمضي وقت طويل حتى تتفوق على العاصمة القديمة، متلألئة بمجدها.


وصل شي ليان في عمق الليل. تحت ضوء القمر، كان كقط أبيض يتنقل بلا صوت فوق أسطح المدينة الإمبراطورية الجديدة، يتبعه المحارب المتشح بالسواد كأنه ثعلب أسود خفي. وما لبثا أن حطّا أمام بوابة عظيمة.


شعر شي ليان بشيء غير طبيعي. فقد انبعث من تلك البوابة هواء مريب خفيف، فتوقف. كان على وشك أن يمد يده ليتفحص، لكن المحارب المتشح بالسواد تقدّم وسدّ الطريق أمامه.


مد راحة يده وقال بهدوء:

"انكسر!"


ومن شق الباب تسرب خط من الضوء الناري، كأن شيئًا احترق. بعدها فقط مد المحارب يده ودفع البوابة.


قال: " سموك ."


دخل شي ليان العتبة ونظر إلى الأرض، فرأى كما توقع بعض القصاصات المحترقة مبعثرة. التقط واحدة، فشمّ رائحة أعشاب وورق تعاويذ. نظر خلسة إلى المحارب المتشح بالسواد.


لقد كان هذا الشبح قويًا بالفعل.


فبقايا التعاويذ المحترقة أظهرت أن أحدهم من الجهة الأخرى كان قد نصب تعويذة دفاعية، ولم تكن ضعيفة. لو حاول خادم ضعيف أن يقتحمها، لاحترقت أحشاؤه حتى صارت رمادًا. ومع ذلك، تمكن هذا المحارب من تدميرها في لحظة.


ربما لأن قصر يونغ آن بُني حديثًا، لم يكن باهرًا جدًا. بل بدا باردًا متواضعًا، لا يُقارن بقصر شيان لي . هذا لم يكن الغريب. الغريب هو أنه في الطريق كله كانت هناك مصائد ومصفوفات دفاعية متواصلة لطرد الأرواح الشريرة. لكن كلما لاحظ شي ليان حاجزًا أمامهم، كان المحارب المتشح بالسواد يتقدّم أولًا ليحطمه ويفسح له الطريق، فيظل سيرهما بلا عوائق.


بعد ساعة، كانا قد وصلا إلى قمة القاعة الكبرى لقصر يونغ آن. وقف ظلّان طويلان رشيقان على السطح، يراقبان ما تحتهما.


كلاهما يرتدي قناعًا. أكمام الرجل ذو الثياب البيضاء كانت ترفرف، ملفوف عليها شريط حرير أبيض يرقص بجنون مع الريح. أما الرجل المتشح بالسواد، فكان قوي البنية رشيق الحركة، يتدلى سيف طويل على خصره، واقفًا حارسًا إلى جانب الرجل الأبيض، يحدق في نفس الاتجاه.


كان ملك يونغ آن الجديد في تلك القاعة الكبرى. ضحك شي ليان بسخرية وقال:


"أن يُقيم كل هذه الحواجز لطرد الأرواح في قصره، فهذا يعني أنه حقًا مذعور مما قد يأتي يطرق بابه."








يتبع...

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي