Ch94 بانغوان
دقّ الجرس العتيق ، عميقًا ورنانًا —- رافق صوته رياح ،
و ارتجّت الجبال والأنهار نفسها استجابةً لصداه
كل من سمعوه رأوا الدنيا تظلم أمام أعينهم ، وانمسحت
عقولهم من أي تفكير
كان الأمر كما لو أن أحدهم قد ضرب العظم الهش في
مؤخرة رؤوسهم، ففتح ثقبًا باردًا سُحبت منه أوتارهم
وعضلاتهم، ولم يبقَ سوى إحساس بالوخز الخفيف والخفة
ولم يدركوا إلا بعد أن انقشع الظلام عن أبصارهم أنهم قد
سقطوا جميعًا أرضًا ، إما متكومين على جوانبهم أو راكعين بذهول
وبعض الناس بطبيعتهم يرفضون تمامًا شعور الخضوع للسيطرة—
رئيس عائلة لين من تشانغلي كان عنيدًا وصلبًا بطبعه
وبعد أن جمع كل ما لديه من عزيمة ، شدّ خيوط دماه مجددًا
قفزوا وحوش أرجوانية-ذهبية هائلة من كل الاتجاهات،
تثير التراب والحصى تحت أقدامهم ؛ والأرض ترتج مع كل خطوة
زمجرت الوحوش زئيرًا مدويًا كاد أن يبلغ عنان السماء ،
لكن بالنسبة للبقية ، ظل الصوت مكتومًا بفعل الصدى
المتبقي من الجرس العتيق ، الذي كبته وخنق عويلهم
شد رئيس عائلة لين على أسنانه ،
و على وشك أن يحاول اختراق هذا الحاجز الخانق بالقوة ،
لكن فجأةً أمسك به أحدهم
كانت وو يين، من عائلة وو
قالت بسرعة:
“ لا تتصرف بتهور !”
: “ أطلقي سراحي !” كان رئيس عائلة لين أصغر منها قليلًا
سنًا، لكنه في تلك اللحظة نسي مسألة الاحترام تمامًا
وكان على وشك أن يتحرك مجددًا حينها أمسكت وو يين
فجأة بخيوط دماه
و في الحال انتشرت في الهواء رائحة دماء ، كما لو أن سيف حاد قد شق الجلد واللحم—ومع ذلك لم تُعر وو يين أي
اهتمام لجروحها النازفة، بل صاحت بحدة:
“ ألم تنتبه أن ألم تفكيك المصفوفة قد اختفى؟!”
: “ ماذا…” صُعق رئيس عائلة لين — ومع رجفة مفاجئة ،
أدرك أنها تقول الحقيقة
قبل لحظات قليلة فقط ، كان لا يزال يتألم من هجوم المصفوفة العملاقة
لكن الآن ، باستثناء عجزه عن الوقوف وثقل أطرافه وارتخائها ، لم يعد هناك أي شعور بالألم…
كل هذا حدث بعد أن غمر صوت الجرس العتيق عقولهم
ولم يكن وحده—الجميع فجأةً انتبهوا للأمر نفسه —-
لا تزال حواسهم مخدرة قليلًا
أذهانهم خامدة ، وعظامهم وعضلاتهم كأنها ذابت ؛
الأصوات تصل إلى آذانهم كما لو من مسافة سحيقة ،
ورؤيتهم ضبابية ومشوشة
وعندما رفعوا رؤوسهم بذهول ، وقعت أعينهم على سيد
الدمى الشاب وهو يتحكم بكل جرأة في المصفوفة بأكملها
بكلتا يديه ، بهيئة صلبة وحادة كالسيف البارد
أما الشخص الذي يقف خلفه ، فكان جسده مغطى
بالسنسكريتية ، مما جعل ملامحه غير واضحة
لكن للحظة وجيزة ، بدا أن هناك ظلالًا باهتة تلوح من تحت
الضوء الذهبي والخطوط السنسكريتية المتشابكة المتدفقة
كان الطيف يرتدي رداءً أحمر ، يتخلله خيوط بيضاء ،
و يتمايل معطفه في الرياح العاصفة
كان من المفترض أن يرسم مشهدًا يفيض بالصرامة والهيبة،
لكنه في الحقيقة ترك أثرًا أشبه بجبال هادئة متدحرجة بين التلال
: “ ذلك…”
ارتسمت تعابير خاوية على وجوه الجميع، وأفواههم
انفتحت ذهولًا، عاجزين عن النطق بكلمة
لم يتمكنوا من رؤية وجه ذلك الشخص بوضوح أبدًا ،
ولم يتذكروا أنهم التقوا يومًا بشخص يشبهه
ومع ذلك، في اللحظة التي وقعت أعينهم على تلك الهيئة،
ومضت فكرة واحدة اشتعلت في عقولهم جميعًا في آنٍ واحد
لكن قبل أن تستقر الفكرة تمامًا ، دوّى صوت الجرس
العتيق من جديد داخل أذهانهم
وفي أصدائه المتلاشية ، سمعوا عددًا لا يُحصى من الأصوات تتكلم
في البداية بدت كأنها أحاديث متعددة تذوب في ضجيج
فوضوي ، لكن عند الإصغاء بتركيز ، اتضح أن هناك إيقاعًا
منظمًا بداخلها
كان الأمر أشبه بعقولهم وقد امتلأت بآلاف الأشخاص
يجلسون في دائرة ، أصواتهم منخفضة وهادرة ،
يتلون تعاويذ غامضة بلغة السنسكريتية
….
حتى وين شي يسمع تلك الأصوات
خيوط الدمى الحادة كالسيف ، يلتف حول أصابعه ، مشدود
بقوة حتى استقام تمامًا
وعيه الروحي الجارف اندفع على طول الخيوط ، مصحوبًا
بخطوط السنسكريتية
يد شيه وون كانت تغطي يده ، وكتفه الخلفي مستند إلى صدر شيه وون
وفجأة عادت إليه ذكرى من طفولته — عندما بدأ لأول مرة
يتعلم فن الدمى
ورغم أنه كان صغيرًا ونحيلًا ، إلا أن وعيه الروحي كان أقوى
بكثير من أقرانه
ونتيجة لذلك ، كان الخيط في الغالب يصيب الاتجاه
الصحيح ، لكن قوته كانت مفرطة
ورغم أنه من المفترض أن يكون هو المتحكم بالخيط ، إلا
أن الخيط كان هو من يجرّه ويدفعه للترنح
وكان طائر الـ دابنغ يحوم بجواره مثل كرة بأجنحة ترفرف
وبين صرخاته وزقزقاته، كان هو يتعثر ويسقط بينما الخيط يجره في كل اتجاه
وفي النهاية ، كان تشين بوداو دائمًا ينحني ويضع يده على
كتفه بينما يساعده باليد الأخرى في جمع الخيط ، ويترك
وراءه بضع كلمات ساخرة مازحة
وبعد ألف عام ، ها هما الآن في الموقف نفسه مجددًا ،
لكن هذه المرة… الشعور مختلف تمامًا
في الماضي كان وين شي مضطرًا أن يرفع رأسه عاليًا ليرى
خطّ الفك الحاد لذاك الشخص
أما الآن ، فما عليه سوى أن يميل رأسه قليلًا إلى الجانب،
ليقع نظره على عينيه وملامحه الجانبية
الأمر بدا أشبه بحضن من الخلف
تحركت شفتا وين شي قليلًا وقال :
“ أهذا… تعويذة إعادة الميلاد ؟”
حين ركّز على التراتيل ، لاحظ أن الإيقاع يشبه قليلًا تعويذة
إعادة الميلاد التي يرددها الرهبان عادة
وكانت تلك هي القطعة الوحيدة من السنسكريتية التي
يعرف عنها شيئ ، فقد صادف مرةً نصوصًا عنها في غرفة
تشين بوداو
و لاحقًا بعد أن غادر الجبل وبدأ يتنقل بين الغابات والمدن،
يفكك الأقفاص ويرسل الأرواح إلى سبيلها، رأى أناسًا
ينسخون التعويذة ويرددونها، لكنه لم يكن على دراية وثيقة بها
وكانت توجد معتقدات قديمة بين الناس
أحيانًا حين يموت شخص ما، كانوا يستدعون ثمانية عشر
راهبًا ليتلوا التعويذة 21 مرة على مدار الليل والنهار
ومع ما يكفي من الإخلاص والصدق ، قيل إن الروح المغادرة تُبارك ببركات باقية
ولأن هذا الأمر لم يكن ضمن نطاق عمل البانغوان
لم يسبق لوين شي أن تعامل مع أحدٍ تلقى مثل هذه الطقوس
لذا لم يهتم إلى تلك الشائعات كثيرًا
لكن الآن ، بينما يرى جُمل السنسكريتية الغريبة وغير
المفهومة تتدفق من بين أصابعه المتشابكة مع شيه وون—
وبينما إيقاعها شبه المألوف يتردد في ذهنه — طفا ذلك
المعتقد القديم في ذهنه مجددًا.ى
لكن شيه وون أجاب :
“ تقريبًا… إلا أنه معكوس .”
توقف قليلًا وأضاف :
“ إنه مجرد صدى . لا يمكن التخلص منه ، لكنه أيضًا لا يتدخل في شيء .”
اتسعت عينا وين شي ذهولًا ، ثم تبدّل تعبير وجهه فجأة—
فالتعويذة المعكوسة لإعادة الميلاد تعني أن الروح لن
تدخل دورة التناسخ أبدًا
كان من الصعب ألا يتذكر وين شي الغرض الحقيقي من
المصفوفة العملاقة للختم ، والتي كانت أيضًا تهدف إلى
منع تشين بوداو من العودة إلى التناسخ
تذكر وين شي فجأة شكل روح شيه وون ، والخط
السنسكريتي المنقوش على جانب وجهه والذي يمتد نزولًا إلى قلبه
كان هناك دائمًا شيء غريب في تلك العلامات كلما رآها،
ولم يستطع قط التعرف على أي من تلك الحروف
ولم يدرك إلا الآن : تلك لم تكن حروفًا سنسكريتية طبيعية
منذ البداية ، بل تعويذة إعادة الميلاد المشوّهة والمعكوسة ،
والحروف بدت تمامًا مثل التي تلتف حول خيوط الدمى الآن
وإن كان في تلك الشائعات القديمة شيء من الحقيقة—
إن كان من الممكن فعلًا أن تترك البركات أثرًا على شخص
ما إذا تُليت بصدق وعزيمة عشرات المرات …
فماذا عن… اللعنات ؟
ماذا عن تلك الكلمات : “لقد لقيَ حتفًا بائسًا ”—التي ترددت
على ألسنة عدد لا يُحصى من الناس على مدى ألف عام؟
كلها انطبعت بعمق في روح هذا الشخص ، بدايةً من أسفل
عينه وحتى أعلى قلبه ،
تدور وتغلي بلا انقطاع عامًا بعد عام ،
بل وحتى تدفقت في طاقة وعيه الروحي نفسها ؛
فكل ما يفعله كان يحمل أثر تلك السنسكريتية المعكوسة ،
وهذه المرة عندما دوّت التراتيل مجددًا في رأسه ، لم يشعر
وين شي إلا وكأن أحدهم قد قبض بقسوة على قلبه وبدأ
ينشر سطحه بسكين صدئ ، غليظ ، وبالغ الكلل
ربما بسبب شحوب وجهه المفرط ، أو برودة أصابعه الشديدة…
فأصابع شيه وون الذابلة شدّت على كتفه ، وقال:
“ لا تُفرط بالتفكير ،،
كما قلت لك قبل قليل ، إنها مجرد أصداء ، هذا كل ما في الأمر—”
قاطعه وين شي فجأة: “ هل تسمعها ؟”
توقف شيه وون وحدّق فيه : “ هم؟”
: “ تلك الأصوات… هل تسمعها عادةً؟” سأل وين شي مرة
أخرى، حاجباه معقودان بإحكام، وشفتاه شاحبة بلا لون تقريبًا
فقط عندها أدرك شيه وون ما يقصده
وبعد لحظة من التفكير ، أجاب بهدوء :
“ أحيانًا. ليست مزعجة كما تتخيل .”
حلّ صمت آخر ، ثم ضحك شيه وون ضحكة خافتة قرب أذن وين شي وقال:
“ مقارنةً بذلك ، يوجد شيء آخر ربما يظهر أكثر قليلًا .”
: “ ماهو ؟”
: “ لا أسمعه بوضوح أبدًا ، يظل دائمًا مكتومًا ومبهمًا ،
لكني أحب الإصغاء إليه ...
في تلك اللحظة ، فكرت في نفسي : لا بد أن هناك من يقدّم لي احترامه ،
صوته يختلف كثيرًا عن أصوات التراتيل الأخرى ”
{ ورغم أن ذلك الصوت لم يكن أقوى من همس الرياح ،
ورغم أنني لم أتمكن من تمييز كلماته مطلقًا —
إلا أنني كنت أعرف صاحبه ما إن أسمعه …
من غيره يقدم احترامه لي كل يوم بتلك الطريقة الخرقاء ،
من دون أن ينطق بكلمة واحدة ؟
سوى ذلك الشخص الذي كان دومًا مصدر قلقي الأكبر }
شد وين شي شفتيه معًا ،،، لون وجهه لم يتحسن كثيرًا ،
وبصره لا يزال مثبتًا على الحروف الكثيفة للسنسكريتية
لكن شعر بشيه وون يخفض رأسه قليلًا ، لتزداد وضعيتهما حميمية ،
و ذقنه كاد أن يستقر عند تجويف كتفه ، وخده كاد أن
يلامس وجه وين شي
وسمع الآخر يقول بصوت منخفض عميق ، رقيق كالنسيم :
“ لقد رأيتَ روحي من قبل ، فلا بد أنك رأيت السنسكريتية عليها أيضًا .”
أجاب وين شي بصوت جاف عميق : " ممم "
: “ أتدري لماذا تتوقف عند هذا المكان ، أعلى القلب؟”
: “ لماذا ؟”
: “ لأن الكلمات الطيبة تترك أثرًا أيضًا ...
الشخص الذي يصلي من أجلي هو من يصدّ عني بقية تلك الأشياء ”
ثم ربت بخفة على المكان فوق قلب وين شي بإصبعه المتحجر : “ أنت من يساعد على صدّ تلك الأشياء عني ،
هنا بالضبط ...
لذا لا تحزن ، ولا تتشتت —” ومع كلماته ، غطى شيه وون
يد وين شي بيده ، وشبك أصابعهما معًا ؛ يدًا بيد ،
تمامًا كما علّمه يومًا كل ما يعرفه
وبينما تشابكت أصابعهما ، شدّ الخيوط بحركة قوية ،
وفي الحال ارتجّت البرية الشاسعة من حولهما ، جبالًا
وأنهارًا وكل شيء
وكأن رياح مليئة بالشهب لا حصر لهم تتفجّر من باطن
الأرض لتعوي عبر الحقول والجبال
هدير الرياح غطّى تمامًا على زئير وحوش الدمى العملاقة
المهاجمة من بعيد
لقد اخترقتهم التراتيل الموترّة ، ومزّقت طبقات وطبقات
من العوائق المكتومة ،
و انفجرت صاعدة مباشرةً نحو أعالي السماوات
انطلقت شفرات لا تُعدّ ولا تُحصى ، مصنوعة من الرياح ،
في جميع الاتجاهات من خيوط الدمى
وحين ارتطمت الشفرات بالأرض ، تطاير التراب في كل مكان ،
وارتفعت ذرات الغبار في الهواء
وانبثقت شقوق وصدوع لا قاع لها ، اندفعت للخارج بسرعة هائلة ،
لتفتت البنية الداخلية للمصفوفة العملاقة إلى أجزاء متناثرة ،
⸻
في قلب المصفوفة ، دوّى صوت تشقق الأرض مئات المرات في آنٍ واحد
قوة هائلة اندفعت من باطن الأرض ، فجعلت السطح ينفجر
متصدعًا ما إن بدأت الشروخ بالظهور ،
أشبه بزهرة لوتس جحيمية عملاقة تتفتح من أعماق الهاوية ،
كان تشانغ تشنغتشو يستخدم الطاقة الروحية التي جمعها
من العائلات المختلفة ليُبقي الحجارة الثمانية عشر مضغوطة تحت الأرض
لكن في لحظة واحدة ——- انكشفت جميع الحجارة تمامًا
تفرعت خطوط دقيقة عديدة من العصا التي كان يقبض
عليها بإحكام ،
متصلة بكل حجر من أحجار المصفوفة ومتوهجة بضوء فضي ،
وفي الوقت نفسه ، امتدت أسفل الأحجار خطوط دقيقة لا حصر لها ، أشبه بالشعيرات الدموية ،
تتشابك وتتغلغل إلى الخارج مثل جذور شجرة شاهقة عملاقة ،
تلك ' الشعيرات الدموية ' المرتبطة بالأحجار الثمانية عشر
امتدت في فوضى ملتوية نحو شيه وون ووين شي والآخرين،
أشبه بأفاعي سامة تكشر عن أنياب ضخمة وتلهث بألسنة جائعة
ربما في السابق لن يتمكن رؤساء العائلات من إدراك الفرق
بين نسخة مصفوفة إحياء الروح هذه ، وتلك النسخة الأكثر شيوعًا
لكن الآن ، بعدما قلب وين شي وشيه وون كل شيء رأسًا
على عقب ، وشقّا شقوق وتصدعات لا حصر لها في باطن
الأرض ، صار الفرق واضحًا وضوح الشمس ——
فـ ' الأفاعي السامة ' كانت موجهة نحو الأشخاص الذين
يمدّون المصفوفة بالطاقة الروحية
أما المستفيد من تلك الطاقة فلم يكن سوى الشخص
الواقف في مركز قلب المصفوفة : تشانغ تشنغتشو
و سادت الفوضى من حوله
وتعالت أصوات كثيرة تتساءل بعدم تصديق :
“ العجوز تشانغ … أنت—”
لكن حينها ، تشانغ تشنغتشو—الذي يقف وظهره للآخرين—
قد فقد القدرة على سماع أي شيء يقولونه
وللحق ، قبل أن تصل الأمور إلى هذه المرحلة ، كانت كل
خططه قائمة على أقصى درجات الحذر والتروي—
حين زُرعت مصفوفة إحياء الروح أول مرة في الأرض ،
لم يستطع تعديلها على الفور ،
وبالنظر إلى عدد رؤساء العائلات الحاضرين ، كان من المرجّح أن بعضهم لن يصدقه
لذا كان عليه انتظار لحظة مناسبة يُشغل فيها أنظار الجميع
ليتمكن من لمس الأرض خفية وتحريك أحجار المصفوفة تحتها
وبمجرد أن يغيّر اتجاهها ولو قليلًا ، سيكون ذلك كافيًا
لتفعيل النسخة القديمة من مصفوفة إحياء الروح
ومنذ البداية لم يكن ينوي مهاجمة أحد؛ بل أراد البدء
باللين قبل الشدة
خطته كانت أن يدعو بوقار بُو نينغ-لاوزو للخروج ومقابلتهم،
حتى يفهم وضعه أولًا
ثم بعد ذلك ، يربط بعث هذا السلف بشيء مظلم ، ليزرع
التردد والشك في نفوس باقي رؤساء العائلات
وبذلك كان سيكسب معظم الجولة
وحتى لو بدأت مصفوفة إحياء الروح تُظهر سلوكًا غريبًا ،
فإن الشبهات كلها ستتجه نحو بُو نينغ-لاوزو - و ليس نحوه
لو كان ذلك الوقت هو الذي بدأ فيه بالتحرك ، وشرع في
ابتلاع روح السلف خفية عبر المصفوفة ، كان كل شيء
يمكن تفسيره بسهولة : كان يمكنه القول إن ضعف السلف
المفاجئ كان نتيجة احتجازه المؤقت من قِبل تشانغ
تشنغتشو في محاولة لمنع التقنيات الشريرة من إيذاء أي
شخص آخر
وحتى لو تعرضت الروح لضرر بالغ وتبددت ، سيكون بإمكانه القول أنها مجرد رد فعل عكسي للتقنيات الشريرة
وفي أسوأ الحالات ، ربما سيكشف تشانغ تشنغتشو حقيقته
أثناء ابتلاع الروح
ربما لن يستطيع التوقف، ويجر معه واحدًا أو اثنين من
الأرواح التعسة ، فيتسرب ويختلط أمرهما معًا
لكن حتى ذلك يمكن نسبه إلى تأثيرات التقنيات الشريرة للسلف
لم يكن ينوي إحداث مثل هذا المشهد … ———
كان يمكنه فقط لوم حظه العاثر الذي جعله يقابل آخر
الأشخاص الذين كان يجب أن يقابلهم على الإطلاق
ونتيجة لذلك ، تحطمت كل احتياطاته الدقيقة وادعاءاته
لتصبح مضحكة وعديمة المعنى
{ في هذه الحالة… لننسَ الأمر إذن ! }
رفع تشانغ تشنغتشو عصاه على الفور وضربها بقوة في الأرض
الأفاعي العملاقة التي كانت متجهة في الأصل نحو شيه وون
ووين شي وتشو شو وبقية الحاضرين ، غيرت فجأة اتجاهها
وانقسمت إلى مئات الأفاعي الصغيرة
مغطاة بشرارات الضوء الكهربائي والوحل الناتج عن
وجودها تحت الأرض،
انطلقت مباشرة نحو رؤساء العائلات الواقفين فوق قلب المصفوفة
كان واضحًا أنه لم يعد يحاول إخفاء أمره على الإطلاق
و فورًا بعد ذلك ، انقلبت عينا تشانغ تشنغتشو إلى الخلف
في رأسه بينما التوى عنقه بشكل غريب عدة مرات،
كما لو أن شيئًا غريبًا مختبئًا في جسده بدأ يتحرك
باضطراب، ينظر للانفجار والانطلاق للخارج
أقرب شخص إليه كان وو يين — رئيسة عائلة وو
و على الفور ، سحبت العشرات من التعويذات من كُمّها
وأطلقتها في الهواء
تدفقت النيران من شرائح الورق الأصفر المحترق وهي
تحلق في الجو لتكوّن جدارًا هائلًا من اللهب ،
و عاجلاً ما صدّت رأس إحدى الأفاعي الطويلة لفترة قصيرة
ومع ذلك ، تلك الأفاعي كانت في الأساس من خلق الطاقة
الروحية التي جمعها تشانغ تشنغتشو من العائلات ،
والتي تشمل ' مساهمتها '
وبالتالي، لم يكن هناك أي احتمال لأن يقف جدار النيران
بمفرده أمام الأفعى
توقفت الأفعى لحظة قصيرة فقط ، ثم مزّقت النيران
ووصلت أمام وو يين في غمضة عين
و فم الأفعى الضخم انفتح على مصراعيه ولسانه خرج مع صفير حاد
هبت رياح عاتية ضربت وجه وو يين، وشعرت بروحها تهتز بعنف،
كما لو أن أحدهم قد صفعها بقسوة بسوط مغطّى بالبرق من أعلى السماوات
أغلقت عينيها بشكل غريزي
ظنت أنها ستكون الضحية الأولى بعد انكشاف طبيعة تشانغ
تشنغتشو الشريرة ، لكن بشكل غير متوقع ، جاء صفير
الأفعى متبوعًا بصوت يشبه سلسلة من الانفجارات —
كان ذلك صوت خيط دمية وهو يشق الرياح مباشرةً !
انفتحت عينا وو يين على مصراعيهما
المشهد الذي شهدته في نصف الثانية التالي ، من المحتمل
أن يظل محفورًا في ذاكرتها لبقية حياتها
شاهدت البرق يخترق السماء ، واسعًا بما يكفي ليملأ الأفق كله —-
غطّى البرق المسافة العلوية المعلقة فوق البرية ، وميض
أبيض كالثلج ، شديد السطوع لدرجة أنه كاد يكون من
المستحيل فتح عينيها تحت وهجه
ضيقت وو يين عينيها قليلًا
فجأة، استوعبت بإدراك متأخر —- أن هذا ليس برق على الإطلاق —- بل صدوع ابتلعت المصفوفة العملاقة في
لحظة واحدة نتيجة الهجوم الساحق لوعي فن الدمى لدى الشاب
وبعد لحظة ، سمعت صوت المصفوفة العملاقة وهي تنهار وتتفكك إلى أجزاء
الحجارة الثمانية عشر المركزية المدمجة تحت المركز ،
ومئات الحجارة المدفونة على أطراف المصفوفة —
انفجرت جميعها في نفس اللحظة ، وتحطمت إلى قطع من
الرماد المطحون في الهواء
ثم، بفعل زخم الرياح العاتية ، تلاشت كل هذه البقايا مثل الدخان
لسان الأفعى كان على وشك أن يلمس خدها عندما انهارت المصفوفة
وفي الوقت نفسه ارتدت الأفعى فجأة إلى الخلف ،
كما لو أن أحدهم أمسك بذيلها وسحبه بقوة هائلة
ولم تكن هذه الحالة مقتصرة على واحدة منها ؛ فمئات
الأفاعي المصنوعة من الطاقة الروحية تجمّدوا فجأة في
الهواء حين كانوا على وشك التهام أرواح الجميع ، ثم جُرّوا
جميعهم بعنف إلى الخلف
لا يزال الجميع في حالة صدمة وخوف ، ونظروا إلى الشاب
المتحكم بالدمى في وسط المصفوفة بوجه بارد
وبينما المصفوفة تنهار ، سحب الخيوط الممتدة من كل
الجهات ، ليلتقط ويحبس مئات الأفاعي
و بيديه الاثنتين ، لف أصابعه إلى الداخل وشدّ الخيط بقوة
و على الفور ،
الأفاعي— التي كانت تحاول إحداث الخراب وهم يتلوون في
السماء — تفتّتوا وماتوا مقطّعين بخيوط الدمى المتشابك بينهم
و بعد انفجار الأفاعي ، بدأت الطاقة الروحية المحصورة
داخلهم تتجول وتتلاعب بسرعة في الهواء مثل كائنات بلا سيد
الطاقة ملوّثة بهالة تشانغ تشنغتشو الماكرة والقذرة ؛
وفي مثل هذه الفوضى ، عندما لا يكون هناك سيد ،
تصبح هذه الطاقة سهلة التأثر بقوة وعي الروحي للأشخاص المختلفين ،
فتتجه مباشرةً نحو من يصدّر أكبر ضغط في اللحظة لتُمتص منه
راقب رؤساء العائلات بقلق وعدم يقين ، انطلقت الطاقة
مباشرةً نحو الشخصين اللذين فكّكا المصفوفة ،
لكنهما صدّوها قبل أن تدخل جسديهما
ولو فكر رؤساء العائلات في ذلك المشهد قليلًا ، لوجدوه ساخرًا للغاية —
فشخص ما بذل جهدًا هائلًا للحصول على ذلك الشيء ،
حتى لو كان يعني تحويل نفسه إلى وحش من أجله ،
لكن في أعين هذان الشخصان ، بدا الأمر وكأنه نسيم عابر في المكان ،
أو ربما مطر غير متوقع ،
رفعوا أيديهما ، و أبعدوه بسهولة
وبالتالي ، ارتدت الطاقة الروحية وغمرت رؤساء العائلات
لكن قبل أن يسترخوا ، أطلق أحدهم صرخة إنذار:
“ يا إلهي ، العجوز تشانغ—”
الشخص الذي صرخ لم يتمكن من رد الفعل في الوقت
المناسب ونسِي تغيير صيغة النداء، لكن في تلك اللحظة، لم يهتم أحد بذلك
شاهدوا بركة سوداء تتشكل سريعًا حول قدمي تشانغ تشنغتشو
للوهلة الأولى بدت كأنها ماء جارٍ أو دم ، ولونه قاتم بشكل
غريب مقارنةً بالأرض
لكنهم أدركوا بسرعة أنها ليست ماءً ولا دمًا—كان ضباب أسود
وكان ذلك الشيء مألوفًا جدًا للجميع الحاضرين ——
يمثل الشكاوى والطاقة الشريرة التي يحتاجون لتحييدها كل
مرة عند فك الأقفاص
كل البانغوان يعرف أن هذه الضباب الأسود ، بمجرد أن
يزداد تركيزه لدرجة أن حتى هم لا يستطيعون إذابته أو
تبديده ، يتحول إلى مادة مؤذية
وأينما يمر ، تذبل النباتات وتموت الكائنات الحية
لذا عندما توسعت بركة الظلام فجأة إلى الخارج مثل مستنقع ،
كان رد الفعل الأول للجميع هو التراجع مسافة عدة أمتار على الفور ،
ثم رأوا الرجل الذي شغل منصب رئيس عائلة تشانغ لعقودٍ
طويلة وهو ينهار داخل الضباب الأسود الشبيه بالمستنقع
وفي الوقت نفسه ، بدأ عنقه يتلوى ويلتف ويمتد إلى طول
يستحيل على أي إنسان عادي
ومع أصوات طقطقة حادة ، انحنت أطرافه وانكسرت عدة
مرات ثم استند بها على الأرض
ساد الصمت القاتل على الفور
تقريبًا كل الحاضرين—بما فيهم رؤساء العائلات وأبناء عائلة
تشانغ الذين بقوا بالخلف —حدّقوا فيه برعب
لم يجرؤ أحد على تصديق ما تراه عيناه…
“ يا إلهي…”
و قبل أن يتمكن رئيس عائلة لين من النهوض ، شعر بموجة
من الغثيان تجتاحه ،
فتهاوى عائدًا إلى الأرض وهو يتقيأ عدة مرات
أما على وجه رئيسة عائلة يانغ ، فقد ارتسمت بوضوح
علامات الاشمئزاز ، كأنها تنظر إلى شيء دنس ونجس
العجوز لوو من عائلة لوو ، الذي خُدع أكثر من غيره على يد
تشانغ تشنغتشو — و قد بذل جهدًا هائلًا في مصفوفة
إحياء الروح ، صار وجهه بلون شعره ولحيته تقريبًا
وبينما يحدق في الكائن الموجود وسط الضباب الأسود ،
والذي لم يعد إنسانًا ولا شبحًا ،
فتح فمه وتمتم بذهول:
“ هذا… هذا…”
كرر نفس الكلمات لوقت طويل دون أن يتمكن من إتمام الجملة
وفي النهاية، عقدت وو يين حاجبيها وأكملت عنه:
“ هذا هويغو "
حتى هذه اللحظة ، ربما كان هناك بعض الأشخاص الذين لا
يزالون يرفضون التصديق بأنهم قد عُمي عليهم لعشرات
السنين ، وما زالوا يتمسكون بخيط ضعيف من الأمل بأن
هناك التباسًا ما أو أمرًا غريبًا في كل ما يجري…
لكن بمجرد أن رأوا هذا المشهد بأعينهم ، تلاشى ذلك الخيط الضعيف تمامًا
الشخص الذي حظي بتقديرهم لعقودٍ طويلة لم يكن سوى هذا النوع من الكائنات
لم يعرفوا إن كان ذلك يدعو للسخرية أم للرثاء
قال العجوز لوو بصوت خافت : “ لقد عرفته منذ كنت صغيرًا… كيف حدث هذا ؟
كيف أصبح هويغو…”
وعندما تكررت كلمة هويغو للمرة الثانية ، تنهدت وو يين
تنهيدة قصيرة : “يا للكارثة .”
وفهم الآخرون المقصود بعد لحظة متأخرة
الهويغو يولدون في أماكن موبوءة بالقذارة ، مثل دوامات الأقفاص
وكما يدخلون هذا العالم زاحفين من باطن الأرض ، فإنهم
قادرون أيضًا على الرحيل بالعودة إليها زحفًا
ومع هذا الإدراك الجديد ، لم يبقَ في أذهان الجميع سوى فكرة واحدة—
{ الأمر سيئ ! سيهرب ! }
لم يكونوا عادة من النوع الذي يتصرف بتهور ويسمحون
لأمر كهذا أن يفلت من بين أيديهم ،
لكنهم تلقوا صدمات كثيرة الليلة ،
وانقلب كل شيء إلى فوضى للحظة ،
وبحلول الوقت الذي حاولوا فيه اعتراضه على عجل ،
كانوا يعرفون مسبقًا أنه قد فات الأوان
ولحسن الحظ لم يفقد الجميع رباطة جأشهم
فبينما رئيس عائلة لين ينظر إلى الأسفل ليمد خيط الدمى
خاصته ، سمع صرخة واضحة مدوية تتردد من أقصى الأفق
بدا وكأن كيانًا هائلًا يحلق عبر أعالي السماء الواسعة فوقهم ،
عابرًا الغيوم والحقول ،
متدفقًا بضوء ذهبي وهو يحمل معه أنفاس الرياح وهو يعبر
غابة لا نهاية لها
ثم هبط بسرعة خاطفة نحوهم —كسقوط نجمٍ مشتعل
وكحال كثيرين غيره ، رفع رأسه لا شعوريًا لينظر إلى الأعلى
لكن ما إن فعل، حتى اعترضت خيوط دمى لا حصر لها
مجال رؤيته ، وسمع صوتًا باردًا يصرخ :
“ إن لم ترغب أن تُصاب بالعمى ، فأغمض عينيك !”
وما إن أغلقوا أعينهم ، حتى شعروا بهيبةٍ جبّارة تهبط أمامهم
حتى من خلف الجفون ، استطاعوا الإحساس بكائنٍ ضخم
يجتاح السماء فوق رؤوسهم، متوهجًا بنورٍ منصهر ،
والرياح التي أثارته أجنحته كانت قوية بما يكفي لتهزّ الروح نفسها
أغلب رؤساء العائلات كانوا أشخاصًا موهوبين إلى حدّ استثنائي
فبعد عقودٍ قضوها في دخول الأقفاص والخروج منها،
اكتسبوا خبرة واسعة في تثبيت أرواحهم
و أن تهتز أرواحهم إلى هذا الحدّ ، ويكاد اقتلاعها من
أجسادهم يتمّ بسبب مجرد هبّة رياح … كان أمرًا شبه مستحيل
لكن منذ القدم ، لم يُعرَف كيان يمكن أن يفعل هذا سوى
كائنٍ واحد : الداپِنغ ذو الجناحين الذهبيين
تقول الأسطورة إن الرياح التي يثيرها جناح الداپِنغ الذهبي
قادرة على زعزعة مركز الأقفاص وأرواح الكائنات الحية
وتقول الأسطورة أيضًا أنه لا يجوز النظر إلى تلك الرياح ،
فمن يراها يُصاب بالعمى
وخلال الألف عام الماضية ، حاول الكثير من الناس في كل
جيل صنع دمى تُحاكي الداپِنغ الذهبي
وكانت المحاولات أكثر من أن تُحصى ،
لكن لم تملك أيّ منها وعيًا روحيًا قويًا بما يكفي ليجسّد قوّته الحقيقية
ولذلك لم يصدّق أحد تلك الأساطير حقًا
إلى أن جاءت هذه اللحظة …
وسط دوارٍ اجتاح أرواحهم بسبب الجذب العنيف ، تسرّبت
إلى أذهانهم فكرة واحدة
{ إن كان الكيان الذي هبط على الرياح أمامنا حقًا هو الداپِنغ الذهبي الأسطوري ،
فحينها… وبحسب ما نعرفه ، لا يوجد سوى شخص واحد
قادر على الحفاظ عليه … }
…
عندما انقضّ لاو ماو من السماء ، نصفه ذابل ونصفه الآخر
يتلألأ بالذهبي ، كان واثقًا أن تشانغ تشنغتشو—ذلك العجوز
الحقير— سوف يهلك تحت جناحيه
حتى مجرّد فكرة ' الموت تحت رفرفة جناح الداپِنغ الذهبي '
بدت له كعقوبة مثالية لذلك العجوز
حلّق من فوقهم ، وأجنحته العملاقة تخفق في الهواء
لكن قبل أن يجرف الضباب الأسود بعيدًا ، قفز وحش ضخم
إلى المعركة وأطلق زئيرًا مدوّيًا
أعقب ذلك فورًا غرس اثني عشر تعويذة في الأرض ،
مصطفّة وفقًا لفروع الأرضية الاثني عشر
تطايرت الشرارات من التعويذات ما إن لامست الأرض ،
لتشتعل سريعًا وتندمج في جدارٍ من اللهب أحاط بتشانغ تشنغتشو من كل جانب
كان ذلك مجرد وحش تافه، دمية صغيرة
وكذلك جدار اللهب ذاك، يمكن لجناحي لاو ماو أن يُطفئاه بضربة واحدة
لم يكن أيّ منهما كافيًا لردعه حقًا ، لكن ما جعله يتوقف
للحظة كان ظهور شخصين قفزا أيضًا داخل الدائرة
الشقيقين: تشانغ يالين وتشانغ لان
فبعد أن أفزعهما شيءٌ ما من نومهما في منتصف الليل، تبعا
وين شي وشيه وون والبقية إلى الأسفل
وكان من المفترض أن يدخلا المصفوفة مباشرةً خلفهم ،
لكن قبل أن يتمكنا من ذلك، اعترضهما الشبك الواسع الذي
نسجه وين شي بخيوط دماه وأغلقه تمامًا
تشانغ يالين سيد دمى ، لذا يعرف جيدًا مدى حدة وخطورة
خيط الدمية في يد مستخدم قوي بما يكفي
حتى خيطه هو قادر على تمزيق أي شيء يقترب منه فجأة
إلى أشلاء ، فما بالك بخيط السلف وين شي؟
وفوق ذلك ، فإن المؤسس الموقر نفسه قد عزّز خيط وين شي من الوسط ،
والارتداد الناتج قذفهما إلى الخلف عشرات الأمتار
وطالما أن وين شي لم يسحب خيوطه ، فلن يتمكنا من
دخول المصفوفة ؛ فتحوّل تأخرهما في البداية إلى عائقٍ
يطاردهم في كل خطوة لاحقة
ثم، وبعد أن انهارت المصفوفة العملاقة كليًا وضعُفَت طاقة
السلفين ، شاهد الأخوان بأعينهما جدّهما راكعًا على الأرض وهو يتحول إلى وحش
رغم أن تشانغ لان قضت أكثر من ثلاثين عامًا تتظاهر بالقوة والصلابة ،
فإنها لم تستطع منع وجهها من الشحوب أمام هول المشهد ،
والحق يُقال، فمنذ أن كبرا وبلغا، أصبحت المسافة بينهما
وبين تشانغ تشنغتشو شاسعة
في اللقاءات النادرة التي جمعتهم على مائدة طعام ،
كان الجو رسميًا خانقًا :
يسأل الجد، ويُجيب الأحفاد، دون أي حديث عفوي
وأحيانًا ، كان الأخوان يتطرقان إلى ذكريات طفولتهما المبكرة
حينها لم يكن تشانغ تشنغتشو عجوزًا كما هو الآن ،
ولا جامدًا متحجرًا
بل كان يصحبهما إلى الجبل القريب من منزل العائلة للتدريب ،
ممسكًا بيد أحدهما وحاملًا الآخر بين ذراعيه
في ذلك الوقت كان تشانغ يالين أكثر هدوءًا ورقة ،
ولم يكن حيويًا صاخبًا مثل أخته الكبرى
وفي منتصف تدريبه على فن الدمى ، نفذت طاقته فجلس
بجوار البحيرة ، متذرعًا بوجع بطنه
لم يجبره الجد على المواصلة ، بل التقط خيط الدمية
والتقط به بعض الديدان من الغابة،
ثم علّمه كيف يربطها بالخيط ليجلس على الضفة ويصطاد
لكن لم يحالفه الحظ باصطياد أي سمكة—بل علِق بسرطان
ماء عذب قرص أصابعه ، لتنفجر أخته ضاحكة عليه فترة طويلة
حينها، دلك الجد أصابعه برفق وقال: “ اليدان هما أثمن ما يملكه سيد الدمى .”
كلما تذكّر الأخوان تلك المواقف ، شعرا وكأنها من حياةٍ سابقة
وأحيانًا كانا يتساءلان إن كانت تلك الذكريات حقيقية أصلًا ،
أم مجرد حلمٍ مشترك نسجته عقولهم المتشابهة
والواقع أنهم منذ سنوات لم يتحدثوا عن أي من ذلك
لكن لسببٍ ما، عندما رأوا جدهم متكورًا وسط الضباب
الأسود—يزحف على الأرض كعنكبوت عملاق—عادت تلك
الشذرات من الماضي لتومض في ذاكرتهم فجأة
وبالتالي ، قبل أن يستوعبوا ما يفعلونه ، كانوا قد ألقوا
دماهم وتعويذاتهم بالفعل ، وقفزوا إلى جانب تشانغ تشنغتشو
……
المفاجآت كثيرًا ما تحدث في لحظة واحدة
وبفضل الظهور المفاجئ للأخوين تشانغ، عدّل لاو ماو زاوية
جناحيه قليلًا في اللحظة الأخيرة
فاندفع الضباب الأسود عاليًا في السماء بفعل رفرفته ،
لكنه هوى من جديد في رمشة عين
في تلك اللحظة الوجيزة بالذات ، ضرب تشانغ تشنغتشو
كفّيه ببعضهما فجأة ثم أمسك بتشانغ يالين —-الأقرب إليه
و ككائن حقيقي من القذارة ، دار بجسده وغاص في الأرض
وهكذا …
أطلق البنغ ذو الجناحين الذهبيين صرخة طويلة أخرى
وهو يحلّق في السماء، ثم عاد يدور يتجه نحو الأفق
أينما مرّ بجسده الهائل ، هبّت عاصفة عنيفة شقت السحب
المتلاطمة ، مبددةً إياها لتتساقط بضع قطرات من المطر
وفي هذه الأثناء ، بدأ المستنقع المتكثف من الضباب
الأسود على الأرض يتلاشى تدريجيًا بعد هروب تشانغ
تشنغتشو مثل بقعة حبرٍ أخيرًا امتصتها التربة
: “ إلى أين اختفى ؟!”
فتح رؤساء العائلات أعينهم بعد أن هدأت العاصفة ، لكن ما
رأوه لم يكن سوى تشانغ لان واقفة وحدها ، شاردة النظرات
وملامح الدهشة مرتسمة على وجهها
وقبل أن تنطق بكلمة ، سمعوا وقع خطواتٍ تقترب منهم
جاء صوتٌ غير متفاجئ على الإطلاق وهو يقول
شيه وون : “ كما توقعت ، لقد هرب "
وعند سماع ذلك الصوت ، ساد الصمت أرجاء المكان
التفت الجميع ببطء ، ومع تشانغ لان رفعوا أنظارهم
ليشاهدوا الداپِنغ وهو يهبط من السماء ؛ وخلال نزوله ،
بدأ جسده العملاق بالانكماش والانطواء حتى اتخذ هيئة إنسان
و وسط الغبار والدخان ، هبطت تلك الهيئة خلف شيه وون
وتبعه بخطواتٍ مخلصة
أما شيه وون — فلم يكن يبدو مختلفًا عن ذي قبل
بشرته شاحبة كالشمع ، توحي بهالة من المرض ،
مغمورة بألوان الليل الباردة والعميقة
وبعد أن تكلم ، سعل بضع سعلاتٍ مكتومة بينما جال بنظره
على الحشد المتجمع
يوجد ما يقارب المئة شخص ، بعضهم واقف والبعض الآخر جاثٍ على الأرض…
ولم ينبس أحدٌ منهم بكلمة ….
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق