الفصل مئتان وثمانية وثلاثين: القرمزي الذي يبحث عن الزهرة ؛المعركة الشرسة ضد الأبيض عديم الوجه -٣-.
صرخ غوشي باتجاه هوا تشينغ :
"أيها الشاب، لا تستهِن بخصمك! شكله الحالي أصعب بكثير من مواجهة الأبيض عديم الوجه ! ثم إنك قبل قليل كنت تملك ميزة السلاح الأفضل، أما الآن فلم تعد كذلك!"
وبالفعل، اختفت كل الجروح عن جسد جون وو دفعة واحدة، واستعاد كامل قوته من رأسه حتى قدميه. ثم التفت نحو غوشي بابتسامة.
قال ببرود:
"أن تعلم الآخرين كيف يواجهونني أمام عيني؟ لن أقتلك، لكنك أصبحت أكثر جرأة مما ينبغي."
كانت ابتسامته تحمل نبرة تحذير. فتوقف غوشي عن الكلام، لكنه ظل يحدق فيه بثبات.
طمأن شي ليان قائلاً:
"لا تقلق، سان لانغ لم يستخفّ بخصومه قط."
لقد كان واثقًا من ذلك؛ فحتى لو بدا ابتسامة هوا تشينغ متحديًا وجريئًا، إلا أن يديه لم تكن لتتهاون أبدًا.
ألقى جون وو نظرة على السيف وقال بهدوء:
"تشو شين... مضى وقت طويل."
فانغ شين – أو بالأحرى تشو شين الآن – أطلق أنينًا عميقًا وكئيبًا وهو في يده.
لطالما اعتقد شي ليان أن فانغ شين قديم جدًا وصعب الاستخدام، وربما ينهار في أي لحظة. لكنه لم يتخيل أبدًا أنه في يد سيده الأصلي، ستختلف هالته وقوته تمامًا عما كانت حين استخدمه هو!
في كل مرة كان تشو شين وإي-مينغ يتصادمان، كان جسر العبور السماوي يهتز وكأنه سيسقط في الحمم بأي لحظة. بالمقارنة مع السابق، ازدادت قوة جون وو وسرعته بشكل واضح. أما هوا تشينغ فظل مسايرًا لوتيرته، لكن حاجبيه انعقدا قليلًا، وتعابيره ازدادت حدّة. والمشاهدون من بعيد بدوا مذهولين وقلقين.
فكل ضربة من جون وو كانت تستهدف مباشرة عين هوا تشينغ اليمنى!
صدّ هوا تشينغ مرتين، لكنهما كانتا قريبتين جدًا من الخطر. وسرعان ما أدرك أن جون وو يكرر الهجوم نفسه مرارًا، وكأنه أيقن أن العين اليمنى هي نقطة ضعفه ويريد اقتلاعها. فاضطر هوا تشينغ للدفاع بكل قوته في كل مرة. لكن بهذه الطريقة، سيظلان عالقين في صراعٍ بلا نهاية!
وكأن عين إي-مينغ استشعرت الخطر واشتعل غضبها. انقض النصل الأسود، وفجأة سُمع صوت رنين معدني حاد. لم يرفع هوا تشينغ سيفه لصد الضربة... بل إن جون وو هو من سحب سيفه!
كان شي ليان، بثوبه الأبيض، قد وقف أمام هوا تشينغ .
فقد استعمل قوة الارتداد لصد نصل تشو شين الموحش!
لم يستطع شي ليان البقاء مكتوف اليدين، فانضم إلى المعركة. كان ماهرًا في صد السيوف بيديه العاريتين، لكن هذه أول مرة يواجه سيفًا يحمل هذه الخباثة. فبمجرد لمسة خفيفة، أصيبت ذراعه بالخدر وكادت كفه أن تفقد الإحساس، ولم يستعده إلا بعد أن تراجع بضع خطوات وهو يلوّح بيده.
خلفه، قال هوا تشينغ بقلق:
"غاغا ؟"
فأجابه شي ليان:
"لنقاتل معًا!"
وقف الاثنان ظهرًا لظهر، مستعدين لمواجهة خصمهم. فكبرت ابتسامة جون وو.
"أوه؟"
قال شي ليان بصوت منخفض:
"أنت للأعلى، وأنا للأسفل!"
وفور انتهائه من كلامه، انطلق الاثنان معًا، أحدهما للأعلى والآخر للأسفل، مهاجمين جون وو. كان شي ليان يعرف جيدًا أسلوبه في القتال، فاستطاع أن يتنبأ بخطوته التالية وقال بسرعة:
"السيف!"
تابعه هوا تشينغ ، فأعاد هجومه بالسيف. وكاد جون وو يقع في الفخ. فصاح شي ليان بعدها:
"انفجار!"
اتبعه هوا تشينغ ثانية، لكنه لم يستخدم سيفه هذه المرة، بل أطلق قوته الروحية من كفه مباشرة، فأصاب كتف جون وو وجعله يترنح قليلًا. لولا سرعته المرعبة، لربما كانت تلك الضربات قاتلة.
لكن شي ليان أدرك فجأة: هوا تشينغ سيد عظيم في هذا العصر، فلماذا يحتاج إلى أوامري؟! وشعر بالخجل من عادته القديمة فاعتذر:
"آسف! لست مضطرًا للاستماع لي!"
ابتسم هوا تشينغ بسعادة وقال:
"كل ما يقوله غاغا هو النصيحة الأفضل، فلماذا لا أستمع؟"
وفجأة انهار الجسر، وفقد هوا تشينغ توازنه وكاد يسقط. قفز شي ليان على أعمدة الجسر وأطلق رويي، فالتفت حول هوا تشينغ وسحبته. لكن في اللحظة التالية، شعر ببرودة على عنقه... كان جون وو خلفه، وقد وضع يده على كتفه.
قال بابتسامة باردة:
"شيان لي... مهارات جيدة."
كان قريبًا جدًا حتى إن شعر شي ليان قد وقف.
هتف هوا تشينغ :
"غاغا !"
ثم رمى بيده اليسرى، فانطلق إي-مينغ عبر الهواء. خفض شي ليان رأسه بسرعة خارقة، فمرّ السيف فوقه واخترق جون وو من الخلف. عندها فقط أزاح يده عن كتف شي ليان، فاستغل الأخير الفرصة ليقفز عائدًا إلى جانب هوا تشينغ . عاد إي-مينغ إلى يد صاحبه.
تعاون الاثنان بانسجام، وظلّت ظلالهم الثلاثة تتحرك بسرعة خاطفة لا يمكن للعقل تصورها، وكأنها برقٌ يملأ المكان.
ضحك جون وو بصوتٍ مجلجل يملأ الكهف المشتعل بالحمم، وكأنه يشجعهم:
"جيد. جيد جدًا! استمروا!"
كان مو تشينغ يلهث وهو يتفادى انهيار الجسر، وقال بخوف:
"غوشي! هل هو مجنون؟ إنه يضحك؟"
أجابه غوشي:
"قلت لك مسبقًا! إنه أسوأ من مجنون، إنه سعيد! هذه مجرد البداية!"
على الجانب الآخر، ومع حصوله على تشو شين، أصبح جون وو كالنمر الذي نبتت له أجنحة. ورأى شي ليان كيف استمر في استهداف عين هوا تشينغ اليمنى، فارتاع. فأخرج رويي ولفّه على مقبض تشو شين. لكن جون وو قلب قبضته وسحب بقوة، فجذب شي ليان بأكمله نحوه!
تفاجأ شي ليان أول الأمر، لكنه تمالك نفسه سريعًا. كان ينوي انتزاع السيف على أي حال، فما حاجته للخوف؟ تقدم مباشرة نحو النصل، محاولًا توقع مئات الحركات في لحظة. لكن فجأة، التقطه شخص آخر من منتصف الهواء وسحبه للخلف.
نظر شي ليان ليرى هوا تشينغ واقفًا أمامه، والسيف الأسود قد اخترق قلبه!
شهق شي ليان وكاد يفقد وعيه، صرخ مبحوحًا:
"سان لانغ؟!"
كان وجه هوا تشينغ قاتمًا قليلًا. بينما كان جون وو ينتظر أن يندفع شي ليان ليطعن نفسه في تشو شين، فإذا به يُفاجأ بصدّ هوا تشينغ ، فانسحب بخيبة أمل. أما شي ليان فقد نسي أن هوا تشينغ شبح، وأن حتى ثقبًا في صدره لا يعني موته. ومع ذلك، ظلّ مذعورًا يضغط بيديه على الجرح الذي لم ينزف قط.
"سان لانغ، لِمَ فعلت هذا فجأة؟..."
أجابه هوا تشينغ :
"وكأنني سأسمح له بطعنك مجددًا أمامي!"
كان صوته يحمل انفعالًا شديدًا. فتفاجأ شي ليان قليلًا، لكن جون وو قاطعهما بنبرة رقيقة:
"ولمَ تتألم يا شيان لي؟ إنه لا يشعر بالألم أصلًا. إنه مجرد شخص ميّت."
"...."
كيف يجرؤ أن يذكره بهذا؟!
استدار شي ليان غاضبًا، عيناه تشتعلان:
"أليست هذه كلها خطيئتك؟!"
لكن جون وو سخر:
"كلها خطيئتي؟"
تلعثم شي ليان، عاجزًا عن الرد.
غيّر جون وو الموضوع وقال:
"ربما. لكن، شيان لي... هل بقيت طويلًا بين البشر حتى نسيت ما فعلته؟ أما زلت تذكر ما ارتكبته بعد سقوط شيان لي؟"
"...."
ارتسمت على وجهه ابتسامة غامرة بالمعنى، وقال ببطء:
"هل ما زلت تذكر شبحًا اسمه وو مينغ؟"
شحب وجه شي ليان تمامًا، وهتف مذعورًا:
"لا!"
أدرك غوشي أن الأمر خطير فصرخ:
"سموك ، ما الذي يقوله؟ ماذا فعلت بعد سقوط شيان لي؟"
شعر شي ليان برعب غريب، ونظر أولًا إلى هوا تشينغ ، ثم إلى جون وو. تحوّل غضبه السابق إلى ارتباك.
أمسكه هوا تشينغ بسرعة وقال بنبرة مهدئة:
"لا بأس سموك ، لا تخف."
وأضاف فنغ شين:
"أجل، تماسك!"
أما مو تشينغ فكان أكثر حدّة:
"ما الذي يعنيه؟ شبح؟ أي شبح؟"
لكن كيف لشي ليان أن يتمالك نفسه؟
تلك كانت أحط أيام حياته، ارتكب خلالها أكثر أفعاله ندمًا. حتى هو نفسه لم يجرؤ على استرجاع ذكرياتها. فكلما خطر في باله ذلك القناع الأبيض بابتسامته الهلالية الباردة، أصابه الأرق، وانكمش على نفسه متمنيًا ألا يراه أحد أبدًا.
لقد رأى هوا تشينغ شي ليان في مجده، ورآه منهزمًا بعد خسارة الحرب، ورآه ساذجًا ومبتهجًا، ورآه فقيرًا متسولًا. كل هذا لا يهم.
لكن ربما لم يرى أبدًا شي ليان الملطخ بالوحل، شي ليان الذي يصرخ ويلعن، شي ليان المليء بالحقد والكراهية، شي ليان الذي أراد إبادة مملكة يونغ آن انتقامًا، شي ليان الذي كاد يعيد خلق "مرض الوجوه البشرية" مرة أخرى!
ذلك الجزء من حياته كان قذرًا جدًا ليُستعاد. لو كان الأبيض عديم الوجه هو من حاول فضحه في الماضي، لكان الأمر عاديًا. لكن الآن... لم يشأ شي ليان أن يرى وجه هوا تشينغ حين يكتشف ذلك الماضي.
لأنه لم يكن نقيًا كما يظنه هوا تشينغ ، لم يكن طاهرًا بلا تدنيس. وإن أظهر هوا تشينغ حتى ذرة شك، فلن يستطيع شي ليان أن يغفر لنفسه أبدًا، ولن يجرؤ على النظر إليه مرة أخرى!
بمجرد أن خطرت له هذه الفكرة، شحب وجهه أكثر، وغرقت جبهته بالعرق البارد، وارتعشت يداه. فرأى هوا تشينغ ذلك، فشد قبضته على يده بقوة.
وقال بجدية مطمئنة:
"سموك ، لا تخف. تذكّر، أنت الذي تشع بمجد لا نهائي ، وأنت الذي سقط من عليائه. ما يهم هو (أنت)، وليس حالتك. مهما حدث في الماضي، لن أتركك أبدًا. يمكنك أن تخبرني بأي شيء."
ثم أضاف بلطف:
"أنت نفسك من قلت لي هذا."
استعاد شي ليان شيئًا من هدوئه، لكن جون وو ضحك ساخرًا وقال:
"مهما حدث في الماضي، لن أتركك أبدًا... أكثر أتباعي إخلاصًا، أفضل أصدقائي، قالوا هذا لي أيضًا."
تغير وجه غوشي، بينما ألقى جون وو عليه نظرة:
"لكن في النهاية، كما ترى، لم يستطع أحد الوفاء حقًا بوعده."
أدار غوشي رأسه بعيدًا، وكأنه لم يعد يحتمل النظر إليه.
قال هوا تشينغ برجاء:
"صدقني سموك ، ألن تفعل؟"
لم يكن الأمر أن شي ليان لا يصدقه. بل أنه لم يجرؤ على المحاولة.
وفي النهاية، ابتلع ريقه بصعوبة وضحك بارتباك، ثم شعر أنه لا يجب أن يضحك، فخفض رأسه وقال بصوت مرتعش:
"...سان لانغ، ألا ترى أن... أنا آسف، ربما أنا..."
نظر إليه هوا تشينغ مطولًا، ثم قال:
"في الواقع أنا..."
لكن قبل أن يكمل، هاجمهم تيار قاتل فجأة، فقفز الاثنان بعيدًا. وعاد بعض اللون لوجه شي ليان. قال بقلق:
"ما به؟ لِمَ أصبح..."
أسرع، أقوى؟
بالمقارنة مع شكل الأبيض عديم الوجه السابق، تضاعفت سرعة جون وو وقوته، ولا تزال في تزايد. كان واضحًا في كل ضربة يوجهها!
لاحظ مو تشينغ أمرًا آخر فصرخ:
"سموك ! احذر! لقد غيّر استراتيجيته! لم يعد يهاجم زهرة المطر القرمزي ... الآن هو يستهدفك أنت فقط!"
وبالطبع، كان شي ليان قد لاحظ. فلم يكن في يده سوى رويي، وهذا الأخير حين يرى فانغ شين ينكمش عاجزًا عن المواجهة. لحسن الحظ، كان إي-مينغ يصدّ كل ضربة موجهة له بلا خطأ.
يتبع...
تعليقات: (0) إضافة تعليق