الفصل مئتان وتسعة وعشرين : النرد الماكر؛ عيني الأفعى تهزّ القلب -١-.
همس شي ليان إلى هوا تشينغ :
"لا أعرف ما الذي يحدث مع مو تشينغ، لكن فنغ شين يبحث عن جيان لان وروح الجنين. لا يمكن أن يكونا..."
...لا يمكن أن يكون قد بقي في العاصمة السماوية ولم يخرج مع باقي المسؤولين السماويين، فوقع محاصرًا بين الفيضان والنيران وهم يتنقّلون بين السماء والأرض؟
أو ربما الأسوأ. ربما كان الاثنان الآن في قبضة جون وو!
في تلك اللحظة، تقدّم غوشي من الجانب وقال:
"سموك ، لا داعي لمواصلة البحث. إن كان هنا، فلا سبب ليختبئ. صحيح أن هناك الكثير من الناس، لكن القليل فقط يستحق الانتباه. وبما أنه ليس هنا، فهناك مكان واحد فقط يمكن أن يكون قد ذهب إليه، وهو المكان الذي يريدك أن تتبعه إليه."
أدرك شي ليان الأمر:
"هل هو جبل تونغ لو؟"
أومأ غوشي:
"ربما فعّل مصفوفة تقصير المسافات. باستثناء العاصمة السماوية، فهذا هو المجال الذي يمتلك فيه أكبر قوة."
صاح شي شينغ شوان:
"هاه؟ ستذهبون إلى جبل تونغ لو؟ ذلك المكان المرعب؟؟؟"
قال شي ليان:
"لقد ذهبنا مرة من قبل. لا بأس، ليس مرعبًا جدًا. ربما يكون فنغ شين ومو تشينغ هناك أيضًا."
لكن غوشي حذّر:
"لا تخفض حذرك. ما ينتظركم هذه المرة لن يكون كما في المرة السابقة." ثم توقّف قليلًا وأردف: "أعتقد أنني سأذهب معكما. ومن الأفضل أيضًا أن تجدوا بعض المسؤولين العسكريين الموثوقين ليساعدوا. لا أحد مصاب. إن كان مصابًا فسيجرّكم للأسفل حتى لو ذهب."
كان ذلك بالفعل تحديًا حقيقيًا.
قال شي ليان متفكّرًا:
"مسؤول عسكري موثوق؟"
ربما كان هناك عدد منهم في السابق، لكن الآن لم يتبقَّ الكثير. البعض سقط، البعض احترق، البعض اختفى، وآخرون لديهم طفل يتشبث بساقهم باكيًا.
قال هوا تشينغ :
"لا داعي للبحث عن مساعدين، فجميعهم عديمو الفائدة. أنا وغاغا كافيان."
ردّ غوشي:
"هذا بالتأكيد غير كافٍ."
اعترض باي مينغ من بعيد:
"يا زهرة المطر القرمزي ، هل يمكنك ألّا تقول 'جميعهم عديمو الفائدة' بهذه النبرة الواثقة المصدَّقة؟"
ضحك شي شينغ شوان عاليًا:
"الجنرال باي، لقد احترقت بشدّة، وحتى أنك لم تقضي على عدد من الجرذان مثلما فعلت سيدة المطر، فما الذي تشتكي منه!"
لم يره منذ مدة طويلة، لكن شي شينغ شوان لم يفوّت فرصة السخرية منه. وبعد أن طُعن في موضع الألم، لم يستطع باي مينغ الرد وأصبح أكثر كآبة.
وفجأة جاء صوت:
"انتظروا، سأذهب أنا أيضًا."
انشقت الحشود، وفجأة لاحظوا أن من تكلّم لم يكن سوى مو تشينغ. فمنذ متى وهو يقف في مؤخرة الصفوف؟
عندما رآه شي ليان يظهر، تنفّس الصعداء:
"مو تشينغ؟ متى جئت؟ وأين كنت سابقًا؟ ظننت أنك اختفيت أيضًا."
لكن مو تشينغ قال:
"لقد كنت هنا طوال الوقت."
عقد هوا تشينغ ذراعيه وألقى نظرة جانبية:
"كنت هنا طوال الوقت، لكنك لم تتكلم ولم تساعد أيضًا، أليس كذلك؟"
ردّ مو تشينغ بجفاف:
"قلت إني كنت هنا طوال الوقت. فقط لم أتحدث، وأنتم لم تروني، هذا كل ما في الأمر."
لكن في عدة مواقف عندما كانوا يحتاجون لمساعدة لم يظهر أبدًا. وحتى عندما نادوه لم يُجب، لذا ظنّ الجميع أن الجنرال شوان شين قد اختفى. كان شي ليان لا يزال يأمل أن يكون فنغ شين حاضرًا بينهم أيضًا، لكنهم لم يجدوه بعد تفتيش، وبالفعل لم يكن موجودًا.
فقال:
"حسنًا. ستأتي لتساعد؟ هذا رائع، أخيرًا شخص مفيد."
اقترب مو تشينغ. وعندما رأى غوشي وهوا تشينغ ذلك، كانت تعابيرهما متطابقة بشكل غريب. فكلاهما يكره مو تشينغ منذ زمن بعيد؛ أما عن هوا تشينغ فالأمر واضح، وأما غوشي فلم يرغب أصلًا في أخذه تلميذًا منذ البداية. حتى الآن، يمكن القول إنه يفضل ألّا يكون لديهم أي مساعد بدلًا من أن يكون مو تشينغ هو المساعد.
لكن مو تشينغ لم يجهل مشاعرهم، ومع ذلك حين اقترب انحنى للغوشي وقال بهدوء:
"معلمي."
أومأ غوشي ولم يقل الكثير. فمو تشينغ لم يرتكب شيئًا شنيعًا أو إجراميًا، وبما أنه جاء ليساعد، فلا سبب لمنعه.
ثم التفت غوشي إلى شي شينغ شوان:
"تمثال جلالته سيحرس هذا المكان. ستحتاج الأرواح الحاقدة لعدة أيام ليُطهّرَها النور، وهناك الكثير من الأيدي هنا، فاحرصوا على حراسة المصفوفة جيدًا بأنفسكم."
أومأ شي شينغ شوان:
"بالطبع! لكن انتظر، أيها الشيخ، لقد سألتك هذا مرات كثيرة من قبل، فهل ستجيبني أخيرًا، من أنت بالضبط؟"
لم يُجب غوشي. تبع الجميع هوا تشينغ حتى وصلوا أمام قصر جانبي. رمى هوا تشينغ نردًا بخفة وكان على وشك فتح الباب، لكن فجأة ألقى نظرة عابرة فتغيّر لونه قليلًا.
كان شي ليان يقظًا، فسأله:
"ما الأمر، سان لانغ؟ هل مصفوفة تقصير المسافات لا تعمل؟"
استعاد هوا تشينغ رباطة جأشه وابتسم:
"لا. فقط، من النادر أن أحصل على مثل هذه النتيجة."
فتح كفه أمام شي ليان. اقترب شي ليان ونظر، فتفاجأ هو الآخر.
على الكف الأبيض ظهر نرد وحيد تُظهر نقطة واحدة فقط.
كان هوا تشينغ دائمًا يرمي ست نقاط حمراء متوهجة، أما عينا الأفعى فكانت نادرة حقًا. ارتجف قلب شي ليان:
"...ماذا تعني هذه الرمية؟ هل أخطأت في الرمي؟"
قال هوا تشينغ :
"وفقًا لتجاربي السابقة، فهذا يعني على الأرجح أن أمرًا شديد الخطورة ينتظرني في الأمام."
"...."
ارتجف قلب شي ليان قليلًا.
ومن خلفهم قال غوشي:
"ألم أقل لكم مرارًا أن القمار عادة سيئة، ويجب كسرها! سموك ، هل ترى؟ أي عادة سيئة اكتسبها!"
كان نذير شؤم، لكن هوا تشينغ لم يبدُ متأثرًا، بل أعاد النرد إلى جيبه مبتسمًا:
"إنها مجرد إشارة، ولا يهم ما أرميه. الخطر من عدمه أنا من يقرّره." ثم فتح الباب وقال: "لنذهب غاغا ."
استدار وكان على وشك عبور العتبة حين مدّ شي ليان يده بشكل غريزي وسحبه، وكاد ان ينفجر قائلًا: "لا تذهب!"، لكنه عرف أن ذلك مستحيل.
فقال بهدوء في النهاية:
"لنذهب. لكن، لا تبتعد عن جانبي. إن حدث شيء، سأحميك."
عند سماع هذا، تجمّد هوا تشينغ للحظة، ثم بعد وقت قصير ارتسمت على شفتيه ابتسامة كبيرة:
"حسنًا. غاغا ، تذكّر أن تحميني."
"...."
كان مو تشينغ يراقب من الجانب، وعيناه تحملان انزعاجًا أو اشمئزازًا غامضًا. لكن لحظة فتح هوا تشينغ للباب، اندفعت موجة من الحرارة الحارقة، فمحَت أي تعبير غريب.
لقد انفجر البركان منذ وقت قصير، ولم تتبدّد بعد الغيوم الملبّدة بالرماد والغبار. حيث كانت هناك غابات وأرض، أصبحت الآن نيرانًا تلتهم كل حيّ، جحيمًا ملتهبًا، يكسو كل شيء بالقرمزي. لقد فقد جبل تونغ لو هيئته السابقة تمامًا.
خرج شي ليان ورفاقه من كهف صخري على تل مرتفع، وما إن خرجوا حتى كادوا يختنقون من الرماد في الهواء.
"هل هو موجود فعلًا هنا؟"
قال مو تشينغ:
"ربما في مكان قريب من الفرن."
قال شي ليان:
"لقد ثار البركان، من المستحيل أن يكون هناك مكان آمن قرب الفرن."
لكن غوشي قال:
"أنا أعلم أين هو. إن لم يُدمَّر ذلك المكان، فاتبعوني، سترون عند وصولنا."
فتبعوه نازلين من التلة العالية، وكان هوا تشينغ طوال الطريق أمام شي ليان. حيثما اعترض الركام أو الأعشاب الطريق، كان يصعد أولًا ليُمهّد الطريق ثم يمد يده ليمسك شي ليان ويساعده على النزول. وإلّا لكان شي ليان على الأرجح انزلق من أعلى التل وتدحرج حتى أسفله.
لكن فجأة، لم يكن شي ليان هو من انزلق، بل مو تشينغ في المؤخرة. فقد توازن جسده وكاد يسقط، ولأن شي ليان كان الأقرب إليه، أسرع وأمسكه.
"انتبه!"
ارتجف مو تشينغ قليلًا قبل أن يستعيد وعيه:
"أعلم."
أفلت شي ليان يده، مفكرًا أن مو تشينغ يتصرف بغرابة فعلًا. ثم تذكّر فجأة شيئًا، فأسرع بخطوات سريعة نحو هوا تشينغ وهمس:
"بالمناسبة، سان لانغ، عندما كان فنغ شين ومو تشينغ يتشاجران على قمة الجبل الثلجي، ماذا سمعتَ منهما؟ لماذا غضبت فجأة؟"
حين أُثير الموضوع، بدا وجه هوا تشينغ باردًا قليلًا، لكنه أخفاه بعد لحظة:
"آه، ذلك. كانا يتحدثان بلا تفكير، وقالا بعض الكلمات غير المحترمة عن غاغا ، هذا كل شيء."
سأل شي ليان:
"هاه؟ مثل ماذا؟"
قال هوا تشينغ :
"غاغا ليس بحاجة لمعرفة ذلك. ستُلوَّث أذناك فقط. هيا، لقد نزلنا."
كان الأربعة قد نزلوا من التل، وبعد مسافة قصيرة اعترضهم نهر. لكن الذي كان يتدفّق فيه لم يكن ماءً صافياً، بل سائل أحمر قانٍ يغلي — حمم بركانية!
مع هذه الحرارة الحارقة، لا يحتاج المرء للسقوط فيه ليموت؛ يكفي الاقتراب ليفتك به البخار. لحسن الحظ، لم يكن بينهم بشر، لذا استطاعوا احتمال هذه الأرض المذيبة للعظام.
ظل غوشي يمسح العرق عن وجهه:
"يجب أن يكون الهدف في الجهة المقابلة. هذا المكان كان خندقًا مائيًا من قبل، أما الآن وقد صار هكذا، فلن نستطيع العبور."
قال شي ليان:
"سنحتاج لشيء يساعدنا على عبور النهر."
يتبع...
تعليقات: (0) إضافة تعليق