القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch46 برج الأبروش

 Ch46 برج الأبروش




مؤخرًا ، لاحظ مراقبو الحركة الجوية في مطار داشينغ تغيّرًا 

واضحًا في مزاج فانغ هاو ،،،

فبينما يكون عادةً أثناء عمله يرتدي تعبيرًا صارمًا على وجهه، 

و بالكاد ينطق بما يتجاوز الضروري ، ويغادر فور انتهاء 

مناوبته دون التفات ، باتت توجد لحظات يعلو فيها وجهه ابتسامة ،،

وأحيانًا بعد انتهاء الدوام ، ينضم إلى أحاديث عابرة مع 

زملائه ،، الذين يعرفونه جيدًا ، مثل تشو ييرو وفو زيسيانغ ، 

أدركوا السبب وراء هذا التغيير ،،

أما الآخرون ، مثل وانغ تشانبو—تلميذه الذي ترقّى حديثًا—

فلم يكن بوسعهم سوى التخمين ،،،


في هذه اللحظة ، وانغ تشانبو يقف وحيدًا عند البوابة E17 

ممسكًا بصندوق غداء ،

للتو وصلت طائرة بوينغ 737-800 تابعة لخطوط تشاينا إيرلاينز من مطار شنتشن باوآن ،

كانت الطائرة قد وُضعت لها العوائق الأرضية وأُحيطت 

بالمخاريط الآمنة ، بينما طاقم الخدمة الأرضي يوجّه 

لتوصيل جسر الركاب بالطائرة ،

وبعد عشر دقائق تقريبًا ، خرج طاقم المقصورة وفريق 

الطيران من البوابة ، ومن بينهم ، بطبيعة الحال ، كان 

الشخص الذي ينتظره وانغ تشانبو


تشنجيايو لافتًا للأنظار : قامته الطويلة ، والشرائط الأربعة 

على كتفيه التي ترمز إلى رتبته ، ونظاراته الشمسية المميزة ، 

جعلته بارزًا وسط الحشد ، 

و ما إن رآه وانغ تشانبو حتى لوّح بيده وناداه :

“ الأخ جياااااا "


توقف تشن جيايو لحظة حتى تعرّف عليه—فقد التقيا من قبل مرة أو مرتين فقط


اقترب وانغ تشانبو سريعًا وقدّم له صندوق الغداء قائلًا:

“ معلّمي مشغول جدًا اليوم ولم يتمكّن من النزول ، 

فأرسلني بدلاً عنه …."

ثم أردف بتوترٍ جعله يثرثر قليلًا :

“ الميكرويف في غرفة المراقبة عندنا مزاجي بعض الشيء ، 

فأضفت دقيقة إضافية في التسخين ، 

يفترض أن يكون ما زال دافئًا "



—— يمكن تتبّع أصل هذه القصة إلى اليوم السابق —— 


فبمزيج من إصرار فانغ هاو اللطيف وإغرائه ، وجد تشن 

جيايو نفسه يطبخ طبق اللحم الأحمر المطهو (hong shao rou) في منزل فانغ هاو ،

لكن الكمية كانت كبيرة ولم يتمكّنا من إنهائها ،

علق جيايو عرضًا أنه لا يمانع في تناولها مجدداً في اليوم التالي ، 

لكنه مضطرًا للمبيت في شنتشن، مما جعل الأمر يبدو 

مستبعدًا ، عندها خطرت لفانغ هاو فكرة :

“ أليس لديك ثلاث رحلات غدًا ، وبينها توقف في داشينغ؟ 

سأحزم الطعام لك لتأكله في الطائرة "


في البداية رفض تشن جيايو، مصرًّا أن ذلك سيكلّف الكثير من العناء ،،

لكن فانغ هاو بما عُرف عنه من مباشرة وجدية ، 

بدأ يقسم الطعام في صناديق ورفع أكمامه قبل أن يتمكّن جيايو من الاعتراض أكثر:

“ سأوصله لك بنفسي ،، لا تقل إنه متعب ، ما دام ليس متعبًا بالنسبة لي "


و في النهاية قبل تشن جيايو العرض ، بل وحاول أن يساومه قليلًا :

“ ما رأيك… أن تختار لي ممر التاكسي الأقرب عندما أهبط ؟ 

سأكون جائعًا بحلول الثانية ظهرًا ! "


لكن فانغ هاو المتمسك بالقواعد ، رفض أن يحيد :

“ ذلك ليس بيدي ، أنا مسؤول فقط عن وجباتك 

ما رأيك ؟”


ضحك تشن جيايو عندها وأسقط الأمر


وبمحض الصدفة ، كان فانغ هاو نفسه هو من يتولى 

مراقبة رحلة عودة تشن جيايو اليوم ،

وبما أن شيئًا غير اعتيادي لم يُبلّغ عبر الراديو ، افترض جيايو 

أن العمل جارٍ كالمعتاد ، وكان يتطلّع لرؤيته شخصيًا ، 

متمنيًا أن يراه مجدداً قبل سفره إلى شنتشن ،

لكن ما لم يتوقعه هو أن يرسل فانغ هاو تلميذه بدلاً عنه ،



فهم جيايو أنّ فانغ هاو لا بدّ أنّه مشغول ولم يتمكّن من 

النزول بنفسه ، لذا لم يُبدِي أي انزعاج ،

خلع نظارته الشمسية ، وأخذ صندوق الطعام من وانغ تشانبو شاكرًا له، 

وبعد تبادل بضع كلمات مجاملة ، عاد إلى الطائرة


هذا هو الهبوط الرابع له اليوم من أصل ستة 

وبجانبه مساعده المقرّب منذ سنوات ، يوي داتشاو ،



في رحلة العودة ، كان يوي هو من يتولّى قيادة الطائرة


ما إن جلس جيايو في مقعده ومعه صندوق الغداء حتى 

فتحه وبدأ يتناول الطعام مباشرةً ، لينتشر عبق الوجبة 

وحرارتها داخل قمرة القيادة


وبينما يوي الجالس في مقعد الكابتن ، يوقّع على سجلات 

الطائرة الفنية وسجلات المقصورة ، تنهد بوجه عابس وقال:

“ الأخ جيا وأنت تأكل هكذا أشعر بالجوع من جديد "


ردّ تشن جيايو بابتسامة ، وهو يتناول الطعام بعيدان الأكل:

“ ألم أكن أنا من يشاهدك وأنت تأكل قبل قليل ؟”


فحياة الطيار صعبة وغير منتظمة ، وغالبًا تقتصر وجباتهم 

على ما يوفّره الطاقم ، 

كما أنّ اللوائح تمنع الكابتن والمساعد من تناول الطعام في 

الوقت نفسه ، تحسّبًا لأي تسمم غذائي قد يُعطّل الاثنين معًا ،

و قبل قليل في رحلة الذهاب ، كان جيايو يراقب يوي وهو 

يتناول طعامه ، وها قد انعكست الأدوار الآن ،


مال يوي داتشاو قليلًا ليتفحّص محتوى صندوق الغداء

—- لحم مطهو على الطريقة الحمراء ، بروكلي مقلي ، 

وفطر أسود بارد متبّل ،

وجبة متوازنة وغنية باللحم والخضار ، 

تبدو طازجة أكثر من أن تكون جاهزة من متجر ،

عندها سأله بفضول :

“ يا لها من وليمة ! من أحضر لك هذا الطعام ؟”




لكن سرعان ما تذكّر أنه سمع تشن جيايو يذكر في مكالمة 

سابقة أنه يواعد شخصًا ما. ابتسم وقال ممازحًا :

“ لحظة… لا تقل لي أنها حبيبتك؟ هل تعمل في المطار ؟”


ابتسم تشن جيايو — وبعد أن قدّر مكانته مع يوي 

قرر ألا يخفي الحقيقة :

“ ومن قال شيئًا عن حبيبة ؟”


حدّق فيه يوي للحظة وكأنه يراه بعين جديدة ، ثم أومأ بعد ثوانٍ بتفهّم :

“ اممم… كان عليّ ألا أفترض ،، المهم أن تكون سعيدًا ، 

هذا ما يهم "


تشن جيايو { من حسن الحظ أن يوي لم ينزل من الطائرة 

قبل قليل ؛ فلو رأى وانغ تشانبو — بنظارته وملامحه الجديّة 

التي تميل إلى هيئة ' المهووس بالدراسة ' وهو يسلّمني 

الطعام ، لانطلقت به مخيلته بعيدًا !! }


قال يوي داتشاو عرضًا :

“ يا للأسف بشأن كونغ شينيي "


فأجاب تشن جيايو بلطف:

“ لا شيء يستدعي الأسف ، شينيي لن ينقصها المعجبون، 

وكثير منهم أفضل مني ….” ثم أضاف بعد تفكير:

“ في الحقيقة أشعر ببعض الذنب ... 

كنت أساعدها في أمرٍ ما، وربما بعد ذلك شعرت بالحرج من 

اللجوء إليّ مجددًا .”


تذكّر يوي الموقف :

“ ألم تسمع ؟ شينيي قدّمت استقالتها الأسبوع الماضي "


توقف تشن جيايو بعيدان الأكل في منتصف الهواء، رافعًا رأسه بدهشة:

“ بهذه السرعة؟ لا تقل إن السبب هو…”


سارع يوي ظنّ أن جيايو فهم الأمر على نحو خاطئ، إلى التوضيح:

“ ليس بسبب ذلك ، لا تقلق "


عبس تشن جيايو بحاجبيه وسأل:

“ إذن لماذا استقالت ؟”

{ هل يمكن أن يكون السبب ذلك الحادث عندما أبلغت عن 

دوان جينغتشو؟ هل كان له هذا التأثير الكبير ؟ }


أجاب يوي:

“ أختي لم تذكر لي التفاصيل ، في كل مرة أسألها تتجاهل 

الأمر وتقول إننا نحن الطيارين لن نفهم ،

ربما يتعلق الأمر بعائلتها .”


ضغط تشن جيايو بالسؤال:

“ هل تعرف إلى أي شركة ذهبت ؟ هل وجدت عملًا آخر ؟”


فما زال يشعر بالمسؤولية لأنه شجّع شينيي على رفع ذلك البلاغ ، 

وإن كان لرحيلها أي علاقة به، فقد أراد أن يساعدها ،

فلديه معارف في شركات طيران أخرى ، وكان قادرًا على مدّ يد العون إن لزم الأمر ،


قال يوي داتشاو بقدر من الحيرة أمام اهتمام تشن جيايو:

“ لست متأكدًا… ألم تقل إنك غير مهتم ؟”


تردّد جيايو قليلًا قبل أن يجيب :

“ المسألة ليست كذلك ،،، حدث أمر بسيط آخر مرة حلّقنا معًا… 

لكن من الأفضل ألّا تعرف ،، 

أحيانًا، كلما قلّ ما تعرفه، كان أفضل .”


لم يُفضّل الخوض أكثر ، مفضّلًا إبقاء يوي بعيدًا عن التفاصيل ، 

وإذ شعر يوي أن جيايو لا يرغب في التعمّق، لم يطرح أسئلة إضافية ،

لديه اليوم رحلتان فقط، ولم يكن ضمن الجدول أن يسافر 

إلى شينزن مع جيايو ، 

وبعد أن ألقى هذه المعلومة ، تبادل معه بضع كلمات إضافية ثم غادر 


ــــــــــــــــــــــ


بعد أن قضى تشن جيايو ليلة في شينزن رتّب للقاء فانغ 

هاو في المساء التالي حتى يعودا معًا إلى المنزل ،،

فرغم أنّ كليهما يقيمان في بكين، إلا أن جدول جيايو 

المزدحم بالرحلات الإضافية ليؤمّن لنفسه إجازة قبل عطلة 

رأس السنة جعلهما لا يلتقيان إلا في فترات قصيرة ، 

وكان من النادر أن يتمكّنا من قضاء يوم كامل معًا ،


وعلى الرغم من الألقاب التكريمية العديدة التي حصل 

عليها في شركة إير تشاينا ، إلا أنها لم تتعدَّى كونها ألقابًا شكلية ،،

ففي نهاية كل عام لا يزال مضطرًا إلى إكمال ثمانمئة ساعة طيران ، 

في السنة الأولى بعد الحادث ، لم يكد يتجاوز الخمسمئة 

ساعة بسبب التحقيقات وإعادة تدريبه على طائرات بوينغ


في السنة الثانية ، استهلك معظم وقته في مرافقة تساو 

هوي إلى مواعيدها الطبية ، ولم ينجح إلا بالكاد في بلوغ 

العدد المطلوب ، 


أما في السنة الثالثة ، ورغم أنه لم يبلغ الساعات الكاملة ، 

فإن لا أحد من الإدارة ذكر الأمر ، ولم يتهامس زملاؤه من 

وراء ظهره ، بل حتى أصدقاؤه في الشركة لم يلمّحوا إلى 

ذلك —- ومع ذلك ، ظلّ جيايو واعيًا تمامًا للضغط الذي 

يفرضه على نفسه ولم يستطع الفكاك منه


من المقرر أن تهبط طائرته في العاشرة والنصف مساءً ، 

أي قبل أكثر من ساعة من انتهاء مناوبة فانغ هاو المتأخرة ،

مما يعني أنّه سيصل إلى المنزل قبل فانغ هاو بوقت طويل ،


في اليوم السابق عندما أحضر له فانغ هاو الطعام ، كان قد اقترح عليه :

“لما لا أعطيك مفتاح بيتي مسبقًا ؟ و يمكنك أن تنتظرني هناك .”


كاد تشن جيايو أن يوافق فورًا ،، لم يكن الأمر متعلّقًا 

بانتظاره ساعة من الزمن ، بل بشيء أكثر أنانية ،،

فالمفتاح مجرد غرض ، لكنه يرمز إلى ثقة حقيقية ،،،

لم يكن فانغ هاو يخشى أن يتجوّل جيايو في منزله ، أو يتصفّح كتبه ، أو ينظر إلى صوره ، أو حتى يستخدم مطبخه ، 

بل إنه يفتح له عالمه الشخصي ، ويدعوه إلى قلب حياته


لكن حين نظر فانغ هاو إلى جدول رحلاته ورأى أن جيايو 

لديه توقف في شانغهاي بودونغ خلال النهار ، أدركا أنهما 

لن يتمكنا من تبادل المفتاح ، فسقطت الفكرة


وفي النهاية ، انتظر جيايو حبيبه في المطار 


هذه المرة أوقف سيارته في الموقف نفسه الذي اعتاد فانغ هاو ركن سيارته فيه ،

وسرعان ما عثر على الهوندا أكورد الرمادية الخاصة بفانغ، 

مركونة في زاوية بعيدة من الموقف حيث لا تزال أماكن 

كثيرة خالية ، 

المسافة بجانب سيارة فانغ ضيّقة بعض الشيء على سيارة 

جيايو الـ SUV، لكنه نجح في ركنها مستقيمة


و بعد أن أوقف السيارة ، أخذ غفوة قصيرة


ولما قدّر أن وقت تبديل المناوبة قد اقترب ، خرج ومشى 

إلى قاعدة برج المراقبة بانتظار خروج فانغ هاو


وعلى هذه الطريق ، غمرته مشاعر مختلطة


فهذه لم تكن سوى المرة الثالثة التي يزور فيها برج 

المراقبة في مطار داشينغ، لكن كل زيارة كانت تحمل 

طابعًا مختلفًا تمامًا ——— : 

المرة الأولى ، جاء مع فانغ شنغجي وهو مليء بالأمل والتطلّع ،،،


المرة الثانية ، خلال مشكلة أضواء الهبوط ، بلغ التوتر حدًّا 

جعل اللقاء بينه وبين فانغ هاو يكاد يفلت من بين يديه ،، 


أما هذه المرة الثالثة… فقد كانت مزيجًا من الحنين ، والهدوء ، والترقّب ….



ما إن خرج فانغ هاو من برج المراقبة حتى لمح تشن جيايو 

يقف في الأسفل يتبادل حديثًا قصيرًا مع أحد رجال الأمن، 

ولوّح له مبتسمًا ما إن رآه يقترب ،

قال فانغ هاو وهو يسرع خطواته :

“ لقد جئت ”


أجابه تشن جيايو: “ نعم.” ثم التقط على الفور بحة خفيفة 

في صوته حين اقترب أكثر، ولاحظ رائحة التبغ العالقة في سترته


سأله تشن جيايو: “ هل كان اليوم مزدحمًا على نحوٍ خاص؟”


فحين دخل الأجواء لم يكن الوضع مزدحمًا ، لكن ذلك كان 

حوالي العاشرة مساءً، ولم يتولَّ فانغ هاو شخصيًا توجيهه ، 

فكل ما سمعه كان صوته فحسب


أومأ فانغ هاو: “ نعم، كان الازدحام شديد عند السادسة ، 

ثم اشتدّ عند الثامنة بسبب نشاطات عسكرية ، 

لكن بعد التاسعة هدأ كل شيء ، لذا لم تلحظه ،

كيف خمّنت ؟”


فكّر تشن جيايو قليلًا ، ثم مال أكثر نحوه وشم كتفه قائلاً:

“ حين تنشغل كثيرًا… تدخّن أكثر "


تفاجأ فانغ هاو …. وألقى نظرة على سترته وهو ينفضها لا شعوريًا ، ثم ابتعد خطوة صغيرة عنه :

“ هل الرائحة قويّة إلى هذا الحد ؟ 

أنا لم أعد أشعر بها بعد يومٍ كامل ”


اقترب منه تشن جيايو مجددًا ، ووضع ذراعه حول كتفيه مطمئنًا :

“ لا بأس "


هذه المرة الأولى التي يسمع فيها فانغ هاو تعليقًا من تشن جيايو عن عادة التدخين لديه ،،

وبعد أن فكّر قليلًا ، أدرك أنّه لم يسبق أن رآه يدخّن قط ،،

فسأله بتردّد :

“ هل… يضايقك الأمر ؟”


فكّر تشن جيايو مليًا … فهو لم يكن مدخنًا ، ولم يرغب يومًا 

أن يكون كذلك ، كان والده تشن تشنغ مدخنًا شرهًا 

يستهلك علبة كاملة في اليوم في أسوأ أيامه ، 

وكلما اعتراه مزاج سيّئ ، أشعل سيجارة وأفرط في الشرب ،

لذا ارتبطت رائحة الدخان لديه دومًا بذكريات قاتمة ووطأة 

خانقة في المنزل ، 

لكن فانغ هاو لم يكن كذلك ؛ لم يكن يدخّن بدافع الكآبة ، 

ولم يكن مفرطًا ، بل غالبًا يلجأ إليه أثناء المناوبات الليلية 

أو في المناسبات الاجتماعية ،

لذا قال بهدوء :

“ إنها مناوبتك الليلية ، والتدخين يساعدك على البقاء يقظًا ،

أفهم ذلك ، ولا بأس ، 

على فكرة… لقد دخّنتُ من قبل أيضًا .”


تنفّس فانغ هاو بارتياح وأومأ … لو قال له إن الأمر يزعجه ، 

لما عرف كيف يتصرّف ؛ فالتخلّي عن عادة من أجل شخص 

آخر أمر لم يعتاده ،

لكن لحسن الحظ لم يكن هذا مشكلة


في طريق العودة ، قاد كلٌّ منهما سيارته —- 

وبرغم أنّها الطريق المألوفة نحو منزل فانغ هاو ، وجد 

نفسه يتبع سيارة تشن جيايو ~~

كانت حركة المرور منسابة ، لكن تشن جيايو كان يقود بعجلة ، 

يغيّر المسارات باستمرار ، ويحاول تجاوز السيارات ،

في البداية حاول فانغ هاو مجاراته ، لكن الأمر بدا مربكًا ، 

فأطلق العنان له ،

فكّر أنّ وصوله بعده بدقائق ليس مهمًا ، فالتزم أسلوبه 

الهادئ المعتاد في القيادة


ومع ذلك ، وبرغم تبديل تشن جيايو للمسارات ومحاولاته 

للتقدّم ، انتهى بهما الحال يسيران تقريبًا بنفس الوتيرة، 

بحيث يبقى جيايو دائمًا إلى جواره في المسار الأيسر أو الأيمن 


وعند اقترابهما من المنزل، تجاوزه تشن جيايو في المسار 

المجاور ولوّح له، فردّ فانغ هاو بابتسامة رقيقة


كلما فكّر فانغ هاو في الأمر ، علت شفتيه ابتسامة أعمق ،

لم يكن يسخر من محاولات تشن جيايو الفارغة للتقدّم والتباهي ، 

بل من المعنى الرمزي الكامن وراءها : وكأنهما مهما غيّرا 

الطرق والمسارات ، فهما في النهاية محكومان بالبقاء إلى 

جوار بعضهما ،

وسط الطريق السريع المزدحم ليلًا ، تسري بهما السيارات 

على إيقاع واحد ، شعر فانغ هاو فجأة بطمأنينة غير مسبوقة في قلبه


وحين وصلا إلى المنزل ، صعد فانغ هاو يقوده إلى الداخل


كان تشن جيايو يحثّه على تسخين بعض الطعام ليأكله ، 

لكن فانغ هاو أصرّ أن يتناول هو طعامه أولًا ، بينما جلس 

هو إلى اللابتوب ، على الرغم من شعوره بالجوع


لم يجد صعوبة في الوصول إلى الصفحة التي قد حفظها 

من قبل: ماراثون هونغ كونغ 100 كم الفائق، 

المقرّر في التاسع والعشرين من أكتوبر العام المقبل ،

لقد أدخل معظم بيانات التسجيل مسبقًا ، وبفضل نتائجه 

السابقة في الماراثونات، لم يكن بحاجة إلى قرعة قبول ،

أكمل إدخال التفاصيل ، أدخل رقم بطاقته الائتمانية ، 

دفع الرسوم ، وقّع على الإقرار ، وتلقّى رسالة التأكيد في 

بريده الإلكتروني ، ثم أغلق اللابتوب في اللحظة نفسها التي 

انطلق فيها صوت الميكروويف معلنًا انتهاء تسخين الطعام، 

وانتشرت رائحة الأطباق في الهواء


اقترب منه تشن جيايو وسأله:

“ ما الأمر العاجل ؟ ألم تكن جائعًا ؟”


تردّد فانغ هاو قليلًا { عاجل ؟ ربما … لا … 

لكنني شعرت أنّه مهم في تلك اللحظة …. }

فمنذ أن صارحا بعضهما بمشاعرهما، لم يكن الاندفاع 

مقتصرًا على تشن جيايو وحده ،

ابتسم وهو يرفع عينيه إليه:

“ لقد سجّلت… في ماراثون هونغ كونغ مئة كيلومتر في مارس المقبل .”


اقترب تشن جيايو وألقى نظرة على اللابتوب ، متذكّرًا كيف 

كان فانغ هاو متردّدًا بخصوصه قبل فترة بسيطة ،

فابتسم قائلًا :

“ هذا رائع ، 

المحاولة هي الخطوة الأولى للنجاح أليس كذلك؟”


قال فانغ هاو وهو يأخذ طبقه : “ بدءًا من الغد عليّ أن ألتزم 

بخطة تدريب صارمة .”


ناولَه تشن جيايو الطعام وهو يقول :

“ إذاً كل جيّدًا الليلة ، أمّا الغد فشأنه للغد "


و بدأ فانغ هاو يأكل أخيرًا ، وبينما انشغل هو بطعامه ، شرد تشن جيايو في تفكيره ،

بقي السؤال على طرف لسانه طويلًا ثم سأل :

“ لماذا… لم تحاول خوض سباق آخر منذ وقت طويل ؟”


أجابه فانغ هاو بتلميح عام: “ العمل اشغلني أكثر ، 

والظروف لم تسمح… لكن هناك أسباب أخرى أيضًا ...” 

ثم نظر إليه بثبات وتابع : “سأخبرك بها لاحقًا "


أومأ تشن جيايو غير راغب في الضغط عليه ….


يتبع

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي