Ch48 احتراق القلب
كانت المشقات التي مرّوا بها خلال السنوات الثلاث
الماضية فوق الوصف —-
فطريق الانتقال من التجارب السريرية إلى تحقيق النتائج
الحقيقية كان طويل ، و مليئ بعدد لا يُحصى من الإخفاقات
والنهوضات المتكرّرة بعد السقوط
لذا حين تلقّى تشي تشاو مكالمة مشرفه ، لم يكَد يصدّق ما يسمع
: “ هل أصبح جاهزًا فعلًا ؟
إلى أيّ درجة يمكن استعادة البصر ؟
هل وُجدت أيّ حالات رفض أو آثار جانبية ؟”
حين رنّ الهاتف كان تشي تشاو قد خرج لتوّه من غرفة
العمليات ، ولم يخلع بعد سوى نصف ملابس الجراحة ،
و انطلقت أسئلته متتالية بعفوية ، فقد ظلّ منشغلًا بهذا
المشروع طوال الوقت
بعد دخول المشروع المرحلة السريرية ، أجروا المجموعة
البحثية تعديلات متعدّدة ، إلى أن توصّلوا في النهاية إلى
مادة جزيئية جديدة لتكون الحامل لأقطاب الشبكية الصناعية
هذه المادة منخفضة معدّل الرفض ، ويمكنها استيعاب
عدد كبير من الأقطاب ،
و قبل فترة وجيزة ، أُجريت التجارب السريرية على ثلاثة
مرضى ، وكان تشي تشاو يتابع الوضع عن قرب ،
و يتصل كل بضعة أيام ليسأل عن المستجدّات ،
لذا حين سمع النتائج الآن ، غمره حماس عارم
وقبل أن يجيبه المشرف ، أطلق سيلًا جديدًا من الأسئلة :
“ هل هناك بيانات دقيقة ؟
هل يمكنك أن تشرح لي التفاصيل ؟
ماذا تقصد تحديدًا بقولك إنها أصبحت جاهزة ؟”
كان لا يزال في غرفة التحضير قبل العمليات ، و يحيط به
مجموعة من الزملاء الأطباء
كان صوته متحمّسًا أكثر من اللازم ، فالتفت إليه عدد منهم بدهشة
أسرع بالاعتذار لهم بإيماءة ، خلع مئزر الجراحة ، وغادر
الغرفة بخطوات سريعة
ركض في الممر حتى وجد زاوية هادئة ، وواصل استجواب
مشرفه بحماس شديد عن آخر التطورات
وجاء صوت المشرف واضحًا عبر الهاتف ، يحمل بشرى طال انتظارها :
“ سأرسل لك البيانات التفصيلية عبر البريد الإلكتروني .
النتائج السريرية واحتمالات الرفض أو حدوث مضاعفات
كانت أفضل مما توقّعنا ...”
توقّف المشرف قليلًا ، ثم أضاف بوضوح، كل كلمة منه
كجرس يقرع قلب تشي تشاو:
“ الآن جميع المتطوعين الذين خضعوا للجراحة أظهروا
تحسنًا واضحًا في قدرتهم البصرية ، وأتصل بك لأخبرك أن
هذه التقنية اجتازت التجارب السريرية رسميًا ،
وإذا لم تظهر أي ظروف غير متوقعة ، فسيُسمح قريبًا
بتطبيقها فعليًا في الممارسة الطبية .”
' سيُسمح بتطبيقها في الممارسة الطبية ' — لقد انتظر
تشي تشاو هذه الجملة طويلًا جدًا
طبيعة جراحات قاع العين الدقيقة جعلته لا يجرؤ على
تجربة العملية على عيني فو نان آن قبل أن تنضج التقنية تمامًا
كان ينتظر هذا اليوم منذ أول نجاح في التجارب الحيوانية
والآن، حين بدأ الحلم يتحول إلى حقيقة، لم يستطع تصديق ذلك تمامًا
قال بصوت يكاد يرتجف ، مكرّرًا سؤاله لمشرفه للتأكيد:
“ هل… هل أصبحت جاهزة حقًا ؟
لن تحدث أي مفاجآت أخرى ، أليس كذلك ؟”
قال المشرف مبتسمًا : “ لا أحد يجرؤ على أن يضمن بنسبة
مئة بالمئة ، حتى الإله حين خلق البشر ارتكب بعض الأخطاء ،
لكن استنادًا إلى النتائج الحالية ، فالمشروع قادر بالفعل
على أن يجلب النور لكثير من مرضى شبكية العين .”
' الصحة أمانة بين أيدينا ،
والأرواح وديعة في أعناقنا ' — ( هذا قسم كلية الطب بالصين —
تم ذكره في ch32 بس نسيت احط لكم تنويه )
… الطب بطبيعته علم يقف في مواجهة القدر
الإنسان لا يسلم من المرض ، والطب هو اليد التي تنتشله
من حافة الهاوية ،
تشي تشاو دائمًا يسعى لأن يكون طبيبًا صالحًا، والآن، حبيبه
على وشك أن يستعيد بصره بفضل تقدم الطب
————-
و مرّ نصف عام آخر كلمح البصر —- تمت الموافقة على
مشروع الشبكية الاصطناعية وبدأ تطبيقه أولًا في الخارج ،
وكان تشي تشاو من أوائل من حصلوا على حجز لإجراء
العملية ——
لم يكن الحصول على مثل هذا الموعد في المراحل
الأولى من المشروع أمرًا سهلًا ——— ؛
فعدد المصابين بأمراض الشبكية يفوق الحصر ، بينما
الشبكية الاصطناعية لا يمكن إنتاجها بكميات كبيرة بعد ،
لأن المواد والتقنيات محدودة جدًا ، فلا يُسمح إلا بإجراء
عدد ضئيل من العمليات
لكن بفضل مشاركة تشي تشاو ، أصبح كل شيء ممكنًا —-
لقد بذل كل ما في وسعه ليتمكن فو نان آن من الإبصار مجددًا ،
من الانضمام إلى المشروع إلى العناية الدؤوبة بعينيه
كل ما كان في استطاعته فعله ، فعله على أكمل وجه
منذ فترة تدريبه ، كان تشي تشاو يعتاد على مساعدته في
عمل كمّادات العين ،
وبعد مرور كل تلك السنوات ، ظلّ يحافظ على تلك العادة
و أثناء دراسته في الخارج ، كان يتصل بفو نان آن عبر
الفيديو ليشرف بنفسه على الكمّادات
وبعد عودته إلى الصين ، مهما أنهكته العمليات الطويلة ،
كان يحرص على أن يقوم بها بنفسه
وقد أثبتت الأيام أن حرصه هذا كان بعيد النظر حقًا —-
ففي المرحلة الأولى من المشروع ، ومع ندرة المواد ،
أصبحت حالة شبكية المريض هي المعيار الذهبي لاختيار
المرشحين للجراحة —— وبفضل الجهد المتواصل لتشي
تشاو ومساعدة مشرفه ، تحدد أخيرًا موعد عملية فو نان آن
بعد نصف شهر في الخارج ——
لم يكن تشي تشاو يتعمّد إخفاء علاقته بفو نان آن أو الإعلان عنها ،
فذلك شأنه الشخصي ، والمستشفى يقيّمون الكفاءة قبل كل شيء ،
لكن مساعدة فو نان آن في التقدّم للجراحة أمر لم يمكن إخفاؤه —-
فقد كان تطوير الشبكية الاصطناعية حدثًا ضخمًا ،
وباعتبارهم أطباء عيون ، كان الجميع يولي الأمر اهتمامًا بالغًا
ومن يعرفون ما وراء الكواليس ، يدركون كم هو صعب
الحصول على فرصة في تلك المرحلة
لذا حين علموا بالخبر ، لم يخفوا دهشتهم ونظروا إلى تشي
تشاو بإعجاب جديد
“شابّنا شياو تشي مذهل حقًا !
لقد جلب الفخر لمستشفى العيون بأكملها !! .”
“ ألم أقل منذ البداية إن تشي تشاو سيكون له شأن عظيم ؟
ها قد تحقق ذلك سريعًا !”
“ لا تذكرني ! عندما جاء أول مرة ظننته شابًا صغيرًا عديم الخبرة ،
والآن أشعر أنني كنت مخطئًا تمامًا !”
وسط أصوات الإعجاب والثناء ، تلقّى تشي تشاو كلماتهم بهدوء واتزان
فقد كان يستحقها بحق
فخلف كل نجاح يبدو سهلًا ، جهد طويل لا يُرى ،
وتراكم من السعي والمثابرة عبر السنين
حين عاد تشي تشاو إلى الصين لأول مرة ، كان لا يزال شابًا يافعًا ،
وفي الوسط الطبي الذي يقدّر الأقدمية فوق كل شيء ،
واجه كثيرًا من الشكوك ،
لكن خلال ثلاث سنوات فقط ، نال اعتراف الجميع بفضل
كفاءته المطلقة وتواضعه واجتهاده ،
ومع مرور الوقت ، بدأ اسم الطبيب الشاب تشي تشاو يتردد
في أرجاء مستشفى العيون
حتى الخبراء الكبار المعروفون بصرامتهم أثنوا عليه أكثر من مرة ،
قائلين إنه حتمًا سيُحدث فرقًا ، وسينمو ليصبح أحد أعمدة
طب العيون في المستقبل ،
في داخل تشي تشاو نور لا يخبو — ورغم أنه لم يولد في
بيئة ميسورة ، إلا أنه، بعد سنوات من الصقل والمثابرة ،
بدأ يُظهر حدّته المتألقة ،
فقد تولى بنفسه كل الإجراءات المتعلقة بتأشيرة السفر ،
والتحقق من المستندات ، وتسجيل الدخول إلى المستشفى
أراد والدا فو نان آن مرافقتَه في البداية ، لكن نظرًا لتقدمهما
في السن وطول الرحلة ومشقّتها ، وبعد الموازنة بين
الأمور ، قررا أن يذهب تشي تشاو وحده معه
بعد إتمام إجراءات القبول ، سألته الممرضة :
“ هل حضرتَ كل المستندات بنفسك ؟ أأنت وحدك هنا؟”
أجاب تشي تشاو بهدوء: “ نعم ، أنا وحدي . كل الأوراق
جاهزة ، يمكنكِ مراجعتها في أي وقت .”
تشي تشاو هو المرافق الوحيد لفو نان آن، لكن عنايته لم
تقلّ عن عناية مريض يحيط به أفراد عائلته
فإلى جانب المستندات المطلوبة ، أعدّ بعناية ملفًا كاملًا
يتضمن كل تفاصيل التاريخ الطبي لفو نان آن وتقاريره على
مدى السنوات ——- هذا المجلد الضخم ثمرة ساعات
طويلة من العمل الدؤوب ،
قدّم للفريق الجراحي معلومات لا تُقدّر بثمن
قالت الممرضة الشابة بإعجاب صادق وهي تتأمل الملفات المترجمة :
“ أنت مذهل حقًا ،،
لو كان كل المرضى بهذا التنظيم ، لما كان لنا عمل تقريبًا "
اعتاد تشي تشاو على مثل هذا المديح ، فاكتفى بابتسامة هادئة قائلاً :
“ تبالغين في الثناء "
المواد التي أعدّها بالفعل شاملة ودقيقة ، مما أضفى مزيدًا
من الطمأنينة على العملية الجراحية التي سيخضع لها فو نان آن
مرّ الوقت سريعًا ، وحلّ أخيرًا اليوم السابق للجراحة
جاءت الممرضة كعادتها لتطمئن المريض وتشرح له
خطوات العملية المقررة في الغد
تشي تشاو يعرف تفاصيل العملية عن ظهر قلب : التخدير ،
الشقّ ، الزرع ، ثم الخياطة ،
لقد أجرى مثل هذه العمليات على الحيوانات في مختبراته قبل سنوات ،
وسيحضر بنفسه هذه الجراحة من بدايتها إلى نهايتها
لكن في اللحظة التي سلّمته فيها الممرضة استمارات
الموافقة على الجراحة ووثائق إخلاء المسؤولية عن
المخاطر ، اجتاحه شعور غامر بالتوتر ،
كأن كل المشاعر التي كبتها طويلاً انفجرت فجأة من أعماقه ،
لم يعد قادرًا على السيطرة على الأفكار التي تعصف بذهنه
لقد انتظر هذه الجراحة أكثر من خمس سنوات ،
وواجه في سبيلها ما لا يُحصى من الصعاب ،
ومع ذلك ، حين أصبحت الأحلام على وشك أن تتحقق ،
لم يستطع منع نفسه من التفكير المفرط —-
{ هل قد تحدث مضاعفات أثناء العملية ؟
هل سيتمكن فو نان آن حقًا من الرؤية بعد الجراحة ؟
هل يمكن أن تظهر آثار جانبية غير متوقعة ؟
التقنية جديدة جدًا ، توجد احتمالات كثيرة لا يمكن التنبؤ بها
حتى لو كانت العملية ناضجة تمامًا ومجربة ،
لا استطيع …. الاطمئنان كليًا …
الأحداث النادرة قد تقع ،،، وفو نان آن لا يملك سوى عينين
اثنتين… لا فرصة ثانية لهما … }
أغلق تشي تشاو عينيه ببطء ،
و لأول مرة ، شعر حقًا بما يشعر به أهل المريض
تحركت شفتاه كأنه يريد أن يسأل شيئ يطمئنه ، لكن الكلمات خذلته
يعرف كل خطوة في هذه العملية ، ويعلم أن احتمالات
الخطر ضئيلة جدًا ، لكن المشاعر حين تغمر القلب تُفقد العقل منطقه
لقد كان يهتم بعيني فو نان آن أكثر من أي شيء آخر
شعر وكأن أحدًا يخنقه ، يجبره على الصمت بينما تشرح
الممرضة المخاطر والتعليمات ،
ويراقب فو نان آن وهو يوقّع على استمارة الموافقة ،
ويرى الممرضة وهي تغادر الغرفة ، والباب يُفتح ويُغلق
خلفها ، حتى خيّم السكون تمامًا
جلس تشي تشاو بصمت إلى جوار السرير ،
أمسك بيد فو نان آن،
وناداه بصوت خافت مرتجف:
“ أستاذ .…”
: “ ما بك؟” جاء صوت فو نان آن عميقًا ثابتًا ، وبالرغم من
مرور السنوات، ظلّ كفّه صلب ودافئ كما كان دائمًا
جلس تشي تشاو أدنى قليلًا ، وأسند رأسه على كتف فو نان آن
لم يعرف ماذا يقول ، فاكتفى بالهمس بصوت خافت :
“ لا شيء أستاذ… فقط أردت أن أناديك "
ابتسم فو نان آن وقال برفق:
“ حسنًا ، ناديني كما تشاء … أنا هنا "
ولأن تشي تشاو لم يُفصح أكثر ، لم يُلحّ فو نان آن بالسؤال
و اكتفيا بالصمت ، متكئين على بعضهما
في الخارج ، المساء قد حلّ دون أن ينتبها
و ما إن غابت الشمس خلف الأشجار حتى اكتسى الأفق بلونٍ رماديٍّ قاتم
لم تكن غرفة فو نان آن في طابق مرتفع ، ومن النافذة يمكن
رؤية الأشجار الكثيفة بأوراقها الغزيرة ، لكن مع حلول الظلام
تحوّلت الأغصان إلى ظلال سوداء متشابكة ،
حجبت ما تبقّى من ضوء ، وكأنها ستار ثقيل يُخفي الأمل
ساد جوّ من الكآبة الصامتة ….
وحين غرق الأفق في السواد تمامًا ،
نادى تشي تشاو مجددًا بصوت خافت :
“ أستاذ…”
في هذه اللحظة ، كانا قد انتقلا من الجلوس إلى الاستلقاء
و تمدّدا جنبًا إلى جنب على السرير الضيّق ،
فوضع فو نان آن ذراعه حول كتف تشي تشاو ،
وانحنى ليقبّل جبينه برفق ، مرددًا كلماته السابقة بنبرة حنونة :
“ همم… أستاذك هنا "
كان صوته دافئ عميق ، و قبلاته هادئة تتبع ملامح وجه
تشي تشاو ببطءٍ وعناية
ولأن تشي تشاو لم يتحدث ، لم يسأله فو نان آن شيئ
و بدا وكأنه لا يقلق بشأن جراحة الغد على الإطلاق
أما تشي تشاو، فلم يستطع ذلك
كان خائف — خائف حدّ الارتجاف
كلما ازداد حبّه ، ازداد خوفه ، وكأن قلبه لم يعد قادرًا على
احتمال هذا القدر من القلق
همس بصوت واهن وهو يشدّ على ملابس فو نان آن:
“ أستاذ … أنا خائف قليلًا "
فو نان آن قد ارتدى ملابس المريض ، فضفاض واسع ،
مما زاد من شعور تشي تشاو بالعجز والقلق
و في مثل هذه اللحظات فقط ، كان يدرك هشاشته وضعفه
و مهما قيل في مدحه ، ومهما بلغ من نجاح أستاذه ، فإنه
أمام المجهول يبقى صغيرًا كطفلٍ تائه
فالإنسان ، في مواجهة المجهول ، يظل دائمًا كائنًا ضئيلًا لا حول له
تشي تشاو خاف من أشياء كثيرة : خاف من المضاعفات ،
ومن رفض الجسم للزرع ، ومن الآثار الجانبية ،
ومن أن يُجري فو نان آن العملية ثم لا يرى شيئًا بعدها ،
وما إن فُتحت سدود الخوف حتى جرفته المشاعر بلا رحمة …
اختبأ في حضن فو نان آن، ودفن وجهه في صدره، وصوته
مكتوم وهو يسأل بخفوت :
“ أستاذ… ألا تخاف ؟”
وضع فو نان آن يده على كتف تشي تشاو ، وقال بصوتٍ هادئ :
“ وما الذي يُخيفك ؟”
رفع تشي تشاو رأسه ، وعيناه تلمعان بقلق واضح:
“ ألست خائف أن تفشل العملية ؟
ألست خائف ألا تتمكن من الرؤية بعدها ؟”
كانت نبرته مضطربة ، يموج فيها القلق
امتلأ رأسه بأفكار داكنة لا تهدأ ، حتى لم يعد قادرًا على
التفكير بعقلانية
رفع وجهه فجأة —- يقبّل عيني فو نان آن بارتباك ،
كأنه يبحث عن طمأنينة لا يستطيع الإمساك بها ،
عندها انحنى فو نان آن نحوه ، وردّ عليه بقبلة صامتة ثابتة
وحين ابتعدا قليلاً ، شدّ فو نان آن على كتف تشي برفق :
“ لا داعي لأن تخاف من شيء "
كفّه قوي ، شعر تشي تشاو بسكينة مألوفة
يدرك فو نان تمامًا ما يقلق تشي تشاو ،
لكن في داخله لم يشعر بالخوف مطلقًا —- لم يكن متوتر ،
ولم يشك ،
ابتسم ، وصوته يحمل ثقة راسخة:
“ أنا أؤمن بقدرتك… وأؤمن بفريقك بأكمله ،
هذا مشروع شاركتَ فيه بنفسك ، وقد حاز كل هذا التقدير ،
أؤمن بأنه سيجلب لي النور "
لكن تشي تشاو ظلّ مُصرًّا ، كطفل يرفض أن يُسلّم مخاوفه للسكينة ،
وقال بصوت متصلّب يخفي رجفة قلبه:
“ لكن… ماذا لو فشلت العملية ؟
ماذا لو لم تُتح لك فرصة أخرى للرؤية ؟”
كان يعلم أن الاحتمال ضئيل ، ويعلم أنه غارق في دوامة من
الأفكار السوداء ،
لكنه لم يستطع الإفلات منها…
مدّ فو نان آن يده ، يتلمّس خد تشي تشاو برقة ،
ثم قبّل جفنه قبلة خفيفة ، مليئة بالسكينة والقداسة ،
“ لن تفشل "
كانت كلماته هادئة ، وقبلاته أكثر نعومة ،
لكن صوته يحمل قوة لا تُخطئها الأذن ،
“ لقد نجحتَ بالفعل ، منذ زمنٍ بعيد "
تابع — يهمس بالقرب من أذنه ، كأن كلماته تُنسج ليُطمئن قلبه المضطرب :
“ سواء نجحت العملية أم لا… لقد اعتدتُ العمى
ومعك ، لا يهم إن كنت أرى بعينيّ أم لا ،
طالما أنك بجانبي ، فعالمي مضيئ دائمًا ”
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق