الفصل مئتان وثمانية وعشرين : لهيب الكارما؛ مسؤول شيطاني يهبط على العاصمة الملكية -٣-.
حتى في حالته الحالية، كان العملاق بالفعل صعب المراس. فإذا أضيف إليه سيف الآن، ألن يكون ذلك أشبه بمنح النمور أجنحة؟
شعر شي ليان بشؤم يقترب، وصاح نحو من هم في الأسفل:
"احذروا جميعًا!"
كانت الأشباح منشغلة بضرب الفئران، وما إن سمعوه حتى رفعوا رؤوسهم مبهورين:
"يا له من عمٍّ عظيم... آه لا، إنه الداوزانغ شي!"
"يبدو أن تشينغ تشو يستمتع بالأمر هناك، كاك!"
قال شي ليان:
"لا، نحن لسنا نلعب—"
لكن قبل أن يُكمل جملته، اندفع ذلك السيف الناري الحاد، المغمور بهالة قاتلة، قاطعًا الهواء نحوهم. أفلت شي ليان يديه ليتفادى الضربة بصعوبة، وقد هاله ما حمله السيف من هالة قتل وحرارة مشتعلة.
كان تمثال الإله العملاق قد وصل أصلًا إلى أقصى حدوده وهو يتصدى للآخر، أما الآن، فصار شبه عاجز أمامه!
في هذا الوضع البائس، خطر في بال شي ليان أن يستدعي بعض المسؤولين العسكريين ليحولوا أنفسهم إلى سيف يعينه، لكن... شوان يي تشين كان ممددًا في بقايا التنين العظمي داخل عرين المياه السوداء ليستعيد قواه، ولانغ شيان شيو كان مستنزَفًا كأنه جيش من مئة رجل وهو يحمي الصف البشري ضد الأرواح الناقمة التي ازدادت شراسة، وفنغ شين ومو تشينغ قد اختفيا منذ وصولهم إلى هنا. وحده باي مينغ كان حرًّا، لكنه منشغل بذبح الفئران، جسده محترق بالكامل ووجهه يخرج دخانًا أسود، مصرًّا ألا يَظهر أدنى من سيدة المطر، وبالتالي عديم الجدوى حاليًا. لم يكن لدى شي ليان أي أحد يمكن الاعتماد عليه!
فجأة، جاء صوت من الأرض:
"انتظر فقط يا صاحب السمو! سيفك في الطريق!"
الذي صاح كان غوشي. أسرع شي ليان إلى حافة منصة التاج.
"ماذا؟ أين سيفي؟"
كوب غوشي فمه بيديه وصاح:
"زهرة المطر القرمزي! شغّل دائرة تقليص المسافة! إلى جبل تونغ لو! السيف هناك!"
رمى هوا تشينغ نردًا وقال بحزم:
"تفعّل!"
فوقهم، في طبقات السحب السوداء، دوى هدير رهيب. بعد لحظات، ضيّق شي ليان عينيه وهو يحدّق إلى الأعلى.
لقد كان هناك سيف بالفعل!
قفز التمثال الإلهي العملاق ومد يده نحو السيف الطويل. استخدم شي ليان كلتا يديه لتثبيت الختم، فأمسك التمثال مقبض السيف، ثم هوى به نحو "العاصمة السماوية"!
أما العملاق الآخر، فقد رفع سيفه لصد الهجمة. غير أن ما حدث لم يتخيله أحد—فقد قطع سيف شي ليان سيف العملاق الناري نصفين!
مع دوّي مزلزل كتحطم المعادن، توقف العملاق الناري فجأة. ثم انشطر إلى عدة أجزاء، وما لبث أن هوى بسرعة نحو الأرض.
لم يكن شي ليان يتوقع أن يكون السيف بهذه القوة—ضربة واحدة أسقطته! حدّق مذهولًا في السيف الذي يحمله تمثال الإله العملاق.
لامع، متقن، وحاد بشكل لا يُصدق. أي سيف هذا؟
تذكّر حينها أن غوشي قال لهوا تشينغ أن يفتح دائرة تقليص المسافة إلى جبل تونغ لو، فاستوعب الأمر—لا بد أن هذا السيف صُنع من أجساد الأرواح الثلاثة للجبل!
لكن لم يكن هناك وقت للتفكير. لو سقط هذا العملاق على الأرض، فلن تكون النتيجة مضحكة. بسرعة وجّه شي ليان التمثال الإلهي ليطير بالعملاق المتهاوي، ويحرف مساره بعيدًا، قبل أن يهبط به بحذر في مكان ناءٍ وبعيد.
عندها فقط أعاد التمثال العملاق السيف إلى غمده عند خصره، ووقف في مكانه، يضع يدًا على السيف بينما الأخرى انفتحت كأنها تمسك زهرة بداخلها. توقف عن الحركة، عادت ابتسامته، واستعاد هيئة إله القتال المتوّج بالزهور.
لم تسقط صخرة واحدة على العاصمة. الجميع في العاصمة الملكية خرج سالمًا دون أذى!
ظل الناس، والمسؤولين ، والأشباح يتبادلون النظرات المذهولة:
"هل... هل انتهى الأمر؟"
قفز شي ليان وهوا تشينغ من كف التمثال الإلهي، وانضمّا إلى البقية. كان عرق شي شينغ شوان البارد قد تحوّل إلى ساخن، وأعاد مروحة سيد الرياح المكسورة إلى حزامه. وهو يترنح قفز باتجاه شي ليان.
"سموك ! هل انتهى؟ هل تمت تسوية كل شيء؟"
اقترب بعض المسؤولين السماويين الآخرين أيضًا:
"أين الإمب... أين جون وو؟ يا صاحب السمو، هل هزمته؟ هل مات؟"
من جانبه قال غوشي:
"كيف يمكن ذلك؟ صاحب السمو... لن يُهزم بهذه السهولة."
مد هوا تشينغ يده نحو شي ليان:
"غاغا ، لنذهب للبحث في الأعلى."
أومأ شي ليان وأعطاه يده، فساعده هوا تشينغ برفق ليصعد إلى قمة الحطام. الأشباح فقدت اهتمامها بالفئران الآكلة للجثث التي ضُربت فهربت مذعورة، فقفزت هي الأخرى حماسًا لتصرخ أنها تريد "تنظيف العاصمة السماوية".
لكن هوا تشينغ قال بصرامة:
"تراجعوا. لا يقترب أحد غير معني."
إلا إن صادفوا جون وو حقًا، فسيكون موتًا محققًا. وما إن سمعوا ذلك، حتى تراجع الأشباح إلى الأسفل، مواصلين الحراسة من بعيد.
ومع ذلك، داخل العاصمة السماوية السابقة التي تحولت الآن إلى أنقاض، لم يكن هناك أي أثر لجون وو. بحث شي ليان وهوا تشينغ في كل مكان، حتى رفعا سقف قاعة القتال العظمى الذهبية، لكنهما لم يعثرا على أحد.
فجأة، استدار لانغ شيان شيو نحو باي مينغ.
"جنرال باي! لدي أمر عاجل، أرجوك تولّ عني للحظة."
كان عدد الفئران التي قطعها باي مينغ لا يقارن بما أنجزته سيدة المطر، وكان يشعر بالإحباط. والآن جُرّ فجأة ليحمل عبء الصفوف . ومع ذلك، لم يقل شيء سوى حكّ أنفه بصمت.
قفز لانغ شيان شيو إلى الحطام وبدأ يفتش في كل مكان. وأخيرًا، بعد أن رفع سقفًا منهارًا، هتف قائلًا: "وجدته!"
سمعه شي ليان فأسرع نحوه. "شيان شيو، كن حذرًا!"
لقد ظن أن لانغ شيان شيو وجد "جون وو"، لكن المفاجأة أنه وجد كتلة سوداء متفحمة، تشبه دودة متقلصة داخل قوقعة عملاقة. كان هناك صوت سعال خافت يصدر منها.
انقبض قلب شي ليان على الفور، وساعد لانغ شيان شيو على تمزيق تلك القشرة المتفحمة، فإذا بطفل صغير يتدحرج للخارج. كان متكورًا على نفسه، يعانق رأسه، وجسده كله أحمر، على الأرجح من آثار الحروق. لكنه لم يكن في خطر على حياته، إذ كان لا يزال يسعل.
وبينما كان يتدحرج للخارج، خرجت أيضًا كرة خضراء من نار الأشباح الدهنية، عائمة في الهواء.
تأملها شي ليان وقال: "هذا هو..."
فأمسك لانغ شيان شيو تلك الكرة بيده، وعيناه تشتعلان غضبًا:
"السماء عادلة! يا شي رونغ، لم تمت تمامًا، وانتهى بك الأمر بين يديّ في النهاية!"
لقد تحوّل شي رونغ فعلًا إلى ما يُسمّى "الفانوس الأخضر الليلي". وعندما تذكّروا ما حدث، حين أطلق جون وو ذلك اللهب، كان شي رونغ قد حمى غوزي ، ولهذا لم يحترق الطفل حتى الموت. شعر شي ليان بالدهشة رغمًا عنه؛ فبِحُكم شخصية شي رونغ، كان من الأرجح أن يرمي غوزي في النار ليحتمي به.
لكن هوا تشينغ ، الذي أدرك ما يفكر فيه شي ليان، قال:
"حتى لو رماه ليحميه فلن ينفع، كان سيصير رمادًا في لحظة. بالنسبة له، الحماية واستخدامه كدرع لا يختلفان كثيرًا."
ومع ذلك، فقد حماه. شي رونغ لم يتبقى منه سوى كرة خضراء من نار الأشباح، ومع هذا لم يتبدد، بل كان عالقًا في قبضة لانغ شيان شيو وهو يصرخ مرعوبًا.
في تلك اللحظة، أفاق غوزي فجأة بعد إنقاذه، وأمسك بساق لانغ شيان شيو متوسلًا:
"غاغا ، لا تقتل أبي!"
صرخ لانغ شيان شيو بغضب:
"اتركني! أقول لك الآن، حتى لو توسلت فلن يجدي، لن أرحمه!"
ثم شد قبضته أكثر. كان شي رونغ العدو الذي أباد عشيرته؛ وشي ليان لم يستطع التدخل، لكنه خشي أن يؤذي لانغ شيان شيو الطفل وهو غارق في غضبه. تقدم لسحب غوزي بعيدًا، لكن الطفل اندفع فجأة ليعانقه باكٍ:
"اخي جامع الخردة ، أنقذ أبي!"
قال له شي ليان:
"غوزي ... هذا ليس أباك حقًا، ألا تفهم من طريقة معاملته لك؟"
لكن غوزي أجاب بإصرار:
"بل هو أبي! أبي لم يكن جيدًا معي في البداية، لكنه صار جيدًا بعد ذلك. كان يعطيني اللحم كثيرًا، وقال إنه سيأخذني لأعيش في قصور كبيرة وجميلة... إنه طيب معي، اخي جامع الخردة، أرجوك أنقذه!"
فانفجر شي رونغ صارخًا:
"يا بني الأحمق، لا تتوسل له! هذا اللوتس الثلجي عديم القلب لن ينقذ جدك الأعلى! بل إنه يتمنى موتي، لا يهتم إن كنت حيًا أو ميتًا!"
رمقه هوا تشينغ بنظرة جانبية وقال:
"أتخاف أن لانغ شيان شيو لن يقتلك، فتحاول جرّي إلى الأمر؟"
ارتجفت كرة النار قليلًا عند سماع صوته، فقد كان شي رونغ لا يزال يخشاه، لكنه كان على أي حال يحتضر، فلم يعد يكترث وصاح بعناد:
"هوا تشينغ ، أيها الحقير! لست خائفًا منك! وشي ليان، لا تظن أني لا أعرف! اعتبرتك إلهًا في السماء ، أما أنت؟ ماذا اعتبرتني؟ لم تعتبرني شيئًا أبدًا! تجاهلتني، رفضتني، ظننتني مجنونًا وأحمق، ونظرت إلي باحتقار دائمًا! بأي حق تحتقرني؟ أنت الذي لم تستطع حتى تدمير يونغ آن، أيها الفاشل عديم الجدوى!"
قال شي ليان بهدوء: "أنت..."
لكن قبل أن يتحرك هوا تشينغ ، شعر شي ليان بشيء وسحبه للخلف قائلًا: "اترك الأمر."
زمجر هوا تشينغ دون ابتسامة:
"حتى لو احتقرك، هل هناك ما يستحق فيك الاحترام أساسًا؟"
اشتاط شي رونغ غضبًا وصرخ:
"بصقت عليكم، بصقت عليكم، وما المشكلة إن احتقرتموني جميعًا؟ هذا الجد ...هذا الجد ... هذا الجد لديه ابن!"
"...."
"...."
ثم ضحك بجنون:
"هاهاهاها ! صحيح أني التقطته مصادفة، لكنه أفضل منكم أنتم العاجزون عقيمو الدماء! لا تحلموا بإنجاب واحد خلال ثمانمئة عام! هاهاها..."
وقف شي ليان وهوا تشينغ صامتين يراقبانه. اكتفى هوا تشينغ برفع حاجبيه نحو شي ليان، متمتمًا شفهيًا: "لا تعلم، ربما."
ابتسم شي ليان بضعف مدركًا أنه يمزح. لكن فجأة، خفتت ضحكات شي رونغ المجنونة شيئًا فشيئًا، وفي النهاية تلاشت كرة النار الخضراء المتقافزة تمامًا.
لم يعلم لانغ شيان شيو إن كانت قد انطفأت وحدها أم أنه هو من خنقها، فوقف مذهولًا. أما غوزي، فقد جثا على الأرض يحاول تفكيك أصابع لانغ شيان شيو واحدًا تلو الآخر، لكنه لم يجد شيئًا. فانهار، وبدأ يحفر في كومة الرماد المتفحم بيديه حتى اسودّت تمامًا، لكن دون جدوى. عندها تمسّك برداء لانغ شيان شيو وهو يبكي:
"أين أبي؟"
توسل الطفل، لكن لانغ شيان شيو لم يعرف ماذا يقول، فاكتفى بالنظر إلى شي ليان. الأخير هو الآخر لم يجد ما يقوله، فاكتفى بالتنهيد وهو يستدير ليغادر.
لكن صوت غوزي ظل يلاحقه:
"غاغا ، أين أبي؟ ما زال هنا، أليس كذلك؟ قال إنه أصبح... ماذا... أقوى ملك في العوالم الثلاثة، لا يمكن أن يموت. ما زال هنا، صحيح؟"
لقد اختفى شي رونغ المزعج أخيرًا.
ومع ذلك، لم يكن شي ليان يعرف ما يقول، بل حتى لم يفهم ما الذي يشعر به في تلك اللحظة.
فبصراحة، إن فكر جيدًا، فـكلمات شي رونغ لم تكن خاطئة تمامًا. فمنذ الصغر، لم يكن ينظر إلى ابن عمه الأصغر نظرة تقدير قط.
في البداية كان يشعر نحوه بالشفقة، ثم تحول الأمر إلى ضيق وصداع، إلى أن صار يتجاهله تمامًا، "بعيد عن العين، بعيد عن القلب". وإن قيل إنه كان ينظر إليه باحتقار، فهذا كان صحيحًا بالفعل.
لم يكن الأمر مجرد احتقار. بل إنه كرهه يومًا لدرجة أنه أراد أن يسحق رماده وينثره في كل أنحاء العالم. لكن بعد حياة طويلة وتجارب كثيرة، حين نظر الآن إلى شي رونغ، لم يتبقَّ سوى الضيق والإرهاق... وربما قليل من الاحتقار، لكنه لم يعد يعني شيئًا.
لا فرح، ولا حزن.
واصلوا البحث، لكن دون جدوى. وبعد أن نزلوا من الحطام، كان شي شينغ شوان قد انتظرهم طويلًا.
قال بلهفة: "سموك، كيف كان الأمر؟"
هز شي ليان رأسه: "لم نجده."
صاحوا بدهشة:
"كيف يكون هذا؟!"
بدأ المسؤولون السماويون يتناقشون:
"هل يكون قد مات فعلًا؟ تحوّل إلى رماد مثلًا؟"
"وإن كان مختبئًا، فهذا أمر مخيف!"
"وأين يمكن أن يختبئ؟ الجميع يراقب!"
عندها نظر شي شينغ شوان حوله وقال:
"سموك، هناك سؤال أردت طرحه منذ قليل. أين نان يانغ وشوان شين؟"
كان محقًا، فلم يرى أحد فنغ شين ومو تشينغ منذ فترة طويلة. فبدأ المسؤولون السماويون بالثرثرة من جديد:
"هل يمكن أن يكونا مثل الجنرال باي، عالقين في قصريهما في العاصمة السماوية، ولم يخرجا؟"
"هذا مستحيل... لقد رأيت الجنرال نان يانغ يخرج! علاوة على ذلك، كان يبحث عن أحد حينها..."
يتبع...
تعليقات: (0) إضافة تعليق