القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch28 برج الأبروش

 Ch28 برج الأبروش




أنهى فانغ هاو نوبة عمله الليلية ، وتوجه سيرًا إلى مواقف 

السيارات ليلتقي بتشن جيايو كما اتفقا ——

لقد مضى أربعون دقيقة منذ أن تواصل معه تشن جيايو بعد الهبوط ، 

وطول الانتظار أوحى له بأن الأخير مهتم فعلًا باللقاء والحديث ، هذا خفّف من توتره قليلًا ، رغم أن العثور على 

الكلمات المناسبة ما زال صعبًا ، 

كان يؤمن أن المواجهة أفضل من التأجيل ؛ فكلما كان الأمر أسرع، كان أفضل ...


و بين السيارات الفاخرة التي يملكها الطيارون ، لم تكن 

سيارة تشن جيايو من نوع بورشه ماكان الأبرز ، 

فمع رواتب سنوية تصل إلى الملايين ، لا توجد سيارات تقل 

قيمتها عن نصف مليون أو ستمائة ألف ، ومع ذلك ، لفت 

اللون الأبيض النظيف انتباه فانغ هاو ، 

ألقى نظرة من خارج النافذة ليتأكد أن تشن جيايو يجلس خلف المقود ، وبدا كمن يغفو أو يستريح مغمض العينين 


و بعد لحظة تردد ، رفع فانغ هاو يده وطرق على نافذة السيارة


فتح تشن جيايو عينيه على الفور ، وضغط زر فتح القفل ، 

مما أظهر أنه لم يكن نائمًا أصلًا ، و قال مُرحّبًا :

“ وصلت ؟” ثم أشار له ليدخل


لكن بدلًا من الدخول مباشرةً ، مال فانغ هاو إلى الداخل وألقى التحية :

“ جيا غاا ..”


اقترب تشن جيايو ليسمعه ، وتأكد أن صوته عبر جهاز 

اللاسلكي لم يكن خادعًا—فقد كان بالفعل مبحوحًا، مشبعًا 

بنغمة أنفية ثقيلة، كأنه شخص مختلف تمامًا


فانغ هاو: “ اليوم قدت سيارتي بنفسي من أجل نوبة الليل . 

اختر أنت مكان ، وسألحق بك.”


عادةً يستقل الحافلة المخصصة خلال نوبات النهار لتوفير 

الجهد ، لكن في الليل كان مضطرًا لقيادة سيارته الخاصة ،

لم تكن مركونَة بجانب سيارات الطيارين الفاخرة ، بل في موقف آخر


عبس تشن جيايو بحاجبيه وقال بجدية :

“ أنت مصاب بحُمّى ، لا يجب أن تقود ، سأوصلك بنفسي إلى المنزل ، 

و في المرة القادمة استقل الحافلة ، وبعدها تعود لسيارتك .”


فانغ هاو الذي أثقلته الحُمّى والإرهاق وقلة النوم ، شعر 

بالراحة لفكرة عدم القيادة ، و دون اعتراض ، فتح الباب وجلس في المقعد الأمامي


سأل تشن جيايو بنبرة مليئة بالعطف والاهتمام ، على عكس بروده المعتاد :

“ هل حرارتك مرتفعة ؟ هل تناولت أي دواء ؟”


فانغ هاو: “ الوضع محتمل ،، لم آخذ شيئًا خوفًا من أن 

أشعر بالنعاس أثناء النوبة ، سأتناول الدواء بعد أن أصل للمنزل .”


شغّل تشن جيايو السيارة وأخرجها من الموقف بهدوء ، ثم قال:

“ هل ترغب أن نتوقف لشيء تأكله ؟ ربما بعض المعكرونة ، 

أو طعام كانتوني؟ 

أنت قلت المرة الماضية إنك تريد تجربة مطعم تايشان الجديد .”


ابتسم فانغ هاو :

“ لست جائعًا كثيرًا ، أردت فقط أن أتحدث معك .”


: “ إذن سأوصلك مباشرة للمنزل ، ونتحدث في الطريق ،

ما الموضوع الذي تريد أن نتكلم عنه ؟”


و بينما تحركت السيارة ، شعر فانغ هاو بدوار مفاجئ ،

لم يعرف إن كان بسبب سرعة قيادة تشن جيايو أو لأن 

الحُمّى زادت من صداعه ،

فأمال رأسه على الزجاج البارد بجانبه ، فشعر ببعض الراحة


نظر تشن جيايو إليه بنظرة سريعة ، ولاحظ مظهره المريض والمجهد ،

عادةً يكون فانغ هاو دائمًا حادّ الذكاء ونشيطًا ، 

غير متأثر بالتحديات مثل أعطال الرادار أو توجيه الرحلات 

في المطر الغزير ، بدا وكأنه يتعامل مع أي أزمة دون أن يرمش ، 

مجرد عبوس حاجبيه في تركيز ، 

لم يرَاه تشن جيايو بهذا الشكل من قبل ، 

وبمجرد نظرة واحدة، شعر قلبه باللين ، و قال بلطف 

وهدوء : “حلقك يؤلمك ، لما لا ترتاح و سأتحدث أنا.”


استدار فانغ هاو نحوه قليلاً وأومأ  : “ مم "


عض تشن جيايو على شفتيه : “ في اليوم الذي فشلت فيه 

أضواء المدرج ، كنت أطير ذهابًا وإيابًا من بكين إلى هونغ كونغ لمدة يومين متتاليين ،

و كانت تلك آخر رحلة في اليوم ، وكنت آمل في إنهاء سلس 

حتى أتمكن من تسجيل خروج مبكر والعودة إلى المنزل ،

و عندما اكتشفت أننا مضطرين للذهاب إلى البرج لأن 

أضواء المدرج لم تُشغل ، كنت في مزاج سيئ ،

أستطيع أن أتخيل أن ذلك اليوم كان مرهقًا بالنسبة لك 

أيضًا — ربما ما زلت تشعر بتأثير مشكلة الرادار .”


أومأ فانغ هاو برأسه مجددًا وأصدر همهمة خافتة ، مؤكّدًا 

أن تشن جيايو لم يخطئ في تخمينه ،


قال تشن جيايو وهو يلخص :

“ على أي حال… مجرد أحداث تتابعت وصادفت بعضها ،

في الأصل لم تكن مشكلة كبيرة ، أنت وشو ييرو تعاملتما 

مع الموقف بشكل صحيح، ولم يكن لدي أي اعتراض .”


أنصت فانغ هاو باهتمام حتى انتهى ، ثم علّق بهدوء وكأنه يقرر حقيقة ثابتة :

“ لكنّك مع ذلك غضبت مني "


كان تشن جيايو على وشك أن يفسّر ، لكنه سرعان ما تراجع عن الفكرة ، 

فلو حاول تفسير الأمر بصدق ، لانكشف الجواب الواضح بلا مواربة ، لذا التفت ليسأله بدلًا من ذلك —- :

“ أظن أن انطباعك الأول عني لم يكن جيدًا ، صحيح ؟”


كاد فانغ هاو يجيب بالنفي التلقائي : “ ليس كثيرًا "


ابتسم تشن جيايو ابتسامة خفيفة وقد حسم أمره في داخله ، وقال :

“ دعنا نكن صريحين "


تردّد فانغ هاو قليلًا ، ثم قال بنبرة لطيفة ، وربما تأثّر بكون 

الوقت متأخرًا وبأنه منهك بشدة فلم يعد قادرًا على التظاهر بالقوة :

“ لم يكن الأمر سيئًا جدًا ،، فقط… في الواقع ، ليس ذنبك ، 

الشركة تسعى جاهدة إلى الترويج والظهور الإعلامي .”


كانت كلماته هذه أهدأ بكثير من حدة الأيام الماضية ، 

وقد بدت نبرته لينة ، بلا حدّة ولا مواجهة


شعر تشن جيايو بثقل في قلبه ، وغرق قلبه في الحزن ،

فحتى إن كانت التعليقات الساخرة عن كونه “نجمًا” قد 

قيلت على سبيل الانفعال والغيرة ، إلا أنها لم تخلُو من حقيقة ،

في نظر فانغ هاو ، بدا فعلًا وكأنه شخص يستغل مكانته ويتدلّل ،


قال بهدوء :

“ كنت أتوقّع ذلك "

وبما أن هذا اللقاء بُني على الصراحة ، لم يرغب في إخفاء 

شيء ، فالصدق أساس أي حوار متكافئ


لكن فانغ هاو شعر بالحاجة إلى توضيح أكثر ، فقال:

“ لم أقصد أي شيء شخصي … فقط… إدارة كابتن مثلك قد 

تكون صعبة أحيانًا ، أعتذر عن أي تقصير بدر مني .”


وتذكّر تعليمات لو يان قبل رحيلها — لم يكن بارعًا بالفطرة 

في إدارة العلاقات العملية ، لكنه كان يحاول ، مثلما يفعل الآن 


كان تشن جيايو معتادًا على صوته الواثق الحازم عبر 

اللاسلكي ، لذا وجد صوته المتواضع الآن غريبًا عليه ، 

بل وأثار في نفسه شيئًا من التعاطف ، فسارع إلى القول :

“ لا، أنت تؤدي عملك كما ينبغي . إن كان ثمة من يجب أن يعتذر ، فهو أنا "



: “ ماذا…؟” بدا فانغ هاو مرتبكًا من هذا التحوّل المفاجئ ،

لقد كان مستعدًا للمواجهة ، مهيّئًا نفسه لتحمّل اللوم ، 

فهو من بدأ الكلام الحاد أولًا ، لم يتوقّع أبدًا أن يتراجع 

الطرف الآخر بهذه السهولة ، فوجد نفسه عاجزًا عن الرد ،


اقترح تشن جيايو بنبرة هادئة ، تكاد تشبه حوارًا بين حبيبين 

أكثر من كونها نقاشًا بين زملاء :

“ فلنترك الجدال ، ما رأيك ؟”


فجأة تذكّر فانغ هاو تكهّنات شقيقه فانغ شنغجي ، لكنه 

سرعان ما كبَح أفكاره في الوقت المناسب ،

قال: “ حسنًا ...” ثم أضاف، غير راضٍ تمامًا: “ لكن لم أقصد الإساءة ، 

أنا فقط أتكلم بصرامة أحيانًا ، المرة القادمة ، إذا حدث 

شيء كهذا مجددًا ، هل يمكنك أن تصارحني به مباشرةً فوراً ؟”


كان تشن جيايو يعلم أن بروده خلال الأسبوعين الماضية لا 

يزال لغز في عينَي فانغ هاو ، 

فلم يجد جوابًا إلا أن يقول :

“ همم… لن تكون هناك مرة قادمة .”


ساد صمت قصير في السيارة ، لكنه بالنسبة إلى فانغ هاو لم يكن ثقيلًا ، بل أشعره براحة ، 

فقد شعر وكأنهما أخيرًا جلسا وتحدثا بهدوء عن خلافاتهما، 

وهذا الصمت بدا وكأنه استراحة مطمئنة


وفجأة تذكّر أنه نسي إدخال عنوان منزله في جهاز الملاحة، 

لكن المدهش أن تشن جيايو لم يسأله عن العنوان ولم 

يتفقد الخريطة—فقد بدا أنه ما يزال يتذكر الطريق منذ 

حفلة الوداع للو يان حين أوصله إلى منزله أول مرة ،

شعر أن التعرّف على الطرق وحسن الاتجاه مهارة إضافية يمتلكها الكابتن 


استغل فانغ هاو سكون الليل ليطرح سؤالًا طالما شغل باله:

“ إذن… هل يمكنك أن تخبرني كيف كانت الرحلة إلى هونغ كونغ ؟”


تنهد تشن جيايو تنهيدة …. لطالما شعر أنه لا يريد من فانغ 

هاو أو أي صديق آخر أن يسأله عن تلك التفاصيل ، 

لكن حين جاءه السؤال فعلًا ، أحسّ وكأن ثِقَلًا انزاح عن كاهله ،،،،،

قال :

“ الرحلتان كانتا عاديّتين ، باستثناء مشكلة عدم تشغيل 

أضواء المدرج ، سارت الأمور بسلاسة ، لكن بسبب تلك 

الحادثة ، أصبح لهذا الخطّ وقع مختلف في نفسي .”


جلس فانغ هاو يستمع إليه في صمت ، يراقبه بعينيه 

ويمنحه المساحة والوقت ليبوح بما في صدره


تابع تشن جيايو كلامه قائلاً:

“ الهبوط الاضطراري في هونغ كونغ… لا أريد أن أمر بمثل 

ذلك أبدًا في حياتي ... كان كابوس ،

الناس في الخارج رأوا فقط لحظات الهبوط الطارئ التي امتدت خمسين ثانية ، وكرّرتها القنوات التلفزيونية مرارًا ، 

لكن الجزء الأعظم عذابًا لم يكن تلك الخمسين ثانية ،، 

بل الساعاتان والنصف من وقت اكتشاف المشكلة إلى أن 

حَلَقْنا فوق مطار هونغ كونغ ...”


أومأ فانغ هاو تشجيعًا له على المتابعة ، ورغم أنه لاحظ أن 

المشهد الخارجي أصبح مألوفًا — فقد دخل تشن جيايو 

الحي الذي يسكنه — إلا أنه لم يرغب بمقاطعته لأنه ما زال يريد التحدّث 


: “ خلال تلك الساعتين والنصف ، قضيت نصف الوقت 

أعتقد أن الطائرة ستسقط في البحر لا محالة ….

كلا المحركين عند قوة دفع صفرية ، و في حالة سقوط ،

لم يكن أمامنا سوى انتظار الاصطدام بالماء ،،

قضيت وقتًا طويلاً أحسب إلى متى يمكننا الطيران بهذا 

الارتفاع والسرعة ، وفي الوقت نفسه ، كان تشانغ بين — 

مساعدي في الطائرة — ينفذ قائمة الإجراءات الخاصة 

بالهبوط الاضطراري في البحر ، 

كانت الرياح قوية والبحر هائجًا وقتها …. كنا نعلم أنه ما إن 

نلامس الماء ففرص النجاة ستكون ضئيلة ….. 

و في مرحلة لاحقة حاولت أن أُعيد تدريجيًا تحكمات 

المحركات فوجدت أن دفع المحرّك الأيسر يمكن استعادته 

جزئيًا ، وهذا أتاح لنا تفادي الهبوط في الماء ... 

خلال تلك الساعة تزايدت آمالنا في النجاة أكثر من أي وقت مضى …. 

لكن عندما بدأنا الاقتراب ، اكتشفت أن دفع المحرك لم يعد ينخفض ….”


قاطع فانغ هاو فجأة وقال: “جيا غا هل مسموح أن تخبرني بهذه التفاصيل ؟” 


بعد عام من هبوط الرحلة 416 اضطراريًا، صدرت تقارير 

تحقيق الحادث عن إندونيسيا والصين والولايات المتحدة ،

وباعتباره محترفًا في الطيران ، قرأ فانغ هاو تلك التقارير مع 

التركيز على أقسام رحلة 416 والاتصالات مع مراقبة الحركة الجوية ، 

لكن الكثير من الأشياء التي يرويها تشن جيايو كانت 

شخصية جدًا ولم تُدرج ضمن التقارير الرسمية ،


نظر تشن جيايو إليه بنظرة عميقة وقال:

“ أريد أن أتحدث عنها ...” ولما رأى فانغ هاو يومئ باستمرار ، واصل:

“ بعد أن دُرنا في الجو نحو نصف ساعة حتى أوشكت كمية 

الوقود على الانتهاء ، علمت أن أمامي فرصة واحدة فقط 

للهبوط ، فرصة واحدة لتحديد الحياة أو الموت ...”

تذكّر شيئًا فجأة وسأل :

“ هل سبق لك أن جربت الطيران في جهاز المحاكاة ؟”


فانغ هاو: “ لقد جربت جهاز محاكاة طائرة 737.”

من أجل فهمٍ أعمق وتنسيقٍ أفضل في عمله بمراقبة 

الحركة الجوية ، أنفق من ماله الخاص قبل عامين لتعلّم 

قيادة جهاز محاكاة لطائرة 737، واجتاز الاختبار بنجاح


تشن جيايو: “جهاز المحاكاة يمكنه محاكاة شعور الهبوط 

بسرعات الاقتراب العادية ... لكن على سرعة 246 عقدة…”


ومن زاوية فانغ هاو ، كان يرى ملامح وجه جيايو الوسيم من 

الجانب ، وحاجبيه عابسان بشدة ، وتعبيرًا مكبوت في ملامحه 


رد فانغ هاو مُكملّاً : “ سرعة عالية جدًا "


لم ينظر تشن جيايو إليه مجددًا ، لكن ملامحه جادة 

ومظلمة ، وفيها أثر من الألم ، 

انخفض صوته وهو يقول:

“ هل تعرف ما معنى أن تُشغّل الطائرة يدويًا للهبوط بينما 

تصرخ إنذارات اقتراب الأرض في أذنيك مطالبةً : اسحب ! اسحب !؟”


[ Terrain, terrain! Pull up! Pull up! ]

يرافقها صوت الإنذار الصاخب داخل قمرة القيادة —-



ذلك الصوت هو الكابوس الذي يتمنى معظم الطيارين ألّا 

يسمعوه أبدًا طوال حياتهم ، أشبه بحكم بالإعدام يُعلن من 

الطائرة نفسها ،

وقد دوّى أثناء الهبوط الاضطراري لرحلة إير تشاينا 416 في 

مطار هونغ كونغ الدولي ، 

بسبب سرعة الاقتراب المفرطة ، لم يتمكن نظام الكمبيوتر 

المتطور للطائرة من التعرف على الوضع كـ ' هبوط 

اضطراري ' بل فسّره كما لو أن الطائرة على وشك الاصطدام 

بالأرض ، مما فعّل إنذارات الاقتراب من التضاريس ….


: " جميع الأجهزة والأنظمة ، وكل التدريب الذي تلقيته ، 

وكل حواسك تصرخ داخلك : هذا خطأ ، لن ينجح الأمر… 

لكن لا خيار آخر أمامك سوى أن تشد على أسنانك وتواصل، 

مؤمنًا أنك اتخذت أفضل قرار ممكن من أجل جميع الركاب 

وأفراد الطاقم ... و لا طريق آخر سوى هذا … "


وبمجرد أن سمع فانغ هاو وصفه ، تسلّل عرق بارد إلى جبينه


و في هذه اللحظة ، لم يقل تشن جيايو أكثر من ذلك ، 

ربما لأن الذكرى كانت مؤلمة جدًا ، تاركًا لفانغ هاو أن يتخيّل ما بين السطور


ثم تابع:

“ الطائرة خرجت عن السيطرة …. أكثر من عشرة آلاف ساعة طيران آمنة ، ثم يحدث هذا ... 

بعد حادثة هونغ كونغ ، أصبحتُ شديد الدقة والتوتر تجاه 

أخطاء الطيران ، لا أطيق أخطاء الآخرين ، فضلًا عن أخطائي أنا ،

في اليوم الذي لم يتم فيه تشغيل أضواء المدرج ، كان دوان جينغتشو هو الطيار الرئيسي ، وأنا كنت أراجع قائمة الفحص ، 

قرأت البنود ، وهو كررها ، لكنه لم ينفذها ... ومع ذلك، 

شعرت أني مسؤول لأنني لم أتأكد مرتين …. 

قبل الإقلاع ذلك اليوم ، ونحن ننتظر على الممر ، تحرّش هو 

بأحد أفراد الطاقم ، وكان ذلك خرقًا للقواعد ، لو أنني قررت 

التراجع حينها ، لكان بوسعنا العودة بطائرة التاكسي وطلبتُ 

من الشركة استبدال مساعد الطيار ، 

لكنني رغبت بالعودة للوطن بسرعة ، كنت أؤمن أن مساعد 

طيار مخضرم بثلاث رتب وألف ساعة طيران لا بد أنه يعرف كيف يطير ، كنت أراهن على الحظ …. 

لذا،،، في ذلك اليوم ،،،، كانت هناك أسباب كثيرة جعلتني لا أغفر لنفسي …. 

أمّا أن يؤثر ذلك عليك… فحقًا… لم يكن قصدي أبدًا "


عندما استدار فانغ هاو لينظر إلى تشن جيايو مرة أخرى ، 

كاد لا يصدق عينيه —- في هذه اللحظة ، لم يكن تشن 

جيايو يشبه ذاته المعتادة ، ولم يكن يشبه الشخصية 

الواثقة والمتحدثة بطلاقة التي اعتاد رؤيتها على التلفاز أو 

في المقابلات - مُعذبًا بما يُسمّى أفعال البطولة قبل ثلاث 

سنوات ومطاردًا بأخطائه الخاصة - ، بدا وكأن شخصًا ما قد 

أسقطه فجأة من مكانته ، فجعل تعابيره حية وبشرية مؤلمة 

بشكل لم يسبق له مثيل


شعر فانغ هاو بوخزٍ في قلبه ، لكنه تكلم بهدوء وواساه قائلاً: 

“ لا أمانع ،، من الناحية الإجرائية ، لم تخطئ بشيء فيما 

يخص حادثة أضواء المدرج ، 

لو لم نسمح لدوان جينغتشو بالطيران آنذاك واضطررنا 

للعودة بالمركبة من المدرج ، كان شرح ذلك للركاب 

والطاقم والشركة سيكون صعبًا ... بالطبع—” توقف فانغ 

هاو ليتذكر نزاعهما السابق ، وأضاف: “ لا تحتاج مني أن أخبرك بهذا ،،، 

كان يجب أن تبلغك الشركة بعد مراجعة التقارير .”


تنهد تشن جيايو قائلاً : “ في الحقيقة ، لا يهمني رأي الشركة ،،

المهم هو كيف أرى نفسي ، وما زلت أجد صعوبة في تقبّل 

حادثة أضواء المدرج ” 


تذكر فانغ هاو فيما إذا كانت تعليماته أثناء فشل الرادار مثالية ،، فمن هذه الناحية ، كانا متشابهان إلى حد بعيد


غير مدرك لكيفية مواساة تشن جيايو، كان فانغ هاو يعلم 

أنه ليس ماهرًا بالكلام المريح—كان ببساطة يستمع ،

وعندما أنهى تشن جيايو حديثه وفتح باب السيارة له، 

كان فانغ هاو على وشك النزول ، لكن شعر باندفاعًا مفاجئ و دون تفكير —- ، استدار وعانق تشن جيايو —-الذي كان يجلس على مقعد السائق


و في المساحة الضيقة للسيارة ، تلامست رؤوسهما قليلًا ، 

واصطدمت صدورهما بخفة ، مدّ فانغ هاو يده فوق كتفه 

ليربت على ظهره —- عناق قصير ، دام ثانيتين وانسحب بسرعة ،

لكن أثناء الانسحاب ، أمسك فانغ هاو بساعد تشن جيايو 

ويده لفترة وجيزة ، يطمئنه ويواسيه بطريقة لطيفة ، قصيرة لكنها مليئة بالمعنى 


صُدم تشن جيايو، غير مدرك كيفية التصرف في هذه اللحظة


لطالما كان شخصًا قويًا وحازمًا ، لم يطلب العناق أو 

المواساة من أحد ، حتى من أقرب عائلته ،


العناق الذي تلقّاه من تساو هوي أثناء الإفطار قد فجر 

مشاعره المكبوتة على الفور ، مطلقًا موجة من الحزن 

والندم والشعور بالذنب والأسى العالق ، 

كما لو أنه تم فتح صندوق باندورا ، 

أما العناق من فانغ هاو فكان مختلف —- كان حازمًا وقويًا ، 

خالٍ من اللطف أو الحنان ، لكنه ضرب الجزء الأكثر ضعفًا في قلبه ، 

حاول ببطء الإمساك بشيء ، لكن بحلول الوقت الذي تفاعل 

فيه، كانت يد فانغ هاو قد انسحبت بالفعل


نظر فانغ هاو إلى عينيه وقال بحزم : “ كل شيء سيكون على ما يرام .” وصوته لا يزال مبحوح ، 

وعندما تراجع فانغ هاو خطوة إلى الوراء ، مرت ثانية ، 

وقد فاتت تشن جيايو تلك اللحظة القصيرة من اللين في عينيه 


لم يقاوم تشن جيايو وابتسم ، وعيناه لطيفتان ، وقال لفانغ : “شكرًا لك.” وأعاد يده إلى عجلة القيادة ، 

ممسكًا بها بإحكام


في الواقع ، كان لتبعات الهبوط الاضطراري في هونغ كونغ 

تأثير طويل الأمد عليه ،، 

لقد أدرك ذلك حتى قبل العشاء مع تشانغ بين ،، 

للأسف والده الطيار كان يهتم فقط ببيانات رحلاته ، 

ومعظم التنفيذيين في الشركة كانوا يهمهم القيمة المالية التي يجلبها ،، 

لم تُعالج مخاوفه وقلقه ، كأنه قد حُكم عليه بالعزلة الانفرادية ، معزولًا ومعذبًا بمفرده ، 

و عندما جاء فانغ هاو وطرق نافذة سيارته ، شعر وكأنه أنهى 

فترة عقوبته وتم إطلاق سراحه أخيرًا


في هذه اللحظة ، شعر برغبة مفاجئة في الاقتراب أكثر ، 

في احتضان الشخص أمامه وتقبيله ، لاختبار شعوريًا ما إذا 

كان فانغ هاو يشعر بشيء تجاهه ، 

لكن خلال ثوانٍ قليلة من التردد ، كان فانغ هاو قد اختفى بالفعل عن الأنظار ….


يتبع

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي