القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch49 احتراق القلب

 Ch49 احتراق القلب



قال الكثيرون إن فو نان آن استعاد بصره بفضل تشي تشاو ، 

وإن تشي تشاو كان مُحسنَه الحقيقي ،

لكن تشي تشاو يعلم أن هذا غير صحيح —- كان يعلم أنه 

لولا فو نان آن ، لما استطاع أن يصل إلى ما وصل إليه اليوم ،


فالحب ، منذ بدايته ، هو إتمام متبادل ، لا إنقاذ أحد للآخر ،

لقد كانا ببساطة الثنائي الأنسب لبعضهما ،

تشي تشاو كان سيكافح بلا كلل من أجل عيني فو نان آن ،

وفو نان آن كان سيُمدّ له يده ، بلطف لكن ثابت — كلما 

تردد أو خاف ،

لم يكن أحدهما يقود الآخر ، بل كانا يسيران معًا ، في الطريق نفسه ،


ومع الأستاذ فو — كان تشي تشاو يستطيع أن يبقى طفلًا إلى الأبد

يستطيع أن يتردد ، أن يخاف ، أن يكون ضعيفًا أحيانًا ،

يستطيع أن يُخرج كل انفعالاته المظلمة ،

وسيظل الأستاذ فو يتسامح معها جميعًا ، بصبرٍ ومحبةٍ ودفء



في الليل ، عانق تشي تشاو فو نان آن إلى صدره وقبّله طويلًا


غرفة المستشفى ساكنة ، يغمرها ضوء القمر الهادئ 

المتسلل من النافذة ،


و بعد القبلات ، اكتفيا بالاحتضان في صمت ،

ذراع فو نان آن تحيط بكتف تشي تشاو ،

وفي عالمهما الصغير ، لم يكن فيه سواهما


لقد كان تشي تشاو مشدودًا إلى أقصى حد منذ زمن —

كان يريد بشدة أن يرى فو نان آن،

حتى تحوّل هذا الرجاء مع الوقت إلى هاجسٍ يثقل أنفاسه


لم يجرؤ على الخطأ ، ولا على الراحة ، ولا حتى على التردد لحظة واحدة


كأن صخرةً ضخمة جاثمة على صدره ،

كأن وترًا مشدودًا حتى نهايته يكاد يتمزق


ذلك الشعور بـ ' يجب أن أنجح '

كان يدفعه للأمام دون توقف ،

ككرمة غليظة تلتف حوله أكثر فأكثر ،

تخنقه ببطء حتى بات التنفس نفسه ذنبًا


كان ذنبًا كبيرًا ، كم أراد أن يرى فو نان آن 


لكن لم يَعُد يهم —-,

قال له فو نان آن أنه لا بأس ،

وقال له إنه ما دام معه ، فهو يرى —-,


كان تشي تشاو يعلم أن تلك الكلمات لم تكن سوى مواساة ،

لكن حين وضع فو نان آن يده على ظهره ،

شعر براحة غامرة لم يعرفها منذ زمن بعيد ،

و عاد خفقان قلبه إلى هدوئه ،

وعاد ما غرق من قلبه إلى مكانه الصحيح 


لم يَعُد بحاجةٍ إلى الخوف ، ولا إلى حمل أي عبء


كانت رغبته في أن يرى فو نان آن صادقة ونابعة من أعماق قلبه


لقد فعل كل ما بوسعه، وبذل غايته

ومهما كانت النتيجة ،

فالأستاذ فو سيظل دائمًا يقف وراءه —-,


عانق أحدهما الآخر بصمت ، دون أن ينطق أيٌّ منهما بكلمة


كان تشي تشاو يظن أن هذه الليلة مقدّرٌ لها أن تكون بلا نوم،

لكن ما إن استلقى إلى جانب فو نان آن، حتى تسلّل إليه النعاس بهدوء


فالبقاء قرب الأستاذ فو كان يشعره بأمانٍ مطلق


يحمل رائحة خشب الصندل التي يحبها تشي تشاو أكثر من أي شيء


و بعد أن عاشا معًا فترة طويلة ، اعتاد جسده على هذه الرائحة ،

حتى أصبح نادرًا يلاحظها بعد ذلك —-,

لقد أدرك أنها أصبحت جزءًا منه —-,

لكن في هذه اللحظة ، وهما مستلقيان جنبًا إلى جنب ،

التقط تشي تشاو بوضوح تلك الرائحة المألوفة

التي طالما ملأته بالسكينة والطمأنينة —-,


و تثاقلت جفونه أكثر فأكثر ،

وأغمض عينيه ببطء

وقبل أن يستسلم للنوم ،

خبأ رأسه في صدر فو نان آن وتمتم بخفوت :

“ سترى يا أستاذ "


وضَع فو نان آن يده بلطف على رأسه ،

وبدأ يمسح شعره الكثيف بحنان ،

“ همم، سأرى "


تساوى تنفّس تشي تشاو شيئًا فشيئًا،

وقال في همس يكاد لا يُسمع : “ بالتأكيد "


وردّ فو نان آن بصوت خافت مطمئن : “ صحيح ، بالتأكيد "



———-



من المقرَّر أن تُجرى الجراحة في الثامنة صباح اليوم التالي


دخل تشي تشاو غرفة العمليات برفقة فو نان آن



وعلى الرغم من أنّ جراحات العيون تُجرى غالبًا تحت 

التخدير الموضعي ،

فقد قرّر الأطباء استخدام التخدير العام نظرًا لحاجة العملية 

إلى شقّ الجسم الزجاجي


تدفّق المخدّر في وريد فو نان آن عبر الأنبوب الوريدي،

وفي اللحظة الأخيرة قبل أن يفقد وعيه،

اتجهت نظراته — مصادفةً أو ربما قصدًا — نحو المكان 

الذي يقف فيه تشي تشاو —-

تمامًا كما قال من قبل:

ما دام تشي تشاو هنا ، فهو يستطيع أن يرى


بطبيعة الحال لم يكن بإمكان تشي تشاو أن يجري هذا النوع 

من العمليات بنفسه


فبوصفه أحد أقربائه ، لم يكن ليختار أن يعمل بيديه على 

عيني فو نان آن ،

خشية أن تؤثر مشاعره على حكمه المهني

لكن بصفته أحد المشاركين في تطوير الشبكية الصناعية ،

كان له شرف حضور العملية كاملة داخل غرفة الجراحة ،

يرى بعينيه تلك الشبكية التي ساهم في ابتكارها

وهي تُزرع في عين فو نان آن


لم يستطع تشي تشاو أن يصف ما شعر به في هذه اللحظة


ارتدى تشي تشاو الرداء الجراحي السميك ، ووقف في 

الصف الأخير بين أفراد الطاقم الطبي


و بدأت العملية خطوةً بخطوة — التخدير ، ثم التحديد ، ثم 

الشقّ — تسير بانضباطٍ تام


تُجرى على يد نخبة من أمهر الخبراء في هذا المجال ،

ولم يكن بوسع تشي تشاو أن يقدّم أي مساعدة حقيقية ، 


لكن في اللحظة التي رأى فيها الشبكية الصناعية ،

التي احتوت بين أجزائها على ثمرة جهده ،

وهي تُزرع في عين فو نان آن،

شعر بشعور غامر بالفخر والإنجاز


لقد كان يعلم أن الأستاذ فو أصبح على بُعد خطوة واحدة 

من أن يُبصر من جديد ،

وأن تلك الخطوة تحمل بين طياتها جهده وآماله جميعًا —-


تتقدّم الخياطة النهائية بسلاسة ،

وبعد أن زال أثر التخدير ،

استيقظ فو نان آن سريعًا


غطّى الأطباء عينه بطبقات من الشاش الأبيض ،

لفّوها طبقة فوق طبقة ،

وثبّتوها عند صدغِه بعقدة دقيقة

كان شكلها للوهلة الأولى يبعث على الابتسام


في كل مرةٍ كان تشي تشاو يزوره ،

لا يستطيع مقاومة الرغبة في لمس الضمادة ،

كأنه يتمنى لو التصقت يده بها إلى الأبد ،

مما كان يثير ضحك فو نان آن وعجزه عن منعه


قال فو نان آن ممسكًا بيده التي امتدت مجددًا نحو الشاش:

“ هل الأمر مضحك إلى هذا الحد ؟ 

لقد عبثتَ بها ثمانمئة مرة اليوم .”


ردّ تشي تشاو بجدية مصطنعة :

“ هل تبالغ ؟ لا أظنها بهذا العدد !”


ثم سحب يده من قبضته ليواصل اللمس بعنادٍ طفولي


وأضاف مبتسمًا: “ فقط أرى أن مظهرك هكذا ممتع جدًا ، 

أول مرة أراك بهذا الشكل .”


تنهد فو نان آن باستسلام لطيف ،

ورفع يده ليلمس طرف الضمادة مع تشي تشاو ،

وقال مازحًا : “ هل يبدو قبيحًا جدًا ؟”


تشي تشاو دحرج عينيه بتمثيل مبالغ ،

وتأمّل وجهه مطولًا بملامح متفحصة ،

ثم قال في النهاية بجملة حاسمة :

“ نعم… قبيحٌ فعلًا "


ضحك فو نان آن، مستندًا على السرير ،

ابتسم :

“ وماذا أفعل إذن ؟ أنا عجوز فعلاً الآن ،

ألا يعني ذلك أن لا أحد سيرغب بي بعد الآن ؟”


ابتسم تشي تشاو أيضاً ، وقال بنبرة جادة مازحة:

“ صحيح، لا أحد يريدك الآن ،

وبعد سنوات ، سيقلّ عددهم أكثر ! ...”

مقلّدًا الأساتذة في كلامهم :

“ أنا الوحيد الذي حصلت عليه عندما كُنتَ شابًا ،

ألا يجب أن تغتنم الفرصة الآن لتتمسك بي أكثر؟”


ضحك فو نان آن :

“ أتمسك ! ، لا بد أن أتمسك بك ! 

وكيفما أراد أستاذ تشي أن أتمسك ، فسأفعل .”


ثم مدّ ذراعه بطبيعية حول خصر تشي تشاو

وقبّل شفتيه


كانت الدعابة بينهما خفيفةً ومرحة ،

ولم يأخذها أيٌّ منهما على محمل الجد


فأيّ قبحٍ يمكن أن يكون في ضمادة تغطي العين؟


و عدد من أُعجبوا بـ الأستاذ فو على مرّ السنين لا يُحصى ،

أما تشي تشاو ،

فقد أحبّه كما هو —

بأي مظهرٍ كان ،

وفي كلّ حالٍ من أحواله ،


السبب الذي جعل تشي تشاو لا يستطيع التوقف عن لمس 

ضمادة فو نان آن

لم يكن مجرد فضول طفولي،

بل لأن ما كان يعنيه حقًا لم يكن الشاش ،

بل العينان الكامنتان تحته ،

العينان اللتان انتظرهما طويلاً ،

واللتان تحملان في نظرتهما قلبه كله ….


و حين تلامس أصابعه الضمادة ،

كان في الحقيقة يلمس عيني فو نان آن ،

ويلمس قلبه ،

كأن بين تلك الطبقات القليلة من الشاش

يكمن حلمُه الطويل ورجاؤه الأعمق …..


لقد انتظرا هذه اللحظة طويلاً ،

تشي تشاو أكثر من أي أحد ،

كان يتوق بشدّة لأن يرى فو نان آن النور من جديد ،


من المقرر إزالة الغرز بعد أسبوع من العملية ،

وخلال هذه المدة ، ستبقى عينا فو نان آن مغطّاة ،


بعد الجراحة ، أخبر الأطباء تشي تشاو أن العملية ناجحة ،

وخلال الفحوص اليومية اللاحقة ،

أكدوا أن التعافي يسير على نحوٍ مطمئن


لكن، كما هو الحال في كل جراحة ،

كانت هناك احتمالات ومخاطر فردية لا يمكن تجاهلها ،

والنتيجة النهائية لن تُعرف إلا بعد إزالة الضمادات


أسبوعٌ واحد — لا طويل ولا قصير —

لكن بالمقارنة مع السنين التي انتظراها من قبل ،

كان هذا الأسبوع بالذات أثقل ما مرّ عليهما ….




في الغرفة المجاورة ، 

توجد طفلة في العاشرة من عمرها تقريبًا ،

أُجريت لها العملية نفسها التي خضع لها فو نان آن


قبل الجراحة قد أعطاها تشي تشاو قطعة حلوى ،

ومنذ ذلك اليوم ، تعلّقت به الطفلة بشدة ،

وأصبحت تأتي يوميًا مع والديها إلى غرفة فو نان آن لتلعب


قالت وهي تشدّ طرف ملابس تشي تشاو : “ غاغا غاغا 

متى أستطيع إزالة هذا ؟”


وعلى عينيها نفس الضمادة التي تغطي عيني فو نان آن


أجابها تشي تشاو مبتسمًا :

“ همم… عليكِ أن تنتظري قليلًا بعد ،

أتعلمين ؟ الأميرة في الرسوم المتحركة لا تظهر إلا في النهاية ،

تجعل الجميع ينتظرونها ، 

وأنتِ أيضًا ، عيونكِ جميلة مثل عيون الأميرة ،

لذا يجب أن تنتظري قليلًا لتتألق أكثر .”


فتحت الطفلة فمها بدهشة سعيدة:

“ حقًا ؟ وااااااااو !!! يعني عندما أُزيلها أصبح أميرة؟

حسناً ، أنا أستطيع أن أنتظر!”


لكن بعد دقيقتين فقط، عادت لتسأل بحماس جديد :

“ هل دقيقة كافية ؟ أو خمس دقائق ؟”


ضحك تشي تشاو ، وربّت على خدّها بلطف :

“ لا، يا صاحبة السمو "


في عالم الأطفال ، الدقيقة الواحدة تُشبه الأبدية ،

يعدّونها على أصابعهم ،

ينتظرونها بشغفٍ لا نهاية له ،

والحال أن تشي تشاو كان ينتظر بالقدر نفسه —

يعدّ الثواني كما تفعل هي،

يرجو اللحظة نفسها ، بصمت 


أما فو نان آن —- فبقي هادئًا كعادته ،

بملامح ساكنة وابتسامة مطمئنة ،

كأنه لا يكترث لموعد إزالة الضمادات على الإطلاق


وبعد أن غادرت الطفلة مع والديها وقد أنهكها اللعب ،

اقترب تشي تشاو من السرير ،

ومدّ يده من جديد ،

ليلمس ضمادة فو نان آن برفقٍ كما لو أنها كنزًا ثمين


سأل تشي تشاو بصدقٍ تام وقد بدا عليه الاستغراب : 

“ كيف يمكنك ألّا تشعر بالقلق إطلاقًا ؟”


حين كانت الطفلة في الغرفة ، كان فو نان آن موجود أيضًا، 

يشارك في تهدئتها بصوت هادئ ،

وكأن العملية لم تُجرَى له قط ، 

وكأنه لا يضع ضمادة على عينيه ، 

بل مجرّد متفرّج لا علاقة له بالأمر ،


ضغط تشي تشاو بأصابعه على طرف الضمادة ، وتمتم بصوت خافت :

“ أنا أموت قلقًا ، كيف يمكنك أن تبقى هادئًا هكذا ؟”


ضحك فو نان آن ومدّ يده ليمسك بيد تشي تشاو ،

تحسّسها بأطراف أصابعه ثم شبك بين أصابعهما قائلًا:

“ ومن قال إنني لست قلق ؟”

ثم أضاف بصوت خافت :

“ أنا قلق ، لكنك لا تعرف إلى أي حدٍّ أنا قلق "


كان الأستاذ فو بطبعه لا يُظهر مشاعره بسهولة ،

نادر ينتظر شيئ بتلهّف ،

باستثناء هذا الأمر الوحيد —

الرغبة في أن يرى ——


قبل قليل ، حين كانت الطفلة تثرثر في الغرفة ،

سألتها أمها عمّا تريد أن تراه بعد إزالة الضمادة — 

فأجابت الصغيرة بحماس:

تريد أن ترى ألعابها ، وتريد أن تشاهد الرسوم المتحركة ، 

كانت لا تزال صغيرة ، لم تدرك تمامًا ما تعنيه كلمة ' الرؤية '


لكن فو نان آن كان يدرك ذلك أكثر من أي أحد


كان يعلم أن ' الرؤية ' لا تعني فقط تسهيل الحياة اليومية ،

بل تعني أن تلمس وتُدرك بصدقٍ أكبر

كل الأشياء والأشخاص الذين تحبهم


لقد كان فو نان آن يتوق إلى رؤية تشي تشاو منذ سنوات ——


أراد أن يرى الغمازة التي طالما مدحها الجميع ،

وأن يرى شعره الكثيف الناعم ،


لقد حاول طيلة تلك السنوات أن ' يُبصره ' بحواسه الأخرى ،


أن يتخيله من خلال اللمس والصوت والرائحة ،

لكن ذلك لم يكن كافيًا أبدًا


أراد أن يراه بعينيه ،

أن يطبع صورته في أعماق ذاكرته البصرية ،

عندها فقط سيشعر أن الصورة قد اكتملت حقًا


في الأيام الأولى بعد الجراحة ،

كان نظره ما يزال مشوشًا مضطربًا ،

ليس بسبب الضمادة فحسب ،

بل لأن دماغه لم يتلقَّى إشارات بصرية منذ زمن طويل ،

وكان عليه أن يتعلّم من جديد معنى أن ' يرى '


يوم يمرّ… ثم آخر —-


و عيناه لا تزالان معصوبتين ، لكن فو نان آن بدأ ببطء يدرك 

حركة الظلال من حوله ——


الضمادات كثيرة الطبقات ، إلا أن الضوء يتسلّل من خلالها


فتح فو نان آن عينيه على اتساعهما تحت الشاش ، 

راغبًا في أن يخترق الضوء أكثر فأكثر —-




مرّ الأسبوع ، 

وأخيرًا جاء اليوم الذي ستُزال فيه الضمادات


قبل يومين ، كان الأطباء قد رفعوها مؤقتًا لتبديل الشاش ، 

لكن الشعور حين تُزال كليًّا كان مختلفًا تمامًا


الضوء الذي لامس عينيه كان ساطعًا على نحو مؤلم


لم يرَه منذ زمن طويل حتى آنّه أغمض عينيه غريزيًا


تشي تشاو واقف إلى جواره ، ولما رأى ذلك أسرع بالإمساك 

بيده ، ونظر إليه بوجه متوتر :

“ أستاذ !! كيف تشعر الآن ؟”


أراد تشي تشاو أن يلوّح بيده أمام عيني فو نان آن ليتأكد ، 

لكنه لم يجرؤ


لم يكن بينهما الآن سوى مسافة قصيرة ، فبقي محدّقًا في 

عيني فو نان آن، يراقب كيف بدأت بؤبؤتاه الرمادية 

تستعيدان لمعة خفيفة ، 

وكيف ظهر انعكاس صورته فيهما


تحرّكت شفتا تشي تشاو قليلًا ، وصوته يرتجف وهو يهمس:

“ هل… هل تستطيع أن تراني ؟”



كان توتره شديد حتى إنّ أنفاسه تباطأت ، 

وكأن قلبه على وشك التوقف


رآى — رأى أن فو نان مد يده إلى الفراغ بينهما ، ولمسه 

برفق على خدّه


أصابع فو نان آن باردة قليلًا ، مرّت على بشرته ، ثم لمس عين تشاو 

قال بصوت خافت :

“ هذه … عينك "


لمس أنفه بخفة :

“ وهذا … أنفك "


وأخيرًا ، مرّ بأصابعه على شفتيه :

“ وهذا… فمك "


بدأت أصابعه تتبع ملامحه ببطء ، 

بلمسات مترددة كأنه يحفظ ملامحه من جديد


فتح فو نان آن عينيه بشوق جارف ، 

كأنه يريد ابتلاع هذا المشهد بعينيه ،

و كأن الزمن في هذه اللحظة متجمّد — لا شيء يتحرك 

سوى أصابعه وضوء يتنفس بينهما


لم يرَى فو نان آن منذ زمن طويل، لذا كان من الصعب على 

دماغه أن يشكّل صورًا كاملة لما يراه


استغرق وقتًا طويلًا ليستوعب ما أمام عينيه


أصابعه تلمس وجه تشي تشاو مرارًا وتكرارًا ، 


يتحسس الملامح ليتعرّف عليها من خلال اللمس


يداه ترتجفان أيضًا


توقفت تلك اليد المرتجفة على خدّ تشي تشاو ، 

عند مسافة لا تتجاوز ثلاثة سنتيمترات من زاوية فمه


التوتر يملأ وجهيهما معًا، 

ولم يجرؤ أيٌّ منهما على إصدار صوت


ضغط فو نان آن بأصابعه على النقطة إلى جوار فم تشي تشاو ، يفركها برفق وقلق ، 

كأنه يبحث عن شيء مفقود

عبس قليلًا وقال بصوتٍ مبحوح:

“أين غمازتك؟ لما … لا أراها ؟”



في هذه اللحظة امتلأت عينا تشي تشاو بالدموع فورًا


أدرك عندها أن فو نان آن يستطيع أن يرى حقًا


شعر بوخز في عينيه ، وارتجفت شفتاه بابتسامة مرتعشة ، 

فظهرت الغمازة أخيرًا



قال وهو يبكي ضاغطًا يد فو نان آن علو مكان الغمازة بقوة :

“ هنا… أستاذ ، هل تراها ؟ هل تراها حقًا ؟ إنها هنا !”


ظل يكررها مرارًا ، يوجّه يد فو نان آن إلى الغمازة مرّة بعد أخرى


احمرّ جلده من كثرة اللمس ، وانتشرت فيه لسعة ألمٍ 

خفيفة ، لكنه لم يشعر بشيء


قال فو نان آن بهدوءٍ بعدما طال الصمت ، وأصابعه لا تزال على بشرته:

“ لقد احمرّت… لقد جعلت هذا المكان أحمر من كثرة ما لمسته ، لكنها مع ذلك…”

توقف لحظة ، وضغط بأنامله بلطف على الغمازة الصغيرة ، 

ثم أكمل بصوت خافت كأنه يخاطب حلمًا تحقق :

“…  جميلة ،، جميلة جدًا ”

— { أجمل مئة مرة مما كُنت أتخيلها في أحلامي }


يتبع


دموعي انتهت 🫶🏼

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي