Ch80 برج الأبروش
بعد أن أعاد فانغ هاو طلاء سيارته في ورشة الـ4S
نسي لو جياوي تمامًا تقريبًا ،، ثلاث سنوات من التعافي ،
وطبقة الطلاء الجديدة بدت وكأنها النقطة الأخيرة في نهاية السطر ،
بالنسبة له، كان قد أنهى واجب التعافي العاطفي وسلّمه بالفعل ،
أما تشن جيايو فكان مختلفًا تمامًا عن لو جياوي ،
كان يحمل نوع آخر من الشغف الرومانسي—
ذلك الذي يظهر في الإيماءات الكبيرة : تخطيط المواعيد ،
تنظيم الرحلات ، والاندماج بسلاسة في عالم فانغ هاو وكأنه
فرد من العائلة ، يصنع روابط وثيقة مع فان رولان وفانغ شنغجي ،
و يظهر أيضًا في التفاصيل الصغيرة : في فضوله الذي لا
ينتهي تجاه فانغ هاو ، سواء يتعلق الأمر بالمشاعر ،
بالجسد ، أو بالروح ،
ورغم أن فانغ هاو قد سار في رحلة التعافي تلك بمفرده ،
إلا أن وجود شخص مثل تشن جيايو يحبه بلا تحفظ ،
ساعد فعلًا في تسريع العملية ،
لقد ظنّ أنه ربما سيقابل لو جياوي يومًا ما مجددًا ،
لكن لم يتوقع أبدًا أن يحدث الأمر بهذه الطريقة ——-
⸻
كل شيء بدأ في الصيف ، عندما اقترب عيد ميلاد لانغ فنغ
الثلاثين —-
بما أن تشو تشيتشن كان يقيم في بكين ، صار لانغ فنغ
يسافر إلى هنا كثيرًا ، فاقترح تشو أن يحتفل بعيد ميلاده في العاصمة
لم يكن أيٌّ منهما غريبًا عن حياة السهر ، فقال تشو إنه
سيأخذ لانغ فنغ ليتعرف على أماكن السهر في بكين،
وجرّه إلى حانة ديستني ودعا مجموعة من الأصدقاء —
ومن بينهم تشن جيايو وفانغ هاو
لم يذهب فانغ هاو إلى حانة منذ فترة طويلة —
كان يفعل أحيانًا عندما كان أعزب ، لكن مع العمل انشغل ،
ثم وقع في الحب ،
وبحسب ما قاله تشو تشيتشن صار هذه الأيام “ملتصقًا
بتشن جيايو في البيت كل ليلة "
( حانة ديستني قد تم ذكرها في البداية مع غو تشون )
لذا عندما وصلته الدعوة ، وافق فانغ هاو بسعادة ،
بل وصنعوا تاج عيد ميلاد للانغ فنغ وأصروا أن يرتديه في الحانة
وحين وصلوا ، كان أغلب الناس قد جلسوا يتحدثون في
المقصورة ، بينما توجه لانغ فنغ إلى البار ليطلب مشروبات للجميع
وبينما يطلب ، بدأ يتصفح هاتفه عرضًا ، حينها جاء رجل
يرتدي بدلة وبدأ محادثة بالإنجليزية
لانغ فنغ خمن أن الرجل لاحظ أن هاتفه مضبوط على اللغة
الألمانية ، فردّ عليه بالصينية
كان الرجل سلس الكلام و بدأ بعبارة مرحة : “عيد ميلاد سعيد !”
ثم انتقل لأسئلة عابرة عن عمله ، ولماذا هو في بكين ،
ولأنه لم يكن لديه ما يفعله أثناء الانتظار ، ولأن الرجل لم
يكن متطفلًا ، جارى لانغ فنغ الحديث ،
وعندما ذكر أنه طيار ، بدا الاهتمام واضحًا على الرجل وقال:
“ أوه ؟ لدي صديق يعمل أيضًا في المطار .”
مع وجود عشرات الآلاف من الموظفين في المطارات ،
اعتبر لانغ فنغ ذلك مجرد دردشة عابرة ولم يسأل أكثر ،
وبحلول الوقت الذي وصلت فيه المشروبات ، لم يُظهر
الرجل أي نية للمغادرة ، فعرض لانغ فنغ قائلًا : “ هل تود أن
تأتي وتتعرف على أصدقائي ؟”
بصراحة كانت خطة ذكية —- فبمجرد أن يصلوا إلى الطاولة
ويرى تشو تشيتشن، سيكون بوسعه أن يقول ببساطة ' هذا
حبيبي ' ويجعل الأمر واضحًا أنه مرتبط بالفعل
وافق الرجل ، لكن ما إن قادَه لانغ فنغ إلى الطاولة حتى
اسودّت وجوه ثلاثة أشخاص ———-
و فانغ هاو أولهم —- تغيّر تعبيره إلى السخط لأنّ—اللعنة—
إنه لو جياوي —-
كان ينبغي أن يتوقّع ذلك —- فحين كانا معًا ، كان لو جياوي
يعشق زيارة هذه الحانة ، أمّا لانغ فنغ — بوسامته وتاج عيد
ميلاده ، فقد بدا كمنارة لافتة للأنظار ،
ومن الطبيعي أن يلفت انتباه أحد ما
ثانيهم كان تشن جيايو —- فبمجرد أن رأى ملامح فانغ هاو
تتغيّر ، أدرك أن هناك خطبًا ما—إذ لم يكن فانغ هاو يومًا
بارعًا في إخفاء مشاعره ، وقبل أن يفكر ، امتدت يده غريزيًا
لتستقر بحماية على ظهر فانغ هاو وكتفه ——
أما الثالث ، فكان تشو تشيتشن —- بدت الدهشة على
وجهه أكثر من أي شيء آخر — فقد خرج لانغ فنغ فقط
ليجلب المشروبات ، فكيف عاد ومعه شخص غريب ؟
ساد الصمت الطاولة بأكملها
وكان لو جياوي أسرعهم استعادة لرباطة جأشه ، فسوّى ملامحه قائلًا:
“ فانغ هاو .. يا لها من مصادفة ... أنت صديق إيفان ؟”
في هذه اللحظة ، تعذّر القول أيّ وجه قد ازداد سوادًا أكثر من الآخر
و فانغ هاو أول من تكلّم ، وما إن فتح فمه حتى أكّد ما
خمّنه تشن جيايو من قبل
قال ببرود : “ لو جياوي ألديك ما تقوله ؟”
في الحقيقة لم يكن ينوي التكلّم ، لم يكن يرى أنّ الأمر
يستحق العناء ،
لكن ثِقَل يد تشن جيايو على كتفه جعل قلبه يخفق ،
وأضفى عليه قوة هادئة غريبة
أما لو جياوي الانتهازي كما عهده ، فقد تأقلم سريعًا وعدّل نبرته قائلًا :
“ لا أمانع محادثة قصيرة "
فانغ هاو لم يلتفت إليه ، واقترب نحو تشن جيايو قائلًا:
“ سأخرج قليلًا .”
وبما أنّه كان يجلس في أعمق مكان في المقصورة ،
كان يحتاج من تشن جيايو أن يفسح له المجال ليخرج
وقف تشن جيايو دون أن يقول كلمة ، لكن عينيه لم تفارقا لو جياوي ،
وكان أطول قامةً منه ، وهذا وحده منحه حضورًا مهيبًا ،
وتحت هذه النظرة الحادّة المباشرة ، تماسَك لو جياوي
لثانيتين أو ثلاث—ثم أبعد بصره بعيدًا
تحرك فانغ هاو خارج المقصورة ونهض واقفًا ، وقبل أن
يظن تشن جيايو أنه سيغادر ، توقّف فجأة ، ووضع يده على
كتف تشن جيايو ، بهدوء قال:
“ دعني أقدّمه إليك ... حبيبي تشن جيايو "
حافظ لو جياوي على تظاهره ، ومدّ يده لمصافحة
لكن تشن جيايو لم يتحرّك —- تركه مُعلَّق اليد ثلاث ثوانٍ
كاملة أمام أنظار الجميع — وأخيرًا مدّ يده
لكن في اللحظة التي التقت فيها كفيهما ، انحنى تشن جيايو
قليلًا وهمس بصوت لم يسمعه سواهما:
“ أصافحك احترامًا لفانغ هاو ، أنت لا تستحق ذلك "
و تحت أنظار المذهولين حول الطاولة ، استدار فانغ هاو
وغادر ، ولو جياوي يتبعه من خلفه
تشو تشيتشن أول من عاد إلى رشده ، فمال نحو لانغ فنغ وقال:
“ التقينا بالحبيب السابق ...”
ثم حوّل نظره إلى تشن جيايو وسأله:
“ ما الذي قلته له؟”
أومأ تشن جيايو برأسه من غير أن يُجيب
تلك العبارة—أنت لا تستحق—لم تكن سرًا تمامًا، لكنه لم
يكن واثقًا من مقدار ما يعرفه تشو تشيتشن ولانغ فنغ عن
الماضي الذي مرّ به فانغ هاو ،
لم يرغب في أن ينبش جراحه وهو غير حاضر
أمّا لانغ فنغ، فما زال متأثرًا بالحرج الذي سبّبه الموقف برمّته ،
ولم يطل الوقت حتى أوضح أخيرًا لتشو تشيتشن:
“ لقد رفض أن يرحل ، فاعتقدت أنّ عليّ أن أوضّح له أنّ
لديّ حبيب ، وأن يبحث له عن مكان آخر يغازل فيه .”
لكن تشو تشيتشن تجاوز كلامه ذلك كلّه ، وركّز على تفصيل واحد :
“ ولماذا ناداك بـ (إيفان)؟” سأل وهو يرفع حاجبيه
ولو لم يكن على دراية بأسماء جميع علاقات لانغ فنغ
السابقة ، لظنّ أنّ بينهما علاقة قديمة
فأجاب لانغ فنغ صراحةً :
“ لم أرغب أن أبوح له باسمي الحقيقي .”
عندها رماه تشن جيايو بنظرة حادة وقال :
“ ومن بين جميع الناس ، وجد أن يغازلك أنت بالذات ”
رمش لانغ فنغ بدهشة :
“ لقد ذكرتُ أنني طيّار ، فقال : لديّ صديق يعمل في المطار
أيضًا… لحظة ، أكان يقصد فانغ هاو ؟”
عند ذلك انقبض فكّ تشن جيايو وقال بغضب مكتوم:
“ قمة الحقارة ” ثم لفظها بغضب لم يستطع كبته هذه
المرة: “ سنتان كاملة من العلاقة و اختصرها بجملة تافهة ليُغازل بها .”
تشو تشيتشن:
“ خير لكم أن تكشفوا حقيقته متأخرين على ألّا تكتشفوها أبدًا ….”
ثم ابتسم بخبث ونظر إلى تشن جيايو قائلاً :
“ أتود أن توجه له ضربة ؟ سأراهن عليك .”
وضع تشن جيايو كأسه على الطاولة بصوت مسموع وقال :
“ الأجدر بك أن تراهن على فانغ هاو أنه من سيضرب أولًا .
وإن فعل ، فأنا أول من يقف في صفّه . وأنت الثاني .”
ولم يكن مخطئًا— فانغ هاو دومًا أسرع غضبًا وأقصر صبرًا
…..
وعلى الجانب الآخر من الجدار ، في الساحة المخصّصة
للتدخين ، وقف فانغ هاو وجهًا لوجه أمام لو جياوي
لم يكن يدخّن ، ولا أشعل سيجارة حتى ، لا يعرف حقًا ما
الذي يريد أن يقوله
لقد تخيّل هذا الموقف عدة مرات — ما عساه أن يفعل لو
تقابلا مجددًا ،
وكان جزء منه يعتقد أنّه لم يعد ثمة ما يقال ،
لكنّ الواقع الآن أنّ المواجهة قد وقعت بالفعل ،
واللحظة حاضرة ، فشعر أنّ الأمر يستحق أن يُطرح ،
وأن تُكشف الأوراق على الطاولة ،
بما أنّهما قد اجتمعا، فلا بد من قول كل شيء —-
بدأ فانغ هاو بنبرة غير معتادة في مباشرتها ،
و نظر مباشرةً إلى لو جياوي وقال : “ لا حاجة للمجاملات ،
في الحقيقة يوجد شيء واحد فقط أريد قوله لك ،،
حين سألتك لماذا خنتني ، ولماذا انفصلنا ، أعطيتني قائمة
طويلة من الأسباب— أنني كنت سلبي جدًا ، وأنك تحب
التسويف ، وأنني انتقلت من منزلك…
لكن أياً من ذلك لم يكن أساس الموضوع ،
تلك لم تكن سوى أعذار أو مبررات اخترعتها لنفسك ،
السبب الحقيقي ، كما أراه الآن ، أنك ببساطة لم تكن
الشخص المناسب ،
لم تحبني بما يكفي ، ولم تملك الشجاعة للاعتراف بأنك
أنت من أخطأ .”
أما لو جياوي فلم يعد كما كان قبل ثلاث سنوات ،،
ربما لأن هذا الموقف باغته تمامًا — هو الذي طالما كان
حادّ اللسان ، سريع البديهة ، سلس الكلمات — ظلّ صامتًا
لفترة طويلة
وحين تكلم أخيرًا ، جاء صوته هادئًا على نحو مقلق :
“… أريد أن أعتذر "
لوّح فانغ هاو بيده باستخفاف : “ لا داعي ، لقد لعبت بعقلي
لعامين كاملين ، أما الآن فقد فهمت الأمر ، لم أعد أبالي .”
لو جياوي : “ إذن… هل يعني ذلك أنك قبلت الأمر ؟”
ضحك فانغ هاو ضحكة صغيرة : “ هل يهمّ ؟
الضرر وقع منذ اللحظة التي توقفتَ فيها عن حبي لكنك
واصلتَ جرّ الأمور ،، إن أردت أن تصدق أنني قبلته لتشعر
بتحسّن ، فلا بأس ، اعتبره مقبولًا ، لكن من الآن فصاعدًا ،
لن تتقاطع طرقنا مرة أخرى ، فلتفكر بما تشاء .”
وبهذا ، استدار ومشى دون أن ينتظر رد
لم يستغرق الحديث كله سوى بضع دقائق
أما بالنسبة لفانغ هاو، فقد بدا الأمر كإفراغ سلة مهملات—
ما يحدث بعد ذلك، سواء جاء أحد ليجمعها أم لا، لم يعد يعنيه
————————
قرب الواحدة بعد منتصف الليل ، كان فانغ هاو وتشن
جيايو أول من غادروا حانة ديستني
وبمجرد أن أصبحا وحدهما في الخارج ، لم يسأل تشن
جيايو عمّا دار بينه وبين لو جياوي ، و اكتفى بسؤاله :
“ هل تشعر بتحسّن الآن ؟”
أومأ فانغ هاو : “ نعم . بصراحة ، سواء تحدثتُ الليلة أو لم
أفعل ، الأمر نفسه ...” ثم أضاف بنصف ابتسامة :
“ لكن أنت… فوجئتُ حقًا أنك كدتَ ترفض مصافحته ،،
للحظة ظننتُ أنك ستضربه ”
ضحك تشن جيايو ضحكة قصيرة ، و بعد صمت طويل، قال
بصوت مكبوت:
“ سواءً أراد أن يحافظ على كرامته أم لا، فذلك شأنه ،،
لكنني لم أكن لأستخدم أسلوب المجاملة .”
فكر فانغ هاو قليلًا و بهدوء:
“ تعلم… الارتياح الذي أشعر به الآن… ليس بسبب ما قلته
له الليلة ،، لطالما ظللتُ أبحث عن إجابة ،،
لماذا توقف عن حبي ؟ هل كان خطأ ارتكبته أنا ؟
أم الظروف ؟ لكن في النهاية ، كانت الإجابة أبسط من كل ذلك ،،
لقد كان هو الشخص الخاطئ ، واتخذ القرار الخاطئ .
وأيضاً كنت أبحث عن نهاية مغلقة . في البداية ظننت أن
النهاية كانت حين أجلسني وقال لي عبارة ’لننفصل‘
ثم ظننت أنها حين حذفتُ رقمه من هاتفي ،
ولاحقًا ، ظننت أنها حين التقيت بك ودخلنا في علاقة ،
لكن لم يكن أيّ من ذلك نهاية حقيقية .”
توقف تشن جيايو عن السير ، واستدار ليواجهه كليًّا، منصتًا بكل اهتمام
تابع فانغ هاو:
“ النهاية الحقيقية… كانت أن أراه مجددًا وجهًا لوجه—
وأدرك أنني لم أشعر حياله بأي شيء على الإطلاق ،
لقد أصبح صغير وتافه في قلبي ، صغير إلى درجة أنه لم
يعد يعني شيئ . هذه هي النهاية حقاً .”
لم يمشيان سوى بضع خطوات ، وسحب تشن جيايو فانغ
هاو نحوه بذراع التفّت حول كتفيه ، ثم التفت بنظره إلى
الخلف نحو النادي
تشن جيايو:
“ لقد كان الشخص الخاطئ، ولم يعد يعني شيئ ،،
أنا من كُتب له أن يكون معك .”
وعندما سمع فانغ هاو ذلك ، مرر ذراعه حول خصر تشن
جيايو وجذبه إليه
وخلفهما ، إنارات النيون لنادي ديستني تومض بشكل خافت
في زقاق مظلم ، يلقي بوهجٍ لطيف في عتمة الليل ،
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق