Ch64
عندما شعرت مينغ تشين وكأنها شخص غريق تم إنقاذه ،
وكأنها أخيرًا تستطيع أن تأخذ نفس ،
اكتشفت أن عالمها أصبح غريب بعض الشيء
فتحت عينيها لكنها لا تزال غير قادرة على الرؤية ،
وعندما استمعت عن كثب اكتشفت أن الصمت يُخيّم على أذنيها
شعرت جسدها وكأنه خافت ، كما لو كان مغطى ،
و كل شيء يبدو وحيد ، و لا تزال في الظلام
لكن…
لا تزال تستطيع أن تشم رائحة الأعشاب الغنية من حولها ،
مختلطة مع رائحة خفيفة لزهور البرقوق ،
والأهم من ذلك…
{ رائحة الفاوانيا …..
يان يان ؟ … }
تحدثت مينغ تشين ، و شعرت أن حلقها وكأنه قد جُرح
برمل خشن ،
حاولت بصعوبة ابتلاع لعابها :
“ يان يان ...”
استمرت في مناداة اسمها ،
وبسبب الرائحة المهيمنة للفاوانيا،
كانت مينغ تشين مقتنعة بأن مورونغ يان لا بد أنها قريبة منها
حاولت الجلوس والتحسس حولها ،
لكنها اكتشفت أن عضلاتها شديدة التصلب ،
وأطرافها غير قادرة على الحركة ،
كما لو كانت مربوطة
{ هذه اللمسة الجليدية الباردة تبدو …
هل هي سلاسل ؟ }
: “ آ-تشين ؟”
سمعت صوت مألوف ،
مرتجف بحماس وفرحة لا يمكن إخفاؤهما
في وسط تغيير مورونغ يان ملابسها ،
و الحزام لا يزال غير مربوط ، اندفعت نحو السرير بملابس
نصف مفتوحة ،
و تعثرت تقريبًا في خطوتها لكنها لم تهتم
“ آ-تشين ، هل أنتِ مستيقظة ؟
هل هذا حقًا أنتِ ؟”
: “ يان يان ، يان يان هل أنتِ بجانبي ؟”
: “ آ-تشين أنا هنا "
صوت مورونغ يان يفيض بالعاطفة ،
تكاد تبكي من الفرح ،
قلبها يضج بفرحة هائلة ،
اقتربت يان أكثر ، جلست بجانبها،
لمست وجهها بحذر ،
خشية أن يكون هذه مجرد وهم آخر
لكن مينغ تشين واصلت تمتمة تساؤلاتها،
و يدها تحاول الوصول إليها لكنها لم تعرف إلى أين تمتد
“ يان يان أين أنتِ ؟”
“ يان يان هل أنتِ هنا ؟”
حبيبتها أمامها مباشرةً ،
لكنها لم تستطع رؤيتها،
و لم تستطع سماعها
توقفت مورونغ يان عن الحركة فجأة ،
حدقت في عيني مينغ تشين الداكنتين الفاقدتين للبريق ،
و شعرت ببرودة تعتصر قلبها
{ آ-تشين… لا تستطيع السمع ، ولا الرؤية ….
لقد استعادت وعيها ،
لكن حواسها…
لم تعد إليها بالكامل ….
اللعنة …. }
قبضت مورونغ يان يدها،
شعرت بأن الغرفة ضاقت عليها، و الهواء أصبح ثقيلاً
{ ذلك الأمير اللعين …..
كان يجب أن أكون أكثر قسوة ، أكثر وحشية ،
منذ البداية … }
لكن صوت مينغ تشين الضعيف ، المتلهف ،
أعادها إلى الواقع
“ يان يان أنتِ هنا صحيح ؟”
مستلقية على السرير ،
أخذت مينغ تشين نفسًا عميقًا ثم ابتسمت بخفوت عند
زاويتي شفتيها،
قائلة بصوت ضعيف : “ توجد رائحة يان يان ...”
تجمدت مورونغ يان للحظة ،
أجبرت نفسها على طرد الأفكار السوداء من عقلها
تقدمت بسرعة وجلست على حافة السرير،
تنظر إلى الشخص المستلقي أمامها
دفعت خصلات شعرها المنسدلة خلف أذنيها،
ثم انحنت بلطف لتلامس وجه مينغ تشين
“ آ-تشين أنا هنا "
ورغم معرفتها بأن من أمامها لن تسمع صوتها،
لم تتردد في تكرار كلماتها مرارًا :
“ أنا هنا آ-تشين ،
أنا هنا ...”
“ إنها حقًا يان يان أليس كذلك ؟”
مع ازدياد وضوح رائحة الفاوانيا في أنفها
ودفء اللمسة على خدها،
تأكدت مينغ تشين أن تخمينها كان صحيح ،
فخفق قلبها بسعادة
“ يان يان … لقد عدت "
تراكمت مشاعر متضاربة في صدر مورونغ يان — نشوة ،
دهشة ، شفقة ،
مرارة ، حزن — كلها امتزجت معًا ،
تختمر وتتضخم داخلها
غير قادرة على تمالك نفسها ،
انحنت لتعانق كتف مينغ تشين ،
و أصابعها تتشبث بثيابها بقوة ، حتى ابيضّت مفاصلها
انهالت بقبلاتها العشوائية على الشخص المستلقي أسفلها ،
وكأنها تحاول تحرير الألم الذي يمزق قلبها ،
راغبة في أن تصبحا كيانًا واحدًا ،
لكن المشاعر الغامرة لم تهدأ ،
بل استمرت في الهيجان داخلها
{ كان من المفترض أن يكون الأمر مبهجًا ،
كان من المفترض أن يكون استيقاظ آ-تشين أمرًا سعيد … }
ومع ذلك ، شعرت بوخز في عينيها ،
وبأنفها ينسد من الدموع التي تجمعت دون إرادة منها
غير راغبة في أن ترى العمياء دموعها،
دفنت مورونغ يان رأسها عميقًا في عنق مينغ تشين،
تعض على شفتها السفلى بإحكام
لكن حتى مع هذا التماسك ،
حتى مع هذا الصبر ،
استمرت الدموع الحارقة في التدفق من أعماق قلبها،
و تتساقط دون سيطرة،
قطرة تلو الأخرى، مثل نبع يتدفق بلا انقطاع من مصدره
شعرت مينغ تشين بالأنفاس الدافئة على كتفها
والقماش المبتل تحتها،
مما جعلها غير مرتاحة بشدة
غير قادرة على احتضان مورونغ يان،
لم يكن أمامها سوى أن تواسيها بهدوء : “ يان يان لقد عدت
لذا ، لا تبكي بعد الآن .”
لكن هذه الكلمات اللطيفة كانت أشبه بمطرقة ثقيلة ،
تحطم شيئًا فشيئًا آخر بقايا الصبر والتحمل لدى الفتاة التي بين ذراعيها
الهشاشة التي كانت مدفونة منذ زمن بعيد في زوايا قلبها
المظلمة بدت غير قادرة على البقاء مخفية أكثر،
مجبرةً كبرياءها على الانكشاف،
لتظهر كل ما حاولت يائسةً إخفاءه،
واضحاً تحت نور الشمس
“ آ-تشين أرجوكِ ، لا ترحلي مرة أخرى …
آ-تشين…
أيًّا كان الأمر…
مهما كان السبب ،
سواء كان استغلالًا أو شفقة …
أرجوكِ، ابقي بجانبي ،
عامِليني بلطف…
لا تتركيني مرة أخرى…”
لأول مرة ، الفتاة القوية التي طالما تماسكت ،
لم تستطع كبح شهقاتها ،
و تبكي بصوت مسموع أمام مينغ تشين التي لم تكن قادرة على السمع
لم تكن دموع مكبوتة ولا بكاء صامت
بل تفجُّرًا لكل المشاعر المكبوتة ،
تدفق جارف كالسد المنهار ،
صوت يصرخ ، ينوح ،
و يطلق العنان لكل ما احتجزته داخلها
وكأن طفلة منسية ، هجرها العالم كله ،
و وجدت أخيرًا شخصًا تستند إليه ،
فتحت مورونغ يان جراحها ، كشفت ضعفها ،
و كل شهقة، كل نحيب ،
حمل معها مظالمها وأحزانها المدفونة …
… وعذاب عدم القدرة على رؤية من تحب ،
مدّت تشين يدها لكنها لم تلمس شيئ ،
هذا الألم الذي يعتصر قلب يان …
لم تكن مينغ تشين قادرة على سماع أي شيء ،
ومع ذلك بدت وكأنها تشعر بألمها
فأمالت تشين رأسها وقبّلت جبين يان ،
وهمست في أذنها :
“ يان يان أنتِ فتاة رائعة ...
لا بأس ،،
لا تخافي ...
أنا هنا .”
و بشكل غير متوقع ، انسابت دمعة من عيني الحارسة العمياء ،
المظلمتين والخاليتين من النور ،
مختلطة بالفوضى الرطبة على كتفي مينغ تشين
لم تستطع الفتاة المستلقية فوقها أن تنطق ببكائها ،
لكن الشخص تحتها بإمكانه أن يشعر بالارتجافات التي تأتي من صدرها
تنهدت مينغ تشين بعجز ،
تُلوّي معصميها المقيدين بحثًا عن يد مورونغ يان المستندة على عمود السرير ، وأمسكتها بقوة
“ يان يان …”
و بإبهامها، بدأت تمسّد برفق على ظهر يد مورونغ يان الناعمة،
كأنها تواسيها
انتظرت مينغ تشين بصبر حتى تهدأ التي تعلوها
بعد مرور بعض الوقت،
ومع استقرار أنفاس مورونغ يان تدريجيًا،
نامت على كتف مينغ تشين،
وكأنها وتر مقطوع
عندها، قلبت مينغ تشين كف يدها،
وشبكت أصابعها بأصابع مورونغ يان،
ثم همست بصوت مبحوح ، وكأنها تقطع وعدًا
“ أنا آسفة ، أنا آسفة ...
لن أدعك تبكين مجددًا …”
عند استيقاظها ،
وجدت مينغ تشين أن جسدها لم يعد مقيد بالكامل
لكن، ولسبب غير معروف،
ظل القيد الحديدي حول كاحلها الأيمن،
مع سلسلة طويلة تمنحها حرية الحركة داخل الغرفة،
ولكن ليس خارجها
لم تمانع مينغ تشين،
فطالما كان ذلك قرار مورونغ يان، لم يكن لديها أي اعتراض
و بعد أن تحسست محيطها،
سرعان ما أدركت أنها في قصر تشانغنينغ
في جناح مورونغ يان ،
حيث كل شيء كما هو قبل مغادرتها
سمحت لها ذاكرتها المكانية المذهلة بالتنقل بسهولة
معظم الوقت،
حتى دون الحاجة إلى بصرها
ومع ذلك، كانت لا تزال تعتمد على عبير الفاوانيا بجانبها
لتحديد الاتجاهات
ربما بسبب فقدان حواسها الأخرى،
أو ربما لأن وجود مورونغ يان جلب لها الطمأنينة،
أصبحت مينغ تشين شديدة الحساسية والدقة لرائحتها
عندما شعرت بابتعاد الفتاة للحظة ،
والرياح الباردة تضعف العطر المنتشر في الغرفة،
أدركت مينغ تشين ذلك ولم تستطع منع نفسها من الشعور ببعض الكآبة
لكن عندما اقترب عبير الأزهار مجددًا،
عرفت أن حبيبتها عادت،
وحتى عندما غمر أنفها العطر القوي،
كانت غريزتها تدفعها لمد يدها واحتضان الجسد الناعم القريب منها
خصوصًا في الليل،
عندما تكون مينغ تشين تستنشق بهدوء رائحة أطراف شعر
مورونغ يان بين ذراعيها،
مذكّرة نفسها مرارًا قبل أن تغفو بأنها لن تُبتلع في الظلام مجددًا
أما في هذه اللحظة،
عندما امتزج عبير الفاوانيا النقي بروائح أخرى — رائحة
قوية للأعشاب الطبية ،
ورائحة عفنة مستمرة على الشخص القريب منها —
أدركت مينغ تشين أن من كان يأخذ نبضها بجانب مورونغ
يان لم يكن سوى الطبيب وانغ وي
مينغ تشين : “ وانغ وي أنت تفوح برائحة كريهة حقًا "
رغم أنها لم تكن قادرة على الرؤية أو سماع أحد،
ابتسمت مينغ تشين وتابعت : “ لا عجب أن تلك الطفلة
الصغيرة قالت إن لا أحد يريد زيارة منزلك .”
: “ همف حارسة الظل شياومينغ، ليس لديكِ أي فكرة عن
مدى سوء رائحتكِ عندما كنتِ فاقدة للوعي ...” و أزال وانغ
وي القماش الأبيض المستخدم في قياس النبض ،
رافضًا الاعتراف بالهزيمة : “ لقد كانت كريهة بشكل لا يُحتمل ، حقًا !”
: “… آ-تشين لا تفوح منها رائحة كريهة "
بدت مورونغ يان، الواقفة بجانبهما،
قلقة حقًا من أن تتأذى مشاعر الشخص الذي فقد حاسة السمع
فانحنت بلطف، لامسةً وجه مينغ تشين،
ثم قبلت قبلة حنونة على جبينها : “ أنا أحمم آ-تشين كل يوم،
آ-تشين لا تفوح منها رائحة كريهة ! "
: “ الأميرة حارسة الظل شياومينغ لا تستطيع السمع أيضًا،
فلماذا أنتِ…” قبل أن يتمكن وانغ وي، الذي لم يُظهر أي
تعبير، من إنهاء جملته،
قاطعته ركلة من سونغ شو تشينغ الواقفة بجانبه
و تدحرجت عيناه بضجر
وبخته سونغ شو تشينغ بصرامة :
“ لماذا تجادل مريضة لا تستطيع السمع ؟
إذا لم تستطع التحدث بشكل جيد ،
فمن الأفضل ألا تتحدث .”
وقبل أن تتمكن الأميرة من طرد هذا العجوز المجنون ،
تدخلت سونغ شو تشينغ بقلق واضح : “ كيف حال تشين تشين ؟
هل هي بخير ؟”
قال وانغ وي بجدية غير معهودة، مفكرًا للحظة :
“ أوه… لا يزال يوجد بعض السم في جسدها يحتاج إلى أن
يتم تصريفه ،
لذا علينا الانتظار. يجب أن يكون الأمر على ما يرام ...”
توقف للحظات : “ أما بالنسبة للحواس المفقودة ،
فقد تتعافى ببطء مع مرور الوقت .”
عندما رأى تعبير مورونغ يان القاتم،
تذكر وانغ وي تعليمات سونغ شو تشينغ السابقة،
فغير نبرته وقال : “ لكن بما أنها استعادت حاستي الشم
واللمس، أعتقد أن هناك فرصة جيدة لذلك .”
{ ربما }
وضع يديه على خصره وهز رأسه بثقة،
محاولًا إظهار بعض الاطمئنان : “ على أي حال، مع مهاراتي
الطبية المعجزة وقدرة حارسة الظل شياومينغ على
الصمود ، تمامًا كصرصور لا يُقهر ،
لا أعتقد أن هناك أي مشاكل كبيرة .”
عند سماع هذه الكلمات،
تنفست مورونغ يان الصعداء
وانحنت بامتنان عميق لوانغ وي،
معبرةً عن شكرها باحترام أكثر مما فعلت عندما عالجها سابقًا
———————————————-
في طريق عودة سونغ شو تشينغ مع وانغ وي إلى معهد
الطب الإمبراطوري من قصر تشانغنينغ،
تنهدت سونغ شو تشينغ وقالت : “ قل لي الحقيقة ،
ما هو وضع تشين تشين حقًا؟
رغم أنني لست بمهارتك ، إلا أنني أستطيع أن أرى أن
جسدها تعرض لضرر بالغ .
ما هو تقييمك ؟”
تنحنح وانغ وي : “ حسنًا… صحيح أن طاقة حارسة الظل
شياومينغ الحيوية مستنزفة …. لكنني لست متشائمًا بشأن
الحواس المفقودة ،،
رغم أنكِ طلبتِ مني أن أتحدث بإيجابية مع الأميرة قبل
ذهابي إلى قصر تشانغنينغ،
لم أكن أكذب تمامًا ….” رد العجوز وهو يحمل صندوق
الأدوية الخاص به،
ثم تابع : “ مهاراتي الطبية المعجزة وقدرة الحارسة
شياومينغ على الصمود ، مثل الصرصور ، لا تقدر بثمن حقاً .”
{ لا تزال هناك فرصة للشفاء
إذا حالفنا الحظ }
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق