القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch68 برج الأبروش

 Ch68 برج الأبروش


في تمام الثامنة صباحًا تلقّت فان رولان اتصالًا من ابنها فانغ هاو ،،،

كان صوته مبحوح ومكتوم وهو يسألها إن كانت تستطيع أن 

تأتي إلى مجمع جيانهوي لتقضي بعض الوقت معه ،،

——— سقط قلبها على الفور ،،،

فمنذ أن كان في الثانية عشرة من عمره ، اعتاد فانغ هاو 

على الاعتماد على نفسه بشدة ، يتكفّل بكل شيء بنفسه ؛ 

من الدراسة إلى البحث عن عمل ، وحتى العلاقات ، 

دون أن يُتعب والديه فان رولان وفانغ هونغتشي ، لذا ، 

حين بادر بالاتصال وطلب منها الحضور ، أدركت أن الأمر لا بد أن يكون عظيم …


و من دون تردّد ، ألغت اجتماعها الصباحي ، وانطلقت من 

المدينة متجهة إلى داشينغ


أول ما خطر في ذهنها أن فانغ هاو وتشن جيايو قد انفصلا ، 

لكنها لم تجرؤ على سؤاله عبر الهاتف ،

فهي تعرف جيدًا أن ابنها رجل شديد الاعتزاز بنفسه ، 

وقررت أن تنتظر حتى يفتح الموضوع بنفسه ،

لكن ما إن دخلت شقته ، حتى أدركت أن الأمر لا يتعلق بـ تشن جيايو ،،،،

صحيح أنه لم يكن موجود ، لكن طقم النعال الموجود 

بجوار الباب كانا دليلًا واضح على أنه كان هنا مؤخرًا


{ إذا لم يكن الأمر متعلقًا بـ تشن جيايو …. 

فلا بد أنه يخص العمل } عندها ندمت فان رُولان لأنها لم 

تُلقِ نظرة على الأخبار قبل مجيئها ——

فهي تعرف أن أي حادث يرتبط بعمل فانغ هاو لا بد أن 

يكون كبير — وربما قد تصدّر العناوين بالفعل ——


قالت بقلق ما إن دخلت :

“ ما الذي حدث ؟ هل وقع خطأ ما في العمل ؟”


و بهدوء تام روى فانغ هاو تفاصيل الحادث : طائرة ضمن 

نطاق إشرافه واجهت حالة طوارئ ، سقطت أكثر من ثلاثة 

آلاف متر حتى تمكنوا من الهبوط الاضطراري في مطار 

داشينغ بسبب عطل في الجنيحات —— بدا صوته ثابتًا 

وكأنه قد استوعب ما جرى خلال الليل ،

لكنه أضاف بعدها:

“ الطيّار في تلك الطائرة كان تشن جيايو "


في هذه اللحظة أدركت فان رولان أخيرًا سبب الاضطراب 

الواضح على وجه ابنها ، كان رد فعلها الأول هو التعاطف:

“ لا بد أنك كنت قلقًا للغاية ... وفوق ذلك، كنت لا تزال على رأس عملك ….”

ثم ترددت قليلًا وسألت :

“ هل شياو تشن بخير ؟”


أومأ فانغ هاو :

“ بخير . لم تقع إصابات . لكنني لا أستطيع تجاوز الأمر . 

ما زال يعصف بي. 

لقد حذّرته ألا يقود تلك الرحلة منذ اليوم الذي سبق الحادث . 

فالمساعد… ظل يتقصدّه بوضوح . قلت له أكثر من مرة ، 

لكنه لم يستمع .”


فهمت فان رولان كل شيء —— فحتى بعد حادث بهذه 

الضخامة ، ورغم أن تشن جيايو هو المعني ، إلا أنه لم يكن بجانبه ، 

و جوهر المشكلة كان واضح ... تنهدت قائلة :

“ أعرف كم يؤلمك هذا . لو كنت مكانك ، لشعرت بالألم نفسه .”


أغمض فانغ هاو عينيه للحظة وقال بصوت منخفض:

“ هو لا يعتقد أنه اتخذ القرار الخاطئ ،، 

قال إنه لو عاد به الزمن ، لاختار الطيران مجددًا .”


فان رولان قد جاءت في الأساس لتعدّ له الفطور ، وما إن 

وصلت حتى بدأت بتقطيع الخضار وكسر البيض ، 

لكنها الآن وضعت السكين جانبًا ، واقتربت من ابنها وعانقته


“ فانغ هاو لا تترك نفسك غارقًا في هذه الدوامة . 

الأهم من كل شيء أنك ما زلت بخير ، وهو بخير . 

وهذه نعمة بحد ذاتها .”



ابتسم فانغ هاو ابتسامة متحسّرة وهو في حضنها، وقال:

“ يبدو أنكِ في صفّه .”


توقفت فان رولان قليلًا ، ثم أفلتته وعادت إلى كاونتر المطبخ قائلة :

“ لك وجهة نظرك ، وله وجهة نظره — وهذا أمر طبيعي . 

ربما… بدلاً من التركيز على الخلاف بحد ذاته ، عليكما أن 

تتحدّثا عن سبب شعور كل منكما بما يشعر به "


تأمّل فانغ هاو كلامها بصمت للحظة —-

كلمات فان رولان كان لها أثر عميق فيه ؛ فهو دائمًا يصغي 

إليها بشكل كامل ، حتى لو لم تكن تقول ما يرغب بسماعه ، 

وهي تعرف ذلك جيدًا ، ولهذا لم تكن تكثر من المواعظ أو 

الكلام المكرَّر ،

لم يكن بحاجة لمن يذكّره بما هو بديهي ، لكنه أحيانًا يحتاج 

إلى دفعة صغيرة حين يعلق في دوامة من الأفكار 


استدارت إليه ، ونبرتها رقيقة ولكن حازمة :

“ أنا لستُ في صفّه . إنما أهتم به لأنك أنت تهتم به . 

ولو أخبرتني يومًا أنك لم تعد تحبه ، سأكون أول من يقف 

بجانبك لأرمي أغراضه خارج الباب . لكنك تهتم به كثيرًا ، أليس كذلك ؟ ”


لم يكن فانغ هاو من النوع الذي يبوح بحياته الخاصة ، 

حتى بعدما ارتبط بتشن جيايو ، ظلّت منشوراته على مواقع 

التواصل كما هي—تصوير ، طعام ، وفديوهات للجري ، 

وأحيانًا يشارك صور من طبخات تشن جيايو في قروب 

العائلة ، فقط ليريها فان رولان وفانغ شنغجي


لكن مع مرور الوقت ، حتى دون أن ترى تشن جيايو شخصيًا، 

أدركت فان رولان كم يكنّ له ابنها من المشاعر ،

كان ذلك ظاهرًا في الطريقة التي يذكره بها عرضًا ، 

وفي كثرة ابتساماته مؤخرًا ، وفي تغيّر ملامحه وحاله العام ، 

فقد أصبح أكثر خفّة وسعادة مما كان ...

وفي النهاية —- العلاقات تقوم على المشاعر


بل إنها حتى قبل أن تتعرف على تشن جيايو وجهًا لوجه ،

قد كوّنت عنه صورة من خلال فانغ هاو—وأُعجبت بما لمسته


اهتزّ فانغ هاو من وقع كلماتها

ورغم أنها تتحدث عن علاقته بتشن جيايو، إلا أنه شعر 

وكأنها تلمّح إلى شيء آخر ،

فالكلمات العابرة قد لا تُقصد بها دلالات أعمق ، 

لكن الشخص الذي يثقل قلبه الهمّ ، يسمعها دائمًا محمّلة بمعانٍ إضافية


لم تلحّ فان رولان عليه بالكلام ، بل واصلت إعداد الطعام ،

لكن فانغ هاو لم يستطع كتمان ما في داخله أكثر

و قال بصوت خافت :

“ أمي… ثمة أمر يجب أن أخبركِ به "


ظنّت فان رولان أنه يتحدث عن الحادثة في العمل ، فشجعته قائلة :

“ حسنًا ، خذ وقتك… ماذا حصل ؟”


أجاب وهو يهز رأسه :

“ ليس عن ذلك . إنه أمر من الماضي .”

تنفّس بارتباك ، وجلس عند كاونتر المطبخ يراقب ظهرها وهو يبدأ بالكلام :

“ كان ذلك قبل ثلاث سنوات ، تقريبًا في عيد تشيشي. 

قد أنهيت مناوبة ليلية ، ولم تكن الطرق مزدحمة ،

خرجت مبكراً بحوالي ساعة ، ففكرت أن أزور لو جياوي في منزله . 

كان وقتها يعمل على قضية دمج ، وقد أخبرني أنه لم ينم 

منذ ثمانٍ وأربعين ساعة . لم أره منذ أسبوعين ، ولم 

نتحدث سوى مرة واحدة على الهاتف .”


توقفت فان رولان عما كانت تفعله —- همهمت بصوت 

خفيف ، ووجهها كلّه إنصات ، وكأنها قد شعرت فعلًا بما ستؤول إليه القصة…


تابع فانغ هاو قائلاً :

“ كنت أريد أن أفاجئه لأنه كان مشغولًا للغاية . 

كنت أملك مفتاح شقته ، فأوقفت سيارتي… آه، صحيح، 

حين فتحت الباب، احتكّ بالعمود المعدني بجانب الموقف، 

وتقشّر جزء من الطلاء . شعرتُ بالانزعاج الشديد وقتها ...”

ضحك ضحكة صغيرة :

“ كنتُ قد أوقفت سيارتي في ذلك المكان مئات المرات من 

دون خدش واحد ، لكن في ذلك اليوم ، كل شيء بدا غير طبيعي …. 

كان عليّ أن أدرك أنه فأل سيّئ ...


ثم صعدت إلى الأعلى ، فتحت الباب ، ورأيت شخصين في صالة المعيشة ،،

لو جياوي ومعه رجل آخر—غريب تمامًا ... على الأريكة ، 

يتبادلان القبل .


كان لو جياوي ما يزال يرتدي بدلته الرسمية ،،

أما الآخر… فأقول رجل فقط لأنه بدا في العشرين بالكاد ، 

أصغر مني بكثير ….”


توقف لحظةً ، ثم أكمل :

“ لقد أعدتُ ذلك المشهد في رأسي آلاف المرات ... 

تقبّلتُ حقيقة أنه خانني . لكن حين أعود للتفكير ، 

أُدرك أنّ من بين الأشخاص الثلاثة في تلك الغرفة ، الوحيد 

الذي كان مصدومًا تمامًا، والوحيد الذي أُخذ على حين غرة، هو أنا 


لو جياوي لم يبدُو مذعورًا —ربما لطبيعته الباردة ، 

أو ربما لأنه تجاوزني أصلًا ،

أما ذلك الشاب الآخر ، فلم يبدُو عليه القلق أيضًا ،

ربما بالنسبة له، لم يكن الأمر سوى نزوة عابرة .”


لكن أنا ؟ كنت الوحيد الذي اهتم …. 

ولهذا كنت الوحيد الذي انهار …. وهذا… 

هذا ما كان الأصعب في تقبّله .”


ظلّ هذا الجرح مدفونًا طويلًا في داخله ، لكن ما إن بدأ بالكلام ، 

حتى اندفعت منه الكلمات دفعة واحدة ، 

لكن حين انتهى، أدرك أمرًا—لم يكن في عيني فان رولان أثرٌ 

للدهشة ، بل فقط للحزن والغضب


قال متردّدًا :

“ أأنتِ… كنتِ تعلمين ؟”

كان الجواب واضح ، لكنه اضطر أن ينطق به


لم تخفِي فان رولان الحقيقة عنه :

“ نعم . شنغجي أخبرني منذ عامين . لكن لا تلُمْه—أنا من 

كنت أُلِحّ عليه بالسؤال .”


تنهد فانغ هاو { كان ينبغي أن أتوقّع هذا … }

أمه تعرفه جيدًا ، حتى لو لم يخبرها شنغجي، لكانت قد خمّنت ،

فالنهايات المؤلمة للعلاقات لا تخرج عن أسباب شائعة ، 

وهو لم يكن بارع في إخفاء ألمه ، 

لقد أدركت الحقيقة منذ زمن ، لكنها احتفظت بها في قلبها 

لعامين كاملين، منتظرة أن يبوح هو بنفسه


وبنبرة متأثرة قال وهو يشعر بالذنب :

“ كان ينبغي أن أخبركِ منذ وقت طويل "


أشارت بيدها لتقطع حديثه :

“ إخبارك لي الآن هو الخطوة الأولى نحو التعافي …. 

أنا لا ألومك ،، بل في الحقيقة ، أشعر بالفخر لأنك أنهيت 

تلك العلاقة بوضوح ونظافة . 

لطالما آمنتُ أنك ستجد الشخص المناسب ، من يمنحك 

التقدير الذي تستحقه . وأظن… أنك وجدته الآن .”


ارتعش صوت فانغ هاو قليلًا وهو يتمتم:

“ شخص يحبّني ….”

وكأنه يؤكد الأمر لنفسه، كرر:

“ لقد قال إنه يحبّني .”


هدأ غضب فان رولان ... لم ترغب أن تعود للحديث عن لو جياوي أو خيانته ، 

بل أرادت أن تركّز على الحاضر ، فسألته :

“ وأنت… ماذا قلت له؟”


أنزل فانغ هاو عينيه ، واعترف بصوت خافت :

“ لم أقلها بعد "

و أضاف وكأنه يخاطب نفسه :

“ حين أقول أحبك ، أريد أن تكون إلى الأبد "


…..


وحين غادرا المنزل لاحقًا ، بدا أنه تحسّن قليلًا ،

رافق فان رولان إلى ساحة الموقف ، وظلّا يتحدثان بجوار 

سيارته بعض الوقت ، وقبل أن تغادر ، ألقت فان رولان نظرة 

على باب السائق …. وكما توقعت ، رأت الخدش الطويل القبيح


في هذه اللحظة ، وكأن قلب الأم قد اتحد مع قلب ابنها ، 

تخيلت فان رولان مشهد فانغ هاو قبل ثلاث سنوات ، 

يخرج من سيارته ويدفع ذلك الباب —— انقبض قلبها ، 

وأثناء تأملها مؤخرة رأسه ، بدأت عيناها تمتلئ بالدموع ،


أخذت نفسًا عميقًا لتتماسك ، ثم نادته بهدوء :

“ ابني "

وتابعت بكلمات موزونة :

“ ينبغي أن تُصلح طلاء السيارة "


أومأ فانغ هاو وقد أدرك أنها رأت الخدش ، وأجاب بإحراج


عانقته فان رولان عناقًا أخيرًا قبل أن ترحل ،

لم تفصح عمّا في قلبها كلّه — بل نحو ثمانين في المئة منه فقط ،

بين ولديها ، كان فانغ شنغجي أشبه بوالدهما ، بينما فانغ هاو الأقرب إليها


كانت تعرف استقلاليته ، وعناده ، وحسمه ، لأنها جميعًا صفات عاشت بها هي نفسها


وحين يتشابه شخصان إلى هذا الحد ، لا تكون الحاجة 

ماسّة إلى الإفصاح عن كل شيء بوضوح


فما كانت تريد قوله حقًا هو هذا—

' طلاء السيارة يُمكن إصلاحه في الورشة ، 

أما التصدعات في قلبك… فلا يقدر على مداواتها إلا نفسك '


يتبع

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي