القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch95 بانغوان

 Ch95 بانغوان



لقد كان هؤلاء الأشخاص رؤساء عائلاتهم لوقت طويل جداً ، 

وخلال تلك الفترة مرّوا بمواقف لا تُحصى ، 

متفاوتة في الحجم والأهمية ،


كان لهم القول الفصل في كثير من الأمور ، 

وكلما تكلموا كان من حولهم يستمعون باحترام ويكتفون بإيماء رؤوسهم موافقة


لقد مرّت سنوات طويلة منذ آخر مرة شعروا فيها بمثل هذا 

الإحساس—توتر ، قلق ، وحتى شيء من الضياع ،


ربما كان عليهم أن يعودوا إلى أيام شبابهم ليستعيدوا ذكرى 

آخر مرة اجتاحهم هذا الشعور


وفجأة امتلأت قلوبهم بالامتنان لأن دويّ الجرس العتيق 

تركهم يشعرون بالصداع ، مخدّرين ، وغارقين في الفوضى


لقد كان حقاً عذراً مذهلاً لتفسير الموقف القائم…


فقد فسّر كيف أن بعضهم كان يترنّح متجمداً في مكانه؛ 

وكيف أن بعضهم كان محنيّ الظهر، عالقاً في منتصف 

محاولة النهوض؛ وكيف أن بعضهم لم يُتح له حتى أن يقف 

قبل أن يتجمّد في الأرض بلا حراك


لقد نسوا فعلاً أن يتحركوا


…بل ولم يجرؤوا على ذلك أيضاً


كان معظم الحاضرين أذكياء بالفطرة، فسريعاً ما توصّلوا 

إلى استنتاج حين جمعوا الدلالات معاً


في هذا العالم ، أي سيّد دمى يمكنه أن يستولي على 

مصفوفة هائلة أُنشئت بمئات الأشخاص بجرّة أصابع ؟ 


أي سيّد دمى يمكنه أن يُبقي حتى تشانغ لان وتشانغ يالين 

بعيدَين عن خيوط الدمى ، غير قادرَين تماماً على الاقتراب ؟


وأي سيّد دمى يمكنه أن يجعل فرع عائلة شين يقفز صعوداً 

على جدارية سجلّ الأسماء ، من القاع حتى القمة ، بمجرد 

أن يفكّ بضع أقفاص ؟


لو اقتصر الأمر على تلك العوامل الثلاثة ، لربما وجدوا في 

أنفسهم بقايا مقاومة ، يحاولون بها التشبث بإجابات أخرى


لكن ماذا عن تلك المصادفة أن بو نينغ لاوزو قد عاد إلى 

الحياة في الوقت نفسه تقريباً ؟


أي اسم لسيّد دمى ظهر في المكان نفسه ، إلى جانب 

الأحداث نفسها ، متزامناً مع بو نينغ لاوزو؟


لم يكن سوى السلف وين شي —-


سيّد دمى من الطراز الأول ، و يُقال أنه كان قادراً على 

التحكم في اثنتي عشرة دمية قتالية ضخمة في آن واحد من 

دون حاجة إلى قيودٍ لربطها ؛ شخصية أسطورية في عالم الدمى 


حين اختفى من العالم قبل سنوات بعيدة ، كان عمره سبعةً 

وعشرين أو ثمانيةً وعشرين عاماً ، 

شبيهاً للغاية بالشاب الواقف أمامهم الآن ، 

عينيه للأسفل وهو يرتّب خيوط دماه 


{ لا عجب إذن أن فرع عائلة شين الذي قُطعت سلالته لم 

يُضف إليه أي اسم جديد حتى بعدما قفز مباشرة إلى القمة


فاسمه قد أُدرج منذ زمن بعيد—لكن في المقدّمة تماماً 


ولا عجب أنه أجاب بـ “ لا ” عندما سأله تشانغ تشنغتشو إن كان تلميذ شين تشياو


فالحقيقة أنه لم يكن التلميذ ، بل كان السلف نفسه }


ومع ذلك فقد نادوه “ تلميذ شاب” مراراً وتكراراً 


وما إن تذكّروا ذلك حتى تمنّوا من أعماقهم لو كان بإمكانهم 

أن يختبئوا في أي شقّ ويختفوا تحت الأرض


لكن لم يكن بمقدورهم فعل ذلك بعد، إذ ما زال يوجد شخص آخر أمامهم…


شخص قادر على جعل طائر الدابنغ ذو الجناح الذهبي يتبعه 

مطيعاً—تلك الدمية التي بوسع رياحها أن تُثير حتى أعالي السماوات ،،،

و كان قادراً على أن يُمسك بخيوط دمى وين شي في لحظة 

كان فيها بأقصى حدّته ، متلألئاً ببرودة قاطعة.


لم يكتفي بأن يظلّ سالماً بلا أذى ، بل عزّزه أيضاً بموجة 

أخرى من القوة ، كما لو أنه يمسك بأداة تخصّه هو منذ البداية


لكن الأهم من ذلك…

أنه لم يكن يملك أي خيط دمية


باستخدام الخيط العائد لأحد أعظم أساتذة الدمى ، كان 

قادراً على انتزاع الطاقة من كل مساهم في المصفوفة 

ضمن مئة لي ، 

وكذلك على إرخاء وعيهم الروحي فجأة ،

وفي لحظة خاطفة من السيطرة ، قطع بالقوة صلتهم بالمصفوفة الهائلة ،


ولهذا عندما دمّر وين شي المصفوفة ، لم يسمعوا سوى 

صوت الجرس والتراتيل 


لم يشعروا بشيء ، ولم يكن في وسعهم أن يفعلوا شيئ


تلك التقنية في فن الدمى كانت قوية ودقيقة ، تبعث في 

النفس رهبة طاغية من دون أن تبدو قمعية أو جارفة ، 

وكأنها تغمرهم بضباب غابة صنوبر أو بحرٍ من الغيوم


ومن بين الفنون التي تُستخدم للسيطرة على البشر ، فقد بلغ القمة المطلقة


كان الأمر كما لو أنه يتحكم بمئة طفل أو عجائز أو ذوي 

أجساد ضعيفه وأرواح مضطربة — لكن الواقع كان العكس  تماماً ؛ 

فهم ليسوا عاديين — 


وفوق كل ذلك ، أنجز هذا الشخص هذه المأثرة من دون أن 

يستخدم خيط دميته الخاصة حتى


حتى في الأساطير ، لم يكن هناك سوى فرد واحد يمكن أن 

يحقق مثل هذا الإنجاز : شخص كان وجوده صعباً عليهم أن 

يصدّقوه ، ومع ذلك لم يكن أمامهم إلا أن يؤمنوا به 



و هذا هو السبب الحقيقي لعدم جرأة أحد على الحركة


السكوت اللحظي بدا وكأنه يمتد إلى الأبد


لكن في الواقع ، لم يدم سوى بضع ثوانٍ ، لكنهم شعروا 

وكأن قرناً كاملاً قد انقضى


وفي النهاية ، دوّت أصوات فجأة قرب مركز المصفوفة ، 

محطّمةً الصمت


الأعضاء الأصغر سناً الذين أُرسلوا إلى المواقع الخارجية 

المختلفة لم يكونوا على دراية بما جرى في مركز المصفوفة


و كل ما عرفوه أن حجارة المصفوفة التي وُكلت إليهم 

لدفنها وحمايتها قد تفتتت إلى غبار


و مدفوعين بالذعر والقلق ، فتح كثير منهم بوابات على 

الفور وعادوا مسرعين إلى رؤساء عائلاتهم


كانوا يريدون أن يعرفوا ما الذي حدث ، وكانوا يريدون أيضاً 

أن يعرفوا ما الذي ينبغي فعله تالياً


لكن، ما إن خرجوا من البوابات حتى واجهتهم الحالة 

المزرية لكبارهم والعجائز ، فوقفوا مذهولين


:“ ما الذي حدث ؟!” صرخ وو ونكاي—التلميذ من عائلة وو 

الذي أُرسل بعيداً في وقت سابق—مذعوراً

و أسرع من البوابة واندفع مباشرةً نحو رئيسة عائلته ، وو يين 


تبعه بقية الشباب بسرعة ، وبدأوا بمساعدة الآخرين في مركز المصفوفة على النهوض


تفرّق معظم الشباب تبعاً لمواقعهم


وحدهم عائلة تشانغ لم يفعلوا ذلك ؛ إذ بدأوا يتلفتون حال 

وصولهم إلى المركز ، لكنهم لم يروا الشخص الذي كانوا يتوقعون وجوده


سألوا في حيرة : 

“ أين الجد تشانغ؟”

“ نعم ، أين هو؟”


العديد من شباب عائلة وو يساعدون وو يين على النهوض

و حفيدها كان الأكثر قلقاً ، فبدأ يتفقدها بعناية وهو يسألها: 

“ هل أصبتِ في أي مكان ؟”


وعندما سمع شباب عائلة وو أسئلة عائلة تشانغ المتداخلة ، 

أخذوا هم أيضاً ينظرون حولهم ، فارتسمت الدهشة على 

وجوههم : “ صحيح، أين ذلك الشيخ من عائلة تشانغ ؟”


أومأت وو يين برأسها مرة ولم تُجب على الفور


بل ظلت تحدّق بثبات إلى الأمام ، متمسكة بيد حفيدها 

بينما ينفض التراب عن ملابسها


يد حفيدها ينبض بالألم من شدّة قبضتها عليه


و شعر أن ثمة خطباً ما، لكن ابتلع ما كان يوشك أن يقوله


ولم تكن وحدها


بل إن معظم الكبار والعجائز هنا كانوا يتصرفون بالطريقة نفسها تقريباً


وبالتالي ، وجّه الشباب أنظارهم أيضاً إلى الاتجاه نفسه


عدد غير قليل منهم قد سمع باسم ' شيه وون ' من قبل ، 

لكن القليل فقط تعاملوا معه شخصياً ؛ 


أما الذين التقوا وين شي فكانوا أقل عدد


و وسط الصمت المفاجئ الذي خيّم على المكان ، لم ينطق 

إلا شخص واحد بصوت خافت


و التفت بعضهم نحو مصدر الصوت


كان ذلك الشخص متوسط الطول ، ذو بشرة سمراء ، وهيئة 

هزيلة في عتمة الليل


—-  دا دونغ ، الذي كان قد تبع وين شي سابقاً نيابة عن 

تشانغ لان وتشانغ يالين و دخل قفص متجر سانمي نتيجة لذلك


لقد جاء إلى تيانجين مع بقية عائلة تشانغ، لكن ليس إلى مركز المصفوفة

بل ذهب مباشرة إلى محطة استراحة قريبة مع بقية الشباب الذين كانوا معه في السيارة


هذه المرة الأولى له التي يصل فيها إلى المركز


وبعد أن فشل في العثور على رئيس عائلة تشانغ، تشانغ تشنغتشو، 

بدأ يسير نحو تشانغ لان على نحو طبيعي

وفي الوقت نفسه، ألقى نظرة عبر الحشد أمامه، 

فرأى شيه وون ووين شي، وأيديهما متشابكة بخيوط الدمى


في تلك اللحظة ، أدرك أن هناك خطباً ما، لكن لسانه سبق عقله 

فهتف دون تفكير : “ مهلاً ، أليس ذاك الشاب من عائلة شين—”


وفي لحظة خاطفة ، انصبّت نحوه نظرات لا تُحصى


و على الفور فهم دا دونغ أن أمراً غير طبيعي يجري

و توقفت خطواته لحظة ، لكن حفاظاً على مظهره ، أجبر 

نفسه على التظاهر بالهدوء ،

وبينما يواصل تقدّمه نحو تشانغ لان ، أنهى جملته : “ ذلك 

التلميذ المسمّى تشين شي "


إلا أن صوته بدأ يضعف أكثر فأكثر


ثم سمع أحدهم يتابع بهدوء : “ على الأرجح أن لقبه وين وليس تشين …”


تعثر دا دونغ على الفور بقدميه

و بالكاد تمكن من تثبيت نفسه بالإمساك برفيقه الذي كان 

يتقدمه بخطوة واحدة


وما زال ممسكاً بالآخر ، وقف متجمداً لبضع ثوانٍ، يستوعب 

هذه المعلومة الجديدة

وأخيراً، اتضح له ما الذي يعنيه أن يكون لقبه “وين”


و كـ رد فعل ، قال : “ مستحيل .”


لكنّه أدرك فوراً أن الشخص الذي ردّ عليه لم يكن أحد أفراد 

الجيل الأصغر المتهوّرين، بل رئيسة عائلة وو—امرأة ذات 

شخصية راسخة، لا تتفوّه بكلمة من دون تفكير


كان صوت العجوزة رقيقاً جداً ، لكنه منخفض إلى حدّ أن 

كل من لزم أن يسمعه قد سمعه


وكأنه تم سكب ماء على زيت يغلي ، فقد أثارت عبارتها ضجة عظيمة


وانفجرت الصدمة والخوف اللذان حاول رؤساء العائلات كبحهما من قبل


و قلب دا دونغ يخفق بعنف وسرعة في صدره


وعلى الرغم من أن عينيه قد غشيهما الفراغ ، إلّا أن الحجج 

المتأخرة ما زالت تدور في رأسه


أراد دا دونغ أن يقول أنه كان قد دخل قفصاً معهم من قبل، 

ولو كان ذلك الشخص حقاً هو السلف ذا اللقب وين ، 

لكان مختلفاً تماماً عن الآخرين ، غير منسجم على الإطلاق مع أي أحد ،

فمعرفته الواسعة وتجربته العميقة بعيدة جداً عن الجميع، 

بحيث يستحيل تقريباً أن يتعايش مع غيره


ومع ذلك، بدا أنه ينسجم جيداً مع التلميذ الآخر لعائلة 

شين ومع شيه وون—كان واضحاً للعيان أنهم يشكّلون 

وحدة واحدة ،

" فإن كان هو سلف فن الدمى… 

فماذا عن شيه وون إذن ؟! "


انقطعت النقاشات فجأة

و مجدداً ، اتجهت بعض الأنظار نحو وو يين


وعندها فقط أدرك دا دونغ أنه طرح سؤاله الأخير بصوت مسموع من غير قصد —— ردّت وو يين بفتح فمها وإغلاقه مرات عدة


: “ إنه…” هذا كل ما تمكّنت من قوله و خفت صوتها فجأة 

إلى العدم، وكأنها اختنقت بجفاف حلقها


رأى الجميع بوضوح الحركات التي رسمتها شفتاها المرتجفتان ؛ و تعرّفوا على تلك المقاطع الثلاثة


إنه…

تشين بو داو


المؤسس الموقر ، تشين بو داو 


و تلاشت شتى ردود الفعل إلى العدم


غرق المكان في صمت حقيقي ، صمتٍ حتى أن الرياح نسيت أن تهمس فيه


عندها فقط أدرك الأصغر سناً سبب ما كان عليه المكان من 

رهبة صامتة في البداية


ذلك لأن أحداً لم يعرف ماذا يقول…


هل يحيّونه ؟

لكن بأي صيغة مخاطبة ؟


لقد مضى ألف عام—ألف عام من تناقل الأسرار والمعارف عبر الأجيال


وخلال تلك الفترة لم يجرؤ أحد قط على التفوّه حقاً بلقب ' المؤسس الموقر ' 

لقد عُدّ ذلك من المحرّمات ، وكلما تجنّبوه ، كلما استحال عليهم النطق به أكثر


وفي الوقت نفسه ، كانوا يدركون قواعد الآداب


لم يكن أيٌّ منهم ليجرؤ أن يناديه بذلك الاسم ' تشين بوداو ' مباشرةً في وجهه

لم يتجرأوا على ذلك ، ولا كان ممكناً أصلاً


و من المستحيل أكثر أن يتجاوزوا تلك الخطوة ويباشروا 

بطرح أسئلة عليه ، إذ إن كل سؤال محتمل يمكن أن 

يوجهوه إلى المؤسس الموقر كان بمثابة لغم ينفجر بأشد دقة—


لماذا أنت هنا ؟ 


ألم يكن من المفترض أن تُختَم إلى الأبد ، فلا تُبعث مجدداً مطلقاً ؟


هل أطلقك أحد ؟ 


هل المصفوفة العظمى للختم قد ضعفت بالفعل وفقدت فاعليتها ؟


هل متَّ، أم أنك لا تزال حياً حقاً ؟


ماذا تريد بظهورك هنا والآن ؟



لم يكن أحد من الحاضرين قد حاول قط أن يفهم تشين بوداو بحق ، مهما بلغت مكانته أو سنّه

فكل ما عرفوه عن المؤسس الموقر جاء من القصص 

الموروثة عبر الأجيال؛ جاء من الكتب والشائعات


الصور والمشاهد التي تكرّرت أوصافها دوماً جعلت الناس 

يربطونه بالأرواح الشريرة والكيانات الشيطانية


لم يكن في وسعهم أن يتخيّلوا ملامحه بدقة—كل ما عرفوه 

أنه شخص يستحق الرهبة والكره


لكن الشخص الواقف أمامهم كان بعيداً كل البعد عن 

الصورة المرسومة في مخيلاتهم


بل إن الفارق كان كالفارق بين الليل والنهار


و في مواجهة شخص كهذا ، لم يستطيعوا حقاً أن يطرحوا 

الأسئلة التي كانت تدور في رؤوسهم


على الأقل، أولئك الذين شهدوا بأعينهم ما جرى في مركز 

المصفوفة لم يجرؤوا على ذلك


وإن كان كبار السن ورؤساء العائلات قد التزموا الصمت، 

فكيف بأبناء الجيل الأصغر الذين لم يعرفوا حتى من أين يبدأون


وبالتالي، تكوّنت جبهتان في مواجهة غريبة الطابع


وسبب غرابتها أن إحدى الجبهتين ضمّت عدداً أكبر بكثير 

من الأشخاص—حشوداً متراصة، في الواقع


و الجبهة الأخرى لم تضم سوى قلة معدودة ، إلا أن الكثرة 

كانت هي الجانب الأضعف


وهذا أيضاً كان تطوراً غير متوقّع بالنسبة لوين شي


فمنذ اللحظة التي سحب فيها خيوط دماه ، ركّز كل انتباهه 

على الناس المقابلين له و كان مكتوباً على وجهه بوضوح: ' مزاجي سيّئ للغاية الآن ' 

ولم يكلّف نفسه عناء كبح الهالة القمعية المنبعثة من خيط 

الدمية الملتف حول يديه


التراتيل السابقة قد أججت غضبه إلى أقصى حد 


ولو تجرأ شخص واحد من الطرف الآخر على التمتمة بكلمة بغيضة ، 

لكان سيسرّ بإخراج هذه المجموعة من السلالة الحمقاء خارج بصره فوراً ،


لكن كل ما فعلوه هو التحديق إلى جهة وين شي بملامح متفاوتة ، عاجزين عن إخراج مقطع واحد من أفواههم




ما إن رفع شيه وون قدمه حتى تراجع الحشد فوراً بضع 

خطوات للخلف ، مثل سرب نحل فُزِع فجأة


وهكذا انفصل الصفّان بوضوح أكبر ، واتّسعت المسافة الفاصلة بينهما متراً آخر


هذا المشهد تداخل مع مشهد آخر وقع قبل ألف عام



حتى شيه وون نفسه استغرب من ردّة فعلهم ، فأنزل عينيه يتفحّص نفسه


لم يكن ثمة ضباب أسود كاسح يتدفّق بلا توقف من جسده ، 

ولم يكن يسير فوق نباتات ذابلة بالكامل ،


كانوا يتصرّفون بدافع رد فعل شرطي ، لا أكثر


لم يستطع شيه وون إلا أن يضحك


و من غير أن يمنحهم نظرة إضافية ، تقدّم مباشرةً نحو 

تشانغ لان ، ليكتشف أن شخصاً ما ما زال واقفاً بجوارها


كان لذلك الشخص قدم واحدة داخل المنطقة الفارغة ؛ من 

الواضح أنه أراد التراجع ، لكن لسبب ما لم يفعل


لم يكن طويل القامة على وجه الخصوص ، وساقاه لم تكونا 

طويلة أيضاً ، مما جعل وضعه الحالي يبدو مضحكاً بعض الشيء


لحق وين شي بشيه وون بوجه متجمّد


وعندما رأى الشخص بجانب تشانغ لان ، بدا عليه شيء من المفاجأة


في هذه اللحظة ، ظهر صوت تشو شو من الخلف يسأل: 

“ دا دونغ ؟”


كاد دا دونغ أن يُغمى عليه حين رأى المجموعة تتقدّم نحوه


لكنه ما إن سمع صوت تشو شو العميق المألوف 

حتى شعر كما لو أن حبلاً قد أُلقي إليه لينقذه، 

فتمكّن بصعوبة من إخراج جواب حاد النبرة : “ أاا اوه….”


نظر شيه وون نحو ساقيه : “ إذاً ، لماذا لم تهرب ؟”


قالها بنبرة ساخرة ، لكن سؤاله جعل شفتي وين شي 

المشدودة تشحب اكثر


ألقى دا دونغ بضع نظرات إضافية نحو حبله المنقذ ' تشو شو '

أراد أن يقول إنه كان ينوي الهرب في الأصل ، لكنه في 

اللحظة الأخيرة لم يفعل—لأنه رأى كيف اتّسعت المسافة 

في الوسط فجأة


ورأى كيف قفز الجميع إلى الوراء بردة فعل غريزي ، 

كما لو أنهم يتجنبون الطاعون ، فجعل ذلك قلبه ينقبض بشيء من الخيبة


هو الذي كان يتصرّف عادةً بلا ضابط ، وقد عاش حياةً 

خشنة ، فهذه المرة الأولى في أكثر من عشرين سنة من 

عمره التي يشعر فيها بهذا الإحساس


لكن المشهد المنقسم بوضوح كان قبيحاً أكثر مما يحتمل


و فكر أنه بصفته شخص دخل قفصاً مع وين شي وشيه وون 

من قبل ، سيكون مثيراً للاشمئزاز لو أنه هو أيضاً حاول 

الابتعاد عنهما مثل سائر الناس


لكن ذلك لم يعنِي أنه لم يكن خائفاً…


فلو أنه فكّر وحسب بعدد المرات التي نعت فيها الرجل 

الواقف أمامه بـ” الضعيف ”، لكاد يموت في الحال


ابتلع ريقه ،، وهو على شفا الاختناق ، تمتم قائلاً: “ أنتم… 

أنتم أنقذتماني من قبل ،،، في القفص .”


رفع شيه وون حاجبه


انسياب الكلمات صار أسهل كثيراً بعدما تمكّن دا دونغ 

أخيراً من النطق 


: “ وليس مرةً واحدة فقط . كان هناك أيضاً ذلك الوقت 

حين اشتعلت النيران في اتجاهنا ، و طائر الدابنغ صدّ اللهب فجأة .”


: " ظلّ جناح طائر الدابنغ ذي الجناح الذهبي ،” صحّح لاو ماو بصرامة ، 

عابساً بنفس الجمود الذي على وجه وين شي


دا دونغ : “ صحيح ... في كل الأحوال ، لم يكن ذلك شيئاً فعلته أنا ، 

فقد كنت أبعد ما أكون عن امتلاك مثل تلك المهارة .”


بعد قفص متجر سانمي ، ظلّ مشهد النار يراود ذهن دا دونغ كثيراً


كان يفكر فيه باستمرار ويعيد استيعابه ، وأحياناً يسرح ذهنه 

فيه حتى يضيع تماماً


وبالطبع كان قد تخيّل لنفسه مراراً أن لديه موهبة فطرية 

دفينة ستنفجر لحظة الخطر الحاسم لتُدهش الجميع


لكن في قرارة نفسه كان يعرف أكثر من أي أحد أن حتى ظلّ 

جناح وحده يفوق بأضعاف ما يستطيع فعله


وهذا معناه أن شخصاً آخر هو من أنقذهم فعلاً ، وذلك 

الشخص أيضاً نسب الفضل له


ومع ذلك، وحتى هذه اللحظة ، لم يجد فرصة ليشكره


كان عليه أن يشكره ، لكنّه اعتاد أن يتظاهر بالـ ' رجولة ' 

والاندفاع ، ولم يكن من النوع الطيّب الذي يلتفت إلى آداب الكلام


في الماضي كان يلجأ عادةً إلى طرق أخرى لتفادي النطق 

المباشر بتلك الكلمات، ولم يتفوّه بها علناً سوى مرات قليلة 

جداً في حياته


وفي الظروف الحالية ، وهو واقف أمام شيه وون ووين شي، 

كان أعجز من أن يقولها


وبالتالي ، ظلّ دا دونغ يتلوّى داخلياً ويتصارع مع نفسه للحظة طويلة

وفي النهاية، لم يتمكّن سوى من ابتكار طريقة واحدة 

للتعبير عن شكره من دون أن يبدو مهمِلاً أو عابثاً  —-



كان ذلك تقليدًا قديمًا تعلّمه من معلمه عندما بدأ دراسة فنّ الدمى


في شبابه المتهوّر ، كان يظنّ أنّ هذه الإيماءة لا تناسب 

العصر الحديث، لذا لم يسبق له أن أداها كما ينبغي


و هذه المرة الأولى التي يقوم بها على أكمل وجه


شبك كفّيه وانحنى أمام شيه وون ووين شي، انحناءة عميقة 

لم تكن متقنة ولكنها صادقة


هذه المرة، بدا وين شي مذهولًا حقًا : “ أنت…”


وقبل أن يستعيد توازنه ، كان دا دونغ قد قفز فجأة كقرد ، 

وانسحب سريعًا من مجال نظرهما، 

يهرع ليختبئ خلف تشو شو، متشبّثًا بالشخص الوحيد الذي 

ما زال يجرؤ على لمسه، محاولًا تهدئة قلبه الخافق بعنف


همس دا دونغ في أذن تشو شو : “ أنا على وشك أن أفقد أعصابي اللعينة…”


نظر تشو شو اليد الممسكة بذراعه ثم أطلق “أوه” قصيرة

متظاهرًا بالبراءة ، و قال بنبرة مواسية : “ الأمر ليس بهذا السوء ، إنهما لا يعضّان.”


حدق دا دونغ بخوف من خلف ظهره وقال: “ أين هو بو نينغ لاوزو؟ 

أنا أحصي الحاضرين ، لكنني لا أستطيع العثور عليه . 

أين روحه ؟”


همهم تشو شو بهمهمة مطوّلة في تفكير : 

“ سؤال رائع بالفعل… دعني أفكّر كيف أشرح لك…”


لكن قبل أن يتمكّن من قول المزيد، كانت تشانغ لان — التي 

ظلّت واقفة مذهولة في مكانها — قد ارتعشت فجأة وبدأت 

تسعل بعنف في مهبّ الرياح 


احمرّ وجهها وعنقها كلّه من شدّة السعال


ورغم اندفاع الدم إلى سطح بشرتها ، لم تكن هناك أي 

علامة على أنّ السعال سيتوقّف، وكأنّه لن ينتهي إلا إن 

أخرجت عضوًا داخليًا من جسدها


وعندما انتهت أخيرًا واستقامت واقفة ، ألقت نظرة شاحبة 

وبائسة بعض الشيء نحو شيه وون ووين شي وهي تمسح 

أطراف فمها بظاهر كفّها


حينها فقط انتبهت إلى أنّ يدها قد تلطّخت بخطوط رفيعة من الدم


: “ أنا…” كان صوت تشانغ لان مبحوحًا من شدّة السعال


ابتلعت طعم الدم العالق في فمها


في البداية، أرادت أن تبرّر أفعالها السابقة ، 

لكن عندما فتحت فمها أدركت أنّها لا تعرف ماذا تقول


لم تستطع سوى التحديق بذهول إلى أثر الدم على ظهر يدها


ثم بدأت تفركه بتوتر بأصابع مرتجفة حتى صار جلدها أشدّ 

احمرارًا من الدم نفسه


قال لها وين شي بهدوء : “ ارفعي رأسك "


رفعت تشانغ لان بصرها ، وما زالت تفرك الأثر الدمويّ


الذعر يتسرّب إليها ، فأسرعت تقول على عجل : “ يالين وأنا 

كنّا نخطّط لزيارة المقرّ الرئيسي حين تغفون جميعًا ،،

لم نكن ننوي فعل شيء ، فقط اعتقدنا أنّ الأمور لن تسير 

على ما يرام مع الجـ…”


وبحكم العادة ، كادت أن تنطق كلمة “الجدّ”، لكن الكلمة 

انحبست في حلقها حين وقعت عيناها مجددًا على الدم في أصابعها


وبعد لحظة قصيرة تابعت : “ اعتقدنا أنّ الأمور لن تسير 

على ما يرام معهم ، 

و بالنظر إلى الوضع ، أردنا فقط إبلاغهم بما يجري ،

لكن عندما نزلنا إلى الأسفل ، رأينا أنّ المواجهة قد بدأت بالفعل .”


تأمّل وين شي عينيها ، ثم ألقى نظرة على شيه وون


رفع ذراعه وربّت بكفّه على منتصف جبينها


لم تكن الضربة خفيفة ولا قوية


ومع ارتعاشة شاملة في جسدها ، أغمضت عينيها وتوقّفت عن فرك يدها


ولمّا فتحت عينيها مجددًا ، بدا بصرها وقد عاد إلى التركيز


قال وين شي وهو يخفض يده : “ لقد زرع شيئًا بداخلها "


خطر ببال تشو شو فجأة فهتف مقاطعًا : “ هل الأمر بسبب ماء التعويذة ؟ 

ذاك الطقس القديم حين كان على الأطفال زيارة رئيس 

العائلة ، فيُمسح جبينهم بماء التعويذة و ينقر عليهم .”


لم يكن دا دونغ موهوبًا بما يكفي ليُخضعوه لذلك حين كان صغير ، 

لكن بعض أقرانه الأقوى تحدّثوا عن ماء التعويذة من قبل، 

لذا لديه صورة عامة عنه ،


في المرة السابقة داخل قفص سانمي — عندما رأى وين 

شي يلمس جبين الطفلة شين بتلك الطريقة ، 

شعر أنّ الأمر مألوف ، لكنّه لم يربط بينهما وقتها


والآن ، بعدما ذكّره تشو شو —- بدا أنّ مسح الجبين بماء 

التعويذة قد ينطوي فعلًا على غرض آخر…



على غير المتوقَّع هزّت تشانغ لان رأسها وقالت بصوت مبحوح : “ لم يكن بسبب ذلك .”


نظر إليها وين شي وشيه وون 


فأعادت التأكيد : “ لم يكن بسبب ذلك . 

لم نكن يالين وأنا نفهم الأمر حين كنّا صغارًا ، لكن بعدما 

كبرنا ، رأينا… رأيناه وهو يمسح آخرين . 

وبما أنّ يالين تخصّص في فنّ الدمى ، فقد قرأ كثيرًا من 

النصوص ، لذا كان يعرف شيئًا أو اثنين عن الطريقة 

التقليدية لتثبيت الروح ،،

تساءلنا فعلًا إن كان للأمر علاقة بـ تثبيت الروح ، ولهذا بحثنا في الأمر ،،

لكن لم يكن هناك أي شيء غير عادي في أولئك الأطفال 

الذين مُسحوا بماء التعويذة وتم النقر عليهم ، 

ولم تكن هناك أي علامات تدلّ على تحوّلهم إلى دمى ،،

بل على العكس ، أرواحهم بدت أكثر استقرارًا ، 

وحيويتهم صارت أكثر قوة .”


بلغة الجيل الأكبر ، أي أن تدفّق مساراتهم الروحية قد تحسّن


وكان تأثير ذلك شبيهًا بكثير من التعويذات والتعاويذ 

الأخرى التي تُبارك المتلقّي وتدعمه ؛ لم يكن هناك ما يثير الريبة


وفوق ذلك، لو كان هناك خطبٌ ما فعلًا ، لكان كبار السن 

والمعلمين أول من يعترض


وبسبب الشكوك العابرة التي راودتهما وقتها ، ظلّت تشانغ 

لان وتشانغ يالين يحملان إحساس غامض بالذنب تجاه جدهما تشانغ تشنغتشو لوقت طويل


وكان هذا أيضًا سببًا في ميلهما لاحقًا إلى الثقة به في كثير من الأمور


ومع مرور الوقت ، تحوّل هذا الميل إلى عادة راسخة — 

إلى حدّ أنّه حتى عندما ظهرت بعض التفاصيل العارضة التي 

كانت تستحقّ الشك بالفعل ، 

انتهى بهما الأمر إلى تجاهلها لا شعوريًا


إنها طبيعة البشر : يسعون إلى النافع ويتجنّبون الضار


وبعد أن عزّز الأخوان مكانتهما في عائلة تشانغ ووسّعا 

شبكاتهما مع العشائر الأخرى، بذلا جهدهما في ألّا يزعجا 

تشانغ تشنغتشو ما أمكن ، مهما كان الحادث

لكن في النهاية ، لم يستطيعا تفادي الأمر


التقنية التي استخدمها تشانغ تشنغتشو عليهما كانت 

واحدة بسيطة من مدرسة الدمى


لم تكن قوية على نحو خاص ، لكن ميزتها أنّها لا تترك أثرًا 

ويمكن غرسها حتى عندما يكون المرء متيقّظًا ؛ وغالبًا تُربط 

بإيماءة معينة ، أو عبارة ، أو ذكرى


عمليات الغرس هذه لم تكن فعّالة حقًا في العادة — 

إذ تؤثّر غالبًا على الأشخاص العاديين الأكثر عرضة للتأثّر 

بمثل هذه الأمور ،،

وكلّما كان المرء أقوى ، كلّما قلّ اكتراثه بتلك التقنيات


لكن… إن زُرعت مرارًا وتكرارًا طيلة حياة كاملة… فذلك أمر آخر تمامًا


حتى لو لم يقل وين شي شيئ ، كانت تشانغ لان ستعرف أنّ 

شيئًا قد زُرع بداخلها


فمنذ اللحظة التي تقيّأت فيها دمًا، كانت تعرف ——


لكن خيط من الأمل ظلّ يتشبّث بداخلها ، يسأل : ' ماذا لو؟ '


ففي النهاية ، كان بينهما رباط الدم


ففي النهاية ، فقدا والدهما في صغرهما ، وكان تشانغ 

تشنغتشو هو من رآهما يكبران


قالت تشانغ لان : “… يالين ربما تأثّر أكثر مني ،،،

بما أنّه الرئيس التالي للعائلة وكلّ ذلك ... كانت هناك 

أوقات اضطرّ فيها للذهاب إلى الجناح الخلفي من المقرّ ، 

وكان يذهب دائمًا وحده ...”

توقّفت للحظة وهي تسترجع ذكرى: “ لقد ذهب أيضًا قبل أن نغادر إلى تيانجين .”

{ وقد مكث وقتًا طويلًا في غرفة تشانغ تشنغتشو أيضًا }


أرادت أن تقول لوين شي وشيه وون ألا يلوموه ، لكنها 

ابتلعت الكلمات—لأنها أدركت أنّه لم يكن من حقها قول 

ذلك ، ولم تكن في موضع يخولها به


تشانغ تشنغتشو جدّها ، لكنّها هي وتشانغ يالين كانا قد 

شاهدا هيئته الوحشية بأعينهما

وكذلك، هما الاثنان من تدخّلا، مما أتاح له الهروب


ومن بين أفراد عائلة تشانغ الحاضرين ، لا يوجد سواها هي لتتحمّل المسؤولية

و بوجه شاحب ، وبعد لحظة صمت ، قالت : “ يالين وأنا كنّا متهوّرين ومقصّرين . 

ومهما كان ، ستتحمّل عائلة تشانغ المسؤولية عن ذلك . 

لكن قبل كل شيء ، اسمحوا لي أن أقدّم اعتذارًا نيابةً عن 

جدّي… عن… عنه .”


: “ لا تتسرّعي بالاعتذار عنه ….” ظهر صوت شيه وون هادئًا 

للغاية ، ولم يبدُو عليه أي ضيق من حقيقة أنّ تشنغتشو قد هرب : “ قد لا يكون بوسعك ذلك أيضًا .”



فوجئت تشانغ لان ورفعت بصرها


لم تفهم ما الذي قصده بكلامه


لكن شيه وون لم يُفصّل أكثر


بل ألقى نظرة نحو تشو شو وقال لها: “ منزل عائلتكم 

سيضطر على الأرجح إلى فتح أبوابه لاستقبال بعض الضيوف قريبًا .”


حتى في مثل هذا الوقت ، ظلّ حديثه مهذبًا ولبقًا


لكن صوته حمل ثِقَلًا لا يقبل المعارضة


تشنغ لان بدت مذهولة


كل شيء انكشف أمامها حين رأت تشو شو يومئ برأسه ردًّا ، 

ويجمع بغير مبالاة الأحجار في كفّه


أسرعت تقول: “ لا يمكن فتح بوابات المصفوفات داخل المقرّ الرئيسي .”


التفت إليها تشو شو


كان كلامها أقرب إلى اعتراض دفاعيّ


فسارعت تشانغ لان تضيف : “ موقع المقرّ الرئيسي اختاره 

أسلافنا بعناية فائقة — إنه الموقع الأمثل . من ناحية الفينغشوي، 

موقعه بطبيعته يسهل الدفاع عنه ويصعب الهجوم عليه . 

غير أنّ الأجيال السابقة قد زرعوا مصفوفات في الأرض 

تحسّبًا لليوم الذي قد تقع فيه كارثة على المقرّ . 

لهذا قلت إن بوابات المصفوفات لا يمكن فتحها هناك . 

تشو شو يعرف هذا جيدًا—”


وبينما تتحدث، ألقت نظرة إلى المئات الذين يشكّلون 

الكتيبة الرئيسية في المسافة 


: “ أنا حقًا لا أحاول خداعكم . جميع العائلات يعرفون هذا أيضًا . 

وإلا فلماذا كانوا يختارون القيادة بأنفسهم في كل مرة 

يضطرون فيها للذهاب إلى المقرّ الرئيسي ؟”


ورغم أن تشو شو أومأ برأسه ، انحنى وبدأ يضع أحجار المصفوفة على الأرض

وفي أثناء ذلك ، ضغط بيده اليسرى لا إراديًا على فتحة كمّه 

الأيمن ، كما لو أنه يرتدي رداءً طويلًا واسع الأكمام


كان دا دونغ لا يزال يتبع تشو شو كظله

ولهذا ، حين رآه يُمسك كمّه بيده ويُرتّب الأحجار بهدوء واتزان ، بحركات طبيعية متقنة وكأنه قام بهذا عشرات 

الآلاف من المرات من قبل—تبدّل تعبير دا دونغ على الفور


سأل بصوت خافت للغاية : “ تشو—تشو شو؟”


في الوقت نفسه أنهى تشو شو ترتيب الأحجار الاثني عشر على الأرض


وما إن استقام واقفًا حتى أومأ برشاقة مهذبة نحو تشانغ لان 

وقال: “ أعتذر عن الإزعاج .”


ثم مدّ يده اليمنى وضرب الفراغ فوق الأحجار بقوّة —


وفورًا ، اندلع إعصار هائل وعنيف


وفي اللحظة نفسها ، ظهرت دوّامة ضخمة في الهواء عند مكان ضربته


و تدفّق ظلام مركّز من قلب الدوّامة وتحوّل في رمشة عين إلى بوّابة مصفوفة سحيقة


ورغم أنه يستحيل رؤية المكان الذي تؤدي إليه ، فقد 

استطاعوا سماع أصوات تَكَسُّر وانفجارات قادمة من أعماق الدوّامة


ثمانية انفجارات متتالية دوّت ، جعلت تشانغ لان تحدّق 

مشدوهة بينما يتلاشى لون وجهها


أما دا دونغ، فقد أصبح شاحبًا أكثر منها


انفتح فمه من الدهشة وهو يحدّق في البوابة التي تغلي 

وتضطرب بعنف

ثم التفت برأسه نحو تشو شو

وبعد صمت طويل ، تلعثم وسأل بصوت متردد:

“ ب-بو نينغ-لاوزو ؟”


أومأ تشو شو برأسه بخفة : 

“ سعيد بلقائكم .”


ثم أشار بيده نحو شيه وين و وين شي

“ شيفو، شيدِي، سأدخل أولاً ”


وبعدها مباشرةً خطا داخل البوابة


صرخ دا دونغ بارتباك : “ما هذه اللع—!” ثم تردد لحظة، 

وألقى نظرات مضطربة حوله و قرر فجأة الاندفاع هو الآخر داخل الدوّامة


العاصفة التي أثارتها البوابة دفعت شعور الجميع إلى الفوضى، 

بينما مئات الأشخاص الواقفين أبعد إما تعثروا متمايلين أو 

أطاحت بهم الرياح أرضًا


وبينما وين شي يضيّق عينيه في اتجاههم ، شعر فجأة بيد 

تلتف حول أصابعه المتدلية إلى جانبه


: “ لنذهب "


أنزل شيه وون رأسه وقاد وين شي ممسكاً بيده إلى داخل البوابة


تبعهما عن قرب كلٌّ من شيا تشياو ولاو ماو


وأثناء دخولهم ، لم يستطع شياو تشياو أن يكبح قلقه:

“ ماذا لو أن العجوز لم يعد إلى المسكن الرئيسي ؟”


وين شي: “ هناك مصدر غذائه . هل تظن أنه سيختار الموت ؟”


إنها غريزة البقاء ، موجودة في كل الكائنات الحية ؛ والـ هويغو ليسوا استثناء


لكن شياو تشياو لم يطمئن بعد:

“ وماذا لو أنه هرب مجددًا ؟”


جاء صوت شيه وون من الأمام ، حاسمًا :

“ لا يمكنه . يوجد من ينتظره في نينغتشو "


——————


في نينغتشو —- 

في الفناء الرئيسي من مقرّ عائلة تشانغ —-


نسيم المساء تسلل عبر غرف تشانغ تشنغتشو —-

فبدأت النوافذ والأبواب تصطفق مفتوحة ومغلقة ، 

كما لو أن كائنًا غير مرئي يتنفس بصمت داخلها


وفجأة دوّى نباح كلب ، قاطعاً سكون الليل إلى نصفين


و في لحظة ، بدأ ضباب خفيف يتكاثف في الفناء 

و انتشرت رائحة رطبة غريبة ، كأن الضباب يتسرب من أعماق العالم السفلي


اهتز باب القاعة الأمامية فجأة ، وكأن شيئًا ما ارتطم به


ومن خلال الفراغات تسلّل صوت خافت ، يشبه قطرات 

سائل تتساقط وتتسع على أرضية الغرفة


ثم ظهر ما بدا وكأنه ظل انفصل عن جسد صاحبه —-

بركة حبرية ضخمة تزحف من القاعة الأمامية إلى الغرف الخلفية ، و انسابت تحت الباب إلى داخل غرفة النوم


أرضية غرفة النوم الواسعة تحوّلت فجأة إلى مستنقع أسود قاتم


ومن على سطحه المستوي برز انتفاخ بدأ يتشكّل ببطء إلى 

ملامح وجه—وجه مسن للغاية


زوايا فمه متدلية بجمود ، وبقع الشيخوخة الملطخة 

مختبئة بين التجاعيد العميقة


ذلك الوجه خرج من الأرض ، تبعه عنق ، ثم أطراف…

——-  تشانغ تشنغتشو 

منحني على الأرض ، و بدأ يزحف ويعبث أرجاء الغرفة للحظات ، 

تصاحبه أصوات خشخشة خافتة


ثم جرّ شخصًا آخر من أعماق المستنقع

كان ذلك الشخص متراخي الجسد ، صامتًا ، وجهه شاحب كالشمع، عيناه مغمضتان


تسللت أشعة القمر من خلال الفراغات وزجاج النوافذ ، 

وانسكبت على الأرض ، 

لتُظهر ظلالهما المتداخلة وكأنهما بركتان داكنتان من الحبر


وبعد لحظة — ، اهتز أحد الظلال قليلًا ، ثم بدأ رأسه يمتد ويتماوج، 

و بدأ  يتلوّى ويتمزق مثل أفعى يطرح جلده


وبعد فترة اعتدل الجسد واقفًا من جديد ، وظلّه ممتد 

وطويل تحت ضوء القمر


مرّ بجانب النافذة الشبكية ، وبدأ يفتش في الغرفة ، فتردّد 

في الأجواء طنين خافت من خشخشة وارتطام


لم تمضِ فترة طويلة حتى بدأت خيوط رفيعة من دخان 

البخور الأبيض تتسرب من الأبواب والنوافذ


و عاد الشكل لينخفض على أطرافه الأربعة ، يدور حول 

الدائرة التي شكّلتها عشرات مبخرات البخور ، 

يستنشق بجشع الدخان المتصاعد منها


ومع دخول الدخان جسده ، هبّت الرياح فجأة في الخارج


الصواعق انسابت عبر طبقة سميكة من الغيوم المتلاطمة 

فوق مقرّ عائلة تشانغ ، 

تتلألأ من أقصى الأفق حتى غطّت السماء كلها ، 

ناسجةً شبكة كثيفة تحيط بالمجمع القديم ،


ومضة البرق السريعة أضاءت الغرفة للحظة ، 

كاشفاً وجهًا شاحبًا وسط لفائف الدخان


ضاقت عيناه وهو يقترب من إحدى المبخرات ، ثم رفع 

بصره نحو وميض البرق المفاجئ


ذلك الوجه كان… تشانغ يالين ——


وعلى الفور ، اهتزت السماء برعد مدوٍّ ، وانهمر المطر الغزير


استنشق الكيان جرعة عميقة من الدخان ، ثم تنهد تنهيدة 

واهنة مشوبة بالرضا


ومع إرجاع رأسه للخلف ، بدأ المستنقع المتكوّن من 

الضباب الأسود الكثيف يغلي باضطراب


ارتجّت الأرض الشاسعة التي بُني عليها المقرّ ، 

كما لو أن مطرقة هائلة قد سددت ضربة من أعماقها ،


تأرجحت الرفوف المصنوعة من خشب الماهجوني بقوة ، 

ثم انهارت على الأرض بصوت مدوٍّ، 

مسقطة معها التحف القديمة والمخطوطات المحفوظة


و تناثر الغبار في الهواء ، وتحطمت القطع الأثرية متناثرة في كل اتجاه


ارتجف الكيان الملتصق بالأرض ، ثم تجمّد فجأة بلا حراك 

وسط تلك الفوضى المفاجئة


لكن الضربة الثانية جاءت بعدها مباشرة


و في الحال دبّ الرعب في كل كائن حي بالجوار ، 

فركضوا محاولين الفرار


بدأت شقوق طويلة ورفيعة تتصدع على جدران المقرّ وأرضيته ، 

بينما تناثر التراب والغبار من عوارض السقف


ثم الضربة الثالثة —-


والرابعة ——



وبعد ثماني ضربات متتالية ، اخترق عواء رياح صاخب الأجواء ، 

كأن حاجزًا هائلًا بين السماء والأرض قد تحطم قسرًا ، 

و فُتح بابه على مصراعيه


وبمجرد أن سمع الكيان الملتصق بالأرض صفير الرياح ، 

بدأ يطوي أطرافه ويلوّي عنقه ،


تمدّد المستنقع القاتم على الأرض فجأة


وتحت غطاء الضباب الأسود المتلاطم ، بدأ في الغوص نحو 

باطن الأرض محاولًا الهرب إلى مكان آخر


لكن هدير وحشين دوّى من السماء مع وميض البرق ، 

متداخلًا في صرخة جعلت السماوات ترتجف


و انطلقت كتلتان شاحبة بسرعة خارقة نحو المقرّ الرئيسي، 

أشبه بـ شهابين يسقطان من السماء مباشرةً نحو الأرض، 

محاطين برياح هادرة تمزق الفضاء


اخترقا الهواء فوق البوابة ، ثم هبطا على جانبي الكيان ، 

قاطعين طريق هروبه تمامًا


كانا وحشين ضخمين أشبه بالنمور ، ناصعين كالثلج ، 

يسيران على مجاري من النيران المشتعلة


النيران ارتفعت مسرعة ، لتكسو أطراف فرائهما بوميض ذهبي-أحمر


نصف وجهيهما مهيب يبعث على الخشوع ، 

أما النصف الآخر فلم يكن سوى عظام بيضاء—نصف أحياء 

ونصف أموات


وبرغم ملامحهما المشوهة ، فقد كانا يشعّان بهالة رعب لا توصف


تدلّت من أجسادهما سلاسل ثقيلة ، تصدر طنينًا معدنيًا في الهواء مع كل خطوة


و منقوش على السلاسل اسمهما المهيب : تشاو —


يتبع


الفصل من ترجمة : Jiyan

تدقيق : Erenyibo 

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي