الفصل مئتان واثنا عشر : العجز عن الكمال؛ قلب مثقل بالندم.
كانت المرآة تعكس ما يوجد خلف الجدار. وهناك، كان يين يو يهز شوان يي تشين بعنف وهو يردد:
"استفق! استفق!"
وبعد حين، أفاق شوان يي تشين بصعوبة، وتمتم نصفَ واعٍ:
"شيشونغ ... مَن الذي ضربني... قبل قليل؟ ما الذي... يحدث؟"
كان المسكين قد ضُرِب حتى امتلأ جسده بالكدمات وتورّم وجهه حتى غدا كلامه مبهمًا، فأحسّ شي ليان بالشفقة عليه رغمًا عنه.
سأله يين يو: "أتظن أنّني أنا من ضربك؟"
حكّ شوان يي تشين رأسه، وبدا أنّه تذكّر فجأة:
"آه... لقد كان الإمبراطور مَن ضربني." ثم، وكأنّ ذكرى أخرى خطرَت بباله، انتعش بحماس قائلاً:
"لقد اخذ مجرفتك! هل تريد أن أساعدك على استعادته؟"
فقال يين يو ببرود: "وهل تظن أنّك قادر على هزيمته؟"
حينها، أدرك شي ليان أخيرًا: هذا المكان هو قصر تشي يينغ.
يبدو أنّ يين يو تم اسره على يد جون وو حين جاء يبحث عن شوان يي تشين.
كان جون وو قد دار خلف جسده، فانتهز شي ليان الفرصة وخفض رأسه وهمس بلا صوت:
"سيد الرياح ، هل ما زلت هنا؟"
لكن الذي أجابه لم يكن شي شينغ شوان، بل صوت جون وو نفسه من خلفه:
"بالطبع لا."
"...."
قال جون وو: "تذكّرت فجأة أنّ الحاجز الذي يغلق العاصمة السماوية يحوي ثغرات. لذا، قمتُ لتوي بإغلاق تعويذة تبديل الأرواح أيضًا."
"...."
ثم ربّت على كتفه قائلًا بودّ:
"تخيّل! أنا الذي علّمتك تلك التعويذة قديمًا. وها أنت يا شيان ح تستعمل كل ما علّمتك إياه في الواقع. هذا يسعدني كثيرًا."
غادر بعد ذلك، ولم يلبث طويلًا حتى ظهر جسده داخل المرآة.
كان شوان يي تشين أوّل من لاحظه، فاتسعت عيناه بدهشة.
أما يين يو فالتفت فزعًا: "مولاي الإمبراطور؟!"
قفز شوان يي تشين على قدميه ليستعد للقتال، لكن جون وو لم يفعل سوى أن لوّح بيده، فاندفع شوان يي تشين بعيدًا وسقط على الفراش حتى انهار به، ثم ارتطم بالأرض وغاب عن وعيه ثانية.
ارتسمت الحيطة على ملامح يين يو، غير أنّ جون وو قال بهدوء:
"لا داعي للتوتر. فكر بالأمر: حتى لو كنت متأهبًا فلن يُجدي نفعًا. إذن، أليس الاسترخاء أفضل؟"
كانت كلماته منطقية، فلم يجد يين يو ما يردّ به، واكتفى بابتسامة متكلفة سرعان ما اختفت. بينما بدا جون وو مطمئنًا هادئًا.
قال: "يا عزيزي يين يو، أظن أنّنا لم نتحدّث على هذا النحو من قبل، أليس كذلك؟"
أجاب يين يو بحذر: "... يبدو أنّ الأمر كذلك."
ففي الماضي، حين كان هو المسؤول العسكري الحاكم للغرب، لم يكن له كثير من المؤمنين، ولم تُسجَّل له إنجازات تُذكَر، فبقيت رتبته متواضعة. لم يكن أضعف مسؤولي البلاط الأعلى، لكنه كان أدنى من المتوسط، فلم تتح له الفرصة أبدًا للوقوف قرب أعظم شخصية في البلاط الأعلى: الإمبراطور العسكري السماوي. كان يرتبك حتى لو مرّ جون وو صدفة أمام بوابة قصره، أما الآن فقد كان ارتباكه أشدّ.
وأضاف: "لكن هناك الكثير من المسؤولين الذين لم أتحدّث إليهم أصلًا، بل ولم يعرفوني."
فأجابه جون وو: "ليس صحيحًا تمامًا. كثيرون يعرفونك. حتى لو لم يلتقوا بك شخصيًّا، فهم يعرفون اسمك."
دهش يين يو: "حقًّا؟"
قال جون وو: "ذلك لأن الكثيرين يعرفون أخاك الأصغر. وحين يُذكر اسمه، يجيء اسمك تبعًا له. أنت المقارنة، الخلفية التي يُقاس بها."
كانت الكلمات قاسية كالسياط. لم يكن فيها تهكّم، بل خرجت محايدة خالية من العاطفة؛ لكن صدورها كحقيقة عارية هو ما جعلها مؤلمة أكثر.
أما شوان يي تشين فظلّ فاقد الوعي، فيما طأطأ يين يو رأسه وقبض قبضتيه بصمت.
تمكّن شي ليان من معرفة نوايا جون وو.
بعد تردّد طويل، سأل يين يو بصوت متهدّج:
"جلالتك ... ما الذي تريده؟ أنت بالفعل الإمبراطور العسكري السماوي، لا شيء يقف في وجهك. أنت أعظم مسؤول عسكري في العوالم الثلاثة، لا أحد ينازعك مكانتك. فلماذا تفعل هذا؟ ماذا تريد بالضبط؟"
لكن جون وو لم يُجب عن سؤاله، بل قال فجأة:
"يين يو، هل ترغب في العودة إلى البلاط الأعلى؟"
"ماذا؟!"
حتى شي ليان صُدم. ما الذي يخطط له جون وو؟ ما معنى أن يحاول استمالة يين يو الآن؟
قال جون وو: "لا أظن أنّك تستمتع بكونك مجرد تابع صغير في عالم الأشباح السفلي."
"...."
استفاق يين يو أخيرًا وقال:
"جلالتك يظن الكثير. سواء أعجبني ذلك أم لم يعجبني، لم يكن لديّ خيار منذ البداية."
فكّر شي ليان بفزع: يا للأسف! هذه إجابة سيئة... الآن سيكشف موطن ضعفك!
ابتسم جون وو ابتسامة صغيرة وقال:
"هل تعلم أن جوابك هذا يعني في الحقيقة: 'أنا لا أحب الأمر، لكن لا أرغب في الاعتراف'؟"
"...."
ولو كان يين يو واثقًا وراضيًا فعلًا بمكانته الحالية، لقال ببساطة: "أنا سعيد بها". لكن تردده ومراوغته فضحا مشاعره الحقيقية.
واصل جون وو:
"لقد نشأتَ في أسرة عريقة، من سلالة نقية لم تنحرف عن الطريق. تربّيت منذ صغرك على أنّ الصعود هو الغاية القصوى للحياة. مثل هذا الطموح يصعب التخلّي عنه. أما سقوطك إلى عالم الأشباح، فلم يكن خيارًا بل اضطرارًا. لذلك، لا يمكنك الادعاء بأنك راضٍ، لأنه لم يكن ما سعيت إليه."
تردّد يين يو قليلًا، ثم قال بخفوت: "جلالتك تشينغ تشو أنعم عليّ، لقد أنقذني..."
قال جون وو: "أعلم. بل وساعدك أيضًا في تهدئة روح جيان يو الغاضبة، الذي مات في المنفى، أليس كذلك؟"
أجاب يين يو: "... نعم."
قال جون وو: "إذن، سواء قلت إنك راضٍ أم لا، فالجواب واضح: أنت لست كذلك. لقد كبّلك فضله فلم تجد مكانًا آخر، فأجبرت نفسك على قبول وضع لم ترده."
"...."
أطرق يين يو صامتًا، بينما كان شي ليان يتصبب عرقًا باردًا.
لقد صار يفهم الآن خطة جون وو: إنه يضغط على كل موضع ضعف لدى يين يو بلا رحمة!
ثم قال جون وو:
"فلنغيّر السؤال. أخبرني: هل سبق وأحسنتَ إلى شوان يي تشين؟"
"...."
أكمل جون وو "فلماذا، إذن، تقبل أن تضع نفسك في موقف مهين، تكبّل ذاتك برد جميل غريب عنك، بينما جزاء إحسانك إلى شوان يي تشين كان أن يهوي بك إلى هذا الدرك؟
يا يين يو، إهانة النفس من أجل الآخرين عادة سيئة. ولن يشكرك عليها أحد."
كانت كلماته كخناجر تُغرس في أعمق الجراح.
ثم تابع ببرود:
"لقد قضيت حياتك كلها تتوق إلى الصعود، إلى مكانة رفيعة في البلاط الأعلى، إلى أن تكون ضمن صفوف القاعة الكبرى. وحتى بعدما جعلك شوان يي تشين أضحوكة ومجرّد خلفية تُقارن به، صبرت وبقيت متشبثًا بالعاصمة السماوية. أليس ذلك لأنك أردت أن تبقى هنا؟
أنت تنتمي إلى هذا المكان، لكنه دمّر كل شيء، وسلب منك بسهولة ما كان ينبغي أن يكون لك.
من يظن نفسه؟
هل أعطيتَ أقلّ منه؟ لا، بل أعطيت أكثر. ومن حيث الكفاءة الشاملة، ربما لم يكن ليرقى إليك أصلًا.
والآن، انظر: تشي يينغ وحيد في البلاط الأعلى، بلا سند ولا رفيق. لأنه بسيط العقل، غافل وجاهل، غليظ وفظّ، فلا يحظى باحترام أحد.
أما أنت، فعقلك أنضج، وحكمتك أوسع، تدرك متى تتقدّم ومتى تتراجع، وتبذل جهدًا أكبر. لو كنت تملك مواهبه الفطرية وقوته الروحية، لكانت إنجازاتك أعظم بأضعاف، ولاحترمك الجميع."
بدأ يين يو يفقد صبره وقال بقلق:
"لا أفهم لماذا يقول جلالتك كل هذا. كل تلك الـ لو لا معنى لها، فقوته الروحية تخصّه هو..."
وفجأة صرخ رافعًا يده في ذعر:
"ماذا؟! ما هذا؟!"
إذ انفجر نورٌ روحيّ أبيض ناصع من كفّه، كان شديد السطوع حتى لا يمكن التحديق فيه مباشرة.
قال جون وو ببرود:
"لا داعي للخوف، إنها مجرد قوة روحية."
حينها فقط هدأ يين يو قليلًا، لكنه قال بعدم تصديق:
"قوة روحية؟... أهي... لي؟ لكنني لست بهذه القوة..."
فقوته الروحية لم تكن يومًا بهذه العظمة.
ابتسم جون وو وقال:
"ليست لك بعد. لكن ما إذا ستصبح لك أم لا، فهذا يتوقف على ما تختار."
صاح يين يو مذهولًا:
"إن لم تكن لي، فلمن إذن؟! أيمكن أن تكون..."
فخطر شخص إلى ذهنه على الفور، والتفت نحوه. وبالصدفة، كان شوان يي تشين قد استعاد وعيه مجددًا بفضل عناده وقوة حياته، لكنه بدا مذهولًا لا يدرك ما يجري.
قال جون وو:
"صحيح. هذه قوة شوان يي تشين الروحية."
"هاه؟" اتسعت عينا شوان يي تشين بدهشة.
سأل يين يو بارتباك:
"ولماذا قوته الروحية بداخلي أنا؟! كيف يمكن نقل القوى الروحية هكذا؟ كيف يكون هذا ممكنًا؟!"
أجاب جون وو:
"حتى الأقدار يمكن تبديلها، فما المانع في تبديل القوى الروحية؟ هناك أمور كثيرة ليست بالصعوبة التي تظنها. لا يتطلب الأمر سوى بضع كلمات وبضع خطوط بريشة مسؤول سماوي عظيم، لا أكثر."
ارتعد يين يو وهو يتمتم:
"هذا... هذا...!!"
لوّح بيديه كما لو كان يريد أن يتخلّص من جمرة مشتعلة، لكن تلك القوة الهائلة وثبت على كفه فرِحة، وأطلقت حيثما أشارت أصابعه. فجأة، تهدّم صفّ كامل من جدران قصر تشي يينغ، وانهارت التماثيل الإلهية، وكاد السقف أن يسقط.
تملّكه الرعب أكثر ولم يجرؤ أن يلوّح بيده ثانية.
ابتسم جون وو وقال:
"لا تقلق، خذ وقتك، فقط سيطر عليها."
قبض يين يو بيده الأخرى على كفه المرتجف، وذراعاه يهتزّان من الفزع.
قال جون وو:
"يين يو، أسألك مجددًا: أتريد العودة؟"
لهث يين يو، وعيناه محتقنتان بالدماء ، ثم نظر إليه.
قال جون وو:
"إن أردت العودة، فليس فقط يمكنني أن أخلّصك من لعنة السلسلة، بل يمكنني أيضًا أن أنقل إليك كل قوى شوان يي تشين الروحية."
بُهِت شوان يي تشين تمامًا، فلم يكن يتخيّل وجود تعويذة شريرة كهذه.
بينما صاح شي ليان مذهولًا:
"؟؟؟ هل جننت؟!!"
تابع جون وو ببطء:
"ومن الآن فصاعدًا، لن يوجد شخص لا يعرف إلا تشي يينغ دون أن يعرف يين يو. لن يجرؤ أحد أن ينسى اسمك بعد اليوم."
تراجع يين يو متعثرًا، ذهنه مضطرب:
"أنا... أنا..."
بلغ توتر شي ليان ذروته حتى نسي أنه ما زال موثوقًا بالكرسي بحبال رويي. انحنى إلى الأمام ممسكًا بمسند الكرسي، حابسًا انفاسه.
كان هناك شيء واحد لم يخطئ فيه جون وو: فقد لاحظ شي ليان أيضًا أن يين يو، في أعماقه، ظلّ يحنّ إلى السماء أكثر. لقد كان ينتمي إلى البلاط الأعلى منذ البداية، وزُرع هذا داخله منذ صغره، ومن الصعب تغييره.
وفوق ذلك، هل حقًّا لم يكن يحمل ذرة ضغينة تجاه شوان يي تشين؟ لم يكن بالإمكان الجزم بذلك. فمن المستحيل بينهما، بعد كل ما حدث، أن يقول ببساطة: "أنا لا أكرهك". حتى لو كان الكره ضئيلًا، فإن شخصية يين يو المترددة جعلته عرضة للتأثر بما حوله.
ولم يكن شي ليان يعرفه بما يكفي ليحكم، فلم يستطع إلا أن يصلّي في سره:
صاحب السمو يين يو... كن حذرًا!
قال يين يو مترددًا:
"أنا... أنا..."
مضى وقت طويل وهو على وشك الانهيار، ثم جلس وأخفى وجهه بين كفيه. وبعد لحظة، رفع رأسه وقد صار بصره باردًا غامضًا.
حدّق طويلًا في شوان يي تشين، الذي بدا ككومة مهملة من الضرب، ثم همس:
"...جلالتك ، هل تستطيع حقًّا أن تمنحني كل قواه الروحية؟"
انقبض قلب شي ليان، فيما فغر شوان يي تشين فاه مصعوقًا:
"...شيشونغ؟"
قال جون وو:
"ولماذا لا أمنحك إياها الآن لتتأكد بنفسك؟"
لكن يين يو ظلّ مترددًا وسأل:
"إذن... هل يمكنه استعادتها؟ أعني، هي قواه الأصلية، فإن حاول استرجاعها..."
قال جون وو:
"إلا إذا اخترت أنت أن تعيدها له، أو متَّ، فلن يستطيع استردادها."
سأل يين يو بتردّد:
"وإن نُقلت قواه إليّ... هل سيموت شوان يي تشين؟ أم ماذا سيحدث؟"
فمهما كان، لم يُرد أن يموت شوان يي تشين بسببه.
فأجابه جون وو:
"لن يحدث شيء، فقط العملية مؤلمة قليلًا، لا أكثر. لكن مَن في هذا العالم لم يتذوّق الألم؟ أما كيف ستتعامل معه بعدها، أيموت أم يحيا، فذلك عائد لك وحدك."
سأل يين يو مجددًا:
"وماذا عن بقية المسؤولين ؟ لقد شاهد الكثير منهم ما حدث في القاعة الكبرى. إن انتشر الخبر..."
ابتسم جون وو:
"فليعلموا! إنهم جميعًا كالنمل، أسحقهم بيد واحدة. سنُبيدهم جميعًا، ونأتي بجيل جديد من المسؤولين السماويين، ثم نغيّر ملامحك واسمك ونخلق لك ماضيًا جديدًا. مَن سيعلم الحقيقة؟"
قالها ببرود تام، بيسر كأنما يصف شايًا فاترًا يجب سكبه وتبديله بكوب جديد.
وأخيرًا سأل يين يو:
"في البلاط الأعلى الجديد... ما ستكون هويتي؟"
قال جون وو:
"لينغ وين هي يدي اليسرى، وأنت ستكون يدي اليمنى. لن يعلوك أحد سواي."
قبض يين يو أسنانه وقال أخيرًا:
"...حسنًا!"
ثم أضاف ببرود:
"ليتذكّر جلالتك وعده لي اليوم. إذن، الآن..."
لم يُكمل جملته، بل وجّه بصره نحو شوان يي تشين.
أجابه جون وو:
"كما تشاء."
وما إن نطقها حتى بدأ شوان يي تشين يتلوّى من الألم. التوت ملامحه، وصرخ بينما الدم يتفجر من أنفه وأذنيه وعينيه وفمه، ممسكًا رأسه يتدحرج أرضًا في عذاب شديد. وفي المقابل، انبعث نور روحيّ هائل من جسد يين يو.
أضاء وجهه كله، فرفع ذراعه ولوّح بها؛ وإذا بالقصر الذهبي لقصر تشي يينغ ينهار كليًّا بدويٍّ مرعب!
ظهر ثقب ضخم في قصر تشي يينغ، وبين الركام وقف يين يو مطأطئ الرأس، يحدّق في كفيه ويقبضهما ببطء. أما جون وو، فكان ينظر إليه كما ينظر إلى طفل يلعب بلعبة جديدة.
سأله:
"كيف تشعر؟"
وبعد برهة أجاب يين يو:
"...لم أملك في حياتي قوة كهذه من قبل."
ثم نظر إلى شوان يي تشين، الذي كان يصرخ ملتويًا على الأرض، بعينين غامضتين وقال:
"قال معلمي ذات مرة إن شوان يي تشين وُلد ليصعد، وإن قدرته موهبة من السماء. فهل هذه هي القوة التي منحتها السماء؟"
قال جون وو:
"ومن الآن فصاعدًا، هي قوتك."
أومأ يين يو ببطء.
ثم في اللحظة التالية، رفع كفّه وأطلق ضربة مدمّرة.
كانت ضربة استخدمت كامل قوة شوان يي تشين، هائلة إلى درجة أن ضوءًا أبيض انفجر من المرآة. وبعدها رسم يين يو دائرة ضخمة في الهواء بيمينه، ثم قبضها وألقاها، محاصرًا جون وو داخلها.
نظر جون وو إلى الدائرة المضيئة تحت قدميه، فعقد حاجبيه قليلًا، وكأنه يتحاشى لمسها. ثم رفع عينيه إلى يين يو الذي كان يسحب شوان يي تشين ويحمله على ظهره، متظاهرًا باللامبالاة.
قال جون وو:
"يين يو، أن تنكث وعدك في آخر لحظة... ألا تود أن تفسّر لي؟"
"...."
أما يين يو فقد ولّى ظهره، حاملاً شوان يي تشين على كتفيه، ولم يُجب.
قال جون وو: "ما تفعله حقًا يستحق المديح، إنه تصرّف نبيل. لكن، هل هذه هي نيتك الحقيقية؟ لقد تحملت وقمعت نفسك لمئات السنين، هل ستظل تتحمل؟"
"...."
وأضاف: "ألا تضمر الكراهية تجاه من تحاول إنقاذه الآن؟ وإن لم تضمر الكراهية، ألا تشعر بالبغض؟"
"...."
لم يستطع يين يو التماسك أكثر، فقبض يديه بقوة حتى تكسرت مفاصله، ثم استدار فجأة وصاح:
"نعم، أبغضه! نعم، أكرهه!!! لكن، وماذا في ذلك؟!"
ارتبك شوان يي تشين، وهو ينزف من أنفه وفمه، وقال:
" شيشونغ ..."
لكن يين يو صرخ فيه:
"اصمُت!!!"
ثم استدار مجددًا نحو جون وو وهو يهتف بانفعال:
"جلالتك ... جلالتك ... أنت! لماذا تذكّرني بهذا؟! ولماذا تتحدث وكأنك تفهمني؟! نعم، أكرهه! لكن، وماذا في ذلك؟! لقد سبب لي الكثير من المتاعب، فمن الطبيعي أن أكرهه!"
"...."
في تلك اللحظة، شعر شي ليان أن قلبه الغارق في وادٍ مظلم قد قفز فجأة عاليًا، لا يعرف هل يضحك أم يبكي، وكاد يسقط من شدة الصدمة. أي منطق مشوش هذا؟
أكمل يين يو:
"...لكن... لكنني أردت فقط أن أبغضه، هذا لا يعني أن عليّ أن أؤذيه. ما معنى قولك كان يجب أن يكون لي؟ لا شيء سوى الموهبة الفطرية تولد مع الإنسان. ممتلكات الآخرين، لا أريدها!!"
أشرق وجه شي ليان وصاح:
"أحسنت القول!"
تابع يين يو:
"نعم، أريد أن أعود إلى السماء، وأريد أن أكون ضمن العشرة الأوائل! لكن! إن لم أحقق ذلك بجهدي أنا، فلن يكون له أي معنى! إن كنت منحوسًا، فأنا أتقبل ذلك! وإن لم أكن بقوته، فعلى الأقل يمكنني أن أعترف أنني لست بقوته! الاعتراف بأنني لا أستطيع مجاراته ليس بالأمر الصعب!"
يا له من كبرياء!
في تلك اللحظة، رأى شي ليان من جديد في يين يو ذلك البريق المجيد وكبرياء شبابه.
فجأة، انفجر شوان يي تشين بالبكاء على ظهره، ممزوجًا بالدموع والدم والمخاط، حتى غطّى وجه يين يو بأكمله.
فصرخ يين يو محطمًا:
"توقف عن ذلك!!!"
بينما كان شوان يي تشين ينتحب:
"شيشونغ ، أنا آسف!"
فقال يين يو بصعوبة:
"لا داعي للاعتذار بعد الآن! فلن تفهم أبدًا مهما اعتذرت. لقد سئمت منك..."
تنهد جون وو، واضعًا يده على صدغه.
وأضاف يين يو:
"ثم... ثم إنني لست عديم الفائدة تمامًا. لقد قلتها بنفسك. من حيث القدرات العامة، قد لا يكون أفضل مني. أنا لدي ما يميّزني..."
وفجأة.
استدار جون وو ولوّح بيده ببرود:
"مثير للحماس. أظن أنك أنت وشيان لي ستنسجمان جيدًا."
ماذا؟!
ماذا حدث؟!
كان شي ليان لا يزال موثوقًا بالكرسي، لكن قلبه كان يخفق بعنف يكاد يخرج من صدره. ما الذي حدث ليين يو؟
لقد توقف عن الكلام، وتحول وجهه إلى ملامح غريبة. أما جون وو فقد شبك يديه خلف ظهره، وعبر بكل هدوء تلك الدائرة المضيئة القوية وكأنها لم تكن موجودة.
قال:
"لقد توقعت مسبقًا أنك سترد هكذا. لذا لم أنزع قيد اللعنة عنك."
قيد اللعنة؟!
كان هناك بالفعل قيد لعنة على ذراع يين يو! نظر شي ليان بسرعة، ورفع يين يو معصمه، فبان أن السوار الملعون قد اشتد لدرجة بدا معها أنه سيحطم يده. وقد شحب ذراعه كله حتى صار أبيض كالورق، وذلك البياض أخذ ينتشر.
كان القيد يمتص دمه!
اندفع شي ليان للأمام، فسقط هو والكرسي أرضًا في فوضى. لم يعد بإمكانه رؤية المرآة. أخذ يتخبط بجنون لكنه لم يفلح، ولم يسمع سوى أصوات ارتطام عنيف قادمة منها.
وبعد وقت، ظهرت أمام عينيه حذاءان أبيضان. لقد عاد جون وو.
في يده قيد ملعون أحمر قاتم، مليء بالدم، على الأرجح نزعه من يين يو. انحنى وربت على رأس شي ليان قائلًا:
"اذهب وودّع صديقك الصغير."
أخيرًا، انحل عقد رويي. فنهض شي ليان وألقى لكمة على وجهه. بطبيعة الحال لم تصب، وكاد يسقط من توازنه، لكنه لم يكن يتوقع إصابته أصلًا، بل كان يفرغ غضبه. ثم ركض بجنون إلى القاعة المجاورة.
كان يين يو ممددًا على الأرض، جافًا وهزيلًا، أبيضًا ورقيقًا كورقة، حتى وجنتاه غارتا. كل قواه الروحية اختفت، وانتقلت إلى شوان يي تشين المدمى وجهه، الذي صار بالكاد يُعرف. يبدو أن تلك القوى قد عادت إلى مالكها.
اندفع شي ليان وصاح:
"صاحب السمو يين يو!!!"
فتح يين يو عينيه الذابلتين، ولما رآه، تمتم بصوت مبحوح:
"سموك..."
أما شوان يي تشين فقد كان ملتصقًا بالأرض، يصرخ بأعلى صوته وهو يبكي:
"آسف يا شيشونغ ! أنا لا أجيد سوى القتال، لكنني لم أستطع هزيمته!"
تطاير الدم من فمه وأنفه على وجه يين يو وعينيه من جديد، وكان المنظر بائسًا للغاية. انتفخت عروق جبهته، فصرخ بآخر ما تبقى فيه من حياة:
"قلت لك توقف!!! آه! لا بأس... فقط ادفعني إلى موتي..."
خبا وهجه من جديد. ولم يعرف شي ليان هل يئن أو يبكي، أم ربما كان عليه أن يضحك.
وفجأة، امتلأت عينا يين يو اليابستين بالدموع، وهمس:
"كنت أعلم."
قال: "يي تشين عبقري، وأنا مجرد عادي. أعلى ما يمكنني بلوغه هو هذا. كنت أعلم."
شعر شي ليان بمرارة وعجز يغمران قلبه.
قال يين يو:
"مع أنني كنت أعلم، إلا أنني لم أستطع تقبّل ذلك. في الحقيقة، كنت أفكر مثل جيان يو. بل أشد سخطًا منه. ليس أنني لم أشعر بالمرارة، بل كان مستحيلًا ألّا أشعر بها. بعد الحادثة، لم أجرؤ على التفكير في السبب الذي جعلني أقول ليي تشين أن يذهب ليموت، وأنا أعلم أنه يرتدي الديباج الخالد . هل كنت مجنونًا فقط، أم أنني حقًا أردت له الموت؟"
عانقه شي ليان وقال مطمئنًا:
"لا بأس، لا بأس. هذه كلها أمور صغيرة، حقًا. صاحب السمو يين يو، عش في هذا العالم بضع مئات أخرى من السنين وستدرك أن كل هذا لا يهم. سواء كنت مجنونًا أو تمنيت موت أحد، من من الناس لم يفكر بمثل هذه الأفكار؟ لقد فكرتُ في إبادة كل من ظلمني في هذا العالم، هذا صحيح بلا كذب، وكدتُ أفعلها. لكن انظر إلي، ألستُ أعيش حتى الآن بوقاحة؟ أنت لم تفعل شيئًا في النهاية، وهذا هو الأهم."
لكن يين يو بكى وهو يقول:
"لكن... في النهاية... ما زلت أشعر... أن الأمر ظالم جدًا. إن كان قد قُدّر لي أن أكون شخصًا عاديًا، فعلى الأقل كنت أريد أن أكون شخصًا طيبًا وكاملًا. لكن... لم أستطع حتى فعل ذلك. إنه ظلم... ظلم شديد. والحق يُقال، حتى في هذه اللحظة، وأنا أموت من أجل يي تشين، هذا الغبي الصغير، لا أستطيع أن أتجاوز الأمر. لا أستطيع حتى أن أموت بقلب خالٍ من الكراهية والندم، فما معنى ذلك؟"
فقال شي ليان برفق:
"صاحب السمو، لقد بذلت جهدًا كبيرًا. وأديتَ جيدًا. أنت بالفعل أفضل بكثير من معظم الناس."
ابتسم يين يو ابتسامة متعبة أخيرة، وقال:
"أفضل من معظم الناس، هاه؟" ثم توقف، وتنهد، وخرج مع أنفاسه صوت ندمه الأخير، وهو يهمس:
"لكنني كنت أريد أن أصبح إلهًا..."
فانحنى شي ليان برأسه وقال بعمق:
"لكن، صاحب السمو يين يو، في الحقيقة... لا يوجد إله في هذا العالم..."
يتبع...
تعليقات: (0) إضافة تعليق