Ch63
قصر تشانغنينغ ———-
نمر ضخم ممدد على الشرفة ،
يتثاءب بينما يراقب تساقط الثلج في الخارج
داخل الغرفة ،
وقفت ثلاث أو خمس مزهريات من اليشم تحتضن أزهار
البرقوق المتفتحة،
ومع ذلك، لم يكن عبير الأزهار كافي لطمس الرائحة النفاذة
للدواء الصيني في الأجواء
على السرير ،
مينغ تشين قد أُجبرت للتو على شرب جرعة مهدئة،
والآن تنعم بنوم هادئ نادر
مراقبةً الشخص المستلقي فاقدًا للوعي تحت البطانية ،
جفناه المغلقان يخفيان عينيها اللتين كانتا دومًا صافيتين ،
جلست مورونغ يان بجانب السرير ،
تمرر أصابعها بحنان على خدها
تلمست بأطراف أصابعها بعض الندوب البيضاء على وجه مينغ تشين ،
ورغم أن الجروح قد التأمت ،
إلا أن اختلاف لونها عن بشرتها الأصلية كان واضح ،
مشوّهًا نقاء مظهرها المعتاد
وفي مجال رؤيتها ،
لاحظت مورونغ يان أن الأذن التي كانت طرية ذات يوم قد اختفت ،
ولم يتبقَ سوى ثقب أسود مكان أذنها اليمنى
و دون أدنى خوف ، بل بفيض من الحب ،
لمست الإصابة برفق ، تمرر أصابعها على حوافه
شفتا مينغ تشين المطبقتان باهتتين تمامًا ،
خاليتين من أي لون ،
باستثناء تمزق بسيط عند الزاوية بسبب الإطعام القسري اليومي ،
حيث ظهرت عليهما لمسة حمراء لافتة
أزاحت مورونغ يان خصلات الشعر عن جبينها،
ثم انحنت لتُقبّل شفتيها المغلفتين بأحمر الشفاه على
شفتي مينغ تشين، تلامسهما برقة
ورغم الرائحة المرة للدواء المنبعثة من فم النائمة،
لم تكترث الفتاة لهذا ، بل استخدمت دفء شفتيها لتوزيع
مرطب الشفاه عليها،
متوخية الحذر حتى لا تؤذي محبوبتها
شيئًا فشيئًا ، تحولت اللمسات اللطيفة إلى قُبلٍ ناعمة ،
تتردد أصداؤها الخافتة في الغرفة الخالية من أي شخص آخر
بيد مستندة إلى كتف مينغ تشين ،
تمددت مورونغ يان على السرير ،
القيود الحديدية حول خصرها وبطنها ،
والمثبتة في جسد مينغ تشين ،
تضغط عليها مسببة بعض الانزعاج ،
لكنها تجاهلت ذلك ، ملتصقة بها بإحكام
كانت قد سمعت بقصة ' الأميرة النائمة ' من سونغ شو تشينغ ،
ورغم أنها بدت غريبة ، لم تستطع سوى تصديق تأكيداتها الجادة
{ لا …
عليّ أن أُصدق ذلك
آ-تشين أنتِ أثمن شخصٍ لدي ...
بلا شك
إذن، يمكنني إيقاظك أليس كذلك ؟ }
لفَّت مورونغ يان ذراعها حول خصر من تحتضنها ،
ودفنت وجهها في عنقها،
وكأنها تحاول تهدئة الاختناق الذي شعرت به في صدرها،
و تتنفس بعمق
{ حين تستيقظين ، سنهرب من هنا
من هذا المكان الذي يطاردني ليلًا ونهارًا
هذه المرة، سنذهب معًا، وأينما نكون ، سنكون معًا }
تلمست أصابع مورونغ يان عظمة الترقوة لدى مينغ تشين،
تداعبها برفق ذهابًا وإيابًا
اقتربت منها أكثر ، وكأنها تريد أن تندمج بها تمامًا
لكن فجأة ، سمعت خطوات في الرواق ،
تلاها صوت طرق خفيف على الباب ،
ثم دخلت سونغ شو تشينغ
اعتدلت مورونغ يان فور سماع الصوت ،
وعانقت مينغ تشين بحماية ،
و شعرها الأبيض متناثر ،
وعيناها الباردتان مثبتتان على القادمة
ولكن ما إن أدركت أنها سونغ شو تشينغ،
حتى استرخى جسدها المتوتر
ألقت مورونغ يان نظرة سريعة على سونغ : “ أنتِ ….”
ثم تجاهلتها تمامًا، غير مكترثة بنظراتها،
بل انحنت لتُقبل صدغ تشين : “ لا عجب أن هو إير سمح لكِ بالدخول .”
لم تكن تحب أن يقاطعها أحد ،
خاصة حين تحصل على فرصة نادرة لملامسة مينغ تشين وهي نائمة بسلام
فتحت سونغ الصندوق الطبي الذي أحضرته ،
وأخرجت الشاش والمرهم : “… الأميرة
لا ينبغي أن تجعلي هو إير يحرس الباب.
لقد كان الطبيب وانغ يشتكي للتو من مدى رعبه في كل مرة يأتي فيها لعلاجها .
ثم إنكِ أيضًا نصف مريضة ، دعي شخص آخر يعتني بتشين تشين…”
رفضت مورونغ يان ببرود : “ لا حاجة ….”
وقامت فوراً لأخذ الأدوات من يد سونغ ،
ثم انحنت لتضع المرهم بعناية على أطراف مينغ تشين
المتورمة : “ لا حاجة لتدخل الآخرين ،
كما أنني لا أريد أن يلمسها أحد غيري .”
و دون أن تتوقف عن عملها ،
رفعت مورونغ يان عينيها بصمت ،
و نظرة تحذيرية لسونغ ،
وكأنها تخبرها بأن السماح لها بالاقتراب كان بالفعل تنازل
راقبت سونغ الأميرة المتكئة على السرير،
بملابسها الفاخرة التي لم تستطع إخفاء الكدمات البارزة على جسدها،
وهي تعتني بحبيبتها بإخلاص دون كلل أو ملل
تنهدت بلا حول ولا قوة ، وهمست : “ أنتما الاثنتان حقًا شيء آخر ”
لحسن الحظ، تحسن حال تشين تشين بالفعل
فعدد المرات التي كانت تئن فيها ألمًا قد تناقص تدريجيًا،
ومعظم الوقت كانت تستلقي بهدوء دون مقاومة،
بفضل جرعات الدواء المهدئ
أما ما تبقى… فلم يكن بيدهم سوى تركه للمصير
انحنت سونغ شو تشينغ باحترام،
واستأنفت حديثها بجدية : “ أما فيما يخص ولي العهد المعزول .
فقد تم التعامل معه وفقًا للأوامر…”
لم تبدِي مورونغ يان اهتمام يُذكر لما قيل،
بل ظلت تنظر إلى من بين ذراعيها بحنان،
ولم تطرح سوى سؤال هادئ : “ كم من الوقت صمد؟”
: “ في المخزن …
لم يصمد حتى نصف ساعة .
بعد ذلك، تم تعليقه مع الدواء…” تذكرت سونغ تلك
الجروح الدقيقة المتشابكة على جسده ،
والتي بدت كحراشف السمك،
فقرصت إصبعها وهي تكمل : “ لم نصل حتى إلى الألف قطع ،
فقد سلّم روحه بعد ثلاثمئة فقط .”
: “ فقط ثلاثمئة؟ هل تم تعويض الباقي؟” سألتها مورونغ
يان بنفس هدوئها،
وهي تمرر يدها على وجه مينغ تشين،
وكأنها لا تناقش سوى الطقس
: “ تم التعويض ، والجثة أُحرقت حتى تحولت إلى رماد "
ثم داعبت شعرها : “ لكن المشكلة أن غدًا هو ليلة رأس
السنة ، لذا سأضطر إلى الانتظار لما بعد العيد حتى أرسل
شخص لنثر الرماد في الجبال .”
كشخص عمل في وظائف شاقة من قبل،
لم ترغب في إجبار مرؤوسيها على العمل الإضافي خلال العيد
أنزلت مورونغ يان عينيها،
وعلَّقت بنبرة خافتة : “ هل حلَّت ليلة رأس السنة بالفعل…”
التفتت إلى سونغ : “ أحسنتِ العمل، يمكنكِ الذهاب الآن.”
أدركت سونغ شو تشينغ أنها قد صُرفت بوضوح،
فحكت أنفها قليلًا،
والتقطت الصندوق الطبي
لكن قبل أن تغادر، قالت فجأة : “ إن كنتِ ستبقين هنا
للاحتفال بالعيد غدًا،
يمكنكِ السماح لي بالمجيء.
فأنا لا أفعل شيئًا سوى تمضية الوقت بلا هدف في القصر.”
لم ترد مورونغ يان، فقط تركت سونغ شو تشينغ تغادر
بعد رحيلها، نظرت مورونغ يان إلى الشخص أمامها،
ثم دفنت رأسها في صدر مينغ تشين،
وأمسكت بثيابها بإحكام، تهمس بصوت خافت،
“ما عدا البقاء إلى جانب آ-تشين…
أي مكان يمكن أن يُسمى وطنًا ؟”
—————————————
مينغ تشين تسقط
أو ربما لا
لكن الضوء أمامها يتلاشى، يصغر، ويبتعد أكثر فأكثر
وسط الصمت التام،
تدفقت فجأة ذكريات قديمة مغبرة إلى عقلها،
بعيدة لدرجة أنها لم تعد متأكدة مما إذا كانت حقيقية أم لا
" أين المال؟ ألم يبقَ لدينا مال في المنزل؟ "
" أنفقتَ آخر ما تبقى من المال على الخمر بالأمس "
" ألا يزال لدينا بعض الأغراض في المنزل؟
ألا يمكننا بيعها للحصول على المال؟ "
" لكن… لقد رهنتُ جميع أساوري بالفعل "
" كم أنتِ عديمة الفائدة! الآن
ليس لدينا مال لشراء الخمر، ولا حتى لشراء الحطب لفصل الشتاء!
لن نتمكن من اجتياز هذه الفترة العصيبة . "
" لا يمكنكَ الشرب بعد الآن.
ربما يمكنكَ الذهاب للعمل في مهام الحراسة.
لا يزال لدينا ثلاثة أطفال لإطعامهم في المنزل. "
" اذهبي، وبِيعي الفتاة. "
" ماذا ؟!
لكن… لكنها صغيرة جدًا،
حتى بيوت الدعارة لن تقبل بها. "
" هل تفضلين أن أتخلى عن ابننا إذًا ؟ "
" أنا… "
" ارميها في أي مكان فحسب ! "
مظلم جدًا —-
بارد جدًا ——
لم تكن مينغ تشين تعرف إن كان هذا البرد القارس بسبب الشتاء
أم بسبب الذكريات الكريهة التي مزقت جسدها بألم لا يُحتمل
كأنها تسقط في بحيرة،
شيء غريب يملأ رئتيها،
يحرق أنفها، ويدفعها إلى السعال بلا توقف
لكن كل سعال يجلب المزيد من الماء إلى داخلها،
حتى شعرت أن صدرها على وشك الانفجار
أرادت أن تصرخ طلبًا للمساعدة،
لكنها وجدت أن فتح فمها لم يفعل شيئًا سوى سحب
المزيد من الهواء بعيدًا،
ليحل محله المزيد من البرد…
والمزيد من الألم
الألم الحاد الذي غاب عنها طويلًا عاد الآن،
مذكِّرًا إياها بالماضي،
عندما كانت شظايا نفسها المكسورة لا تزال قادرة على
الشعور بعذاب تلك الأيام
{ كيف تحملته آنذاك ؟
هل صررت على أسناني وتحملت؟
لكن الآن… الألم أكبر من أن يُحتمل
ما الذي يجب أن أفعله ؟
أن أستسلم له ….
لا يمكنني سوى الاستمرار في الغرق،
فلا شيء آخر أستطيع فعله }
شيء ما التفَّ حول قدمها،
يسحب مينغ تشين ببطء نحو الهاوية
لكنها لم تبالي ، أغلقت عينيها
ففي النهاية، رؤيتها مظلمة بالكامل بالفعل، أليس كذلك؟
" آ-تشين … "
" آ-تشين .."
" استمري في العيش
من أجلي، استمري في العيش."
صوت الفتاة يتردد صداه،
ووسط ضباب وعيها،
لم تعرف مينغ تشين لمن يعود،
لكنها شعرت وكأن هذا الصوت المألوف قد تسلل إلى قلبها
منذ زمن بعيد جدًا
مع كل نداء ، شعرت وكأنها تُحتضن ، تُقبَّل
في الظلام حيث كانت وحيدة بوضوح،
كان ذلك الدفء البسيط نادر للغاية
و عمري اثنتي عشرة سنة …
ذات الرداء الأحمر
الحلوى
الصور في ذهنها بدأت تتضح تدريجيًا ——-
وكأنها عادت إلى ذلك العام ،
متكئة في حضن المرأة ذات الرداء الأحمر
تحت ضوء القمر ،
بدت وكأنها خلاصٌ هبط من السماء ،
جالبة معها نور ساطع طرد آلامها التي لا نهاية لها،
كفأر قابع في مجاري الصرف
ربما، وسط غفلتها، رأت بريق عيني تلك الفتاة ،
وابتسمت عندما أُطعِمَت حلوى الأرز الحلوة ،
وحينها… وقعت تشين الصغيرة بالفعل ،
وأودعت قطعة صادقة من قلبها بين يديها
وعيها المتحطم بدأ يجمع شتات الذكريات ،
مشاهد تتضح واحدة تلو الأخرى،
ممزوجة بالنداءات القادمة من الأعلى
مينغ تشين قاومت لتفتح عينيها،
محاولة أن ترفع نظرها لرؤية ذلك النور الوحيد في الظلام
{ إنها يان يان
الشخص الوحيد …
الشخص الذي ظل محفور في قلبي دائمًا…
السبب الوحيد لوجودي …
لطالما كان يان يان …
زهرة الفاوانيا خاصتي ….
… هل يان يان خاصتي تبكي ؟ }
دموعٌ متحجرة ، مقيدة ، لكنها تخترق القلب
" آ-تشين ، اشتقت إليك كثيرًا "
{ لا تبكِي }
" آ-تشين ، لا تتركيني "
{ زهرة الفاوانيا خاصتي ،
نوري … أرجوك ، لا تبكِي … }
" لا تموتي "
أرادت مينغ تشين أن تنطق بكلمات تواسيها ،
لكن ما إن حاولت حتى ابتلعها الماء ،
وغرقت الكلمات العالقة في أعماق قلبها دون أن تصل
{ يان يان ، أرجوك ، لا تبكي }
حتى وتشين غارقة في الأعماق ،
عرفت أن تلك الفتاة تذرف الدموع،
تبكي بصوت موجع،
وهذا الإحساس حطم قلبها ،
كان لا يُحتمل ، أشد وطأة من أي ألم في جسدها
أرادت أن تمسح دموع حبيبتها ،
و أن تضمها بلطف وتهدّئها ،
أن تمحو تلك الدموع المتدفقة على وجنتيها بقبلاتها
لكن ، عندما مدت يدها،
أدركت مدى عجزها وهي تغوص أعمق فأعمق
المسافة بينهما تزداد اتساع ،
لكن النداءات التي تتردد في أذنيها أصبحت أوضح،
وكل واحدة منها تهز قلبها بشدة
{ لا، هذا لا يُحتمل ….
لا أستيطع… لا أستيطع ترك يان يان وحدها تبكي … }
وسط صراع تشين في الماء ، شعرت بروحها وكأنها تتمزق إلى نصفين ،
ومع ذلك، استمرت في النضال لاستعادة السيطرة على جسدها
لم يكن في عقلها سوى شخص واحد،
شخص واحد فقط،
يحثها على التحرر،
على المقاومة،
على بذل كل ما في وسعها
{ يان يان
توقفي عن البكاء … }
أخيرًا ، ربما بسبب إرادتها التي لم تتزعزع ،
أو ربما لأن الصوت المنادي كان مؤلمًا للغاية ،
ارتخت القيود حول كاحلها قليلًا
في تلك اللحظة ، استغلت مينغ تشين الفرصة فورًا،
قاومت بعناد،
ومع أول إحساس بالحرية،
مدت ذراعيها إلى الأعلى
ساعيةً نحو النور ،
شعرت بجسدها يطفو ببطء إلى السطح
{ يان يان ! انتظريني ….
لا تبكي بعد الآن !! }
يتبع
Erenyibo: للتذكير
بالنسبة لهذا الجزء [ تحت ضوء القمر ،
بدت وكأنها خلاصٌ هبط من السماء ،
جالبة معها نور ساطع طرد آلامها التي لا نهاية لها،
كفأر قابع في مجاري الصرف
ربما، وسط غفلتها، رأت بريق عيني تلك الفتاة ،
وابتسمت عندما أُطعِمَت حلوى الأرز الحلوة ،
وحينها… وقعت تشين الصغيرة بالفعل ،
وأودعت قطعة صادقة من قلبها بين يديها ]
في الشابتر2
اول لقاء بينهم كان عمر تشين 12 سنه
تعليقات: (0) إضافة تعليق