Ch4 BFIHTE
حتى وصلا إلى بهو الفندق، ظلّ لين تشي يؤكد على لي تينغيان:
“حقًا، لن أتسبب لك بأي مشكلة إذا رافقتك إلى الزفاف؟”
كان قد اقترح الأمر باندفاع في البداية ، لكن بعد أن هدأ،
أصبح تفكيره أكثر وضوحاً
لين تشي شخص أعلن ميوله بصراحة أمام أصدقائه ، ولم
يكن ذلك يزعجه
لكن لي تينغيان — القادم من عائلة نافذة ، قد لا يملك الحرية نفسها
لمّح له قائلًا :
“ معظم الحضور سيكونون من معارفك ، إذا رأوني معك،
وجه جديد ، وفوق ذلك رجلًا ، ماذا لو وصلت إشاعات إلى عائلتك ؟
ألن يكون ذلك مزعجًا ؟”
أجاب لي تينغيان بهدوء :
“ لا يوجد ما يدعو للقلق ،
كثيرون هناك لا يعرفونني ، وحتى إن عرفوني ، فلا مشكلة .”
دائرة لي تينغيان الاجتماعية والمهنية كانت مختلفة تمامًا عن دائرة شو مو
صحيح أن بينهما بعض الأصدقاء المشتركين من أيام الدراسة ،
وهؤلاء متفهمون ولا يميلون إلى القيل والقال ،
بل ربما قد خمّنوا ميوله منذ وقت طويل
وأيضاً أغلب الحضور سيكونون من أصدقاء وزملاء شو مو
والعروس ، وهو لا يتعامل معهم كثيرًا
وفوق ذلك ، حتى لو لاحظ الناس شابًا وسيمًا إلى جانبه ، فما الفرق ؟
في عالم لي تينغيان، مثل هذه القصص لم تكن نادرة
فكّر لين تشي في الأمر ، وارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه :
“ إذًا لن أقلق "
هزّ كتفيه بلا مبالاة { ما دام لي تينغيان مطمئنًا
فما سيحدث لاحقًا لا يخصني }
تمدد بهدوء ، وشعر بألم خفيف في خصره من آثار شغف
الليلة الماضية ، فشكر سرًا هذا المقعد المريح
ألقى نظرة جانبية على لي تينغيان
بعد اتخاذ قرار اصطحابه إلى الزفاف ، هرعت مساعدة لي تينغيان وأحضرت له بدلة ،
بدلة جاهزة ، لكنها بدت وكأنها خيطت خصيصًا له —-
حتى ربطة العنق ، تولّى لي تينغيان تعديلها بنفسه
منذ لقائهما بالأمس ، كان لي تينغيان مهذبًا ولطيفًا على الدوام ،
رغم ما يحمله من إحساس خفي بالتفوّق ، إلا أن تهذيبه
المصقول كان يخفيه جيدًا
لكن الآن ، وهما يغادران الفندق ، وربما يقتربان من مكان
الزفاف ، أصبح أكثر صمتًا
جلس في المقعد الخلفي دون كلام ، ملامحه جانبية حادّة ،
وعيناه كأحجار كريمة خامدة—جميلة ، لكنها بلا دفء
كأنه شخص مختلف تمامًا عن لي تينغيان الأمس ،
ذلك الذي قبّله وعانقه بلا تحفظ
لكن لين تشي… كان يفهم
فكّر بتعاطف
{ لو أنا من هو على وشك مشاهدة زفاف الشخص الذي أحبه ، فربما كنت سأُفجّر المكان كله
لاا …
ربما أصلًا لن أحضر
و سأنفجر منذ لحظة استلام الدعوة —-
أمزّقها، أعيدها ، وأنهي ما يُسمّى صداقة من جذورها
لا أجيد التظاهر بالرقيّ أبداً }
…
بعد أكثر من ساعة ، وصلا أخيرًا إلى وجهتهما
نزل لي تينغيان أولًا ، ثم مدّ يده بأدب نحو لين تشي
لكن لين تشي تفاداه : “ لا داعي "
{ لست ضعيفاً إلى هذا الحد }
بعد نزوله ، رفع لين تشي نظره يتفحّص المبنى أمامه
قصر قديم تحيط به أشجار كثيفة
زفاف شو مو يُقام في قصر يعود تاريخه إلى قرن من الزمن،
تحيط به حدائق واسعة
عند المدخل ، الموظفون يستقبلون الضيوف
ورغم أنه حفل زفاف ، إلا أن الأجواء كانت هادئة
القصر، بألوانه الرمادية والبيضاء ، بدا ساكنًا في مطلع الربيع
النباتات الخضراء تسلّقت الجدران، تتخللها أزهار بيضاء صغيرة
دخل مع لي تينغيان
لم يبدوا حميميين أكثر من اللازم ، حافظا على مسافة لائقة ،
لكنهما سارا جنبًا إلى جنب بانسجام واضح ، مما جذب
بعض النظرات من الضيوف
بعد المرور عبر الجزء الرئيسي من القصر ، وصلا إلى الفناء الخلفي
هنا، أصبح الضحك والموسيقى أوضح
لكن لي تينغيان توقّف
تبع لين تشي نظره ، فرأى مركز الاهتمام—العريس والعروس
يتحدثان مع الضيوف غير بعيد ، قرب ممر مزيّن بالزهور
أول ما جذب انتباهه كانت العروس
ترتدي فستان زفاف أبيض بقصّة ذيل السمكة ، بشرتها
سمراء مشمسة
ابتسامتها مشرقة ومنفتحة ، ليست جميلة بالمعنى
الكلاسيكي ، لكنها محبّبة من النظرة الأولى
حيوية في الحديث ، ساحرة بطبيعتها ، صريحة ودافئة
أما العريس، فكان أكثر تحفّظًا وهدوءًا ، يكاد يكون خجولًا
تمامًا كما وصفه لي تينغيان—وسيم، مثقف، بطبع لطيف
بالمقارنة مع لي تينغيان، قد يبدو أقل بروزًا،
لكن شمس ذلك اليوم أضاءت الفناء، والأقواس المزهرة امتدّت فوق العشب،
والعروس والعريس وقفا جنبًا إلى جنب، يتبادلان نظرات مفعمة بالمحبة
حتى لين تشي — الغريب عن المشهد — شعر أنهما منسجمان تمامًا
فكّر لين تشي دون قصد { لا عجب أن لي تينغيان لم يكن له فرصة ..
إنهما حقًا متحابّان ومتكاملان ...
مثل هذه العلاقات، تكون بطبيعتها مستقرة }
حدّق لي تينغيان في الزوجين ، ثم همس أخيرًا :
“ يبدو سعيدًا أليس كذلك؟”
احتاج لين تشي لحظة ليدرك أن لي تينغيان يقصد شو مو
: “… صحيح "
عاد لي تينغيان إلى الصمت ، وانخفضت رموشه قليلًا
وقف مع لين تشي في زاوية الممر ، بجانب أعمدة بيضاء منقوشة
كان الضوء هنا خافتًا فجأة ، لم يبقَى منه سوى وهج
ضعيف فقد دفئه على وجهه ،
فأنار جبهته وحاجبيه فقط
ظلّ صامتًا، غارقًا في أفكاره
حتى هذا الشرود لم يدم سوى دقائق قليلة
بعدها تقدّم مع لين تشي نحو الفناء
: “ أخيرًا وصلت "
لمح شو مو لي تينغيان، فأضاءت عيناه
فتح ذراعيه بلا تفكير، وعانقه عناقًا قصيرًا
ربّت لي تينغيان على كتفه ، مبتسم ، دون أن يظهر أي أثر للحزن السابق :
“ آسف على التأخير . مبروك زفافك .”
ثم التفت إلى العروس بجانبه ،
بعد أن أفلت شو مو — مدّ يده وصافحها ، وقال مرة أخرى:
“ مبروك زفافك يا آن تشن ،
تبدين جميلة اليوم ، أجمل عروس رأيتها .”
انفجرت تشاو آن تشن بالضحك.
“أنت بارع في الإطراء يا تينغيان.”
كانت قد لاحظت لين تشي واقفًا إلى جانب لي تينغيان منذ قليل
وبعد أن أفلت لي تينغيان يدها ، سألت بفضول :
“ ومن هذا ؟”
ابتسم لين تشي ابتسامة مهذبة :
“ مرحبًا ، أنا لين تشي "
لكنه لم يُكمل التعريف بنفسه ، بل نظر إلى لي تينغيان
تولّى لي تينغيان الأمر ، مختصرًا :
“ صديق لي، حضر معي الزفاف .”
كان هذا التعريف كافيًا في الأصل ،،
لكن حين لاحظ نظرة الحيرة على وجه شو مو وهو يتنقّل
ببصره بينهما ، شعر لي تينغيان بوخز خفيف في قلبه ،
فتجاوزها بابتسامة ، وأضاف بنبرة هادئة :
“ لم تكن تريدني أن أحضر زفافك وحدي ، فطلبت منه أن يرافقني "
رفع لين تشي حاجبه
{ هل أقول شيئًا أم لا ؟ }
كلمات لي تينغيان كانت تُتعب رأسه—كريم أكثر من اللازم،
ومشحونة بشيء من الشفقة
لكنه تذكّر مهمته اليوم ، فتعاون بسلاسة
و مدّ يده وأمسك بذراع لي تينغيان بلا تكلّف ،
ثم ابتسم عندما مرّت نظرة شو مو عليهما
شو مو : “ أنتما …”
شو مو لم يكن غبي —-
إحضار شاب وسيم كهذا إلى زفافه — إن لم يفهم نية لي
تينغيان الآن، فسيكون ذلك محرجًا
لكنه تجمّد لوهلة
لم يسبق له أن فكّر في الأمر من هذا المنظور
تنقّلت عيناه بين لي تينغيان ولين تشي، وهو أصلًا قليل
الكلام، والآن زاد ارتباكه
لحسن الحظ قرصته تشاو آن تشن بخفّة ، فأعادته إلى
الواقع بسرعة
و في النهاية ، لم يسأل أكثر ،
ابتسم ابتسامة عاجزة ، ألقى نظرة على لي تينغيان، ثم
صافح لين تشي بأدب
“ مرحبًا ، أنا شو مو
صديق لي تينغيان منذ سنوات طويلة . تشرفت بلقائك .”
كانت مصافحته لطيفة
صافحه لين تشي أيضاً ، محافظًا على هدوئه وابتسامته :
“ سمعت لي تينغيان يذكرك كثيرًا ،
أعرف أن علاقتكما قريبة ، لذا تجرأت وجئت معه ،
آمل ألا تمانع .”
: “ بالطبع لا "
تبادلوا بعض المجاملات ، ثم عانق لين تشي العروس أيضًا
كانت فعلًا شخصًا مرحًا، تضحك وتثني على وسامته، مما
جعله يشعر بالارتياح
لكن سرعان ما وصل ضيوف آخرون ، فلم يطيل لي تينغيان
ولين تشي الوقوف
بدأت مراسم الزفاف الرسمية عند الخامسة مساءً
جلس لين تشي إلى جانب لي تينغيان
هذه أول مرة يحضر فيها لين تشي زفافًا بهذه الرسمية ،
فبدا له الأمر جديدًا تمامًا
كأنه يشاهد فيلمًا—مساحات مغطاة بالزهور ، روائح عطرة في الهواء ،
جدران من الطوب الرمادي المزرق ، وزجاج ملوّن يتلألأ تحت أشعة الشمس
دقّ الجرس الذي يعلن بدء المراسم
ظهرت العروس عند الطرف الآخر من السجادة الحمراء
لم يكن والدها يرافقها؛ مشت وحدها، تتبعها فتاتان
صغيرتان تحملان الزهور، بينما العريس ينظر إليها بعينين تلمعان
صفّق لين تشي مع الجميع
شاهد العروسين يتبادلان الخواتم تحت قوس الزهور ،
يقسمان ألا يتخلّيا عن بعضهما في الفقر أو الغنى، في الصحة أو المرض
لكن وسط التصفيق والهتافات ، ألقى نظرة جانبية على لي تينغيان
بين الضيوف المتحمسين ، بدا لي تينغيان فعلًا في غير مكانه
كان يصفّق ويبتسم لكنّه كان هادئًا أكثر من اللازم
المساحة من حوله ، والمكان الصغير التي جلس فيها ،
بدت كأنها طبقة أخرى من العالم
حماس الآخرين كانت تأتي من عالم بعيد
كان جالسًا بهدوء، محاطًا ببحر شاسع غير مرئي، يعزله عن كل شيء
ومع ذلك، حافظ طوال الوقت على وقاره وهدوئه، وأدّى دوره بلا نقص
تباطأ تصفيق لين تشي
لم يكن لين تشي شخصًا عاطفيًا ، ولا كان يعتقد يومًا أن
المشاعر شيء جميل أو ثمين على نحو خاص
كان يؤمن بالاستمتاع بالحياة كما تأتي
لكن وهو ينظر إلى لي تينغيان، راوده في لحظة عابرة ذلك
الإحساس بالضيق ، وكأنه تردّد في صدره دون قصد
{ أي نوع من الألم ذاك — أن تشاهد الشخص الذي تحبه يتزوّج ؟
سواء كان ذلك الحب عميقًا أو سطحيًا ؟
لا أعرف
ولا أريد أن أعرف .. }
عندما انتهت المراسم، وحين ألقت العروس باقة الزهور إلى الخلف،
مدّ لين تشي يده وربّت برفق على كتف لي تينغيان،
في إيماءة مواساة
وفي اللحظة نفسها تقريبًا ، سقطت باقة من الأعلى
وارتطمت برأس لين تشي مباشرةً
حتى رأى النجوم تتراقص أمام عينيه
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق