Ch23 الإمبراطور الأسير
عندما رأى الحرس الإمبراطوري عند الأرصفة شياو دو وأنا نعود من بعيد ،
تقدموا جميعًا لاستقبالنا والعودة بنا إلى السفينة السماوية
بعد أن عدتُ إلى السفينة ، تحججت بالمرض ودخلت
مقصورتي للراحة ، لكنني تقلبت طويلًا دون أن يهدأ قلقي
على حرّاس بايي
محاولة هروبي فشلت ، بل وأثارت انتباه جيش الإمبراطور —-
لن يستطيع باي لي وبقية حرّاسي العودة إلى ميانجينغ قريبًا
وإن كان ما قاله شياو دو صحيحًا ، أن نهر الغروب يخضع لحراسة مشددة ،
فإن مساعدة خالي باي يانغ تشي باتت بعيدة ، وقد لا تروي عطشي
الشخص الوحيد الذي يمكنني الاعتماد عليه في ميانجينغ،
مع عدد قليل من الوزراء العجائز من فصيل فاي يان الذين
كانوا موالين لي، هو ولي العهد شياو دو
هذه هي المرة الأولى منذ تنازلي عن العرش التي شعرت فيها بوضوح أن سلطتي تتلاشى ….
حين عجزت عن النوم ، ارتديت بعض الأردية وخرجت
لأراقب شروق الشمس
السفينة تبعت مجرى الخندق حتى دخلت نهر شي ين ،
وعلى ضفّتيه ارتفعت سلسلة جبال متصلة ،
هي ميدان صيد ملكي منذ القدم ،
وعندما رأيت السفينة السماوية تبدأ بالرسو على الضفة ،
تذكرت كلمات شياو لان
وبينما كنت أهمّ بالعودة إلى مقصورتي لأتظاهر بالمرض
وأتفادى المشاركة في الصيد ، اصطدمت مباشرةً بشياو لان وموكبه
كان الممر ضيقًا… ولا مكان للاختباء
وفي هذه اللحظة ، اهتزت السفينة قليلًا ،
كدت أفقد توازني ، فمدّ شياو لان يده وأمسكني قبل أن أسقط
: “ انتبه يا الإمبراطور الأكبر ، لا تسقط في الماء مجدداً
صحيح أننا في ليلة صيف ، لكن البرد قد ينفذ بسهولة .”
قبل أن أجد عذرًا للاعتذار ، ابتسم وأشار إلى خادمين على جانبيّ :
“ لابد أن الإمبراطور المتنحّي قد أصابه دوار البحر
أسرعوا … و ساعدوه على النزول .”
⸻
بعد أن نزل الجميع ، جاء الحرس بعدّة خيول لنصعد بها الجبل ،
قوتي محدودة ، ولا أستطيع الركض طويلًا ، لكن حفاظًا على
المظهر ، اخترت حصان فضي هادئ الطبع
وبينما أضع قدمي على ظهر أحد الحرس ليُعينني على
الركوب ، كان شياو لان قد امتطى حصانه بخفة ورشاقة
ثم التفت نحوي بابتسامة خفيفة
أما الملك وو شي فقد بدا عليه الارتباك ، وكأنه يتساءل
لماذا أصبحت حركاتي بطيئة هكذا
لو علم أنّ فتى السماء الشاب الذي هزمه قبل سنوات…
أصبح الآن ضعيف الجسد ، يلهث بمجرد أن يعتلي حصانًا ،
لخاب ظنه بالتأكيد
ألم يدعُوني شياو لان إلى هنا ليراني أُذلّ أمام الجميع ؟
عضيت شفتي ، وشددت قبضتي على اللجام ،
وضغطت بكعبي على جنب الحصان ، رافضًا أن أتخلف
و توالت ضحكات خفيفة خلفي …..
شياو جينغ لوّح بصوته وانطلق كالسهم
ولحق به شياو مو — يتسابقان مثل رياح ،
بأرديتهما المترفة وخيولهما المتباهية ،
يلفتان أنظار الخادمات والجواري اللواتي تنهدن إعجابًا ،
وبالمقارنة ، شعرتُ كأنني أدخل خريف عمري…
شيء غامض ثقيل ارتفع في صدري
في هذه اللحظة ، اقترب شياو شون ببطء من جانبي
قال وهو يوجّه حصانه :
“ الأخ السادس حين أرى هؤلاء الأبناء والبنات ، أشعر أنني
عجوز أنا أيضًا .”
قلت مبتسمًا بخفة :
“ يمزح الأخ السابع ،،
لقد بلغت العشرين للتو ،
إن كنت عجوزًا ، فأنا ماذا ؟”
شدَدت اللجام وسرت بمحاذاته
وعلى الرغم من مرارتي تجاه حادثة الـمُنشِّط الذي دسّه لي،
لم أرغب أن أقطع خيط الودّ معه ،
فهو يريد تسميم شياو لان…
وقد أستميله يومًا ليكون حليفًا لي
تابع شياو لينغ : “ في السنوات التي قضيتها في ينغتشو…
هل بقيت على تواصل مع أختنا الخامسة؟”
ظهرت على وجه شياو شون رجفة خفيفة
فأختي اللطيفة… الأميرة تشانغجي… كانت نقطة ضعف شياو شون الأبدية
شياو شون:
“ مجرد رسائل قليلة ، لا أكثر
لماذا تسأل فجأة عني وعن أختنا الخامسة ؟”
هززت رأسي :
“ لطالما ندمت على عدم قدرتي على إيقاف شياو لان في ذلك الوقت ،
فقط… لم أذكر لك الأمر من قبل "
ابتسم شياو شون :
“ أليس أنت يا الأخ السادس من أخبره بذلك في البداية ؟”
تنهدت تنهيدة خفيفة :
“ الأخ السابع… هل تظنني حقًا هكذا ؟”
نظر شياو شون بنظرة حادة :
“ الأخ السادس لطالما أردت أن أسألك هذا
هل هناك شيء… لست قادرًا على فعله ؟”
شياو لينغ : " تسسسك " خافتة
{ هكذا إذن …
كان يظن أنني بعد أن قتلتُ إخوتنا الأول والثاني والثالث
لا بد أن أكون قادرًا على سحقه هو أيضًا ،
وأنه بسبب فضيحة علاقته مع أختنا الخامسة التي كُشفت
ثم نُفيا معًا ، فقد ظنّ أنني من وشى به …
لكن بعد أن صعدتُ إلى العرش وركزت على القضاء على
التهديدات ، لم أجعله يعود للعاصمة ولا دعوته إلى
ميانجينغ—طبيعي أن يحمل ضغينة ضدي…
ضغينة تكفي ليتمنى موتي }
: “ لم أتفوّه بحرف واحد عن علاقتك بأختنا الخامسة
بل إني توسّطت من أجلكما ،، هل تصدّق ذلك ؟”
ارتجف بريق خافت في عين شياو شون الوحيدة :
“ شخص بارد مثلك… يا الأخ السادس… قد يتوسّط لي
ولأختنا الخامسة ؟”
شياو لينغ ببرود ساكن :
“ لولا ذلك ، لكانت أختنا الخامسة قد أُرسِلت إلى دولة لين للزواج السياسي ألا تذكر ؟
الفتاة التي أُرسلت في ذلك الوقت كانت من آل منغ
و كانت هي المرشحة لتكون وليّة للعهد ، لكنها اختيرت
للتحالف بدلًا من أختنا لأنني أوصيت بها سرًا "
عبس شياو شون بحاجبيه ، يحدّق بي طويلًا ،
نصف مصدّق ونصف مكذّب ، لكنه بقي صامت
أعلم أنه عنيد ، ولن يبتلع الكلام بسهولة ( يقتنع ) ،
فغيّرت الموضوع ببطء :
“ لكن… مع أن الأخت الخامسة أفلتت في المرة السابقة ،
فهذه المرة لن تنجو ...”
اختنق شياو شون :
“ ماذا تقصد ؟”
شياو لينغ بهدوء شديد:
“ أختنا الخامسة بلغت سن الزواج منذ زمن ، ولم تُزوَّج بعد ،
ومكانتها نبيلة ،
وإن أنجبت يومًا… فكل ذريتها ستكون من سلالة شياو . وهذا تهديد على العرش .
والآن—بما أن ملك الذئاب وو شي أرسل القديسة للزواج
أليس من المفترض أن تردّ مملكة ميان بالمثل ؟
أخبرني من في العالم أنسب من أختنا الخامسة للزواج من
الملك وو شي ؟
الأخ السابع ، دعنا نراهن
هل تظن أن شياو لان سيأمر بزواجها إلى أرض بعيدة ؟”
كانت كلماتي كسكين يُصيب بثقة ، يُصيب الأماكن الصحيحة ،
و كل جملة أدقّ من التي قبلها
وبعد صمت طويل ، قال شياو شون :
“ لن أراهن معك ، ما تقوله… منطقي فعلًا "
ابتسم ابتسامة صغيرة :
“ وفوق ذلك ، منذ كنا أطفالًا… لم أفز عليك في أي رهان "
مرّت صور طفولتي بشكل سريع ….
أختي الخامسة وأنا نرقص تحت الرياح ،
و نلعب تحت القمر في حدائق القصر ،
ننشد الشعر ونرسم ، كأننا نعيش حلمًا جميلًا
لكن ذلك الحلم… ذهب إلى الأبد
ابتسمتُ بصمت
{ يكفي هذا لليوم ….
المهم أن يميز بين العدو والصديق ...
أما الباقي… فله أوانه ...
فالقلوب لا تُنتزع بالقوة }
شدَدت اللجام عمدًا وزدت السرعة ، مبتعدًا عنه شيئًا فشيئًا ….
⸻
فجأة دوّى صياح أمامي :
“ يا صاحب الجلالة إنه غزال تشيلين !
بشارة خير ! بشارة خير !”
رفعت رأسي، فظهر ظل أحمر ذهبي يشق الغابة بسرعة
اندفع الفرسان خلفه في مطاردة شديدة
كان شياو دو في مقدمتهم بطبيعة الحال—وفي لمحة عين
تجاوز شياو جينغ وشياو مو اللذين كانا في المقدمة
{ هكذا هي روح الشباب… لا يعرف أن يترك فرصة لوالده الإمبراطور حتى }
نظرتُ خلفي ، فرأيت شياو لان يتقدم بخطوات هادئة ،
بينما ارتفع حماس الملك وو شي
صرخ صرخة عظيمة ، وضرب حصانه فانطلق كالرياح
كان صوته كدوي ناقوس هائل،
فطار سرب عصافير مذعورًا
اضطربت الخيول كلها ، وحتى الفرس الهادئ الذي أمتطيه
فزع وبدأ يرفس ، وكاد يطيح بي أرضًا
شدَدت اللجام ، ومددت يدي لأغطي عينيه —لكن دون جدوى
انطلق كالجنون إلى أعماق الغابة
انحنيت على ظهره ، وأغصان الأشجار تشُق جلدي
كالسكاكين—موت بطيء بألف جرح
كان يركض بسرعة جنونية ، حتى اختفى صوت فرقة الصيد تمامًا
وعندما تمكنت أخيرًا من لجمِه ، شعرت بدوار شديد وإرهاق مرير
نظرت حولي… لا أعرف أين أنا، ولا كم ابتعدت
سمعت صوت ينادي باسمي من بعيد ، فنزلت عن الحصان
بصعوبة ، وانحنيت منخفضاً ، متجهًا عكس اتجاه الصوت
فرصة جيدة للهرب ~
لكن قوتي… خانتني
لم أقطع سوى مسافة قصيرة ثم تشنجت قدماي
اتكأت على جذع شجرة ، أتنفس بسرعة
و هنا … أدركت الحقيقة كاملة ….
{ من دون مساعدة … لن أستطيع الخروج من ميانجينغ أصلًا …
ليست المشكلة أني لا أتحمل المشقة ؛ فقد خضت
الحروب وواجهت الموت مرارًا
لكن الآن… جسدي مسموم ، ضعيف كزهرة أمام الرياح }
اقتربت حوافر الخيل من كل الاتجاهات ، ونباح الكلاب كان يزداد قربًا
أدركت أن الهرب مستحيل… وأن الوقوف بلا مظهر مهين
أفضل من أن يمسكوني متخفيًا
فخرجت من الغابة بنفسي
أسرع عدة حرّاس نحوي ليسندوني
وكان شياو لان أيضًا هنا
فوقفت مستقيمًا وقلت :
“ أنا بخير "
: “ لقد أخافنا الإمبراطور الأكبر ”
و اقترب شياو لان راكباً حصانه ،
مدّ يده وأمسك ذراع شياو لينغ ، رافعًا إياه إلى حصانه أمامه
: “ الطريق هنا وعر
صحة الإمبراطور المتنحّي لا تسمح ،
ستركب معي الآن "
ثم ضرب السوط ، يقودني إلى المخيم فوق الجبل
جلست أمامه ، كأنني أستند على صدره ، وشعور مُهين ثقيل غمرني
شياو لان أحاطني بذراعه ، وأخذ قوسه ، وأطلق سهمًا أصاب
طائرًا في الجو في لحظة
ثم أمر أحد الحرس بإحضاره لأراه
كان طائر أبو منجل المتوّج ، بريش أحمر ومنقار
أبيض—جمال سماوي
( مالقيت صورة له باللون الأحمر طبعاً ~ )
أمسك شياو لان ريش ذيله ورفعه أمام وجهي
وكان الطائر حيًا، يخفق بجناحيه، وعيناه الداكنتان تلمعان حزنًا
قال بصوت منخفض :
“ انظر … ألا يشبهك يا الأخ السادس ؟”
أنزلت عيني ولم أجب
ضحك بخفة وهو يناول الطائر لأحد الحرس :
“ لا تدعه يموت ،، أريد الاحتفاظ به ،،
فحتى أكثر مخلوقات السماء كبرياء…
إن حُبس في قفص بضع سنوات ،
سيصبح حيوانًا أليفًا لطيفًا ومطيعًا ”
كانت كل كلمة… سهم
تابع شياو لان :
“ والحيوان الأليف… يجب أن يتصرف كحيوان أليف —-
لا تظن أن السكن في جناح عالٍ يعني أنك لا ترى سيدك ،
إن غفلتَ… وسقطتَ من ذلك الجناح العالي لتصبح سجينًا،
فذلك قد يحدث في ليلة واحدة .”
كيف لا أفهم التهديد الواضح ؟
لقد نال المجد والقوة العسكرية
وإن شاء أن يسلبني لقبي كالإمبراطور المتنحّي… لفعلها بسهولة
قال وهو يرفع ذقني ويمسح شفتي بإصبعه
: “ إن عرف الحيوان الأليف كيف يتقرّب…
يمكنه الاحتفاظ ببعض كرامته ،
وإلا…”
أبعدت رأسي عنه بقوة — لكن فجأة سمعت وقع حوافر
يقترب ، وظهر فارس يخرج من عمق الغابة…
ضوء الشمس المتناثر يومض ببرود على زينة ردائه المزيّن
بحراشف الأفعى —- شياو دو
{ لو لم يتدخّل هذا الفتى ، لربما عبرتُ نهر الغروب منذ زمن تحت حماية الحرس بايي
حتى لو كان العبور محروس وخطير قليلًا ،،
لكان أفضل بكثير من البقاء في القصر … }
لمعت فكرة في رأسي
فتمسكت بكمّ شياو لان وانحنيتُ متعمّدًا على كتفه
: “ الأخ الرابع…”
تجمّد شياو دو في مكانه
أسندتُ رأسي على كتف شياو لان دون أن أُلقي نظرة واحدة على الفتى
شعرت بيد شياو لان تصعد من ظهري إلى أن أمسكت مؤخرة رأسي
أصابعه باردة جدًا ، نقيض تام لحرارة أصابع شياو دو
كنت أريد إشعال النار بين هذا الأب وابنه ،
لأجعل نار شياو دو تشتعل أعلى ،
وليدع شياو لان يحترق بها عاجلًا ،
شياو لان : “ الأخ السادس أودّ أن أذهب في جولة ليلية معك الليلة
ما رأيك ؟”
كان صوته رقيقًا إلى حدّ مُقرف ، كأنه يمنح حظوة لإحدى محظياته
ارتعشت من البرد
وبينما هممتُ بالرفض ، سمعت صوت قربنا
كان شياو دو قد نزل عن حصانه وتقدّم نحونا
ركع شياو دو على ركبة واحدة : “ يقدّم هذا الابن تحياته إلى
الأب الإمبراطور ...”
وجهه الوسيم ، تحت ظلّ الأشجار المتناثر ، مُلبّد بالغيوم السوداء
نظر إليّ لحظة ، ثم أنزل عينيه ،
مخفيًا السيوف والظلال التي تختبئ فيهما
: “… ويقدّم تحياته إلى العم الإمبراطوري "
شياو لان: “ انهض ...” ثم توقّف لحظة وابتسم :
“ هل اصطاد دو إير ذلك غزال تشيلين ؟”
: “ نعم ،، كنت على وشك تقديمه للأب الإمبراطور "
نهض شياو دو فورًا ،
وقطع قرني الغزال الذهبي الأحمر الممدّد على ظهر حصانه
القوي' ييتشوي ' و قدّمها إلى شياو لان
ضربت رائحة الدم أنفيّ فبدأت أسعل ، والدوار والغثيان يزحفان عليّ
رفع شياو لان كمّه ووضعه على فمي وأنفي ، في حركة بالغة الإيحاء
شياو لان : “ ممتاز ،
الليلة يمكننا استخدام قرون تشيلين للقيام بعِرافة ،
لنرى ما البشائر التي تحملها "
ناول شياو دو القرون لأحد الحرس ببرود ، ثم ركب حصانه مجددًا ورفع رأسه :
“ الأب الإمبراطور لقد أخبرنا الملك وو شي قبل قليل أنه
يرغب في التنافس معك ،
إنه في الجبل الخلفي ، وقد انتظر طويلًا
ويبدو أن العم الإمبراطوري غير بخير ، وبما أن الأب
الإمبراطور سيذهب للسباق مع الملك وو شي
فليقم هذا الابن بمرافقة العم الإمبراطوري
ما رأي الأب الإمبراطور ؟”
اختفت ابتسامة شياو لان
لم يُجِب ، لكنه لم يكن مثل المرة الماضية حين تجاهل
اعتراض شياو دو وأخذني بالقوة ،
هذه المرة كان يحدّق في ابنه بتركيز
أظنّ أنه أدرك أهمية مكانة شياو دو الآن أكثر فأكثر
وحتى لو أراد خلع وليّ العهد ، فلن يكون الأمر يسيرًا
و شياو دو يحدّق فيه مباشرةً دون ذرة خوف ، بل بلمحة تحدّي
تسلّلت نبرة قتل خفيفة بين الأب وابنه ،
وكأن الضوء حولنا خفت لوهلة ،
عندها فقط ، قاد أحد الحرس حصان فضيّ نحوي و تكلمت
شياو لينغ : “ آوه ؟ أليس هذا حصاني ؟”
استغليتُ اللحظة وهربت من ذراع شياو لان
ثم نزلت ومشيت نحو الحصان الفضي ، أداعب عرفه
شياو لينغ : “ هرب عني في الغابة قبل قليل
ظننت أني لن أراه ثانيةً ،
ما رأي جلالتك أن تهديني هذا الحصان ؟”
مرّ وقت طويل حتى تكلّم شياو لان :
“ نحن عائلة واحدة الأخ السادس لِم كل هذا التكلّف؟”
أرخى لجام حصانه وبدأ ينزل الجبل ، آمرًا الحرس بمرافقتي إلى ساحة الصيد
ورغم أنه لم يوافق على طلب شياو دو بشكل واضح ، إلا أنه
لم يعد متصلّبًا كما كان
كان هذا… مؤشرًا حسنًا
عبر حافة الجبل ،
ظهرت السهول الواسعة المحاطة بالمرتفعات خلف الجبل،
وهي ميدان السباق الملكي
حتى قبل وصول الملك وو شي كان شياو لان قد رتّب كل شيء مسبقًا
كانت فخامة المشهد تفوق حتى احتفال الرماية والفروسية السنوي
دخل جيش الإمبراطور ، مرتديين الدروع الخفيفة إلى
الميدان في تشكيلات منسّقة ، وهديرهم يهزّ السماء
لم يكن المشهد أشبه بالاستعداد لمسابقة ، بل لمعركة —
استعراض قوة صريح ، موجَّه لإرهاب الملك وو شي المراقِب
كانت مشاعري، بوصفي الإمبراطور السابق لمملكة ميان العظمى ، معقّد ومتناقض
كنت آمل أن ينهض الملك وو شي متحديًا ، ويتعاون معي للتخلّص من شياو لان
ومع ذلك، كنت آمل أيضًا أن تبهره هيبة ميان العسكرية فلا
يطمع أكثر من اللازم في المستقبل
لكن لا يمكن جمع السمكتين والدبّ ، وقد فهمت هذا المبدأ حقّ الفهم
إن أردت أن أستخدم مملكة تشي كـ جسر ، فعليّ أن أعرف
أيضًا كيف أهدم هذا الجسر
وبينما كنت غارقًا في التفكير ، التفت شياو لان نحوي
لم أجد وقتًا لأصرف نظري عن الملك وو شي ، فالتقت أعيننا
ابتسم شياو لان وفي عينيه الداكنة لمحة من السخرية :
: “ أخبرني الملك وو شي أن الإمبراطور المتنحّي حين قاتله
في ممرّ أنياب الذئب آنذاك ، قد انتصر رغم قلة الجنود ،
بشجاعة أذهلت محاربيهم ،
واليوم يرغب الجميع في رؤية براعة الإمبراطور المتنحّي،
ويدعوك لسباق
… هل يمنحنا الإمبراطور المتنحّي هذا المعروف البسيط ؟”
ارتجفت شفتاي
هذا 'المعروف البسيط ' بات عبئًا لا يُحتمل
وقبل أن أتمكن من الرفض ، تقدّم أحد الحرس وقدم لي
قوس وسهام وملابس ركوب
نظرت حولي
كان جميع القادة والضباط يحدقون بي
ومن بينهم وجوه أعرفها ، جنود قدامى ساروا معي في الحروب
و تحت أنظارهم جميعًا ، لم يعد بإمكاني الرفض
استدرت ودخلت الخيمة لأبدّل ملابسي
عندما ارتديت سترة الفروسية المصنوعة من الجلد الخفيف ، شعرت وكأنني أنسج شرنقة حول نفسي ،
ضيقة إلى حدّ الاختناق
صرّحت للحرس بالانصراف ، وبقيت وحدي أمام المرآة ،
أغمضت عيني… وكنت على وشك البكاء
منذ ولادتي كنتُ ابن السماء المفضّل ،
محاط بالمحبة والدعم ،
ومنذ بلوغي ، نادرًا أظهرت مشاعري أمام الآخرين
وبعد اعتلائي العرش ، أصبحت اللحظات التي أسمح فيها
لذاتي الحقيقية بالظهور أكثـر ندرة
كان الناس يقولون إنني بارد الدم ، حاسم
لكنهم لم يعلموا أن أفراحي وأحزاني وغضبي ، كل شيء ،
كان مخبّأ تحت قناع المنصب والهيبة ،
تحت ثقل رداء التنين ، كل ذلك من أجل ألا أُصاب في موضع ضعف
إن لم أُجرح ، فلن يُجرح حكمي
ولن يعرف العامة أبدًا ما يحمل الملك على كتفيه
وحين أنزل من مذبح الألوهية ، وأقف بجسدي الواهن هذا
أمام جنودي ، فكل ما حافظت عليه بعناية طوال تلك
السنين سينهار
ومن تلك اللحظة ، لن أكون ابن السماء الذي أحبّوه ،
بل سأصبح حاكمًا مخلوعًا ، مريض ، مثير للشفقة
فقدان احترام الجنود يعني أن استعادة العرش ستصبح أصعب بكثير
أمسكت الوتر ويديّ ترتجفان
تلك القوة التي اشتعلت في لحظة يأس البارحة… تلاشت تمامًا
لم أستطع حتى أن أجرّه نصف إنش
وفجأة سمعت صوت خطوات خلفي
و غطّت يديّ يدان أخرى
فتحت عينيّ ، ورأيت في المرآة البرونزية تلك العينان
الخضراء اليشمية ، حادّة وعميقة
وقتها أدركت كم كنت صغير وضئيل أمام شياو دو…
محاط بذراعيه ، وجسده الشاهق كأنه حصن يلتفّ حولي
كفيّه حارّة كجمر ، كأنه يُذيب أصابعي على وتر القوس
الحديدي ، و سحب الوتر معي ببطء
قوّته كانت هائلة… سحب الوتر دفعة واحدة حتى انحنى القوس كلّه
لم يكن هناك سهم ، لكنّي كدت أسمع صفير سهمٍ وهمي يشقّ الهواء
شياو دو :
“ يا عمّي الإمبراطوري أنت قادر على شدّ هذا القوس ،
جرحي ما زال ينزف اليوم… ذلك السهم دخل بعمق ،،
إذا كنت بهذه الشراسة في ساحة السباق…
فستبهر الجميع بالتأكيد ”
كانت كلماته كأنه تيار حار يندفع في عروقي
توقّفت يداي عن الارتجاف وكأن شيئًا ما استيقظ في داخلي
حرّر أصابعه واحد تلو الآخر ،
وأنا… ببطء ، استجمعت قوّتي وتمسّكتُ بالوتر كرامٍ مبتدئ
وحين تركني تمامًا ، كنت بالكاد أثبت القوس
أخذتُ نفسًا عميقًا ورفعت ذراعيّ
وضع شياو دو سهمًا على قوسي بيد واحدة ،
ووضع خاتم عين القط الخاص به على إبهامي باليد الأخرى
همس قرب أذني :
“عمّي الإمبراطوري… ثق بي "
انطلق الوتر بصوت حاد ، واخترق السهم المرآة —-
وتحطمت صورتي الهشة والعاجزة في الانعكاس
شهقت ..
حدّقتُ في شظايا المرآة على الأرض
قبضتُ يدي ، فشعرت برطوبة لزجة بين أصابعي
نظرتُ فرأيت الدم يغطي كفّي
تراجع شياو دو خطوة
عدت إليّ وعيي ، فأدرتُ رأسي ورأيت الدم يتسرّب من يديه ،
وبقعة داكنة تتوسّع على كتفه
حينها فقط فهمت
مددت يدي نحو ياقة ردائه ، لكنّه أمسك بمعصمي
عبس شياو لينغ :
“ دعني أرى "
رفع شياو دو حاجبه ، وحرّك ياقة ردائه قليلًا…
فكشف عن الثغرة الدامية في كتفه ،
وقد انفكت خياطتها من جديد ،
تفاجأت
{ جرحه بهذا السوء… ومع ذلك شارك في الصيد اليوم ؟
ألم يخشى الألم ؟ }
: “ عمّي… يقلق عليّ ؟”
شياو لينغ بحدة وهو يُبعد يد دو :
“ أنت…! وقح !”
سخر شياو دو وبدت ملامحه باردة تمامًا :
“ تسسسك ،، حين كان عمّي ينادي والدي الإمبراطور بـ الأخ
الرابع… لم يبدو عليك أنّك تراها وقاحة ”
رؤية موقفه، أردت أن أستفزه أكثر ، لأجعله يبذل جهدًا أكبر في المستقبل ،
لذا ابتسمت بلا مبالاة :
“ أموري مع والدك الإمبراطور لا تزال أكبر من أن تتدخل فيها
حين تملك الحقّ في التدخل… عندها تعال واسألني "
تغيّر وجه شياو دو ، شد ياقة ردائه ، فشدّ على جرحه
و ظهرت بقعة دم جديدة ، واضحة بشكل فاضح
وحين همّ بالانصراف ، لم أعرف كيف مددت يدي وأمسكته فجأة
شياو لينغ : “ ستخرج بهذا الشكل؟”
توقفت لثانية
وكان الأوان قد فات لأتراجع ، فاضطررت للاستمرار :
“ سأضع لك الدواء "
أدار شياو دو وجهه جانبًا وقال ببرود :
“ لا حاجة "
{ منذ متى يتمرد عليّ ؟
منذ متى يقابلني بهذا الجفاء ؟
كيف أحتمل ذلك ؟ }
عبس شياو لينغ :
“ اجلس "
تصلّب شياو دو للحظة ، ثم جلس بتردد على بساط داخل الخيمة
أمرت بإحضار كأس من النبيذ ، ثم تولّيت بنفسي تنظيف جرحه وربطه
لم تكن يداي لطيفتين أبدًا… لكنه لم يُصدِر صوت ، يحتمل الألم بصمت
{ متى توقف هذا الذئب عن طاعتي تمامًا ؟
إذا كان يستجيب للطف وليس للقوة ، فهل يجب أن أكون
أكثر لطفًا معه ؟ }
هدأتُ حركة يدي قليلًا ، ورفعت عيني … لأصطدم مباشرةً
بنظرات شياو دو المركّزة عليّ
كان قريب جدًا ، عيناه عميقة ، ورموشه الكثيفة مثل غابة
معتمة تكمن فيها وحوش خطيرة… وجذّابة
ولأول مرة من هذا القرب ، رأيتُ كم كان لون حدقتيه ثريًا… وساحر
شياو دو : “ إلى متى سيظلّ عمّي الإمبراطوري يحدّق بي؟”
جاء صوته المبحوح بجانب أذني، فانتفضتُ من شرودي
رميت المنديل الملطّخ بالدم عليه وأمرته
: “ تابع بمفردك .”
ثم خرجت وأنا أحمل القوس
ربما كان شياو دو يمتلك نوعًا من القوة الإلهية الوحشية ،
أو ربما كلماته قد ألهمتني حقًا ،
فما إن صفعتُ الهواء بالسوط ، حتى شعرتُ كأنني عدتُ إلى أيامي الأولى
اندفعتُ أمام الجميع ، قفزت عاليًا ، وسحبت قوسي ووضعت سهم
لحظة واحدة فقط… لكنها استنزفت كل قوتي —
وكانت كافية لتبهر الجميع وتثير هتافاتهم
ومن أعالي السماء… بدا صوت مألوف كأنه يهتف —-
' عاش إمبراطوري ، عاش… عاش… '
كما كان يحدث قديمًا
ملابس فاخرة وحصان مفعم بالحيوية ، عائد في انتصار عبر الثلج
في هذه اللحظة ، بدا الزمن يبطئ —-
و تحوّلت الشمس فوق رأسي إلى غراب ذهبي مشتعل ،
يهبط تجاهي سقوطًا
ارتخت يدي… وأطلقت السهم —- ، فاصطدم بطائرة ورقية
تحلق عالياً في السماء
دفعني الارتداد للخلف ——-
—- لا يمكنني السقوط …. لن أسقط ….
أنا شياو لينغ إمبراطور السماء —-
مددت يديّ ، أمسكت اللجام بشراسة ، وأجبرت نفسي على
الانحناء فوق ظهر الحصان
عندها فقط تقيّأت كمية من الدم
وقبل أن أفقد الوعي… سمعت صوت شياو لان يضحك بخفة :
“ أخ السادس … لم أتوقع أبدًا… أن طبيعتك الجامدة التي
تنكسر بسهولة… تخفي كل هذه الصلابة "
—————
عندما استيقظت ، كان الظلام قد هبط تمامًا
من خلال جدران الخيمة ، بإمكاني رؤية وهج النار الساطع
ووميض العديد من الظلال في الخارج
تذكرت فجأة الحريق الكبير الذي اندلع ليلة الانقلاب
وجعلني أفقد كل شيء
تجمّدت أطرافي ، وبلّل العرق البارد ظهري
مددت يدي وسحبت الستار بعنف ، ولم أعد إلى وعيي إلا
حين رأيت المنظر أمامي بوضوح
على مقربة ، اشتعلت نار كبيرة ، والناس جالسين منظمين حولها
كان عشاء الليل على وشك البدء
وسرعان ما جاء خادم لدعوتي
الطبق الرئيسي كان لحم الغزال الذي اصطاده شياو دو بنفسه ،
مُبهَّر بتوابل جلبها ملك وو شِي من مملكة تشي
رائحة طازجة ، شهية ، ولحم طري
لكنني قد تناولت المنشّط ليلة أمس فقط ، ولم أجرؤ على
لمس لحم الغزال —
اكتفيت بالفواكه الموجودة أمامي
تحدث أحدهم :
“ كان الإمبراطور الأكبر شجاعًا إلى حد مذهل في ساحة
السباق ، لكن شهيته ليست كبيرة
لا أدري … كيف تحمّله للخمر ؟”
رفعت رأسي ، ورأيت ملك وو شي ، بعد أن شرب نخب شياو لان يلتفت إليّ مبتسمًا وهو يرفع كأسه نحوي
وكان الخمر… دم غزال ممزوج بالنبيذ
كيف أجرؤ على تناوله ؟
كنت على وشك التوضيح ، لكن شياو دو سبقني :
“ الإمبراطور الأكبر تعافى مؤخرًا من مرض خطير ، وحاله لا
تسمح له بشرب الخمر
لا تُؤاخذنا يا ملك وو شي . سأشرب عشر كؤوس نيابةً عنه ”
ضحك شياو جينغ :
“ الأخ الخامس كريم واسع القلب ،
لقد سمعتُ أن دم غزال تشيلين هذا منشّط قوي ،
وأن هذا النبيذ يجعل المرء يسكر في الحياة ويحلم بالموت ”
رفع شياو جينغ كأسه ، لكن شياو مو انتزعها منه وشربها
دفعة واحدة — بطريقة متسلطة للغاية
ضحك ملك وو شي بصوت عالي :
“ هذا النبيذ يُسكر في الحياة ويحلم بالموت…
وأيضاً جميلات مملكة ميان يجعلنني أيضًا أثمل في الحياة وأحلم في الموت !"
وبينما يتكلم ، ثبّت نظره الوقح على الأميرة الرابعة شياو يوان
وقال بلا خجل:
“ أتساءل… هل سيُنعم عليّ القدر وأتزوج أميرة من مملكة ميان ؟”
لم أتوقع أن يطلب ملك وو شي الزواج بنفسه قبل أن يعرض
شياو لان الفكرة ——
لكن شياو يوان كانت مخطوبة أصلًا لأمير من مملكة لين —-
لا يمكن لشياو لان أن يزوّجها لهذا البربري
نظرتُ جانبًا إلى شياو لان أنتظر رده
وبعد صمت طويل ، ضحك شياو لان :
“ ابنتي الصغيرة مخطوبة ، لكن عائلة شياو لديهم أميرة أخرى ، مقامها رفيع…
جديرة بمحارب شجاع مثل ملك وو شي
لكنها … أكبر سنًّا قليلًا .”
نظرت نظرة سريعة إلى الأخ السابع
كان رأس شياو شون منحني ، يشرب النبيذ بصمت
العروق بارزة على ظهر كفه ، ومفاصله مشدودة حد البياض
نحن أبناء العائلة الإمبراطورية… لم نكن يومًا مسؤولين أقدارنا
وإن خرجنا من الجذر نفسه… إلا أن طرقنا تتشعّب إلى
نهايات متعاكسة تمامًا
الأميرة تشانغ جي … تلك الجميلة التي سلبت العقول —
لم يُسمح لها بالعيش مع من تحب ،
ولا حتى باعتزال الدنيا تحت ضوء مصباح أخضر بجوار بوذا عتيق
اجتاحتني موجة حزن… من أجل الأخ السابع ، وأختي
الخامسة ، ومن أجلي أنا أيضًا
غطّيتُ يده الباردة بكفي وضغطت عليه قليلًا
ارتجفت يد الأخ السابع وهو يضع كأس النبيذ جانبًا
سقطت قطرة من النبيذ الأحمر على ظهر يدي… كأن عينه العمياء تبكي دمًا
لكن بعد الحزن … شعرت بالفرح
لأن أخي السابع في هذه اللحظة ، كان يرغب في قتل شياو لان أكثر مني بكثير
بعد الوليمة ، جاء طقس التضحية المعتاد الذي يتبع كل صيد كبير
الشخص الذي تقدّم نحو النار مرتديًا معطف ليس الكاهن
فاي يان… بل كاهنًا شابًا لم أره من قبل
وهذا يعني أن شياو لان دسّ رجاله داخل أكثر حصوني
صلابة… يخطط لاقتلاعها من جذورها
حدّقتُ في قرون الغزال الموضوعة فوق النار… شعور بالخطر ينتشر داخلي مثل تلك الشقوق الحمراء المتفشية
غمس الكاهن القرون في الماء ، وحدق طويلًا في الدخان الأخضر الذي ارتفع فجأة
قال بصوت هادئ :
“ جلالتك … إنها علامة سوء عظيمة .”
ساد الصمت المكان
تقدّم شياو لان
لا أعرف ما الذي رآه داخل ذلك الدخان… لكن مزاجه تبدّل في لحظة
لم يعد راغبًا في الشرب أو الحديث مع ملك وو شي
أمر بإرسال بعض الجواري لخدمته ثم دخل خيمته وحده
كنت قد نمت نهارًا ، فكان من الطبيعي أن يزورني الأرق ليلًا
وبما أن الهرب صار مجرّد حلم ، فقد قررت أن أذهب لمقابلة ملك وو شي
لكن حين اقتربت من خيمته ، سمعت أصوات المتعة
الصاخبة من الداخل
لم أستطع إلا أن أتنهّد … { البرابرة حقًا أهل قوة…
وعاداتهم منفتحة حتى في بلاد غير بلادهم
وبما أنه منشغل مع النساء ، ليس مناسب أن أزعجه }
فخرجت أتجوّل وحدي
وما إن دخلت الغابة حتى لمحت شخص يخرج من خيمة أخرى
ثيابه تلمع تحت ضوء القمر كأنها قشور… فقفز قلبي
{ شياو دو؟
ماذا يفعل هذا الذئب الصغير في هذا الوقت ؟ }
اختبأت ، وراقبت
رأيت شياو دو يقفز بخفة داخل الغابة
فاتبعته بصمت
ومن بعيد ، رأيت رجلاً آخر يقفز من فوق شجرة… ثم يجثو أمامه
وبضوء القمر ، رأيت شعره الأشقر الفاتح ، والسيف المُقوّس
المعلّق على ظهره
وعندها أدركت فورًا …
{ إنه وو شا !! — الجنرال الشرس التابع لملك وو شي }
حبست أنفاسي وتركيزي كلّه انصبّ على ما أسمع
كان وو شا يتكلّم بصوت منخفض جدًا، بلغـة تشي القديمة
لا أفهم لغتهم الغامضة إلا قليلًا ، لكن من نبرة صوته أدركتُ
أن موقفه من شياو دو كان شديد الاحترام
{ معروف أن البرابرة لا يتّبعون التعقيد والصرامة في
الطقوس مثلنا والرسميات …
ولا يسجدون إلا لمن يحمل مكانة عظيمة جدًا …
فهل يستحق وليّ عهد مملكة أخرى أن يُعامَل بهذه المهابة ؟
وو شا… ملك وو شي… هل هناك صلة خاصة بينهم وبين شياو دو؟ }
امتلأ رأسي بالشكوك
لكن قبل أن أغرق فيها، رأيت وو شا يقف وينظر حوله،
كأنه شعر بأن أحد يراقب
ثم انخفض فجأة ، وبسرعة
وسمعت حفيفًا يقترب ، وفجأة… شعرت بوخز حادّ يشبه
الإبرة يخترق معصمي
رفعت ذراعي بسرعة ورأيت عقرب يلمع بين العشب
عرفتُ فورًا أن الأمر سيّئ
و في لحظة ، بدأ جسدي يفقد الإحساس
لم أعد قادرًا على الحركة
بقفزة واحدة ، اندفع وو شا نحوي ، سيفه في يده ، وهبط أمامي
أمسك عنقي ورفعني عن الأرض كأنني ريشة
ولمّا رأى أنه أنا —— تجمّد في مكانه
جاء صوت شياو دو من خلفه ، منخفض وحاد :
“ أنزله… فورًا !”
ترك وو شا يده
سقطتُ أرضًا وسعلت
السمّ بدأ ينتشر ، وصار التنفّس صعب
تقدّم شياو دو بخطوات واسعة ، رفعني وسندني
وعندما لمح الجرح النازف في ذراعي ، انحنى بسرعة ليمتص الدم ،
لكن وو شا أمسك كتفه وقال شيئ بلغة تشي
تجمّد شياو دو لحظة… ثم دفعه بعنف
حاول وو شا منعه من جديد ، لكن شياو دو وبخّه ،
فركع فورًا على ركبتيه ، ولم يجرؤ على الحركة
سألت بصوت مرتجف ، و صدري يضيق أكثر وأكثر :
“ ماذا… ماذا يحدث لي؟”
: “ عمّي الإمبراطوري تحمّل قليلًا "
مزّق شياو دو طية ردائه ، فظهر الجرح الذي قد ضمدته سابقًا
انسابت رائحة الدم ، وكانت نفاذة …
ولسبب لا أفهمه ، شعرت بعطش محموم ،
واضطررت لابتلاع ريقي رغبةً في الاقتراب من الجرح
اقتربت بلا وعي ، واستنشقت رائحة الدم
تفاجأت من نفسي
{ ما الذي يحصل ؟
هل… أردتُ شرب دم هذا الفتى ؟ }
تحملت بقوة ، عضيت شفتي
ضغط شياو دو بإصبعه على الجرح ، ثم وضع طرف إصبعه على شفتيّ
: “ يا عمّي الإمبراطوري … هذا العقرب من أرض البرابرة
لا يهدأ سمّه إلا بدم العذراء .”
عبس شياو لينغ بارتباك :
“ أأنت ما زلت أعذر ؟ ألم يمنحوك محظيّات…؟”
أنزل شياو دو عينيه :
“ أنا… لم ألمس أحد ”
لم أعد أستطيع التحمل، فأخذت إصبعه في فمي ولعقت
بعض الدم ، لكن ذلك لم يكن كافيًا لإرواء عطشي
: “ أكثر "
أخرج خنجره ، وشقّ ساعده ، وقدّمه إلي
أمسكت ذراعه بكلتا يديّ وشربت بشراهة…
حتى بدأ التنفس يعود إليّ
وبدأت إصابتي تلتئم ببطء …
و لم يبقى منه سوى نقطة حمراء صغيرة
تشبه شامة الزنجفر
سألت وأنا أتنفّس بصعوبة :
“ ما هذا السمّ ؟ لِما هو غريب هكذا ؟”
: “ إنه نوع من سحر الغو عند قبائل تشي ،
يا عمّي لا تفزع
هذا الغو لا يضرّ الجسد… لكنه فقط…”
: “ فقط… ماذا ؟”
: “ من الآن فصاعدًا ستحتاج إلى شرب دمي من حين لآخر
وسيتوقف ذلك… حين تذبل حشرة الغو وتموت .”
يتبع
سموم الـ غو / 蛊毒 :
هو نوع تقليدي من السُّموم في المعتقدات الصينية
القديمة —- يُصنع ويسيطَر عليه عبر طقوس خاصة .
---
1. طريقة الصنع : يُصنع عن طريق حشر مجموعة من
الحيوانات السامة (ثعابين، عقارب، سلاحف، حشرات...)
في وعاء مغلق ،
تلتهم بعضها البعض حتى يبقى الأخير والأقوى ،
هذا ' الفائز ' يصبح ' الغو ' الذي تُستخلَص منه سموم
أو يُستخدم ككائن روحاني —-
2. طبيعة السُم :
· سُم مادي : يمكن أن يكون مسحوق أو سائل ، يُضاف للطعام أو الشراب الخاص بالغو —- .
· كيان روحي/سحري: غالبًا ما يُعتقد أنه كائن روحاني خاضع لإرادة صاحبه (الساحر أو صانع الغو)
يمكن لهذا الكيان إلحاق الأذى عن بعد،
أو سرقة ثروة الضحية، أو التحكم في أفكاره وأحاسيسه (مثل التسبب في المرض أو الجنون).
لا بس منجد كان جالس يشرب د*مه 😮
ردحذف