Ch93 بانغوان
ارتجفت زوايا فم تشانغ تشينغتشو المترهلة والمتدلية ، واندفعت موجة من الذعر داخله!ك
وفي اللحظة التالية ، شقّت الصواعق الأفق في الجهات
الأربعة ، مثل تنين هائج أُفزع من سباته واندفع محلقًا
قوة خفية انبثقت على طول خيوط الدمى ، متسعين كتموج
في الماء —غير مرئيين ، غير ملموسين ، لكنه مدمر إلى حدّ مخيف
تبعته عاصفة عنيفة اصطدمت مباشرةً بحواف المصفوفة العملاقة ، وكاد أن يسحق كل ما في طريقه —
بووم ——
دوّى صوت انفجار من كل الجهات في آن واحد ، صاخبًا يخترق الآذان
الأرض الصفراء البنية اضطربت بشدة ، وتناثر الطين والحجارة في كل اتجاه
بينما التفّت خيوط الدمى حول مئات الحجارة المدفونة ،
انبعث منها ضوء ذهبي ،
وتشققت أسطحها فجأة بخطوط متشابكة
وفي الظلال خلف محطات الوقود ،
وفي الزوايا المظلمة بعيدًا عن أضواء الاستراحات ،
وعلى أطراف الطرق الريفية … تكرر المشهد نفسه في كل
مكان بعيد عن الأعين —
فور أن بدأت حجارة المصفوفة في التفتت ، تأوه أفراد
الجيل الأصغر المكلّفون بدفنها وحمايتها أنينًا مكتومًا ،
ثم تكوروا على أنفسهم فجأة
“ ماذا حدث ؟!”
“ من أين خرج هذا الخيط ؟!”
أي شخص يشارك في إنشاء مصفوفة يصبح بطبيعته
مرتبطًا بها، تمامًا كما يرتبط وعي سيّد الدمى بخيوطه
وحين ضرب التأثير العنيف المصفوفة العملاقة ، كان الأمر
وكأن سوطًا مكهربًا قد جُلد بقسوة على عقولهم
أفراد الجيل الأصغر لم يكن لديهم خبرة كافية ولا قوة
تحمّل لمواجهة مثل هذه الضربة
وقبل أن يتمكنوا من الصراخ حتى ، سقطوا على ركبهم من الألم
⸻
أما في نواة المصفوفة ، فقد سادت الفوضى المشابهة
أولئك الذين جاؤوا مع رؤساء العائلات ، ومن ضمنهم
تشانغ بيلينغ مستويات مهاراتهم متباينة ، بعضهم قاوم ،
بينما آخرون ترنحوا على الفور وانحنوا متألمين
وجوه رؤساء العائلات —- المسؤولين عن الإشراف على
المصفوفة ، أظلمت وجوههم واحدًا تلو الآخر
رئيس عائلة لوو كان الأكبر سنًا بينهم جميعًا ؛ شعره ولحيته
قد شابا كليًا ، وجسده هزيلًا كقصبة مهتزة في مهب الرياح
و وسط الاهتزازات العنيفة ، تمايل قليلًا ثم غرس قدمه في
الأرض و حركها بخفة جانبًا ، وضرب الأرض بقوة
وبفعل تثبيته ، توقفت جميع الحجارة المقلوبة ضمن دائرة
قطرها خمسون كيلومترًا عن الانفجار — لكنها لم تهدأ كليًا،
بل ظلّت تهتز
وهذا لم يكن أمرًا سهلًا أبدًا
بل على وجه الدقة ، كان أمرًا في غاية الصعوبة
فقد تجاوز عمره القرن ، وقضى تسعين عامًا يمارس فنون المصفوفات
تقوية مصفوفة قد فُعّلت بالفعل لم يكن أمرًا نادرًا بالنسبة له،
لكنه أيضًا لم يكن هينًا
ومع ذلك، لم يشعر يومًا أنه استنزف بهذه الدرجة مثلما شعر الآن
وبينما يقمع الحجارة بقوة ، تذوق أثر الدم يتسرب من فمه المشدود بإحكام
هذا نتيجة تصادم قوتين متضادتين مباشرةً — ولم يكن
يتوقع أبدًا أن يكون هو الطرف الأضعف
⸻
في البرية ——
شعر وين شي بـ ضُعف المساهمين في المصفوفة على الفور عبر خيوط الدمى ،
شعر بردود أفعالهم على نحوٍ خفيف
ومن بين أكثر من مئة شخص ، الوحيد الغائب هو تشانغ تشينغتشو…
هذا الرجل وقف في قلب نواة المصفوفة ، يحيط به
مجموعة من الناس من الأمام والخلف
ومع أنه يحتل الموقع الأهم ، إلا أنه عندما جاء وقت تحمّل
ارتدادات تحطيم المصفوفة ، مال بجسده قليلًا إلى الجانب
الحركة الطفيفة لم تكن مرئية للعين المجرّدة ، لكن
باعتباره الطرف الذي يقوم بتفكيك المصفوفة ، كان وين
شي يشعر بها بوضوح أكثر من أي شخص آخر
وإن كان ما رآه تشو شو في طفولته لا يزال يثير الشك ،
فإن سلوك تشانغ تشينغتشو في هذه اللحظة يكفي كدليل
قاطع على خبثه — أناني، جبان، ذو وجهين وضيق الأفق
ومثل هذا الشخص ، لم يكن مستغربًا أن يقتات عبر مئات
دوامات الأقفاص وأرواح لا تُحصى من الأبرياء
وين شي : " لماذا هو هذا النوع من الأشخاص ؟"
خيوط الدُمى الملتفة حول أصابع وين شي امتدّ في كل الاتجاهات
وتحت السيطرة الصارمة لوعي روحي قوي ، تلألأت الخيوط
ببريق بارد ،
حاد لدرجة يمكنها أن تُقسم المعدن كما لو أنه طينًا —
أحد من أي سيف
وبفضل هذه الخيوط الطويلة الجليدية ، استطاع أن يشعر
بمقاومة الآخرين ومعاناتهم
كل ذلك يُنقل إليه عبر الخيوط ، متدفقًا إلى ذهنه وروحه
قادر على استشعار أدقّ مشاعرهم
وين شي : “ لماذا يجب أن يكون هذا النوع من الأشخاص …؟”
{ لماذا هذا النوع من الأشخاص هو الذي يقف في مثل هذا
المنصب الرفيع بعد ألف عام ، ويوجه مئات الأشخاص على الطريق الذي رسمه ….
يجعل الآخرين يبذلون ما كان يجب أن يبذله هو
ويتحملون ما كان يجب أن يتحمله هو
بينما وقف هو في وسطهم جميعًا ، سالمًا معافى ! }
: “ كيف يجرؤ ؟” سؤاله خرج مكتومًا من أعماق حنجرته ،
مثقلًا بصوت يحمل غضبًا على وشك الانفجار
: “ إنه يجرؤ لأن ضميره في غاية الراحة ،،
سيفعل الأمور التي تعرفها أنت ، لكنك لن تفعلها بنفسك أبدًا .”
شيه وون يحدق هو أيضاً في الحشد المقابل ، وصوته هادئًا
كنسيم المساء وهو يعبر غابة عميقة
ضيّق عينيه قليلًا في مواجهة الرياح ، فارتفعت زوايا عينيه
للخارج بشكل طفيف ؛ جعله ذلك يبدو وكأنه يبتسم وهو
يعلّق على شيء لا يمتّ له أي صلة
لكن في الواقع ، أولئك الواقفين على بعد عشرات الأمتار
كانوا جميعًا أحفاد تلاميذه القدامى
كان من المفترض أن ينادوه باحترام “المؤسس الموقّر”،
ومع ذلك لم يجرؤ أي منهم على ذلك قط
ورغم أنهم يستخدمون نفس القدرات التي علّمها ، ويرددون
نفس الكلمات التي نقلها ، ويؤدون نفس الأمور التي قادهم
إليها—إلا أنهم في النهاية دفعوه إلى الضفة الأخرى نتيجة
محاولات البعض المتكررة في تشويه صورته
آخر مرة اجتمعوا بهذا الشكل كان يوم ختم وجوده —-
الأشخاص والحدث ، كلاهما كان مرتبطًا به بطرق عديدة
وكان من المنطقي تمامًا أن يحمل ضغينة عميقة تجاه ذلك
ومع ذلك ، لم يلقِ شيه وون حتى نظرة واحدة نحو تشانغ تشينغتشو ،، بل التفت إلى وين شي وقال:
“ لأنه يراهن أنك ستتراجع وتتخلى عن الأمر بمجرد أن تشعر
بألم الأحفاد الأصغر سنًا …. ”
التفت وين شي إليه
تابع شيه وون : “ هو يستطيع أن يستخدم الخداع ليكسب بعض الأتباع المطيعين ،
أما أنت فكل ما يمكنك فعله هو محاولة كسب رضاي .”
⸻
على أطراف المصفوفة العملاقة ، شعر أفراد الجيل الأصغر
المسؤولون عن دفن حجارة المصفوفة فجأة بالضغط
الهائل المطبق على عقولهم وهو يتلاشى
ارتبكوا للحظة ، لكنهم استغلوا الفرصة بسرعة ليلتقطوا أنفاسهم
ثم اندفعوا واقفين وركضوا نحو الحجارة
التشققات على السطح توقفت عن التمدد والاتساع
تجمّدت تمامًا قبل أن تتحطم الحجارة كليًا
“ لماذا توقفت ؟!”
“ لكن خيوط الدمى ما تزال موجودة .”
“ ما الذي يحدث بالضبط ؟”
خيوط الدمى ما يزال مغروس في التربة الصفراء البنية
خيوطه الرفيعة والمتينة تتلألأ ببرودة جليدية ، وترسم ظلالًا
صامتة وباردة على الأرض
———-
شعر رؤساء العائلات الواقفين لحراسة نواة المصفوفة أن
الضغط على المصفوفة قد خفّ قليلًا
رئيس عائلة لوو المسن لم يجد وقتًا للتفكير و ابتلع طعم
الدم في فمه ،
واستغل اللحظة ليلتقط أنفاسه قليلًا ، ثم صاح بحدة :
“ ما الذي تنتظرونه جميعًا ؟! عزّزوا المصفوفة !”
و على الفور ، العائلات المتخصّصة في المصفوفات تحرّكوا
ضخوا طاقتهم في التعزيز ، ودفعوا حجارة المصفوفة عدة
سنتيمترات أعمق داخل الأرض
بعد ذلك ، رفعوا أعينهم بجرأة نحو الشاب المتخصّص في
الدمى الذي يقف بعيدًا، جباههم معقودة ، وملامحهم
مليئة بالدهشة والارتباك
الثواني القليلة التي مرّت بدت وكأنها دهر
حتى أنهم شعروا بشيء من القلق ، ذلك النوع الذي يمنع
صاحبه من رفع صوته
لكن سريعًا ما اعتبروا أن ذلك القلق كان سخيفًا
لأنه لم يكن سوى شاب من الجيل الأصغر ، لم يتجاوز العشرينات
صحيح أنه كان موهوبًا على نحو مذهل وقويًا إلى درجة صادمة ،
وصحيح أن ما فعله قبل قليل أربكهم تمامًا وكاد بمفرده أن
يدمّر المصفوفة العملاقة التي بناها أكثر من مئة شخص…
لكن ذلك حدث فقط لأنه كان أمرًا غير متوقع تمامًا، وهم لم يكونوا مستعدين له
ولو كانوا مستعدين ، لما وقع ذلك أصلًا
على مدى عقود طويلة ، تمرّس رؤساء العائلات على الحفاظ
على هدوئهم وتوازنهم دون أن يبدوا بمظهر السخفاء
وبسرعة استعادوا رباطة جأشهم وتناقلوا همسات بينهم :
“ من هذا ؟ من أي عائلة ينتمي ؟”
“ متى ظهر شخص كهذا بين مزارعي الدمى ؟!”
وبالنظر إلى الوضع ، لم يكن أقل شأنًا من تشانغ يالين الذي
يعيش أوج قوته في الوقت الحالي
لكن الأهم من ذلك…
“ هجومه هذا لم يكن له أي مبرر ….
هل هناك سوء فهم أو نزاع هنا ؟”
— كانوا جميعًا مثل مجموعة من العجائز يقيّمون حفيد
غريب ظهر فجأة من العدم
الوحيدة التي ظلّت صامتة كانت رئيسة عائلة وو — وو يين ؛
وأيضاً لم تشارك في تعزيز المصفوفة مثل الآخرين
بل ضيّقت عينيها قليلًا وأمالت جسدها إلى الأمام ، وكأنها
تحاول أن ترى الشاب ذو الملامح الباردة بوضوح أكبر
رئيسة عائلة يانغ رمقتها بنظرة : “ العجوزة وو … "
وبين أصابعها تقبض على تعويذة لم تُستعمل بعد، وسألتها:
“ بماذا تفكرين ؟”
وو يين لم تلتفت إليها ، بل ظلّت عيناها مركّزتين على الشاب البعيد
“…لا شيء مهم . فقط شعرت وكأني رأيته من قبل—إنه يبدو مألوفًا ”
…
استمرت الهمسات من حول تشانغ تشنغتشو
بعد أن تحرك الآخرون جميعًا ، أخيرًا هو أيضًا تحرّك
أمسك بعصاه بقوة هائلة وضغط بها للأسفل ، فغاصت في
الأرض الصلبة بفرقعة، تاركة حفرة عميقة ، وتثبّتت العصا
تمامًا في قلب نواة المصفوفة
في اللحظة نفسها ، امتلأ الهواء بأصوات تشقق الطريق الحجري —-
و تشعبت شقوق طويلة وملتوية بسرعة من أسفل عصاه ،
مثل عشرات الآلاف من الأفاعي الملتوية ، وانتشروا فجأة في كل الاتجاهات ——
فجأة —- ، غاص الطريق بأكمله إلى الأسفل ،
ومعه الشجيرات والأشجار — بل إن كامل المساحة
المحاطة بالمصفوفة العملاقة هبطت قليلًا ،
حيث تركزت كل الطاقة الروحية المتدفقة في المصفوفة
في نقطة واحدة
كان المشهد وكأن يدًا هائلة غير مرئية تتحرك مع عصا
تشانغ تشنغتشو؛ يد معلقة فوق مساحة تمتد لخمسين
كيلومتر ، تضغط بقوة على الأرض من الأسفل
وبهذا الشكل ، أُبقيت نواة المصفوفة تحت سيطرته المحكمة
الطاقة الروحية المجمّعة من مئات الأشخاص انسكبت في
خيوط رفيعة متشابكة حول عصاه ، امتدت نزولًا إلى أعماق الأرض
العاصفة العاتية التي أثارها تفكيك المصفوفة خمدت على الفور ،
وحجارة المصفوفة المرتجفة سكنت فجأة —-
ساد الصمت ——
و آخر اندفاعة من قوته كانت كافية لإيقاف زخم ' المزارع
بالدمى' الذي كان يسعى لتدمير المصفوفة ( وين شي )
ومع هذه القوة الطاغية ، استقرّت المصفوفة الهائجة أخيرًا
و تنفّس رؤساء العائلات الصعداء خفية
أما تشانغ تشنغتشو فظلّ يحدق بثبات في هذا الشاب
الذي تلتف الخيوط حول يديه ، كاتمًا الدهشة التي لمعت
في عينيه قبل لحظات
و قال بصوت ثابت ونبرة متحفظة ، تحمل صرامة قديمة
الطراز ، غالبًا تُرعب صغار الجيل :
“ يا التلميذ الشاب …"
فتوقفت كل الأحاديث من حوله فجأة
وبمجرد أن ذُكر لفظ التلميذ الشاب ، ارتاحت وجوه رؤساء العائلات
قليلًا، ثم اتجهت أنظارهم جميعًا نحو الشاب الغريب
تساءل تشانغ تشنغتشو ببطء وبوضوح:
“ هل أنت من عائلة شين ؟”
على الفور، عادت الهمهمات من جديد
لو ذكر اسمًا معينًا ، لربما لم يتعرفوا عليه ، لكن عائلة شين ؟ لا أحد يجهلهم
الكثير منهم عانى ليالٍ طويلة بلا نوم بسبب الخط المتقلب
على اللوحة الجدارية للأسماء ،
تلك اللوحة المكوّنة من الراحلين فقط ،
لقد رأوا الخط يقفز فجأة إلى مرتبة مساوية لـ تشانغ يالين
— لكن لم يكن هناك أي اسم حيّ مكتوب بجواره
{ لو كان هذا الشاب من عائلة شين ، فكل شيء سيصبح منطقيًا ...
حتى ذلك الخط المتقلب يمكن تفسيره بسهولة }
فالكل قد سمع الشائعات : في البداية ، تلميذ عائلة شين
لم يتمكن حتى من دخول اللوحة — لكن لاحقًا ، فجأة
وبلمح البصر ، أصبح قويًا بشكل مذهل ، إلى درجة تمكّنه
من مجاراة أقوى الأسماء في القمة تقريبًا
لكن قبل أن تكتمل مناقشاتهم ، جاء الرد مباشرةً من ذلك “التلميذ الشاب” ذو الطلة الوسيمة ،
ظل واقفًا شامخًا ، وقال بكلمة واحدة :
“ لا "
و في نظرته لمحة ازدراء واضحة اتجاههم ،، و بدا وكأنه
ينظر إلى تشانغ تشنغتشو تحديدًا ، لكن متقزز من رؤيته ،
شفاهه النحيلة بالكاد تحركت ، وصوته يحمل نبرة سخرية باردة
تجهم وجه تشانغ تشنغتشو وأعاد النظر مليًا في الشاب
المقابل بينما تتقافز في ذهنه آلاف الافكار
خلفه ، تمتم أحدهم في ارتباك :
“ لقد قمت بالعد مرارًا وتكرارًا ، لكني ما زلت غير قادر على
معرفة مكان بو نينغ لاوزو ،،
هل يمكن أن هذا السلف غيّر طباعه وقرر ألا يختار شخصًا ميتًا لن يؤذيه ؟”
فسارع آخر بالتذكير هامسًا :
“ ما الذي تهذي به؟ هذا مزارع دمى .”
عندها سأل تشانغ تشنغتشو من جديد:
“ ألست تلميذ شين تشياو؟”
: “ لا "
أجاب بنفس الكلمة التي قالها من قبل ، لكن هذه المرة
انخفض صوته بضع درجات، وصار أكثر برودة
تشانغ تشنغتشو:
“ إذن من تكون بالضبط ؟”
ردّ الآخر بوجه متجهّم ، و الاستياء مطبوع على ملامحه
بوضوح، وصوته صريح وقاسٍ :
“ وما شأنك أنت ؟”
أثارت نبرته الوقحة استفزاز تشانغ تشنغتشو — فقلّصت عينيه قليلًا وقال بنبرة محسوبة :
“ بالطبع هذا يخصني . ليس يخصني وحدي ، بل يخص أيضًا
الكبار الواقفين بجانبي.
بما أنك تستعمل فنون الدمى التي ورثناها عن أسلافنا ،
وتفعل ما يفعله كل بانغوان ، فأنت تُعتبر واحدًا من زملائنا المزارعين .
البانغوان موجودون منذ أكثر من ألف عام ، والمعلمون
يورّثون معارفهم لتلاميذهم جيلًا بعد جيل .
السبب في أننا ما زلنا نُعدّ بالآلاف حتى اليوم هو أننا نساند
بعضنا ونلتزم بمبادئ الحق واللياقة .
ووفقًا لتقاليد تلك اللياقة ، أكثر من نصف هؤلاء يمكنهم أن
ينادوك ‘يا التلميذ الشاب’. وبالمثل، معظم هؤلاء نفسهم
يخاطبون الكبار بجانبي بلفظة ‘معلم’…”
لم يلتفت تشانغ تشنغتشو إلى الوراء ، لكنه أشار بيده نحو من حوله
: “ فأخبرني أنت يا التلميذ ،،، أليس من حقنا أن نسألك من
أي عائلة أتيت ؟
وتحت أي تعليم نشأت ؟”
توقف قليلًا عن الكلام ليمنح رؤساء العائلات فرصة لاستيعاب كلماته ، وليؤكدوا بدورهم على رأيه ،
ثم أعاد نظره إلى الأمام ، وهمّ أن يكرر سؤاله ، لكنه فجأة
التقى بعيني المزارع الشاب وسط الليل… وعندها ارتبك للحظة
كانت عينا وين شي السوداء تحدّقان فيه مباشرةً
حين يحدّق وين شي في أحد ، تكون عيناه دومًا نصف
مغمضتين ، نظرته تخرج مائلة مع خط رموشه ،
وكأن هناك لوح زجاجي شفاف تمامًا يفصل نظرته عن
الآخرين ، مانحًا إيّاها برودًا وانفصالًا قاسي
ذات مرة قال تشين بوداو إن وين شي يمتلك “عينين مميزتين للغاية ”
سأل وين شي الشيفو مرارًا : مميزتان بأي شكل ؟
لكن لم يتلقَّ جوابًا جادًا قط، بل مجرد إجابات مازحة
كان وين شي من النوع الذي لا ينسى
ليس من نوع الحقد بقدر ما كان أشبه بارتباط عالق في ذاكرته
فمثلًا ، عندما كان صغير ، أخاف بعض التلاميذ الخارجيين
في طريق ينحدر من جبل سونغيون
ومنذ ذلك الحين ، كلما نزل من الجبل في سنوات مراهقته ،
كان يحرص على طلب تعويذة لتغيير ملامحه من تشونغ سي ،
وأحيانًا ينسى أن يزيل أثر التعويذة عند عودته للجبل ،
وكان يظن أنه سيستغلها ليخدع تشين بوداو ،
لكن الشيفو خاصته كان يتعرف عليه فورًا ،
وعندما يسأله وين شي: كيف عرفت أنه أنا ؟
كان بوداو يرفع يده ليغطي الجزء السفلي من وجهه — مبرزًا عينيه فقط ، ويقول:
“ في المرة القادمة التي تحدّق فيها بي هكذا ، اجعل نظرتك أكثر حياة .
لو أضفت ابتسامة مشرقة ، ربما تخدعني قليلًا .”
يتذكر وين شي تلك الكلمات دائمًا
لكن كل ما كان يفعله في النهاية هو أن يتمتم بصمت: انقلع
والآن، بعد ألف عام… ربما ظهرت أخيرًا ابتسامة خفيفة في
عينيه وهو يواجه تشانغ تشنغتشو —- لكنها لم تكن
الابتسامة التي قصدها تشين بوداو، بل ابتسامة ساخرة ،
كأن كل ما قاله تشانغ قبل قليل محض نكتة مثيرة للسخرية
و قال ببرود :
“ تسألني من أي عائلة جئت ؟ وتحت أي تعليم نشأت ؟”
شعر تشانغ تشنغتشو وكأن أحدًا قبض فجأة على أضعف نقاطه
اتسعت عيناه للحظة ، ثم ضاقت بسرعة
ظل يحدّق في وين شي، حاجباه معقودان بشدة، وشفتاه
تحركت عدة مرات ، لكنه لم يقدر على إخراج أي كلمة
وفجأة ، لم يعد يريد معرفة الجواب
و شد بقوة على رأس عصاه …
لكن قبل أن يتحرك ، كان وين شي قد اختفى من أمامه —
حدثت أمور كثيرة في رمشة عين ، وكأن لفافةً قديمة فُتحت أفقياً
أمسك تشانغ تشنغتشو بعصاه ——-
أصابعه العجوزة تشبه جذور شجرة ملتوية ،
والعظام مكسوّة بطبقة مترهلة من الجلد ،
والأوردة ملتفة ومتصلة تحتها ، بينما المفاصل بارزة ومنتفخة ،
وما إن شدّ قبضته أكثر على العصا حتى انتفخت تلك العروق المتشابكة
الطاقة الروحية الملتفة حول العصا كانت حصيلة قوة مئات الأشخاص
و اندفعت في أعماق التربة الصفراء البنية ، ثم اندلعت
خارجاً في كل الاتجاهات أسفل القشرة الرقيقة للأرض،
كأنها تنانين تحت الأرض يكسوها ضوء ذهبي، و العصا هي مركز كل شيء
وفي لحظة ، غطّت تيارات الطاقة كل شبر من الأرض داخل المصفوفة العظمى
و في الوقت نفسه ، اندفع جزء من الطاقة الروحية بسرعة
عبر يدي تشنغتشو المشدودة ، وبرزت العروق تحت جلده
—شبكة كثيفة من خطوط أرجوانية متداخلة
الضوء الأبيض للطاقة الروحية يتدفق على طول كل وريد
و تجمع في قلبه وجبهته
أما رؤساء العائلات خلفه فقد تنوعت تعابيرهم بين التردد والصدمة
وبصفته الشخص المسؤول عن ضبط المصفوفة في وقت
سابق ، كان رئيس عائلة لوو أقرب الناس إليه ،
وقد أصيب مباشرةً في صدره بانفجار الطاقة التي اندفعت
من تشانغ تشنغتشو —- أمسك صدره وتراجع بسرعة عدة أمتار
بينما رئيسة عائلة يانغ أصغر سنًا من باقي العجائز ،
ورد فعلها الأسرع ، أمسكت خمس تعاويذ بين أصابعها وأطلقتها نحوه
وما إن غادرت التعاويذ يدها حتى هبط درع شفاف ضخم
من السماء، ارتطم بالأرض حاجزًا اندفاع الطاقة الروحية
الجامحة حول جسد تشنغتشو.
و عدد من الآخرين ألقوا خيوط الدمى خاصتهم ، فقفزت
دمى عملاقة بأشكال مختلفة من أطراف الخيوط الطويلة
لم يبقَ من وين شي سوى ظل باهت ، بالكاد يمكن للعين
المجردة رؤيته
مد يده اليسرى أمامه ، وباليد الأخرى شدّ كل خيوط الدمى
المتصلة بحجارة المصفوفة بالتفاف من معصمه
و فورًا تدفق وعيه الروحي على طول الخيوط ، وفي اللحظة
نفسها أضاءت السماء بأكملها كأنها غُطيت بالثلج
و امتلأت السماء ببروق بنفسجية بيضاء ،
وتبعها الرعد على الفور ، يهدر ويتفجر بين السماء والأرض
كل شيء تمدد إلى أقصى حد ، ثم انكمش سريعًا نحو نواة المصفوفة
وفي هذه اللحظة الخاطفة ، التقط شيه وون قصبة طويلة من جانبه —-
بيده التي تشبه الخشب المتحجر ، قبض على الساق وربطها بعقدة خاصة ، ثم أدارها بين أصابعه ،
وربّت بكفه الأخرى بلطف على أسفل القصبة
و انطلقت القصبة في الهواء مدفوعة برياح عاصفة
رغم هشاشتها ورقتها التي قد تجعلها تتحطم بضربة
واحدة ، بدت في تلك اللحظة كسهم حاد لا نظير له
طارت أمام وين شي، متقدمة عليه بنصف خطوة فقط،
وبقوة هائلة اخترقت الحاجز المشكَّل من الطاقة الروحية
المتدفقة من تشنغتشو
ومع كل طبقة تخترقها ، كانت السماء والأرض تهتز ، وتتطاير شرارات ذهبية
وفي الوقت نفسه ، كان وجه تشانغ تشنغتشو يزداد سوءًا مع كل طبقة تتحطم
" العجوز تشانغ انتبه !"
" سيدي—"
في تلك اللحظة ، هاجت غريزة الدمية داخل آ-تشي. ورغم
بقاء ملامحه جامدة بلا تعبير، إلا أنه اندفع بجسده أمام تشانغ تشنغتشو
وبهذه التضحية ، رأى بعينيه كيف اتسعت عينا تشنغتشو فجأة ، وانعكس فيهما مشهد القصبة وهي تشتعل بأشرطة
من اللهب
وقبل أن تخترق القصبة رأس الدمية مباشرةً ، تحولت إلى رمادٍ متناثر
و بعدها بثانية واحدة ، التفّ حول آ-تشي خيطٌ طويل واحد فقط —- وبشَدّة عنيفة ، سُحب بعيدًا عشرات الأمتار —-
وفي اللحظة نفسها ، هبط وين شي فجأة أمام تشانغ تشنغتشو
يحمل في جسده رائحة الجمر المتبقي من احتراق القصبة
رفع يده ، وضم إصبعيه السبابة والوسطى بصلابة نحو كفه،
بينما تدلّت من مفاصله خيوطٌ بيضاء رفيعة
ورغم أن وين شي لم يلمسه فعليًا ، إلا أن تشنغتشو أحسّ
وكأن قوةً خفيةً قبضت على عنقه
ارتفعت قدماه عن الأرض قليلًا ، وغارت على عنقه فجوات
كأنها آثار أصابع ،
وظهرت بصمات زرقاء مخضرة ،
أخرج أنفاس متقطعة من حنجرته ، ثم شد شفتيه بقوة ،
وأنفه يتسع من شدة الاختناق
" ألم تسألني قبل قليل من أي عائلة أنحدر ؟
وعلى يد أي معلم أتتلمذ ؟"
انساب صوت وين شي عميق ببحة ، و بارد كالسكين
ورغم أن تشنغتشو كان ممسوكًا من عنقه ، فإنه ظلّ متشبثًا
بعصاه بكلتا يديه، رافضًا تركها
وبهذا بقيت خيوط الطاقة الروحية متصلة بالأرض ، تحيط بجسده إحاطةً كاملة
وحين عبرت الطاقة فوق آثار الأصابع على عنقه —- ،
انشقّت جروح صغيرة في أصابع وين شي —— ،
فتساقطت قطرات دم داكنة على جلده الأبيض —- ،
لكن وين شي لم يُلقِ ليده نظرة واحدة —- ،
بل انحنى و قال :
" لم يكن في هذا العالم كله سوى شخص واحد فقط
يستطيع أن يؤدبني… اسمه تشين بو داو ! "
ما إن خرجت هذه المقاطع الثلاثة من فمه ، حتى غادرت
الدماء وجه تشنغتشو — وتحوّلت ملامحه إلى شيء قبيح ومظلم
: " أنت…!"
حاول تشنغتشو بصعوبة أن يخفض نظره ، مركّزًا على
الخيط الرفيع الملتف حول أصابع وين شي
كان الخيط يلمع كحافة سيف جليدي
فضغط الكلمات من بين أسنانه ، بصوت بالكاد يُسمع: " أنت…"
لكنه لم يستطع المتابعة
صوته كان أجشًّا لدرجة أن وين شي وحده سمعه ، ثم انفجر
بعدها بسعالٍ عنيف جعل وجهه كله يحمرّ
ومنذ أن رأى تشنغتشو عيني وين شي بوضوح للمرة الأولى،
أيقن كم كان متهورًا ومتعجّلًا هذه المرة
لكن لم يكن الملام وحده — فجسده الحالي كان قد شاخ
أكثر من اللازم ، ولن يصمد طويلاً… نفذ صبره ،
وأغوته روح بو نينغ بشدةٍ لم يستطع مقاومتها
إلى درجة جعلته مستعدًا للمخاطرة — باستغلال الطاقة
الروحية التي ضخها رؤساء العائلات وكل هؤلاء الشباب ،
كان يظن أنه يجازف مجازفة صغيرة فقط… فلو نجح ،
لكان قادرًا على الاستمرار قرنًا آخر ، ويعيش أيّامًا طويلة أخرى كإنسان
وليس كمخلوق دَنِس
لكن الآن فقط ، أدرك الحقيقة المرعبة —-
لقد خاطر بمخاطرةٍ أكبر من السماء نفسها …
توالت في ذهنه أفكار لا تُحصى ، لكن بالنسبة للمتفرجين
بدا ما حدث وكأنه لمحة خاطفة
من وجهة نظر رؤساء العائلات ، ذلك الشاب الغريب من
بين ممارسي الدمى شن هجومه على المصفوفة بلا تردد
لذا جمع تشانغ تشنغتشو الطاقة التي ضخّتها العائلات
ليحكم السيطرة على المصفوفة
لكن قبل أن يتمكنوا من معرفة مصدر ذلك الماهر الشاب ،
انطلق الآخر مباشرةً نحو النواة ، فاضطر تشانغ تشنغتشو
إلى إطلاق هالة قمعية ليحمي نفسه
لم يسمعوا الحوار الذي دار بين وين شي وتشانغ تشنغتشو
وإلى جانب ذلك ، بدا المشهد كما لو أنه حصار وغزو ؛
لا يمكن لأحد أن يتجاوز الأمر ويتركه يحدث هكذا
رئيس عائلة لوو وهو يُمسك صدره بألم ، صاح بخشونة:
“ توقفوا هناك !”
وفي الوقت نفسه اندفع نحو وين شي ثلاثة وحوش عملاقة
بنفسجية-ذهبية، سلاسلهم ترن
عضلاتهم الجبلية تلوّت وانتفخت ، وشرارات تقفز في الهواء
كنجوم ساقطة كلما اصطدمت السلاسل ببعضها
فتحوا أفواههم الهائلة — لدرجة أنها تكفي لابتلاع البيوت
القريبة—وزمجرّت وهاجمت وين شي
تلك الدمى لعائلة لين من تشانغلي
نباحهم أثار دوامة هواء ابتلع وين شي
و وسط صراخ الرياح ، سمع وين شي الآخر يقول :
“ يا التلميذ الشاب لا أعلم لماذا تتهور هكذا ،
ولا أعرف السبب وراء إصرارك على تدمير هذه المصفوفة .
واضح أنك موهوب ، فلا يعقل أن تجهل علم المصفوفات !
هذه مجرد ‘مصفوفة إحياء الروح’ اجتمع مئات الناس
لصنعها ، والغرض منها استقبال بو نينغ لاوزو الذي عاد من الموت .
كان من المفترض أن تكون علامة احترام من الخلفاء ،
دليل نوايانا الحسنة ! فما الذي أنت غاضب عليه ؟!”
تمتم وين شي : “ مصفوفة إحياء الروح…”
دارت الدوامة في الهواء ، هبات عنيفة تحمل ترابًا وحصى—
ومع ذلك بقي وين شي ثابت
الشيء الوحيد المتحرك فيه كان شعره الأسود المتناثر على جبهته ، مخفيًا عينيه جزئيًا
يده اليسرى منخفضة عند جانبه —- ثلاث خيوط دمى
مدفونة عميقًا في الأرض، مشدودة ومستقيمة
و سأل ببرود : “ هل تعرف كيف تُجدد مصفوفة إحياء الروح الروح ؟”
لم يستطع رئيس عائلة لين الرد سريعًا ،، وبصفة العجوز لوو
مختصًا بالمصفوفات ، هو الذي أجاب بدلًا عنه : “ تستمد
طاقة روحية من النباتات لإعادة تنشيط و إحياء الروح .”
بدا الضجر واضحًا على وجه وين شي : “ هذه النسخة المعدلة .”
كان يكره إضاعة الوقت في شرح أمور واضحة ، لكنه لم يكن
لديه خيار الآن سوى الانشغال بهذا الكلام : “ بو نينغ هو
مُنشئ مصفوفة إحياء الروح أصلاً .
صنعها لمساعدة أناس أبرياء تآكلت أجسادهم بسبب قفص دوّامة ،
واستعان بروحه ليعيد الشفاء لكبار السن والصغار في تلك العائلة ،،
لاحقًا، ومنعًا لاستغلال الأشرار لهذه المصفوفة في مخططاتهم الحقيرة ، عدّل آلية عملها وحوّل مصدر الطاقة
إلى نباتات بدل أن يكون من روح إنسان حي أو كائن ،،
الفرق بين النسختين يكمن في طريقة تضمين حجر النواة
المركزي تحت المركز ...” برد صوته ونظر إلى الأرض :
“ بما أن تخصصكم هو المصفوفات ، ولديكم عينان تعملان
—احفروها وانظروا بأنفسكم !”
تبدلت ملامح العجوز لوو أكثر من مرة
لم يكن يعرف سيد الدمى الشاب الواقف أمامه ، لكنه
يعرف رئيس عشيرة تشانغ منذ ما يقارب القرن ،
وهذه العلاقة لم يكن من السهل أن تتبدّل بجمل قليلة
لكن وين شي لم يعد يرغب بالانتظار أكثر
مصفوفة ' إحياء الروح ' كانت من ابتكار بو نينغ ، و وين شي
نفسه استخدمها مرارًا في الماضي لإنقاذ الناس ،
وكانت واحدة من المصفوفات التي يعرفها أكثر من غيرها ،
ومن نظرة واحدة إلى حركة عصا تشانغ تشنغتشو أدرك على
الفور ما الذي كان ينوي فعله
أكبر فرق بين نسخة ' إحياء الروح ' الأولى وبين النسخة المتداولة حاليًا في العالم هو موضع النواة —
ففي النسخة الأولى ، تكون الروح المراد إنعاشها توضع في قلب المصفوفة ،
أما في النسخة المتداولة ، فالنباتات المزوّدة بالطاقة
والأشخاص المتحكمون بالمصفوفة هم من يُوضعون في المركز ،
للوهلة الأولى ، لا يبدو أن ثمة اختلافًا كبيرًا ، لكن في
الحقيقة ، المصفوفة بأكملها مقلوبة رأسًا على عقب
أما أكثر ما كان حقيرًا في أمر تشانغ تشنغتشو فهو أنه لم
ينشئ التشكيلة بمفرده — بل جرّ معه أكثر من مئة عائلة أخرى
وعي العديد من الناس الروحي كان متشابكًا معًا ، يقيّد
بعضه بعضًا مثل كرة خيوط متعقدة لا يمكن العثور على طرفها
ولهذا، حالما تبدأ المصفوفة بالعمل ، سيكون من الصعب
للغاية إيقافها ، إلا إن حُطِّمت عنوة
وفوق ذلك ، لم يعد تشانغ تشنغتشو يمتلك روحًا بشرية
عادية ، بل كان مستندًا على دوامات القفص الكارمية ،
ومن أجل أن يؤخر أنفاسه الأخيرة قليلًا ، حوّل نفسه إلى كائن أشبه بالـ هويغو
و الـ هويغو بطبيعته وحشي ، يلتهم أرواح الأحياء بشراهة
ووضع كائن كهذا في مركز تشكيلة ' إحياء الروح ' — لن تكفيه روح واحدة على الإطلاق
وما إن يتسلل إليه الطمع ، حتى يدفع كل من في المصفوفة العملاقة الثمن
لهذا السبب كان على وين شي أن يفكك المصفوفة
وليس هذا فحسب — بل سيستغل الرابط بين تشانغ
تشنغتشو ودوامات القفص ويمزقه تمزيقًا
و من دون أن ينتظر رؤساء العائلات ليفهموا الأمور
بأنفسهم ، حرك وين شي أصابعه
الخيوط الطويلة المتصلة بأحجار المصفوفة في كل اتجاه
شدّت نفسها مرة أخرى
و وسط زئير الدمى العملاقة ، ومضت شرارات كهربائية على
طول الخيوط ، وبدأ كل ما يحيط بهم يهتز بعنف
خيوط الدمى شقّت العاصفة إلى عدة دوامات ،
مثل أعمدة رمادية ضخمة ترتفع إلى السماء
وملأت الصواعق السماء ، مخترقة بحر الغيوم المائج ،
على وشك أن تنقضّ مع تلك الأعمدة الهوائية
ثم فجأةً قبض وين شي أصابعه بإحكام
و تحت وطأة الضغط الساحق ، صرخ المساهمون في المصفوفة صرخة عذاب جماعية وانهاروا على ركبهم
وهذه المرة ، حتى رؤساء العائلات لم يتمكنوا من الحفاظ على السيطرة
شعر ولحية العجوز لوو مبعثر في مهب الرياح
ولا يزال يستوعب ما قاله هذا الشاب في وقت سابق:
“ بو نينغ هو مُنشئ مصفوفة إحياء الروح أصلاً ”
هذه الجملة — القادمة من فم سيد دمى شاب مجهول
الأصل وقوي بشكل استثنائي — كانت تحمل بطبيعتها إيحاءً
معينًا لا يمكن التعمق فيه
كان ذهنه في فوضى ، لكن الطعنة المفاجئة من الألم اخترقت تلك الفوضى
الرعد والبرق تصادما في السماء
وسط اللمعان الخاطف ، ضغط العجوز لوو على صدره
وانحنى بجسده
وفي اللحظة نفسها ، خطرت بباله فكرة بثت الرعب والفزع في أوصاله—
{ إذا كان بو نينغ لاوزو قادرًا على العودة إلى الحياة …
فماذا عن سلفٍ آخر ؟؟؟ }
وقبل أن يستوعب هذه الفكرة تمامًا، سمع بجانبه همهمة
خافتة من رئيسة عشيرة وو — وو يين قالت:
“ لقد تذكرت الآن… لقد رأيت هذا الشخص من قبل ،
رأيته في شيآن ،،
كان يسير مع شين تشياو — ويبدو بالضبط هكذا — .
لقد مضى ما يقارب الستين عامًا ، ومع ذلك لم يتغير على الإطلاق…”
تبادل العجوز لوو مع وو يين نظرةً ، عيونه متسعة بقلق ورهبة
لكن لسوء الحظ لا يزال هناك بعض الحمقى الذين لم يفهموا بعد
الغضب الذي أجّجه الألم الذي لا يُطاق انفجر في أحدهم فجأة ،
فانقضّ محاولًا قطع خيوط الدمى المتصل بيدي وين شي
مستعينًا بدمية عملاقة
صرخ بصوت مبحوح :
“ حتى لو كان هناك خطر في هذه المصفوفة ، فليس من
حق تلميذ صغير مثلك أن يدمرها بتهور بمفرده ،
انظر إلى كل هؤلاء الناس ! من الذي منحك هذه الثقة ؟!”
شيه وون : “ أنا "
وقبل أن يرفع وين شي رأسه ، شعر بهبّة رياح تكتنفه من الخلف
ولحظة بعدها ، دفء شخص آخر استقر على كتفه
حين وضع شيه وون يده الذابلة على كتف وين شي، مد يده
السليمة إلى الأمام وشبّك أصابعه مع أصابع وين شي،
وكأنه يساعده على إحكام قبضته على خيوط الدمى
ارتعشت رموش وين شي المنخفضة قليلًا
وفورًا بعدها ، اندفعت خطوط من السنسكريتية متوهجة بالذهبي من بين أصابعهما المتشابكة
مثل تنانين لا حصر لها ، و اندفعت على طول الخيوط الطويلة ،
تخترق أعمدة الرياح الفضية الكثيرة ، مندفعـة مباشرة نحو الأفق
وفي اللحظة نفسها ، شعر جميع المساهمين في التشكيلة
برنّة ' دونغ— ' عميقة تتردد في رؤوسهم ،
كأن أحدهم هزّ كمه على قمة جبل وضرب جرسًا عتيقًا عمره ألف عام
يتبع

تعليقات: (0) إضافة تعليق