Ch13 الخطاف الخلفي
على مدى أسبوعين كاملين بعد ذلك ،
كان تشو تشيتشن كلما وجد لحظة فراغ — أثناء طهيه
بمفرده ، أو تنظيفه للمنزل ،
أو أثناء الاستحمام ، أو حين يستلقي على السرير دون أن
يغمض عينيه بعد — كانت أفكاره تتجه حتماً إلى لانغ فنغ
لقد عاش أكثر من ثلاثين عاماً، ومع ذلك لم يودّع حقاً سوى
مرتين ، ولم يختبر فراقاً حقيقياً إلا مرة واحدة ،
حين افترق عن يوي شياويوان في شنتشن ،
لكن الفرق أن ذلك الفراق السابق كان مصحوباً بشعور
حزين بأن أيامهما معاً قد أوشكت على النهاية ، وأن مصير
العلاقة قد حُسم سلفاً
أما هذه المرة ، فكانت مختلفة تماماً — كان ندماً عظيماً ،
ليس على ما فعله أو لم يفعله ، بل على فكرة واحدة كانت تنهشه :
' لو بقي لانغ فنغ كما هو — لكنني كنت شخصًا آخر ؛
بلا ماضٍ ، بلا خوفٍ ولا عقد…
كم سيكون الأمر جميلًا … '
لا يعلم إن كان ما به مجرد تعب نفسي أم لا ،
لكن في الأسبوعين التالية ، رغم أن الكدمة في أسفل ظهره
اختفت تقريباً، كان لا يزال يشعر بألمٍ متقطع في المكان نفسه ،
ربما كان ذلك بسبب كدمة في الأنسجة الرخوة ،
لم يكن متأكد
في البداية ظن أن السبب هو ضغط العمل خلال عطلة رأس السنة ،
لأن رحلاته كانت متواصلة ، وما إن يعود إلى المنزل حتى
ينهار من الإرهاق دون راحة كافية
وربما كان الأمر نفسياً، إذ صار يشعر بقلقٍ مفرط تجاه
المكان الذي أُصيب فيه من قبل، وكلما زاد قلقه ازداد شعوره بالألم
لكن بعد أسبوعين كاملة ، ظل الألم يظهر بين حينٍ وآخر ،
فخاف أن يهمل الأمر
وبما أن سلامة جسده تعني سلامة الطاقم والركاب جميعاً ،
لم يتردد في التوجه إلى المستشفى لإجراء تصوير بالأشعة
وكانت المفاجأة : الكدمة القديمة شُفيت تماماً ،
لكن الأشعة أظهرت شيئ آخر — فقد ظهرت على إحدى
الصفائح المعدنية المثبتة في فقرات ظهره ظلال خفيفة
توحي بوجود شرخٍ دقيق ——
الطبيب أعطاه خيارين :
إما أن يُجري جراحة لإزالة الصفيحة الآن ، أو ينتظر لاحقاً
الميزة في نزعها الآن أنه سيتخلّص منها نهائياً ولن يعيش
بعظامٍ معدنية مدى حياته ،
لكن الجانب السلبي هو أنه سيحتاج إلى جراحة جديدة ،
وسيضطر للتوقف عن الطيران شهرين أو ثلاثة ،
ثم يعيد فحوص اللياقة الطبية حتى يُسمح له بالطيران مجدداً ،
أما إذا تركها ، فربما سيتفاقم الشرخ وتنكسر الصفيحة فعلاً،
مما سيُسبب ألماً شديداً،
وحينها لن يكون أمامه سوى العملية نفسها
قضى تشو تشيتشن تلك الليلة في منزله يفكر ويقلب الأمر
من جميع جوانبه ،
ثم خطر في باله شخص واحد يمكنه استشارته ،
ففتح تطبيق ويتشات ووجد اسمه هناك ، وأرسل له رسالة قصيرة
ردّ عليه يوي شياويوان بسرعة ، وطلب منه أن يرسل صورة الأشعة الجديدة
وبعد نحو نصف ساعة ، أرسل له رسالتين صوتية ،
مدة كل منهما أكثر من خمسين ثانية
تردد تشو تشيتشن قليلاً ، ثم ضغط زر التشغيل
جاءه صوت يوي شياويوان كما عرفه دائماً — هادئاً، متزناً،
بنبرة مهنية سريعة وواثقة ، يتحدث بلغةٍ علمية مليئة
بالمصطلحات الطبية
ورغم أنه لم يكن طبيب عظام، فقد استشار زميلاً له في التخصص
وفي النهاية، كان رأيهما واحد : يجب أن تُزال الصفائح المعدنية فوراً —-
قال له يوي شياويوان في نهاية الرسالة بصوته الثابت :
“ أنت طيّار ، من الأفضل أن تُجري العملية وتزيل الصفيحة .
العيش من دون قطعة معدنية في جسدك أفضل لك ولعملك .
كان المفترض أن تزيلها منذ زمن ، لم أتوقع أنك تأخرت إلى الآن "
كان صوته هادئاً إلى درجةٍ جعلت تشو تشيتشن يشعر
ببرودة في صدره ،
وفي عبارته الأخيرة نغمة عتاب خفيفة ،
لم يسأله حتى عن سبب تأخّره ، وكأن الأمر لا يعنيه ،
والحقيقة أن تشو تشيتشن لم يكن يخاف الجراحة نفسها،
بل ما يتبعها من توقّفٍ طويل عن العمل —
فبعد عملية إزالة الصفيحة سيحتاج إلى نحو ثلاثة أشهرٍ
للتعافي ، ثم يخضع لفحص طبي جديد حتى يُسمح له
بالطيران من جديد ،
كان يُخطّط لأن يترقى إلى رتبة كابتن طائرة قبل نهاية العام،
كي يحصل على مكافأة سنوية أكبر
منذ أول يومٍ له في الطيران المدني ، فتح حساب مصرفي
باسمه ، ووضع فيه كل ما يستطيع من المال ليدّخر
مصاريف دراسة أخته تشو تشيروي في الخارج ،
وبحلول نهاية هذا العام ، سيكون قريب جداً من جمع المبلغ المطلوب ،
فكّر أكثر من مرة في العودة لزيارتها ، لكن المرة الأخيرة التي
التقيا فيها تركت في نفسه جرحاً غائراً لا يندمل ….
كان يشعر دائماً بالذنب نحوها ، ولم يعرف كيف يعوّضها
سوى بالمال — أن يضمن لها مستقبلاً أفضل
كان خطته أن ينهي الترقية ، يجمع المبلغ ، ثم يزورها
مجدداً حين تبلغ الثامنة عشرة وتدخل الجامعة ،
حينها لن تكون تحت سلطة والديها ، وربما يستطيعان
ترميم ما انكسر بينهما
أما الآن ، فلو توقف عن الطيران ثلاثة أشهر ، فلن يدرك ذلك
الموعد ، وسيتأجل كل شيء لعامٍ آخر
كل هذا قد قاله لـ يو شياويوان ذات مرة ، عندما صارحه
بحياته في جلسة نادرة للصدق بينهما
لكنه يعرف أيضاً أن هذا هو أسلوب يو المعتاد — هادئ،
واقعي، لا يلين
لقد افترقا منذ زمن، ولم يكن هناك ما يستدعي أن يتألم
من بروده بعد الآن
وحين ظلّ تشو صامتاً دون رد ، أرسل له يو شياويوان رسالة أخرى :
[ قررت أي مستشفى وأي طبيب ؟
إن احتجت أن أعرّفك على أحد الزملاء المتخصصين ،
يمكنني أن أستفسر لك ]
حينها ردّ عليه تشو تشيتشن وشكره ،
ثم كتب له أنه قرر إجراء الجراحة في مستشفى البحرية
العام ، فبما أنه ضابط متقاعد من الجيش ، فله أحقية
العلاج هناك ، وهو المكان نفسه الذي أجرى فيه العملية
الأولى لتركيب الصفيحة ،
أما يو المقيم في شنتشن، فمعارفه في بكين ليست كثيرة
و ردّ عليه باختصار : [ حسناً ]
ثم لم يكتب شيئاً بعد ذلك
ورغم جفاف أسلوبه ، إلا أن تشو تشيتشن لم يشك لحظة
في حرفيته ، و يعلم أن رأيه صائب ،
فاتخذ قراره في الحال
رفع الهاتف ، واتصل أولاً بالطبيب الجرّاح لتحديد موعد العملية ،
ثم بالثاني لترتيب إجازة العمل ،
أما المكالمة الثالثة ، فكانت لِـ صديقته الممرضة لين شياو
وبعد أن أنهى كل الترتيبات ، جلس أخيراً يلتقط أنفاسه ،
يحدّق في سجل المحادثة بينه وبين يو شياويوان،
ثم ابتسم بسخريةٍ باهتة —
{ لم أُسيء الظنّ به يوماً …
فقد أبدى رأيه الطبي بوضوحٍ ودقة ، وكأنه يعالج مريضاً قديماً ،
حتى أنه استشار زميلاً متخصصاً لأجل تأكيد رأيه ….
ومع ذلك ، لم يسألني بكلمةً واحدة عن حالي ،
ولا حتى عبارة مجاملة بسيطة مثل : ' أتمنى أن تنجح عمليتك ' }
كان تشو تشيتشن طوال علاقتهما يحاول تغييره ،
لكن بعد أن دار دورةً كاملة في حياته ، أدرك أن بعض
الناس لا يتغيرون أبداً ،
وأنك إن كنت تبحث عن دفءٍ صادق ، فعليك أن تبحث عنه
منذ البداية عند من يهتم لأمرك حقاً
وهنا ،
دون إرادةٍ منه ،
عاد إلى ذهنه صوت ذلك الاتصال الهاتفي قبل أسبوعين —
ذلك الذي جاءه من لانغ فنغ ….
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق