القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch91 ffb

Ch91 ffb



: “ من ذلك الشاب ؟ أهو من ' تقويم العام الجديد ' ؟” 

سألت السيدة شي بنبرة مازحة وقد بدا عليها الحماس ، 

“ هل تريد أن أساعدك بالتغطية ؟”


( علاقة جديدة ) 


فتح يو شولانغ باب السيارة ونزل ، ثم قال لها بنبرة متعبة : “ السيدة شي أرجوكِ اعفيني هذه المرة ”


كانت سيارة المرأة لافتة للنظر ، أضواؤها الأمامية الساطعة 

جذبت انتباه الشابين الواقفين وجهاً لوجه ، 

فالتفتا لا إراديًّا نحوها


ذلك الشرود في العيون انطفأ سريعاً ثم عاد ، وما إن نزل يو 

شولانغ من السيارة حتى انجذبت أنظارهما إليه كأن بينهما مغناطيس خفي


وقف تشين تشييانغ باستقامة ، وجهه جامد خالٍ من التعبير ، 

وبدأ يعبث بأصابعه في طرف بنطاله ثم بادر بالنداء : 

“ الأخ يو "


أما فان شياو فبقي على هيئته السابقة ، مستنداً بتكاسل 

على دراجته النارية ، 

عيناه كسولة ، انتقل بصره من يو شولانغ إلى المرأة في 

مقعد السائق


تبدّلت نظرته الاستكشافية إلى ابتسامة مهذّبة ، 

ثم أومأ إليها كما يفعل عند لقاء أحد المعارف


بادلتْه المرأة الابتسامة ، لكنها استوقفت يو شولانغ وهو 

يهمّ بالابتعاد عن السيارة ، 

وأسندت ذراعها إلى المقود ، مائلة قليلاً للأمام ، تخفض صوتها :

“ إن كان لا بدّ أن تختار ، فاختر من تقويم العام الجديد ، 

أما ذلك القديم الجميل المظهر ، فصدقني ليس سهلاً التعامل معه .”


انحنى يو شولانغ قليلاً وساعدها في ربط حزام الأمان ، ثم قال بهدوء :

“ عينكِ دقيقة يا سيدة شي 

لكن القديم والجديد… لا أريد أيًّا منهما .”


هزّت كتفيها مبتسمة ، وفي عينيها لمعة شماتة خفيفة 

باتجاه فان ، ثم أدارَت المحرك وغادرت بانسياب


ضغط يو شولانغ أصابعه على معدته ، وأخذ نفسًا عميقًا 

ثم التفت إلى الاثنين المقابلين له


سأل ببرود : “ هل هناك شيء؟”


سبق تشين تشييانغ في الرد وقال بسرعة : 

“ الأخ يو جئت أعتذر منك "


أومأ يو شولانغ برأسه دون أن يسأل عن السبب ، 

وأجاب ببساطة : “ حسنًا، فهمت .” ثم أشار برأسه نحو فان شياو قائلًا :

“ وأنت ؟”


عندها فقط عدّل فان شياو وضعه ، فاستقام واقفًا بعدما 

كان متكئًا ، وجسده يحجب علبة الكعك المعلّقة على 

مقبض الدراجة


قال بصوت هادئ :

“ لا شيء، مررتُ من هنا فحسب .”

ثم نظر على ملامح يو شولانغ كأنه يرسمه بعينيه 

ثم عبس فجأة :

“ أأنت بخير ؟ تبدو متعبًا .”


أجابه يو شولانغ ببرود وهو يتحاشى النظر إليه :

“ طالما أنه لا شيء ، فلا تعرقل الطريق .”

ثم تجاوزهما ومشى بين الاثنين دون أن يلامس طرف أيٍّ 

منهما ، متجهًا نحو عمق المجمع السكني


تابع فان شياو بعينيه ذلك الجسد النحيل يبتعد بخطوات 

متسارعة ، وانعكس في عينيه قلق خافت

وبينما هو غارق في فكره ، سمع صوت تشين تشييانغ يقول 

بنبرة متحفظة تنضح بالسخرية:

“ ألست جئت لتوصيل الكعك ؟ 

رأيته وجهًا لوجه ، ومع ذلك لم تجرؤ حتى على قول كلمة واحدة . 

يبدو أنك لست بتلك القوة .”


لم يكن فان شياو معروف بالرحمة تجاه من يعدّهم 

خصومه في الحب، فكيف إذا تجرّأ أحدهم على استفزازه وجهًا لوجه ؟

ربّت على الغبار المتراكم على ملابسه بسبب ركوب الدراجة، 

ثم ردّ بلا مبالاة:

“ أيها الصغير ، هو غاضب الآن ، فاحذر أن تثيره أكثر ، 

وإلا سينالك بعض اللوم .

صحيح أنني لست شيئًا عظيمًا ، لكنني على الأقل عشت 

معه يومًا بعد يوم ، وأعرفه أكثر منك .”


تجمّدت ملامح تشين تشييانغ، والنداء بـ”أيها الصغير” كأنّه 

لمس موضعه الحساس


لم يكن من النوع المتسامح، وكان يعرف كيف يطعن حيث 

يؤلم أكثر

قال بنبرة باردة كحكم يصدره قاضي :

“ صحيح ، أنت تفهمه أكثر ، ولهذا تعرف بالضبط كيف 

تؤذيه ليعاني أشدّ الألم ، 

الجروح تلتئم مع الزمن ، لكن الوجع يبقى في الذاكرة ،

كل مرة يراك فيها الأخ يو سيتألم من جديد ،،

لهذا السبب يا فان شياو لن تحظى أبدًا بفرصة للعودة إليه"


كان فان شياو حليق الرأس ، عيناه تلمعان ببرد الحديد ، 

بدا أكثر حدة من أي وقت مضى ،

تغيّر لون وجهه ، ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة، 

ساخرة كمن يخاطب طفلاً:

“ كل ما قلته صحيح ، والآن إن انتهيت ، فغادر . 

أولئك الفتية يدورون حول سيارتك الرياضية منذ دقائق ، 

أخشى أن ينقشوا عليها بعض الكلمات الطائشة ، ولن يبدو 

المنظر جميلًا ”



شعر تشين تشييانغ كأنّ لكمة أصابت صدره مباشرةً ، 

وأيقظت داخله ذكريات مريرة كان يدفنها ،

لكنه كبَتَ غضبه ، وقال بنبرة هادئة ظاهرًا :

“ الأخ يو هو حبي الأول ، ولن أتخلى عنه ”


كان فان شياو ينظر إليه مثل رجل انزعج من جرو صغير 

يعضّ ساقه بلا هوادة ، 

شعر بالضيق ، أراد إشعال سيجارة لكنه تردد ، 

فاكتفى بإخراج واحدة ولعب بها بين أصابعه :

“ يا صغير دعني أوضح لك شيئ . الحب الأول ، على الأقل ، 

يجب أن يكون متبادلًا ، 

إن كنت وحدك من يحب ، فهذا يُسمّى حبًّا من طرف واحد فقط

شانغليان كانت كذلك ~ ، وإلا لما صبرت في كوخها البارد 

ثمانية عشر سنة .”


تلون وجه تشين تشييانغ بين الأزرق والرمادي ، 

ومن اشتهر منذ صغره بكونه “ناضجًا قبل أوانه” بدأ يفقد 

اتزانه اللفظي ، فانفجر قائلاً :

“ أنا أصغر منك ، وأغنى ، وأوسم ! 

حتى لو كان حبي من طرف واحد ، فطريقي ما زال مفتوح . 

أما طريقك أنت… فقد أغلقته بنفسك منذ زمن !”



كلمات تشين تشييانغ رغم سذاجتها ، خرجت من فمه بنبرة 

رزينة متماسكة ، حتى إنّ فان شياو لم يستطع إلا أن يُقرّ له 

ببعض الإعجاب


كان يرتدي زيّ العمل ، في هيئة متحرّرة أنيقة ، فرفع يده 

مشيرًا إلى مجموعة من الأطفال غير البعيدين عنه

وقال مبتسمًا :

“ تعالوا يا صغار ، احكموا بيننا ، من منا الأوسم ؟”


ابتسم ابتسامة ودودة ، ثم ربت بخفة على هيكل دراجته النارية ، والإشارة كانت واضحة :

' اختاروني ، وسآخذكم في جولة ' ~


تلألأت أعين الأطفال حماس ، وكادوا يجيبون ، لكن الرجل 

الآخر ـ تشين تشييانغ ـ سبقهم بخطوة

طرق بيده على سيارته الرياضية ، وضغط على جهاز التحكم عن بعد ، 

فانكشف سقفها الكهربائي ببطء ، في مشهد يلمع بالغرور


فصاح الأطفال بصوتٍ واحد :

“ أنت الأوسم ! أنت الأوسم !”


رفع تشين تشييانغ حاجبيه ونظر إلى فان شياو بابتسامة 

نصر خفيفة تتسلل إلى وجهه


فانفجر فان شياو ساخطًا والسيجارة تتدلى من شفتيه:

“ اللعنة ! سطحيين !”


جلس الأطفال في السيارة الرياضية المبهرجة ، وعلى وجه 

تشين تشييانغ الذي كان قبل قليل متجهّمًا، ظهرت ملامح رضا وانتصار


أدار المحرك وأمسك المقود ، لكنه فوجئ بيدٍ قوية تعترض طريقه 


فان شياو قد أسند ذراعه على الزجاج الأمامي للسيارة ، 

ويده الأخرى تمسك الباب بإحكام ، 

وانحنى قليلاً وهو يقول بصوت خافت :

“ إن كنتَ حقًا تريد حماية يو شولانغ

فعليك أن تبتعد عنه ”


تشين تشييانغ:

“ لماذا ؟”


رد فان شياو ببرود عميق :

“ لأنك مجنون صغير ، وأنت وأنا من طينة واحدة ، 

لكنّي لن أسمح بعد اليوم لأي أحد أن يؤذيه .”


: " ……."



بعد فترة وجيزة ، عاد يو شولانغ من منزل الجيران ومعه الصغير تيانتيان


قرأ الطفل قليلًا ، استحمّ، ثم خلد إلى النوم في موعده المعتاد ، 

وترك على خدّ يو شولانغ قبلة و “ تصبح على خير” دافئة


أغلق يو شولانغ باب غرفة النوم برفق ، وضغط على معدته 

بيده ، وقد ازدادت حدة الألم


كان هذا المرض رفيقه الجديد في الأيام الأخيرة — ضغط الدراسة ، 

وضيق الوقت في المشاريع ، والانشغال بالعناية بتيانتيان ، 

كل ذلك جعله يتناول طعامه في أوقاتٍ غير منتظمة ، 

وأحيانًا يكتفي بالبارد بعد الحار ، حتى استقرت آلام المعدة 

في جسده وأرهقته


نفذت أدوية المعدة من المنزل ، كان ينوي الصبر كالعادة ، 

لكنه هذه المرة لم يستطع الاحتمال ، 

الألم كان يعتصر أحشاءه والعرق البارد يبلل جبهته


ارتدى معطفه ، أخذ مفاتيحه ، وهمّ بالنزول لشراء الدواء


وقبل أن يغادر ، التفت إلى غرفة تيا تيان مرة أخيرة، ليتأكد من نومه العميق

{ سأعود بسرعة }


أغلق الباب خلفه ونزل الدرج


الحيّ السكني القديم ذا إضاءة خافتة ، مصابيحه الصفراء 

تتوزع على مسافات متباعدة ، والظلال تمتد بين الفواصل المظلمة


لم يكن المكان آمنًا في الليل ، لكنه لم يبالِ كثيرًا ، 

مكتفيًا بأن يسير على ممر الطوب الأحمر تحت قدميه


لم يبتعد كثيرًا و سمع صوتًا خافتًا ، حركة غير مألوفة تأتي من الأمام


توقّف ، 

بدص يضغط بطنه بيد ، بينما انحنى بالأخرى وانتزع قطعة 

طوب من الأرض ، ممسكًا بها بقوة تحسبًا لأي طارئ


الأصوات تصدر من مقعد خشبي أمام المبنى ، خارج نطاق 

ضوء المصباح ، حيث لا تُرى إلا الظلال

وبينما يحدق باتجاه الظل ، خرجت هيئة رجل من العتمة 

إلى النور ، ومع اقترابه ، اتضحت ملامحه أكثر فأكثر


وقبل أن ينطق يو شولانغ باسمه ، سبقه الصوت القادم 

نحوه ، مألوف مبحوح بعض الشيء:

“ شو لانغ… حقًا أنت ؟”


تجمّد مكانه ، والطوب الأحمر يرتجف في يده :

“…فان شياو؟”


شد يو شولانغ على قطعة الطوب في يده ، 

وعيونه باردة كالصقيع:

“ ما الذي تفعله هنا ؟” ثم رفع بصره نحو واجهة المبنى ، 

باتجاه نافذة شقته ، وسأل بنبرة أكثر حدة :

“ هل كنت تتجسس عليّ ؟”


أسرع فان شياو ينفي وصوته متوتر :

“ لا، لا إطلاقاً !! قبل قليل عند مدخل الحي رأيت وجهك 

شاحبًا ، والهالات تحت عينيك واضحة جدًّا ، 

فعرفت أنك لست بخير ، 

أنت دائمًا هكذا… ما إن تمرض ، حتى تظهر العلامات هنا "

وأشار إلى أسفل عينيه ، لكن أصابعه بقيت بعيدة ، 

حذِرًا من أن يثير نفور شولانغ ،

“ كنت قلقًا عليك ، فأردت أن أبقى هنا لبعض الوقت "


الجو في أواخر الصيف يميل إلى البرودة ، وقد ارتدى فان 

شياو قميص طويل الأكمام ،

الليل بارد ، وهو بطبعه يخشى البرد ، 

حتى إنّ أطراف أذنيه احمرّت من الصقيع


سأله يو شولانغ ببرود :

“ بقيت تراقب حتى الآن ؟”


أجابه فان شياو بخفوت :

“ كُنت أظل حتى تنطفئ الأنوار "


“ تقول ' كُنت ' ؟”

تجمّد فان شياو لحظة ، ثم حاول أن يغير الموضوع سريعًا :

“ إلى أين تذهب في هذا الوقت من الليل ؟”


استدار يو شولانغ مبتعدًا بخطوات ثابتة نحو بوابة الحي :

“ أنا بخير . عد أنت إلى منزلك .”


لكنه لم يكاد يبتعد حتى تبعه فان شياو ، ووضع يده على 

كتفه ، يحدّق فيه بقلق صريح ، 

ثم مدّ يده ليتحسس جبينه :

“ لا تبدو مصابًا بحمى…”


لكن نظره انزلق فجأة إلى اليد التي يضغط بها يو شولانغ على معدته ، فعبس وقال:

“ معدتك ؟”


: “ ليس من شأنك "

دفعه يو شولانغ بعنف ، لكن الحركة فجّرت ألمًا حادًّا في 

معدته ، حتى انحنى وهو يلهث ، 

والعرق البارد يتصبب من جبينه


ارتعب فان شياو — وأحاطه بذراعيه خوفًا :

“ ما بك؟ أهو معدتك ؟ أجبني ، أهي معدتك التي تؤلمك ؟”


لم يعد يو شولانغ يملك طاقة للرد ، 

فاكتفى بـ”همهمة” متعبة تؤكد ما قاله


فان شياو :

“ سآخذك إلى المستشفى "


ثم انحنى بذراعيه فجأة ، ورفعه عن الأرض كأنه يحمل كنز ثمين


ورغم أن الليل كان خاليًا من المارة ، إلا أن وجه يو شولانغ 

احمرّ غضبًا وخجلًا

عندما كانا معاً كان فان شياو مولعًا بحمله بهذه الطريقة — 

سواء للسرير ، أو لخارج السرير ، 

نزعة طفولية أراد بها أن يظهر رجولته وقوته ،

ورغم أن الأمر لم يكن يريح يو شولانغ وقتها ، إلا أنه كان 

يتسامح معه ، يرضيه ويغضّ الطرف ، 

مكتفيًا بالتذمر في قلبه


لكن الماضي انتهى

و ما كان يُسمح به في الأمس ، لم يعد يُحتمل اليوم


حاول يو شولانغ الإفلات ، لكن الألم اشتدّ عليه ، 

حتى خارت قواه ، وصار أنفاسه متقطعة


قال بصوت ضعيف يختنق بين الألم والحرج :

“ لا حاجة للمستشفى… فقط علبة دواء من الصيدلية ، 

أتناولها وسأتحسن…”


لكن فان شياو لم يُجبه ، شدّ ذراعيه أكثر ، 

وعانقه إلى صدره بإحكام ، ثم أسرع الخطى ، 

عازمًا ألا يترك له مجالًا للرفض


قال يو شولانغ بصوت مبحوح:

“ فان شياو تيانتيان ما زال في المنزل ، ولا أشعر بالاطمئنان"


تباطأت خطوات فان شياو ، ونظر إلى الرجل بين ذراعيه


شولانغ : “سأتحسن بعد تناول الدواء ، كما في كل مرة "


فان شياو : “ في كل مرة ؟ 

أتقصد أنك تعاني من ألم المعدة كثيراً ؟ 

ألم تكن بخير سابقاً ؟”


كانت كلماته كالسهم ، لكنه سرعان ما أدرك أنه كشف ما لا يريد ،

تملّص من بين ذراعي فان شياو ، وأقدامه ترتجف قليلًا وهو 

يحاول أن يستقيم في وقفته ، كي لا يبدو ضعيفًا أو بائسًا. 

تجاهل سؤاله وقال ببرود :

“ سأخرج لأشتري الدواء بنفسي "


لكن فان شياو حسم الأمر بنبرة لا تحتمل نقاش :

“ سأوصلك إلى المنزل أولًا ، ثم سأذهب لشراء الدواء "


————



لم يمض وقت طويل حتى غلى الماء في الغلاية ، 

وجاء طرق مفاجئ على الباب


نظر يو شولانغ إلى الساعة دون وعي — { ست دقائق فقط ! 

الوقت لا يكفي حتى للوصول إلى الصيدلية }


فتح الباب ، فوجد فان شياو منحنياً قليلًا ، يضع يديه على 

ركبتيه ، يلهث بشدة ، غير قادر على الكلام ، ومدّ نحوه كيس الدواء


مد يو شولانغ يده بهدوء ، التقط الكيس ، 

وقال بهمس خافت :

“ شكرًا "


ثم أغلق الباب 


لكن الباب الذي كاد أن يُغلق ، اعترضته يد قوية حالت دون ذلك

رفع فان شياو رأسه بصعوبة ، وقال وهو يلتقط أنفاسه :

“ دعني… أطهو لك قليلًا من العصيدة ، وبعدها سأرحل "


يو شولانغ :

“ لا داعي "


ثم دفع الباب بقوة ، إلا أنّ مقاومة فان شياو كانت أقوى


عندها فتح يو شولانغ الباب على مصراعيه ، وحدّق فيه بعينين باردتين


وقف الاثنان على عتبة الباب ، لا صوت سوى صمت متوتر 

يملأ الفراغ بينهما


في نظرات يو شولانغ الهادئة والمظلمة ، قرأ فان شياو شيئًا يشبه الإنذار ،

تنفّس بعمق ، اعتدل في وقفته ، وقد علم تمامًا أن هذا 

ليس وقت المجازفة ؛ فلو تجاوز العتبة نصف خطوة ، 

فلن يكون الخروج سهلًا بعدها ،


ومع ذلك ، رفع ساقيه المثقلتين وتقدّم إلى الداخل ، 

متجاوزًا يو شولانغ بخطوة ثابتة ، وقال بصوت خفيض :

“ سأطهُو لك العصيدة ، وبعدها سأرحل .”


صبّ الدواء في كوب صغير ، وراقب يو شولانغ حتى شربه بالكامل ، 

ثم أغلق باب المطبخ خلفه ،


بقي هنا صامتًا ، يعمل بتركيزٍ تام ، كأنه فارس يلتزم بوعد 

قطعه على نفسه


هدير مروحة المطبخ ، وصوت ارتطام الأكواب والأطباق 

الخافت ، امتزج شيئًا فشيئًا برائحة الأرز المنبعثة ، 

حتى امتلأ المكان الصغير بذلك العبق الدافئ ، 

خالقًا في هذا الليل المتأخر وهمًا خادعًا من الألفة والسكينة


المرض يجعل الإنسان هشًّا ، وقد امتلأ رأس يو شولانغ 

بشتى الصور والمشاعر


كم مرة كان يقف عند باب المطبخ يراقب فان شياو وهو يطهو ، 

مأخوذًا بمشهد يثير الشهية ، لذيذ — بعض اللذة في القدر ، 

وأكثرها في الرجل نفسه ،

فشهوانية الحياة اليومية ، الممزوجة برائحة النار والدخان، 

كانت أكثر ما يوقظ حواسه ؛ وغالبًا كانا لا يصبران حتى 

يتناولا الطعام ، بل ينتهي بهما الأمر على السرير بدل المائدة


هزّ يو شولانغ رأسه بقوة محاولًا طرد تلك الصور المزدحمة 

من ذهنه ، ومعها انبثق شيء من الوعي المرّ

{ يو شولانغ … لقد سمحتَ للذئب بالدخول مجدداً }


خلال ذلك ، انتهى فان شياو من المطبخ وكان عقربا الساعة 

قد التقيا عند الثانية عشرة تمامًا


صوت طقطقة إطفاء الأنوار رافق حلول الظلام —-

فُتح باب المطبخ بصوت صرير ، 

وأضاء ضوء الشموع المتلألئ وجه فان شياو المشرق بلطفٍ لا يُحتمل


يحمل هذه الشعلة بحذر  ، حتى وصل أمام يو شولانغ، 

فانعكست في عينيه المتعبتين

قال بصوتٍ خافت مفعم بالحنان :

“ عيد ميلاد سعيد ،،

بما أن اليوم معدتك تؤلمك ولا يمكنك أكل الكعكة ، 

فلتكتفِي بإطفاء الشمعة وتمنِّي أمنية .”


كانت الشمعة الرفيعة مغروسة في فطيرة البيض التي يحبها تيانتيان ، 

ووهجها الصغير بدا واهنًا ، لكنه أطلق حرارة كادت تملأ المكان ،


استند يو شولانغ إلى الأريكة مبتعدًا قليلًا عن تلك النار الصغيرة

قال وهو ينظر إلى فان شياو:

“ أن أتمنى أمنية ؟ هل تريد أن تخمن ما هي أمنيتي؟ ”


تلاشى الحماس في ملامح فان شياو شيئًا فشيئًا ، 

وانخفضت ابتسامته حتى صارت ظلًّا باهتًا لما كانت عليه ،

التقط يو شولانغ هذا المشهد بعينيه ، وضحك ضحكة 

قصيرة ساخرة ، ثم نهض واتجه نحو الجدار ، وضغط على مفتاح الإضاءة


انساب الضوء الساطع ، فغدت تلك الشمعة واهنةً لا قيمة لها

قال بصوتٍ بارد واضح :

“ لا أعرف تاريخ ميلادي، ولا أحتفل به أبدًا "


فان شياو : “ لكننا كنا قد اتفقنا… أن نحتفل بهذا اليوم كل عام…”


الألم إذا اشتدّ ، يولّد الغضب ، و يو شولانغ في هذه اللحظة 

متهيج المزاج ،

جلس على الأريكة متكئًا ببطء ، ساقاه متشابكتان، 

ووجهه الشاحب يشعّ برودة حادة كحدّ السكين ،

قال بنبرة جليدية :

“ اتفاق ؟ وهل للاتفاق قيمة ؟ 

كم مرة قلت إنك ستكون مطيعًا ، هادئًا ، تستمع إليّ ، لكن النتيجة ؟”


فتح كفّه وضغط بإبهامه وإصبعه على صدغيه ، 

محاولًا كبح الصداع والغضب المتصاعدين ، ثم زفر بحدة :

“ هل انتهيت من طهي العصيدة ؟ إن كنت قد انتهيت ، 

فاخرج من هنا فورًا !”


وقف فان شياو تحت ضوء المصباح الأبيض ، يحمل 

الشمعة في يده ، صامت لفترة طويلة … :

“ إذن ، سأتمنى الأمنية نيابةً عنك ”

أغلق عينيه وهمس:

“ أتمنى أن يظل المدير يو وتيانتيان بصحة جيدة وسعداء دائمًا "


بووووووف ——- دوّى صوت ارتطام حادّ 



رمى يو شولانغ زجاجة الماء نصف الفارغة بقوة نحو زاوية 

الجدار 



لم يلتفت فان شياو ، بل اكتفى بأن نفخ بلطف في الشمعة ، فأطفأها


بعد أن تناول يو شولانغ الدواء وشرب نصف وعاء من العصيدة ، بدا وجهه أفضل قليلًا


أصرّ فان شياو على تنظيف الأطباق بنفسه ، 

بعد انفجار غضب يو شولانغ لزم الصمت وكأنّه غير موجود


وحين خرج فان شياو من المطبخ ، بعد أن مسح يديه ، 

رأى يو شولانغ قد غلبه النوم على الأريكة


بحث عن بطانية وغطّاه بها ، ثم خفّض إضاءة المصباح 

وجلس أرضًا أمام الأريكة ، يتأمل وجه النائم طويلاً بصمتٍ 

يشبه العبادة


طال جلوسه ، حتى ضعفت قيود العقل في لحظة من الألم والحنين ، 

مال بجسده شيئًا فشيئًا نحو شولانغ ،


اقترب قليلًا ، فشمّ رائحة الورد البري التي اعتادها ، 

واقترب أكثر ، حتى صار يتنفس أنفاسه الدافئة بشغفٍ مهووس


أصبحت المسافة بين فان شياو ويو شولانغ الآن لا تزيد عن 

سماكة ورقة واحدة ،،

الهواء بينهما امتلأ بأنفاس متداخلة متوترة ،،


الشخص الذي يؤرق روحه ليل نهار بات أمامه ، ومع ذلك ، 

توقف فان شياو عند هذا الحدّ


همس بصوت مبحوح خافت :

“ المدير يو… أأنت تختبرني الآن ؟ 

لو قبلتك ، ماذا سيحدث ؟”


جاءه الجواب بارداً ، متعباً ، لم يفتح شولانغ عينيه :

“ ستموت ”

 

ابتسم فان شياو ابتسامة حزينة تحت الضوء الخافت :

“ سأرحل الآن ، ارتاح جيدًا ،

وإن احتجتَ شيئ … نادِني في أي وقت ”


ثم انحنى قليلًا ، وترك شفتيه تلامسان خصلات شعر يو 

شولانغ المرتفعة في الهواء — قبلة لم تلمس البشرة ، 

لكنها حملت كل ما لم يُقال ،،،،


يتبع

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي