Ch92 بانغوان
عند تقاطع طريق جينتشانغ السريع وطريق جينشي
السريع يوجد مخرج غير بارز تقريبًا
بعد الانعطاف الحاد لمنحدر الخروج ، يمتد طريق يؤدي إلى
القرية عبر مصدات رياح ممتلئة بالأشجار ومسطحات
واسعة من الأراضي الزراعية
الطريق يُستخدم عادةً من قبل شاحنات البضائع ، ولم يكن
في حالة جيدة على الإطلاق ، لذا كانت السيارات الخاصة
تتجنبه إن استطاعت ،
وحوالي منتصف الليل ، حتى الشاحنات نادر يمرون من هنا
الساعة قد تجاوزت الثانية فجرًا بقليل ، وشاحنة محمّلة
بمواد بناء تسير ببطء على الطريق
السائق لم يتوقف عن التثاؤب ، وبسبب أن الطريق أمامه
كان مظلمًا تمامًا وخاليًا من أي مركبات أخرى،
كان يصارع للبقاء مستيقظًا
بل إنه قضى بضع دقائق وهو على وشك أن تغفو عيناه
النوافذ مفتوحة بالكامل
وبينما هو غارق في شبه غيبوبة ، سمع صوت صفير حاد يخترق الهواء
كان ذلك صوت الرياح الناتجة عن مرور سيارة بسرعة جنونية
والأسوأ من ذلك… لم تكن سيارة واحدة فقط—بل قافلة
كاملة اندفعت كالصاروخ متجاوزين إياه
السائق قد اعتاد منذ زمن بعيد أن يتفاعل غريزيًا مع مثل
هذه الأصوات ، فانفتحت عيناه على الفور ما إن سمعها ؛
بل وضغط على البوق في هلع
سرعان ما أفاق تمامًا بفضل الخوف الذي تملكه من
احتمال وقوع حادث
حدّق بقوة في الطريق أمامه ، لكنه لم يرَى أي أثر للسيارات
وكأن ما حدث قبل قليل لم يكن سوى حلم
ما إن بدأ يظن أنه ربما إنذار كاذب ، عاد صوت الصفير مجددًا ، مخترقًا الطريق وهو يتجاوزه مجدداً
كان رد فعله أسرع هذه المرة و التفت برأسه بسرعة ،
فالتقط لمحة غامضة ، شبحية ، لسيارة
شبحية إلى أي حد؟
إلى درجة أنه ما إن أغمض عينيه وفتحهما من جديد،
اختفت تمامًا وسط عتمة الليل
“ اللعنة… ما هذا بحق الجحيم ؟!”
شعر السائق وكأنه صادف شبح ، وبدأ العرق البارد يتصبب منه
بعض تلك السيارات الشبحية قادمة من مقر عائلة تشانغ في نينغتشو
بينما جاءت الأخرى من أماكن متفرقة في أنحاء البلاد
سيارات عادية تمامًا ، سيارات يستخدمها الناس يوميًا ،
لكن بسبب استعجال الجميع ، ألصقوا عليها تعاويذ ،
مع بعض الخدع الوهمية ،
بلغ عددها نحو مئة سيارة إجمالًا ، والسائق المنحوس لم
يصادف سوى المجموعتين اللتين كانتا في نهاية الركب
ولم تكن كلها متجهة في اتجاه واحد
بل تتفرق عند تقاطعات ومخارج مختلفة تؤدي إلى أماكن أخرى
ولو أن أحدًا نظر من الأعلى من منظور طائر ، لاكتشف أنه
بين اللحظة والأخرى ، تنفصل سيارة أو اثنتان من
المجموعة الرئيسية لتتوقف في محطة استراحة أو محطة
وقود—في أي مكان يمكن لسيارة أن تتوقف فيه دون أن تثير الشبهات
و كان هذا يحدث في كل اتجاه
وعلى الخريطة ، بدت تلك السيارات وكأنها تحاصر سرًا قرية
غير لافتة للنظر على الإطلاق
لكن في الحقيقة ، أن تشانغ تشنغتشو قد وصل منذ وقت طويل ، قبل اتصاله بوقت كافٍ ليُعلِم تشو شو
فبعد أن استدرج المعلومات من تشو شو بالأسئلة المبطنة،
جهّز لفتح ' بوابة ' في الساحة الرئيسية لمقر عائلة تشانغ
تؤدي مباشرةً إلى منطقة تيانجين ، ليتمكن من الوصول
بأسرع ما يمكن
وأثناء ركن السيارة عند مدخل القرية ، سأل الدمية الجالس
خلف المقود—آ-تشي—بحيرة :
“ سيدي ، ألم تخبر شياو شو أنك ستنتظر وصول باقي
العائلات قبل أن تغادر ؟”
ألقى نظرة على الهاتف ، الذي كان يعرض خريطة قديمة الطراز ،
عليها مئة نقطة صغيرة حمراء متناثرة
و جميع النقاط تتحرك حاليًا باتجاه نينغتشو من مناطق مختلفة في البلاد
هذه النقاط الحمراء على الخريطة تمثل مواقع جميع
العائلات الذين جرى تنبيههم عبر لوحة سجل الأسماء
وهو يمسك عصاه بين يديه ، تشانغ تشنغتشو يحدّق من
نافذة السيارة نحو إنارات القرية البعيدة المتناثرة كحبات نجوم ، و قال :
“ أخبِر العائلات الأخرى أنه بسبب تغيّر طارئ في الظروف،
نحن وصلنا بالفعل إلى تيانجين ، وعليهم تعديل مساراتهم تبعًا لذلك .”
: “ حسنًا ...” نقل آ-تشي الرسالة إلى العائلات الأخرى عبر
الخريطة على الهاتف ، ثم قال متردّدًا :
“ لكن… ألن يتسبب هذا التغيير المفاجئ بتأخير أيضًا ؟”
: “ لن يحدث تأخير ….” أجاب تشانغ تشنغتشو وهو يضغط
على عصاه : “ بل سيسرّع الأمور ،،، فبما أنه سيكون من
المزعج عليهم تعديل طرقهم فجأة ، فلن يرغبوا في
الاستمرار باستخدام الطرق العادية . الذين يجب أن يفتحوا
بوابة باستخدام مصفوفة سيفعلون ذلك ، ليأتوا إلى هنا مباشرة ….”
توقف قليلًا، ثم أضاف:
“ الناس جميعهم هكذا . بمجرد أن يصطدموا بشيء مزعج ،
يفقدون الرغبة في أخذ وقتهم .”
أومأ آ-تشي وكأنه لم يفهم إلا نصف الفكرة وقال:
“ لقد خططت لكل هذا مسبقًا .”
فأجابه تشانغ تشنغتشو :
“ هذا لا يُسمى تخطيطًا ، هذا يُسمى عدم وجود خيار آخر .
بعض الناس ، حتى وهم في عجلة من أمرهم ، يظلون بطيئين .
أما في أمر مصيري كهذا ، فلا بد من دفعهم قليلًا ...” ثم
صحّح كلامه: “ عذر ’ انتظار وصول جميع العائلات ‘…
هذا مجرد شيء تقوله لطفل ،
لقد أخبرتك من قبل ، وأنت رأيت بنفسك أيضًا ، فأنت
تعاملت معه أكثر مني ،، ذلك الصبي تشو شو صريح
ومباشر ، ولسانه غير منضبط ،، إن استطعتُ أنا أن أستدرجه
بالكلام لأنتزع منه معلومة ، فغيري يستطيع كذلك .
لا حاجة أن أزوده بكل التفاصيل .”
سأله آ-تشي :
“ هل تخشى أن يستدرجه بو نينغ-لاوزو ليأخذ المعلومات منه ؟”
هزّ تشانغ تشنغتشو رأسه —- لم يكن واضح ما الذي يفكر به ، لكنه صمت للحظة و تابع :
“ لا يهم مدى قوة ذلك السلف ، فهو في النهاية ليس إلا
خيط من روح ،،
بالمقارنة مع إنسان حي يتنفس ، ما زال ناقصًا كثيرًا ...
وأيضاً —”
كان الاثنان وحدهما في السيارة — آ-تشي في مقعد السائق ،
وتشانغ تشنغتشو جالس بمفرده في الخلف
على المقعد الفارغ بجانبه يوجد مخطوطة
مدّ يده وفكّها قليلًا ، كاشفًا عن ركن من لوحة سجل أسماء
البانغوان؛ لقد أحضر معه اللوحة التي كانت معلّقة في غرفته
منذ عودة بو نينغ إلى الحياة ، صعد اسمه عاليًا،
قافزًا مباشرةً إلى قمة اللوحة بلا منازع
وبالمثل، فإن فرع عائلة شين—المليء بالأسماء المتوفاة—ارتفع أيضًا
أما خط عائلة تشانغ، فقد دُفع أسفل هذين الاثنين
كان خط عائلة تشانغ أعقد من باقي العائلات
فمنذ الجدّ الأكبر ، كل اسم لاحق كان يتفرّع أكثر فأكثر ،
ومع مرور الوقت ظهرت فروع جديدة كالشجرة التي تنمو أفقيًا
وبعد ألف عام من النمو ، ازدهرت هذه الشجرة وأصبحت
أكبر حضور على لوحة السجل
اسم [ تشانغ تشنغتشو ] ظاهرًا قرب نهاية الخط
ومن اسمه تفرّع خطان يمثلان ولديه
أحدهما مات في دوامة قفص بعمر الثانية والثلاثين ، فكان
اسمه مكتوبًا باللون القرمزي
وبعد هذا الامتداد الأحمر خرج خطان آخران — تشانغ لان
بالأعلى ، وتشانغ يالين تحتها قليلًا
ثبتت عينا تشانغ تشنغتشو على خط العائلة لبرهة ،
ثم اتجه بصره إلى اسم [ بو نينغ ] وقال لآ-تشي:
“ أنت قلت إنني أخشى أن يستدرج بو نينغ المعلومات .
حسنًا، أنت مخطئ . من المرجح أن تلك الشخصيات من
الأسلاف لا تطرح أسئلة استدراجية أصلًا .”
نظر إليه آ-تشي بارتباك
لم يرفع تشانغ تشنغتشو رأسه ، بل واصل التحديق في
لوحة سجل الأسماء وهو يقول:
“ لقد اعتادوا على الوقوف في القمة .
لن يتردّدوا في فعل ما يجب فعله أو قول ما يجب قوله .
هم نادرًا يحتاجون إلى عناء المجاملة لكسب شيء ، فلماذا يطرحون أسئلة ملتوية ؟”
همهم آ-تشي بصوت موافقًا
قال تشانغ تشنغتشو من جديد:
“ أنا لست قلقًا من مسألة انتزاع المعلومات ...”
كانت لديه بعض العادات الشائعة لدى كبار السن ، ورغم
أنه كان يحاول عادةً كبحها،
إلا أنها تتسرّب لا شعوريًا أحيانًا ،
على سبيل المثال ، كان يكرر بعض عباراته عدة مرات
: “ لست قلقًا . حتى لو حدث ذلك ، لا بأس .
أنا فقط أحب أن أترك مساحة للمناورة .
بوجود بعض الوقت الإضافي ، لن يكون علينا التسرّع بهذا الشكل ،
بل يمكننا أن نستعد أكثر .”
لفّ اللوحة من جديد ، ثم نقر بلسانه بأسف وهو يقول :
“ وعلى ذكر ذلك ، فمن المرجح أن ذلك السلف يعاني الآن أيضًا .
كيف يمكن لروح أن تبقى لفترة طويلة ؟ لا بد أنه سيحتاج
في النهاية إلى جسد يحلّ فيه .
ولا يمكن أن يكون جسدًا عاديًا — لأن لكل إنسان روحه
الخاصة ، ومن الذي سيقبل بأن يسرق أحدٌ جسده ؟
سينتهي الأمر دومًا بصراع ، وبو نينغ ليس من النوع الذي
يستطيع ارتكاب فعل قاسٍ كهذا .
فما العمل…؟”
أجاب آ-تشي بواجب :
“ وماذا يمكن فعله ؟”
قال تشانغ تشنغتشو وهو ينظر من جديد إلى الإنارات البعيدة :
“ ليس أمامه خيار سوى العثور على شخص ميت حديثًا .
الجسد يكون لا يزال صالحًا إلى حد ما، وهناك مساحة
فارغة لروح أخرى ، و في مكان مثل هذا ، الأموات لا بد أنهم
مجرد فلاحين… تخيّل سلف مهيب مضطر إلى الانكماش في وعاء كهذا
رغم كل ما هو قادر عليه ، فإنه يظل خاضعًا لمثل هذه
القيود البشرية ،،
يا لها من تجربة…”
شعر أن هذه الفكرة جيدة للحظة ثم نقر بلسانه مجددًا
وفي هذه اللحظة ، قال آ-تشي فجأة :
“ لقد وصلوا !”
ناول الهاتف لتشانغ تشنغتشو
قبل بضع دقائق فقط، كانت النقاط الحمراء الصغيرة التي
تمثل العائلات المختلفة ما زالت في طريقها إلى نينغتشو
أما الآن، فقد دخلت معظم النقاط إلى المنطقة المحيطة بتيانجين
أكثر من مئة نقطة حمراء تتدفق من كل الجهات، متجمعين
على نفس الطريق ، مثل تنين مرعب طويل
حتى بعد ألف عام من الأحداث الكبرى ، كان هذا المشهد لا يزال نادر الحدوث
قال تشانغ تشنغتشو وهو يفتح النافذة :
“ أرأيت ؟ لقد أسرعوا فعلًا بسبب التغيير المفاجئ ”
أخرج رزمة من التعويذات الجاهزة من طيات ردائه ،
وعدّها بعناية
ثم قسمها إلى عدة مجموعات ونثرها من النافذة
“ سأخبرهم أن يتوجّهوا أولًا إلى أماكنهم الصحيحة .”
و للحظة قصيرة ، غطّت السماء أوراق صفراء ——
ثم اشتعلت التعويذات من تلقاء نفسها في هواء الليل ،
وفي غمضة عين لم يبقَى منها سوى رائحة الرماد
وسرعان ما تدفق التنين الأحمر نحو تيانجين،
و ظهرت نحو خمسين سيارة في محيط مدخل القرية
أغلب المركبات تقل رؤساء العائلات أو شخصيات بارزة من الأجيال الأصغر
وبحسب إشعار تشانغ تشنغتشو، انطلقت بقية السيارات
نحو الاستراحات الطرفية
تتابعت أصوات فتح وإغلاق أبواب السيارات بلا توقف
أمسك تشانغ تشنغتشو بعصاه ، وفتح باب سيارته ونزل
وعلى الفور ، أحاطوا به مجموعة من الناس
يوجد حتى بعض كبار السن بملابس بسيطة قديمة الطراز ،
يسيرون متكئين على أحفادهم
عشيرة يانغ من وينان ،
عشيرة وو من سوتشو ،
عشيرة تشونغ من تشيمين ،
عشيرة لين من تشانغلي ،
عشيرة لوو من يونفو… والقائمة تطول —-
كان عددهم هائلًا
بعضهم كانت علاقته وثيقة بعائلة تشانغ،
وآخرون بالكاد يلتقون بهم مرة كل عقد
لكن سواء أكانوا قريبين أم بعيدين ، لم يُضِع أحد الوقت في
المجاملات ، بل دخلوا مباشرةً في صلب الموضوع
قالت رئيسة عشيرة يانغ ، وهي امرأة في الستينيات لكنها
من الوهلة الأولى لا تبدو أكبر من تشانغ لان :
“ يا الجد هل تم محاصرة المكان بالفعل ؟”
أومأ تشانغ تشنغتشو:
“ شباب عائلة تشانغ ينتظرون في مواقعهم منذ فترة .
وأنتم أيها السادة والسيدات ، هل وصل من أحضرتموهم جميعًا ؟”
جاءت الإجابات متتابعة :
“ يكادون يصلون .”
“ وصلوا للتو .”
“ الجميع هناك .”
تشانغ تشنغتشو:
“ فلنُقِم المصفوفة إذن .”
وقبل أن يعطي تعليماته لآ-تشي بنقل الرسالة ، قاطعه صوت آخر:
“ ما زلتُ أرى أنه ليس من اللائق أن نستقبل سلف بإنشاء
مصفوفة فور لقائنا به "
التفت تشانغ تشنغتشو إلى المتحدث
امرأة مسنّة ، بيضاء الشعر عند الصدغين ، لكن بشرتها ناعمة ،
ترتدي تشيباو أبيض ، وعلى معصمها ثلاث أساور
من خشب الصندل ، كان واضح أنها كانت ذات هيبة كبيرة
في شبابها ، وما زالت أنيقة في حاضرها ، بصوتها الهادئ غير المستعجل
هذه رئيسة عشيرة وو — وو يين
لقد مرّ ما يقارب العقد منذ أن خرجت في رحلة كهذه
رافقها شابان : أحدهما حفيدها التلميذ ، والآخر حفيدها
المباشر و كلاهما أومأ بأدب لتشانغ تشنغتشو
لم يردّ تشانغ تشنغتشو على وو يين مباشرةً ، بل نظر إلى حفيدها التلميذ وقال:
“ هذا… ونكاي صحيح ؟”
أومأ الحفيد :
“ سيدي ما زلتَ تتذكرني ؟”
ابتسم تشانغ تشنغتشو بلطف :
“ بالطبع أتذكرك . لقد جئت إلى نينغتشو مع رئيسة عائلتك
عندما كان عمرك ثلاث أو أربع سنوات فقط .”
قال وو ونكاي:
“ صحيح ، وقد قدمتُ لك ماء التعويذة أيضًا .”
كما قال تشو شُو—لم يكن الأمر مقتصرًا على أحفاد عائلة
تشانغ الواعدين فقط ، أي شخص بارز من العائلات الأخرى
كان يزور نينغتشو وهو طفل ، ليقابل رئيس عائلة تشانغ
وبحسب الطقوس ، كان الجميع تقريبًا يقدّم لرئيس عائلة
تشانغ ماء التعويذة ، فيُربَت على جبينهم وتُمنَح لهم بركات ،
وغالبًا كل من تلقّى تلك البركات نما لاحقًا ليصبح شخصية قوية ،
بعد أن سحب تشانغ تشنغتشو نظره من وو ونكاي
قال لـ وو يين :
“ شاب مميز كهذا لا ينبغي أن يبقى هنا .
دعيه يذهب إلى إحدى نقاط التوقف الأخرى بعيدًا عن هذا المكان .
سنكون نحن فقط —- الكبار الذين خطونا بالفعل إلى عتبة
القبر ، من ينبغي أن نكون عند مدخل القرية .”
و تابع بصدق :
“ بل يجب عليكِ أنتِ أيضًا أن تذهبي إلى مكان آخر .
انظري إلى من بقي هنا من عائلتي تشانغ: جميعهم
متقدمون في العمر .”
نظرت وو يين و وو ونكاي إلى حيث كان يشير —-
عشر سيارات تخص عائلة تشانغ، وجميع الواقفين بجانبها
إما في منتصف العمر أو من كبار السن
تشانغ تشنغتشو:
“ لقد ذكرتُ هذا الأمر سابقًا قبل وصولكم . الأجيال الأصغر
ما زال أمامهم سنوات طويلة ، لا داعي لأن يتورطوا في هذا .”
وبعد أن انتهى من حديثه مع وو يين ، التفت إلى البقية وقال :
“ أنا جادّ ، ولست أقول هذا من باب المجاملة .
كما يعلم الجميع ، السلف بو نينغ ذو طبع هادئ ، يتصرّف
بأدب كبير واتباع للطقوس ،،
لكن، في الوقت نفسه ، الجميع يعلم أن الميت لا يعود للحياة ،،
وبما أن هناك خللًا في هذا الأمر ، فلا بد أن هناك شيئًا غريبًا وراءه .
أرجو المعذرة على قلة الاحترام ، لكني لن أستغرب إن كان
لهذا علاقة بتقنيات شريرة ...”
وتابع بهدوء ووضوح :
“ ولهذا كنتُ أصرّ على المصفوفة .
إنها مصفوفة جيدة ، هدفها إنعاش الروح .
فستحمي روحه من المضاعفات الكبرى ، وإذا كان قد
تعرّض لأذى ، فالمصفوفة يمكن أن تساعد في تثبيته قليلًا .
لكن، في الوقت نفسه ، حالما يدخل إلى المصفوفة ،
فلن يتمكن من مغادرتها مؤقتًا .
قد يبدو ذلك كعدم برّ وخيانة ، لكنه أمر لا بد أن يُؤخذ بعين الاعتبار .
أنا من النوع الذي يفضّل ترك مساحة للمناورة في أي
موقف—لا تجعلوا الأمور متصلّبة جدًا ،،،
ماذا لو كان لعودة الـ لاوزو سبب مظلم فعلًا ؟”
ترك صمت قصير ، فتدخل صوت آخر :
“ عندها لن يكون أمامنا خيار سوى أن نكون غير بارّين وخونة .”
أومأ تشانغ تشنغتشو :
“ صحيح. في تلك الحال ، علينا أن نقسو بقلوبنا ، حتى لو
كان الأمر يخص بو نينغ لاوزو
إن حدث ذلك، فلن نستطيع تجنّب معركة مرهقة .
أما إن لم يكن للأمر علاقة بالتقنيات الشريرة ، وكان هناك
سبب آخر ، فسنظل مضطرين للتفكير فيما إذا كانت أفعالنا
الليلة ستُغضِب السلف . ربما سنصطدم به على أي حال.
ولهذا أوصي ألا يبقى الأجيال الأصغر هنا .
هؤلاء الشباب في ذروة أعمارهم ، وكثير منهم أطفال
قابلتهم من قبل . إن أصابهم ضرر بسبب هذا ، فلن أسامح نفسي أبدًا .”
بعد أن أنهى شرحه ، بدأ الجميع يومئون برؤوسهم مرددين:
“ الجد حقًا رجل مستقيم .”
ضمّ تشانغ تشنغتشو يديه بتحية ولم يقل المزيد
وبالفعل ، عاد الشباب إلى سياراتهم وغادروا بسرعة نحو
نقاط التوقف الأخرى البعيدة عن القرية
ولم يتصل تشانغ تشنغتشو بتشو شو ليخبره بوصولهم إلا بعد ذلك
وبمجرد انتهاء المكالمة ، أعطى الإشارة للجميع عبر آ-تشي:
ازرعوا حجارة المصفوفة ——
أبناء الجيل الأصغر ينتظرون في محطات الوقود ،
و الاستراحات ، أو بجانب الطرق
وما إن وصلتهم الإشارة حتى نزلوا من سياراتهم وتوجهوا إلى
زاوية نائية لا يلاحظهم فيها أحد
وبمساعدة ' الكوكبات الأربع الحارسة ' ،
حدّدوا المواقع بدقة ودفنوا حجارة المصفوفة في الأرض
( المخلوقات /الأبراج الأسطورية الأربعة التي تمثل الاتجاهات الأربعة الأساسية
( التنين الأزرق للشرق، النمر الأبيض للغرب ، إلخ ) )
توهّجت الحجارة بخفوت تحت التراب الأصفر البني ،
ثم حجبتها ظلمة الليل ، لتبدو كأي شيء آخر قد تجده على
جانب الطريق
لكن الذين على دراية علموا أنّه في اللحظة التي دُفنت فيها الحجارة ،
بدأت مصفوفة عملاقة تستقر ببطء فوق المنطقة المحاصَرة ،
لتبتلع القرية بأكملها وكل من فيها ،
مدخل القرية — المكان الذي يقف فيه رؤساء العائلات
للحراسة — هو نواة المصفوفة
ومع اكتمال استقرار المصفوفة العملاقة ، تغيّر اتجاه الرياح
داخل القرية تغيرًا طفيفًا
بعض الكلاب بدأت فجأة تنبح في بيوتها ، مقاطِعةً النوم
العميق الذي يرافق مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل
لكنهم سرعان ما هدأوا من جديد ، واستداروا متكوّرين على
الأرض وهم يأنّون بخفوت ، وعادوا للنوم
وفي الوقت نفسه ،
في أول غرفة في الطابق الثاني من منزل عائلة لو —-
انفتحت عينا تشانغ يالين فجأة
نهض على الفور من على الأريكة ، ورفع يده ليتحسّس
النسيم المتسلل من النافذة نصف المفتوحة
وقبل أن ينادي على تشانغ لان، اكتشف أن شقيقته كانت
مستيقظة بالفعل؛ جالسة على حافة السرير،
شعرها يتدلّى على كتفيها، تقوم بالحركة نفسها التي قام بها
قالت وهي تفرك أصابعها بحدة :
“ هذا… اللعنة ، إنها مصفوفة ضخمة . لا يمكن لشخص
واحد أن يُقيمها .
لا تقل لي أن الجد لم يصبر واندفع إلى هنا مع الجميع ؟!”
كان من الواضح أن تشانغ يالين يفكر في الشيء نفسه ، وقد
أظلم وجهه
فهما تمامًا أن التظاهر أمام الأسلاف تصرّف أحمق لا طائل منه ،،،
لذا وبعد تفكير طويل ، قرّرا أن يناما مطيعَين في النصف
الأول من الليل — ثم لاحقًا ، بعد أن يخلد الأسلاف إلى النوم ،
يستغلّان فارق الوقت القصير لفتح بوابة تعيدهما مباشرةً إلى المقرّ الرئيسي
ففي النهاية ، لم يكن بينهما وبين الأسلاف أي ضغائن أو أحقاد ،
ولم يكن يمكن اعتبارهما تهديدًا حقيقيًا بأي حال
وحتى لو اكتشف الأجداد أنهما فرا وأرادوا مطاردتهما، فبطباعهم تلك، ما كانوا سيفعلون ذلك بجدّية بالغة .
ذلك القدر من الوقت كان سيكفي ليعود الشقيقان، يبلغا الجميع، ويشرحا لهم الموقف بالكامل.
لكن لم يتوقعا أن الجد—الذي عُرف دومًا بالثبات ورباطة
الجأش—سوف يندفع فجأة في منتصف الليل
{ هذا فعلًا أسوأ سيناريو… في أسوأ وقت ممكن }
تبادل الاثنان نظرة سريعة
ومن دون كلمة واحدة أخرى ، انطلقا خارج الغرفة
وأثناء اندفاعهما إلى أسفل الدرج ، لمحا شيه وون و وين
شي والآخرين وهم يتوجهون نحو مدخل القرية
{ اللعنة… }
هذا هو نفس التفكير الذي دوّى في رأسيهما معًا
——————
في الجهة الأخرى ، تشانغ تشنغتشو وبقية الرؤساء يظنون
أنهم سيرون تشو شو أولًا —- فهو من أجاب على المكالمة ،
ومن الطبيعي أن يكون هو الدليل
أو ربما فلاحًا غريب الملامح متخشّب الحركة — ولو حدث
ذلك ، لكان هو الجسد الذي يستعيره الجد بو نينغ مؤقتًا ،
وبالنظر إلى مكانته وهويته ، لكان منطقيًا أن يتقدّم الصفوف
لكن بينما يقفون للحراسة عند نواة المصفوفة ، مراقبين
الطريق أمامهم ،
لم يكن أوّل من وقع في مجال رؤيتهم لا تشو شو ولا ذلك
الفلاح الغريب — بل كان—
“ شيه وون …”
الاسم انفلت من بين شفتي تشانغ بيلينغ —— فهي حاضرة
مع كتيبة عائلة تشانغ،
لكن بصفتها مهمّشة لا مكانة لها في العائلة ،
لم يكن لها أي حضور يُذكَر وسط حشد مليء بأبناء جيلها
ولمّا نادت بيلينغ ذلك الاسم ، لمحت بعض الأنظار تتجه إليها للحظة
لكن بعد ثانية واحدة فقط ، عادت كل تلك النظرات لتتركّز على القادم الجديد
معظم رؤساء العائلات الحاضرين لم يسبق لهم التعامل مع شيه وون من قبل ،
لكنهم جميعًا عرفوا اسمه ،،
كانوا يعرفون عن علاقة والدته بعائلة تشانغ، بل وعرفوا أيضًا
أنه… قد شُطب اسمه من لوحة سجلّ الأسماء ،
مطرودًا منذ زمن بعيد من صفوف البانغوان
وفوق ذلك ، كان ضعيفًا ذا بنية مريضة واهنة للغاية
هذه أول مرة يشاهد فيها كثيرون منهم شيه وون
رأوه يقترب بخطوات هادئة ، طويل القامة ، مغطى بألوان الليل ،
و في مواجهة الرياح ، رفع يده ليكتم سعالًا خفيفًا في
قبضته المرتخية عند طرف أنفه ، ثم أدار رأسه نحوهم ،
وعلى شفتيه ابتسامة عابرة من بعيد
لم يستطع أحد أن يميّز ما إن كانت تلك الابتسامة قد
وصلت إلى عينيه أم لا
ومن دون أن يبذل جهدًا كبيرًا ، فحص بنظره البرية الخالية
المحيطة بهم وهمس بصوت خافت :
“ هذا ترتيب مذهل "
وفي اللحظة نفسها ، انطلقت خيوط لا حصر لها من القطن
الأبيض في الاتجاهات الأربعة ، مصحوبة بصوت صفير حادّ
كأن الهواء يتمزق بسكين
تحت سيطرة الوعي الروحي القوي لسيّد الدمى ، امتدت
الخيوط إلى ما لا نهاية ، مثل انفراج شبكة عملاق على نحو مباغت
و اختفى كل خيط في مكان ما عند الأفق البعيد والبرية
أما أفراد الجيل الأصغر ، الذين كانوا يحرسون في المواقع
الخارجية ، فقد شهدوا مشهدًا مشابهًا —
و بذهول ، سمعوا عواء الرياح يندفع نحوهم
ثم ارتطم شيء بالأرض بقوة هائلة ، وتناثرت شظايا الحجارة
والتراب في كل اتجاه
وحين أفاقوا من ذهولهم ، رأوا خيطًا أبيض طويلًا ودقيقًا ،
مجهول المصدر ، قد غُرز عميقًا في الأرض حيث كانت
حجارة المصفوفة مدفونة
لم يعرف أفراد الجيل الأصغر مصدر خيوط الدمية ، لكن
رؤساء العائلات الذين كانوا يحرسون نواة المصفوفة ، كانوا
يرونه بوضوح شديد
شاهدوا شخص يخرج من قلب الليل ويقف بجوار شيه وون
طويلًا ونحيفًا مثله ، بشرته شديدة الشحوب تكاد تشع بلون
جليدي في الظلام ،
بجفون طويلة ورفيعة ،
ورغم ملامحه الجامدة ، بدا وكأنه يكبح اشمئزازًا واشتعال ضيق عميق
تلك الخيوط الدمية المتشعّبة ، المنتشرة مثل شبكة واسعة
تغطي الأرض ، كانت ملتفّة حول أصابعه المنخفضة
وعلى الرغم من أن تداخلها بدا فوضويًا بلا نظام ،
إلا أنها حملت جمالًا عجيبًا وسط تلك الفوضى ،
ثم فجأة انقبضت أصابعه —-
ومع دويّ منخفض ، بدأت المصفوفة العملاقة التي غلّفت
القرية والبرية من حولهم بالاهتزاز ——
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق