الفصل مئتان وستة وثلاثين: القرمزي الذي يبحث عن الزهرة ؛المعركة الشرسة ضد الأبيض عديم الوجه -١-.
في تلك اللحظة، شعر الثلاثة معًا بموجة حرارة هائلة تتصاعد من الأسفل. صرخوا جميعًا:
"انتبهوا!"
وزادت سرعة خطواتهم. سبعة أو ثمانية أعمدة من النار اندفعت إلى السماء، وعندما نظروا للأسفل، وجدوا أن عدد الأرواح الحاقدة في الحمم أصبح أكثر وأكثر!
قال شي ليان بصوت عالٍ:
"فنغ شين! أعطني مو تشينغ!"
من دون تردد، رمى فنغ شين مو تشينغ إليه، وبمجرد أن أصبح على ظهر شي ليان، صرخ مو تشينغ:
"أنزلني بسرعة! إنك عبء!"
رد فنغ شين بعصبية:
"لا تحتاج أن تخبرني!"
ثم شد وتر القوس وأطلق عدة سهام دفعة واحدة.
كانت منطقة هجومه أوسع بكثير من الضربات العشوائية التي كان يطلقها شي ليان أو فنغ شين باليد فقط. انفجرت السهام في موجات الحمم، فأحدثت انفجارات وارتفعت الأمواج، وارتفعت معها صرخات الأرواح من كل مكان.
قال شي ليان مادحًا: "عمل رائع!"
أجاب مو تشينغ من على ظهره: "لا بأس، جيد نوعًا ما."
لكن الأرواح الغاضبة ازدادت حقدًا، وبعد أن تجمعت معًا، سبحت بعيدًا للأمام وبدأت تطلق النيران لتغلق الطريق.
بعد دوي متكرر، قال شي ليان:
"الجزء من الجسر أمامنا احترق منهم، إنهم يحاولون قطع طريقنا!"
شتم فنغ شين:
"اللعنة! أنظروا كيف يتعاونون بكل هذا الجهد لإيذاء الناس، لماذا لا يفعلون شيئًا نافعًا بدلاً من ذلك؟! لو استمريتم هكذا، فلن تحصلوا على الخلاص ولن تخرجوا من هذه الحمم حتى بعد ثمانية آلاف سنة!"
وما إن رفع قوسه حتى تفرقت الأرواح الحاقدة مرة أخرى.
قال شي ليان:
"حسنًا، لا تصرخ أكثر! استعدوا! سنقفز! واحد، اثنان، ثلاثة—!"
عند العد الأول شدوا قوتهم، عند العد الثاني حسبوا خطواتهم، وعند الثالث دفعوا بأقدامهم وقفزوا. ثلاثتهم حلقوا في الهواء فوق الفجوة بين الجسر، ثم هبطوا على الطرف الآخر، وواصلوا الجري بجنون.
كان الجسر أصلاً مخصصًا لـ "العبور إلى السماء"، لذا كان من الطبيعي أن يبدأ بالارتفاع تدريجيًا. وكلما ركض شي ليان أكثر، صار أخف كالعصفور.
ضحك قائلاً:
"مر وقت طويل منذ أن فعلنا شيئًا كهذا نحن الثلاثة!"
سأل مو تشينغ: "تعني القتال جنبًا إلى جنب، أم الهروب للنجاة؟"
قال شي ليان: "كلاهما!"
صرخ فنغ شين: "لكننا نفعل هذا طوال الوقت!"
تساءل شي ليان: "حقًا؟"
لكن حين تُقال بعض الأمور صراحة، يختلف الشعور تمامًا. ابتسم شي ليان قليلًا، لكن عينيه بقيتا تراقبان الأسفل، ومع ذلك لم يرى أي ظل أحمر. ازداد توتره، وصاح:
"سان لانغ!!"
ترددت صرخته في الكهف الضخم، لكن لم يأتِ أي رد. جفّت شفتاه، فبللهما بلسانه.
على ظهره، لاحظ مو تشينغ نظراته القلقة، فقال بعد صمت:
"سموك ، أنت حقًا تحبه، أليس كذلك؟"
"...؟" تفاجأ شي ليان من السؤال. "آه. آه؟ ...آه."
بينما ظل وجهه جامدًا، كانت أطراف أذنيه تتحول إلى الأحمر. رأى مو تشينغ ذلك، وبقي صامتًا لبرهة قبل أن يقول مترددًا:
"لا أقصد إخافتك، لكن يجب أن أحذرك. هل فكرت... ربما نُقِلنا نحن الاثنين فقط إلى الجسر، أما زهرة المطر القرمزي ... فلم يُنقل؟"
اعترض فنغ شين: "أي هراء هذا؟ إن لم يكن هنا، فلا بد أنه نُقِل إلى مكان آخر..."
لكنه فجأة أدرك معنى كلام مو تشينغ: لم يقصد أن هوا تشينغ نُقِل إلى مكان آخر... بل أنه ربما سقط في بركة الحمم!
ارتجفت شفتا شي ليان: "ك-كيف يكون هذا ممكنًا؟"
قال مو تشينغ: "لا تستبعد ذلك. صحيح أن زهرة المطر القرمزي ملك شبح سامٍ، لكن الأبيض عديم الوجه كذلك أيضًا. بل إنه أول جيل من ملوك الأشباح، وسيد جبل تونغ لو. هذه أرضه، ومجال سلطته الأقوى."
حدق فنغ شين بغضب في مو تشينغ، وصرخ:
"اخرس! ماذا دهاك؟! ألا يمكنك أن تقول شيئًا جيدًا في وقت كهذا؟! إنه زهرة المطر القرمزي ، أؤكد لك ذلك!"
توقف مو تشينغ عن الكلام، لكنه أضاف:
"فقط أقول إن علينا التفكير في الاحتمالات."
في ذهن شي ليان، ظهرت صورة النقطة الحمراء على كف هوا تشينغ ، ولم يعرف ماذا يجيب. لكنه توقف فجأة عن الركض، وكاد فنغ شين يصطدم به.
صرخ فنغ شين: "ماذا هناك؟!"
لكن ما إن قالها حتى رأى السبب بنفسه.
أمامهم، كان الهواء مليئًا بملايين النقاط الفضية المتلألئة، كأن صندوقًا مليئًا بالمسحوق الفضي قد انقلب.
أنزل شي ليان مو تشينغ وتقدم. مد يده ولمس واحدة من النقاط الأكبر قليلًا من البقية، ثم أغلق قبضته ونظر إليها عن قرب.
اقترب الاثنان خلفه، وتمتم فنغ شين: "هذا... هذا..."
قال مو تشينغ مباشرة: "إنها شظية من... روح فراشة."
نظر فنغ شين إليه بغضب مرة أخرى لكونه صريحًا أكثر من اللازم. ارتجفت يد شي ليان قليلًا وهو يقبض على جناح الفراشة المكسور الذي ما زال يصدر ضوءًا باهتًا، وزفر ببطء.
قال فنغ شين وهو يحك رأسه: "على الأقل لم يسقط في بركة الحمم. لابد أنه كان هنا، صحيح؟"
وأشار مو تشينغ إلى جانب آخر: "ثم قاتل أحدًا هنا. قتال رهيب."
تبع شي ليان اتجاه إصبعه، واتسعت عيناه. كانت الصخور حولهم مليئة بعلامات ضربات سيف مرعبة. كلها بصمات إي-مينغ.
كل ضربة كانت تخترق العظم. كان شي ليان قد رأى هوا تشينغ يستخدم السيف من قبل، لكن أسلوبه كان دائمًا عابرًا، غير مبالٍ، وكأنه يلهو بسكين صغيرة. أما هذه العلامات، فكانت مليئة بالنية القاتلة. مما يدل على أن خصمه كان شديد المهارة، وأن المعركة كانت في غاية الخطورة.
تفحص شي ليان الجسر ولم يجد أي أثر لسقوط أحد، ولم يكن هناك تجمع أرواح تحتهم تهلل، فتنفس الصعداء قليلًا ونهض فجأة، وركض إلى الأمام بكل عزيمة.
تبعه فنغ شين وهو يحمل مو تشينغ، وهو ينادي: "سموك !"
حبس شي ليان أنفاسه لأنه لم يرد أن يسمع اضطراب تنفسه. لكن ذلك لم يساعد، فحتى يداه وقدماه كانت ترتجف. وبينما كان يركض، تعثر وسقط، وتدحرج عدة مرات حتى كاد يسقط من الجسر. صاح الاثنان خلفه يحذرانه.
فجأة قال شي ليان: "ما هذا الصوت؟"
وقف بثبات من جديد وسأل: "هل تسمعان شيئًا؟ أليس هذا صوت شيء؟"
أجاب الاثنان بصوت واحد: "نعم! نعم!"
كان ذلك صوت تصادم الأسلحة وتلاطم القوى الروحية. حتى جسد جسر عبور السماء بدأ يهتز. ومن أمامهم، كانت هناك أضواء تظهر وتختفي في الظلام.
كان هناك قتال أمامهم! اندفع شي ليان متعثرًا نحو الصوت.
خلفه، تمتم فنغ شين:
"يا إلهي، أتمنى أن يكون ذلك زهرة المطر القرمزي وإلا سيجن!"
وبخه مو تشينغ: "كف عن الهراء! نحن أنفسنا آلهة وبوذا ولا نستطيع أن نفعل شيئًا! فقط أسرع، انظر كيف يركض وهو يتعثر، سيسقط ويموت قبل أن يرى الرجل!"
نسي شي ليان أن يتحكم بتنفسه، وظل يسمع شهيقه اللاهث لمسافة طويلة. بعد أن التفوا حول عدة مسارات كبيرة، أخيرًا، عند المنعطف الأخير، انفجر ضوء أبيض ساطع أمام عينيه.
في نهاية الجسر المعلق، كان رجل يرتدي الأحمر وآخر يرتدي الأبيض في قتال شرس.
الرجل ذو الرداء الأحمر كان يمسك بسيف منحنٍ طويل لامع كالفضة، يتحرك بسرعة البرق — إنه هوا تشينغ! لم يعد مبتسمًا، بل كان وجهه مركزًا وحادًا، وعلى خده الأبيض الوسيم خط دموي أضاف له قوة وصرامة. أما الرجل ذو الرداء الأبيض، فكان بلا شك الأبيض عديم الوجه ، يحمل سيفًا مجهول المصدر، وقناع "يضحك ويبكي" ما زال يغطي وجهه. لكن هذه المرة، كان القناع مختلفًا قليلًا.
لقد انشق من المنتصف!
وكان الشق واضحًا جدًا، يمتد من منتصف الجبهة حتى أسفل العين، وكأنه سينكسر في أي لحظة.
كانا يتحركان بخفة وسرعة، وكل ضربة بينهما تحمل قوة جبارة تهز السماء. سيف مقابل سكين، رقص مجنون وصراع هائج. فوقهما الفراشات الفضية تصرخ، وتحتهم الأرواح الحاقدة تزمجر، كأن الجبال تنهار والبحار تنقلب. وكل مرة يتصادمان، كانت الحمم تنفجر أمواجًا مخيفة لا يمكن لأحد الاقتراب منها!
وقف فنغ شين ومو تشينغ مشدوهين، لا يستطيعان الحراك من قوة المشهد.
لم يكن هناك مسؤول عسكري يمكنه مشاهدة قتال كهذا دون أن يشعر بالحماسة.
أما شي ليان، فعندما رأى هوا تشينغ بخير، ارتاح قلبه المشدود أخيرًا. كاد أن ينهار ويبكي، لكنه تماسك. ففي القتال بين مقاتلين عظماء، أي إزعاج قد يحدد النصر أو الهزيمة.
وفي الجانب الآخر، كان هناك رجل آخر واقفًا خلف الأبيض عديم الوجه . إنه غوشي. لقد جلبه الأبيض عديم الوجه معه. وعندما رأى وصول شي ليان والبقية، شعر بالارتياح لكنه لم يجرؤ على إصدار صوت.
لكن هوا تشينغ كان قد شعر بقدومهم، فتغيرت ملامحه المتجمدة قليلًا، وابتسم ابتسامة صغيرة وقال:
"يبدو أنك خسرت مرة أخرى. سموه جاء، ولم يغب أحد من الذين جاء بهم."
لم يستطع شي ليان أن يتمالك نفسه وصاح: "سان لانغ!"
أجاب هوا تشينغ وهو يومئ برأسه: "غاغا." ثم أضاف بنبرة تحذير: "غاغا ، المرة القادمة إن أسقطت نفسك هكذا، سأغضب."
رد شي ليان بسرعة: "والمرة القادمة إن قفزت خلفي، سأغضب أكثر!"
"...."
عند سماع ذلك ، تصلبت ملامح هوا تشينغ للحظة، وكأن كلمات شي ليان أصابته بالفعل بالحذر. حتى وهو يقاتل الأبيض عديم الوجه، لم يظهر عليه مثل هذا القلق من قبل.
اندفع الأبيض عديم الوجه بضربة نحو هوا تشينغ ، لكنه تحدث إلى شي ليان:
"شيان لي، ألا تستمتعان بنسيم الربيع أكثر من اللازم، وتقللان من شأني؟"
وعندها، بدأت عين سيف إي-مينغ تدور بجنون عندما رأت شي ليان. قلب هوا تشينغ يده وضرب، وسمع شي ليان صوت طَقق!
فقفز قلبه فزعًا.
يتبع...
تعليقات: (0) إضافة تعليق