Ch5 BFIHTE
: “ ما الذي يحدث بحق السماء ؟”
بعد انتهاء مراسم الزفاف ، بدأ حفل كوكتيل حرّ
كان لين تشي يحمل باقة الزهور ، وملامحه مزيج من الحيرة والحرج
فور انتهاء المراسم ، ووفقًا للتقاليد ، ألقت العروس باقة الزهور إلى الخلف
لكن من غير المتوقع أنها ارتطمت مباشرة برأس لين تشي، حتى كاد يترنّح
ضحك الحضور وبدأوا يصفّقون له، ما جعله في غاية الإحراج
فكّر حتى في أن يناول الباقة لإحدى الفتيات، لكنهن تراجعن جميعًا
كما لو أنهم يلعبن لعبة تفادي الكرة ، يضحكن
ويُلوّحن بأيديهن رافضات
وفي النهاية، تدخّلت العروس بنفسها
قالت تشاو آن تشن بابتسامة ، وهي تنظر إلى لين تشي
الواقف بجانب لي تينغيان، وفي عينيها لمعة عبث:
“ من تصيبه الباقة يحتفظ بها — هذا قدر
عليك أن تقبل به "
تبادل لين تشي نظرة مع لي تينغيان، ثم تنهد بلا حول ولا
قوة، وابتسم وهو يومئ برأسه
لم يكن ليُثير مشهدًا في مثل هذا المكان، فلم يجد حلاً غير قبول الأمر
وهكذا ، جلس الآن مع لي تينغيان تحت شجرة في فناء
القصر ، في زاوية غير لافتة وسط الحشود
و الباقة لا تزال في يده : تنسيق رقيق من أزهار الشمع
البيضاء ، والورود الوردية — تتداخل الورديّات مع الأبيض،
تتخللها لمسات خضراء —- كانت جميلة ومتقنة حقًا
لين تشي:
“هذا أمر سخيف فعلًا. الباقة الوحيدة في الزفاف، وتنتهي في يد شخص عابر مثلي .
لو لم ألتقِ بك، لما كنت هنا أصلًا .”
نظر لي تينغيان إلى تعابير وجه لين تشي المتأزمة ، وضحك بخفة مازحًا :
“ حسب التقاليد ، من يلتقط باقة الزفاف يكون التالي في الزواج ،
ربما حظك أفضل من غيرك.”
: “ انسَى الأمر ...” هزّ لين تشي رأسه ، وارتسمت على وجهه ملامح عدم تصديق :
“ أنا رجل مثلي ، أي زواج هذا الذي تتحدث عنه ؟”
ثم نظر إلى لي تينغيان بريبة وأضاف:
“ انتظر… لا تقل إنك تفكّر في الزواج أنت أيضًا ؟”
سيكون ذلك مثيرًا للسخرية فعلًا
أومأ لي تينغيان برأسه ، وذكّره بهدوء:
“ الأمر قانوني في الخارج . ويوجد كثير من الأزواج من نفس
الجنس يتزوجون ويحصلون على اعتراف رسمي .”
لين تشي بلا تردّد : “ حتى هذا غير وارد ،،
حتى لو كان الزواج ممكنًا ، فأنا ضد الفكرة أصلًا ،
وأيضاً لم أقع في حب أحد بصدق ، فكيف أستقر ؟”
كانت علاقاته السابقة كلها عابرة ، مجرّد مرافقة مؤقتة ،
كان يوضح لهم منذ البداية أنهم ليسوا عشّاقًا ،
خلال العلاقة ، لا يخون ولا يعبث ، لكنه لا يستطيع أن يمنح حبًا صادقًا
كان يملّ بسرعة
شاب ، جميل ، وشخصيته جذابة
وُلد ليكون سيّد ساحة المواعدة
لم يُفاجأ لي تينغيان بكلام لين تشي
كان يبدو فعلًا كذلك —-
كخيط من الدخان ، يأتي ويذهب بحرية ، لا يُمسَك إلا لحظة ، ولا يمكن امتلاكه
لم يسأله المزيد
لكن لين تشي وهو يراقب شو مو يرقص مع العروس في البعيد ، سأل فجأة:
“ أنا فضولي … لماذا تحب شو مو؟ هل تخيّلت يومًا أنك قد تتزوّجه ؟”
كان ينظر إلى لي تينغيان بتركيز شديد
وأضاف بصراحة :
“ اعذرني على صراحتي ،، هو وسيم وطبعه جيد
لكن… أهذا كل شيء ؟
على مدى كل هذه السنوات ، ألم تقابل أحدًا أفضل ؟
لما لم تستطيع أن تتخطاه ؟”
تردّد لي تينغيان ،،، ثبت نظره إلى الأمام ، حيث كان شو مو
يرقص مع العروس
ذلك الرجل الهادئ المتحفّظ ، الذي يحتضن زوجته الآن ،
مفعمًا بالحنان ، يُظهر مشاعره دون أي تحفظ
لم يكن لي تينغيان يمانع أن يشارك لين تشي أفكاره ،
لكنه هو نفسه لم يكن قادرًا على شرحها بوضوح
فقال :
“ لا أستطيع حقًا أن أحدد ما الذي يعجبني فيه ،،،
في أيامي الدراسية ، ساعدني كثيرًا
كنت سيئ المزاج وقتها ، وصحتي لم تكن جيدة لفترة طويلة ،
و كان يأتي لزيارتي دائمًا ، حتى عندما أكون عصبيًا وفظًّا معه ، لم يكن يضايقه ذلك ،،
كان يلتقط الكتب التي أرميها على الأرض ، يرتّبها ، ثم يحضر
رقعة الشطرنج ليلعب معي .”
بالنسبة لشو مو — لم يكن الأمر إعجابًا فقط ، بل كان أيضًا
حنينًا إلى الشباب
كان مثل أشعة الشمس المتناثرة التي تتسلل عبر أوراق
الشجر الخضراء الكثيفة وتسقط على أوراق الامتحان فوق
المكتب ؛ نابضة بالحياة ، دافئة ، ولا تُنسى
تابع :
“ إنه مثل تفاحة معلّقة خارج نافذتي ، أراه كل يوم ،
أعرف جيدًا أن هذه التفاحة ملك لجاري ، لكنني مع ذلك لا
أستطيع أن أتركها .”
ثم أضاف ، ونظره ثابت كقاضي محايد ينطق بحكمه على نفسه :
“ لكنني لم أتخيل يومًا أي نهاية بيني وبينه ، فضلًا عن الزواج ،
أنا أعرف تمامًا أنه لا توجد أي إمكانية بيننا .”
تأثر لين تشي بما سمعه
هذا شيء لم يسمعه الليلة الماضية
شعر بالحنين الكامن في كلمات لي تينغيان، وفكّر
{ هكذا إذن ….
حب أول في الشباب ، مع شخص لطيف ودافئ ، رافقه في
أكثر فتراته ألمًا }
نظر إلى العروسين المتعانقين أمامه ، ومرّت نسمة خفيفة على جبينه ، ثم قال فجأة :
“ لكنني أشعر أن شو مو ليس الشخص المكتوب لك "
التفت لي تينغيان لينظر إليه
كان لين تشي ينظر إليه أيضًا ، وعيناه تلمعان كالأحجار
الكريمة في سماء توشك أن تغرق في الليل
تابع لين تشي :
“ سمعتُ للتو كلمة شو مو في الزفاف ،،،
قال إنه بقي أعزب لفترة طويلة قبل أن يلتقي بالعروس ،
بما أنه كان وحيدًا كل هذه المدة ، لماذا لم تفكر يومًا أن
تبادر نحوه ؟ أليس هذا غريبًا ؟”
ثم أضاف ، وكأنه لا يريد له مخرج :
“ لا تقل لي إنك كنت تخشى أن تفسد صداقتكما "
أشعل سيجارة ، و الغسق يبتلع ملامحه
أضاء وهج النار جانبه ، فبدا كلوحة كلاسيكية حيّة
تابع لين تشي :
“ من يحب حقًا يكون مستعدًا للمخاطرة بكل شيء ،،،
حتى لو واجه الرفض ، يطالب بإجابة
لا يمكنه أن يحضر زفافه بهدوء ، ويتمنى له السعادة وكأن شيئًا لم يكن "
كانت كلمات قاسية
لكن لي تينغيان لم يغضب
طبيعته عقلانية وهادئة ، يصعب استفزازه
اكتفى بالنظر إلى لين تشي بصمت
تابع لين تشي:
“ كنتَ ستفعل أي شيء، بغضّ النظر عمّن يقف إلى جانبه،
رجلًا كان أو امرأة ،
طالما وُجدت فرصة، لكنتَ انتزعته ،،
بدلًا من أنك تفضّل خسارته ، يبدو أنك لم تكن مستعدًا
لتجاوز حواجزك النفسية من أجله ،، أليس كذلك ؟”
بعد أن أنهى كلامه ، نظر إلى لي تينغيان بهدوء
قال ذلك بثبات ، وكأن كلماته حقيقة كونية لا تقبل الجدل
الليل يزداد عمقًا
وأضواء العشب بدأت تشتعل واحدة تلو الأخرى ، ناشرة
وهجًا خافتًا حولهما
فكّر لي تينغيان وهو ينظر إلى الرجل الذي قال قبل قليل إنه
لم يقع في حب أحد قط، لكنه الآن يتحدث بثقة خبير في العواطف
بدا الأمر غير موثوق، كأنه دجّال بارع
لكن بعد تفكير طويل ، ضحك بخفة
و قال :
“ ربما "
{ ربما لين تشي على حق }
تذكّر غرفة الدراسة في البيت القديم، النافذة الخضراء
الداكنة، شو مو متكئًا على السرير، يمسك بمنظار يراقب
الببغاوات، ثم يلتفت ليبتسم له
في السنوات العشرة منذ تعرّف إلى شو مو — حتى في أكثر
فترات شبابه تهورًا ، لم يفعل يومًا شيئًا متهورًا من أجله
لكن هذا النوع من الحب…
كان يبدو له حدّه الأقصى ، وأعلى قيمة يمكنه تقديمها
على الأقل، هذا ما كان يظنه الآن
فرقع لين تشي أصابعه بانتصار خفيف عندما اعترف لي تينغيان ضمنيًا بكلامه
رفع كأسه، ثم دفع بكأس لي تينغيان نحوه، ولامس الكأسان بعضهما برفق
لين تشي:
“ لا أقول هذا للسخرية منك ،، أريد فقط أن أقول إن لديك
فرصة لتقابل الشخص المناسب ...”
نظر إليه :
“ أعتقد أنك ستقابله "
رغم أنهما لم يتعارفا منذ وقت طويل ، وجد لين تشي لي
تينغيان شخصًا مريحًا
ولهذا يتمنّى له الخير بصدق
أما لي تينغيان، فلم يُبدِ رأيًا قاطعًا ،،
رفع كأسه أيضاً وارتشف رشفة ،،
الكوكتيلات خفيفة الكحول ومائلة إلى الحلاوة ، لا تناسب
ذائقته كثيرًا ، لكنها ملائمة تمامًا لزفاف مغمور بالسكر والسعادة
رد لي تينغيان :
“ ربما "
بعد لحظة صمت ، سمع لين تشي يبدأ في الدندنة بنغمةٍ نشاز قليلًا
وفجأة سأل :
“ وأنت ؟ ألا تريد أن تلتقي بذلك الشخص المكتوب لك؟”
تجمّد لين تشي فورًا ، وبدا عليه الضيق :
“ لا، شكرًا "
ظهر في نبرته شيء من الاستخفاف :
“ هذا النوع من الأمور لا يناسبني "
أخيرًا ضحك لي تينغيان —-
كانت أول ضحكة صادقة له اليوم ——
استمر الزفاف حتى وقت متأخر من الليل ،
وبعد الواحدة فجرًا ، أوصل لي تينغيان لين تشي إلى منزله
ورغم أن كلمة ' منزل ' لم تكن دقيقة تمامًا ؛ فقد كان
مجرد مسكن مستأجر مؤقت ، لم يمضِ على انتقال لين تشي إليه سوى أكثر من شهرين
يقع في حيّ بعيد نسبيًا ، بمرافق قديمة ، لكنه محاط
بالمنازل والمتاجر ، مما يجعل الحياة فيه مريحة
توقف السائق عند مدخل الحي ، وانسحب بلباقة ، تاركًا لي تينغيان ولين تشي وحدهما
كان واضح أن لي تينغيان غير معتاد على مثل هذه الأماكن ،
ألقى نظرة على الأضواء المرتعشة والأبواب الحديدية البالية في الممر ،
ورغم الفارق الكبير عما اعتاده ، لم يُظهر أي انزعاج ، بل سأل بأدب :
“ هل تريد أن أصعد معك ؟”
ضحك لين تشي:
“ لستُ فتاة تقلق على سلامتها في منتصف الليل "
كان ينوي أن يمزح ، و أن يقول له إن الخطوة التالية بعد
إيصال شخصٍ إلى منزله غالبًا تكون دعوة للدخول ، وأحيانًا حتى المبيت
لكن أمام تعبير لي تينغيان الجاد ، اكتفى بالابتسام وهزّ
رأسه، متراجعًا عن السؤال
لقد نزلا من السيارة ووقفا متقابلين
لم تفصل بينهما سوى خطوات قليلة عن المدخل
ما إن يدير لين تشي ظهره ويدخل ، قد لا يلتقيان مرة أخرى في هذه الحياة
حين فكّر في ذلك ، شعر بوخزة ندم خفيفة.
ففي النهاية ، كان لي تينغيان فعلًا على ذوقه تمامًا
لين تشي:
“ أعطني أي عنوان تستقبل فيه الطرود ، وسأعيد هذه
البدلة بعد التنظيف الجاف .”
لم يكن يقصد التطفل على حياة لي تينغيان الخاصة ، لذا
شدد على أنها مجرد جهة استلام
لكن لي تينغيان هزّ رأسه :
“ لا داعي لإعادتها "
وقبل أن يستوعب لين تشي الأمر ، نظر إليه لي تينغيان
بنظرة لطيفة وصادقة وقال:
“ عمرك الآن اثنان وعشرون عامًا ، وستكون لديك مناسبات
رسمية في المستقبل تحتاج فيها إلى بدلة ،
لقد منحتني راحة كبيرة في هذين اليومين ، ولا أملك ما أردّ به الجميل ،
اعتبر هاتين البدلتين هدية وداع ، عربون شكر على الشراب
ومرافقتي إلى الزفاف .”
كان صوته دافئًا وصادقًا ، بلا أي أثر للتعالي أو الشفقة
كان يجيد هذا النوع من الأمور
فعلى الرغم من ملامحه التي تبدو بعيدة المنال ، كان حديثه
دائمًا مشبعًا بالتهذيب والرقي، مما يجعل من الصعب كرهه
لم يقل لين تشي شيئًا، واكتفى بالتحديق فيه
وبعد لحظة ، رفع حاجبه وقال:
“ حسنًا "
فالإصرار أكثر سيبدو تمثيلًا زائدًا ، كبطلة دراما ترفض المال بعنادٍ مصطنع
لكنّه نزع الخاتم الأسود من يده اليسرى ، ووضعه بلا مبالاة في إصبع لي تينغيان
“ لا أملك شيئًا آخر الآن ، فاعتبره تذكار "
ثم فاجأه بقبلة على خده
كانت في البداية قبلة خفيفة ، مهذبة ، تشبه تلك التي
منحها لي تينغيان له صباحًا
لكنها سرعان ما تحركت إلى شفتيه ،
أمسك لين تشي بمعصم لي تينغيان، وانحنى للأمام حتى
اضطر لي تينغيان إلى التراجع والارتكاز على باب السيارة
وعندما افترقا، كانا يلهثان قليلًا
انخفضت رموش لين تشي، وبقي نظره معلقًا بشفتي لي تينغيان،
ثم اقترب مرة أخرى، يعض شفتيه بخفة
لين تشي :
“ وهذا أيضًا جزء من هدية الوداع
شيء تتذكرني به… لأنك لن تجد بسهولة عاشقًا عالي
الجودة مثلي في المستقبل ~ "
قالها بثقة
ومع ذلك بدت مقنعة على نحوٍ غريب
وبالفعل ، كان يملك ما يؤهله لقولها
تحت ضوء القمر الخافت ، الحي هادئ ، لا يُسمع فيه سوى
أصوات حشرات الربيع
أنار مصباح الشارع وجه لين تشي، فبدا حيًّا ومتوهجًا، كأنه وردة متألقة
بعد أن قال ذلك، استدار ودخل المبنى دون أن يلتفت
اكتفى بالتلويح بيده للي تينغيان
ظل لي تينغيان واقفًا، يراقب ظهره حتى اختفى داخل الممر
وبعد وقتٍ طويل، خفّض نظره إلى الخاتم الذي تركه لين تشي في يده
خاتم جمجمة من Vivienne Westwood
ذوق لين تشي الصريح —-
ابتسم بخفة
رأى السائق لين تشي يغادر ، فعاد بهدوء إلى السيارة
جلس لي تينغيان مجددًا في المقعد الخلفي ، ومع ابتعاد
السيارة عن الحي ، ألقى نظرة من النافذة
ولعل ذاكرته الممتازة كانت السبب ؛ إذ تذكّر رقم المبنى
الذي يسكنه لين تشي ——
[ رقم 13 ]
يتبع
زاوية الكاتبة ✒️ :
لي تينغيان — ستصبح أكثر ألفة مع هذا الرقم في المستقبل ~ .
تعليقات: (0) إضافة تعليق