Ch70 | حبيبي يأتي ليرى العشب على قبري
تسلّل ضوء الصباح عبر النافذة الخشبية نصف المفتوحة،
وانساب برفق داخل الغرفة
كان رُوان نيان غارق في دفء أنفاس تشو فِنغيون الحارة،
تلمست أصابعه ذراعه اليمنى المصابة،
وبين أنفاسه المتقطعة وهمساته الخافتة،
شدّ ذراع فنغيون المصابة دون وعي إليه…
فجأة، تأوه تشو فِنغيون تآوه خافت مكتوم
أفاق رُوان نيان من سكرته،
وسارع بالتراجع وهو يقول بقلق:
“ أنا… أنا لم أقصد! هل أنت بخير ؟”
ابتسم تشو فِنغيون، وقبض على أصابعه المتراجعة،
وقال مازحًا:
“ لا بأس… لكن ما رأيك أن تلمس مكان آخر ؟”
تجنّب رُوان نيان النظر إليه، وتمتم بتوتر:
“ لِمَ سألمسك أساسًا ؟”
ابتسم تشو فِنغيون بخفة:
“ حقًا لا تريد؟”
نظر إليه رُوان نيان سريعًا، ثم قال بغير اقتناع:
“ إن كنت… إن كنت مصرًّا على أن ألمسك
فليس الأمر مستحيلاً تمامًا…”
اقترب منه تشو فِنغيون وهمس عند أذنه:
“ وأين تريد أن تلمسني ؟”
تلعثم رُوان نيان، ثم ارتفع صوته قليلًا محتجًا:
“ لمَ تقول إنني أنا من يريد ؟
أنت الذي قلت لي أن ألمسك !”
قال تشو فِنغيون، بنظرة تحمل لمعان خافت :
“ وماذا لو قلت إنني أريدك أن تحبني ؟”
صمت رُوان نيان، وقد تسرّبت الحيرة إلى عينيه
تشو فِنغيون تابع:
“ أليس ذلك ممكنًا ؟”
تردّد رُوان نيان، ثم قال بخفوت:
“ ليس… ليس غير ممكن…”
ثم بدت عليه ملامح الغضب فجأة وأضاف :
“ لكن عليك ألّا تبتسم للآخرين بتلك الطريقة أبدًا !”
أومأ تشو فِنغيون:
“ حسنًا "
رُوان نيان بصرامة طفولية :
“ ولا يُسمح لك بالخروج إلى البحيرة مع أي أحد !”
أومأ مجددًا
رُوان نيان وقد بدأ يتنفس بثقة:
“ ولا يجوز أن تتجاهلني أيضًا !”
لكن هذه المرة ، لم يوافقه تشو فِنغيون فورًا ،
بل قال بنبرة هادئة :
“ وإن أحببتَ شخصًا غيري ، ألا يحق لي أن أغضب ؟”
تمتم رُوان نيان في حنق : “ لم أفعل!
أنا لا أحب .. غيرك أصلًا…”
ابتسم تشو فِنغيون وسأله بلطف:
“ يعني… لا تحب أحدًا غيري ؟”
تمسّك رُوان نيان بطرف اللحاف وشدّه إليه،
ثم قال بخجل وشيء من التحدي:
“ إذا كنت صادقًا… فقلها مرة أخرى !”
رفع تشو فِنغيون حاجبه بتساؤل:
“ أقول ماذا ؟”
ازداد احمرار وجه رُوان نيان، وتمتم:
“ قل… قل إنك تحبني…”
نظر إليه تشو فِنغيون مليًا، ثم قال:
“ أنت تحبني ”
: “ خطأ !” صاح رُوان نيان وقد انتفخت وجنتاه من الغيظ، “ قلت لك قل: أنا أحبك !”
ضحك تشو فِنغيون،
ثم انحنى ليقبّله قبلة خفيفة على خده وقال:
“ حسنًا… أنا أيضًا أحبك ”
تجمّد رُوان نيان لوهلة ،
لم يستوعب ما قاله إلا بعد لحظة،
ثم أدرك أن تشو فِنغيون كان يمازحه عمدًا
همس بغضب وخجل : “ أنت…”
لكن تشو فِنغيون انزل رأسه مجدداً ، وقبّله قبلة عميقة على شفتيه
…
امتزج الضوء الصباحي الخافت في أرجاء الغرفة بهدوء،
وفجأة سُمع من الغرفة تآوه خافت جديد من تشو فِنغيون،
تبعها همهمة خجولة ومتسرعة من رُوان نيان:
“ أنا… هل آلمتك مجددًا ؟!
آسف، لن أقبّلك بعد الآن ، لن أقبّل !”
تشو فِنغيون: “…”
نهض في صمت، وأشار إلى ذراعه اليمنى قائلاً:
“ كيف أُسرّع في شفائها ؟”
أجاب رُوان نيان بجدية :
“ أنت بالفعل تتعافى بسرعة …
ربما تحتاج لبضعة أشهر فقط .”
تشو فِنغيون: “…”
نهض من السرير دون أن ينطق بحرف،
وتوجّه نحو الباب
تابعه رُوان نيان بنظراته المتفاجئة،
فرآه يفتح الباب، يخرج إلى ساحة الفناء ،
ثم يرفع دلو ماء… ويصبّه على رأسه دفعة واحدة
رُوان نيان: “…”
{ آ يينغ هل تشعر بالحر الشديد ؟ }
✧—————————————
في جناح نوم ولي العهد ،
غو لانغ مستلقي على صدر مورونغ يان،
يحدّق في تلك الندبة الحادة البارزة على معدته
امتدت الندبة بالعرض عبر أسفل بطن مورونغ يان،
وقد شُفيت منذ وقت،
لكنها بقيت علامة لا تُمحى،
كلما وقعت عليها عين غو لانغ،
قبض الألم على قلبه بشدّة
مدّ يده ليلامسها،
و يتحسّسها بأطراف أصابعه،
يمسح عليها ببطء كأنّه يواسيه بصمت
لكن مورونغ يان أمسك بيده،
وأسند ذقنه إلى أعلى رأسه، وهمس ضاحكًا:
“ اذا تابعت لمسك ، سنضطر لتسخين ماء ساخن من جديد "
تحرّك إصبع غو لانغ قليلًا ، ثم سأل بهدوء:
“ هل ما زالت تؤلمك ؟”
أجاب مورونغ يان:
“ الآن لم تعد تؤلم ، الأمر انتهى ، لا تقلق ”
لكن غو لانغ فكّر
{ إن كانت لا تؤلم الآن ، فلا بد أنّها كانت تؤلم بشدة حين
حدثت…
لدرجة أنها احتاجت شهورًا لتلتئم }
تذكّر ما حدث حينها ،
حين ضرب في الجنوب فيضان عظيم ،
وأرسلت الدولة عشرات آلاف من الفضة للإغاثة
لكن الوزير لو بينغشان سرق معظمها ، وادّعى إرسالها ،
ثم أعادها خفية في منتصف الطريق
حينها، تسلل مورونغ يان مع رجاله واستولى على الأموال،
وكانت خطتهم تسير على ما يرام…
حتى خرجوا عليهم عصابة جبلية فجأة ، بعثرت خطّتهم ،
بل وكادوا يكشفون هوية كازينو الجبال والأنهار
خشي مورونغ يان أن يتمكّن لو بينغشان من تتبّع الأدلة إلى القصر الشرقي ،
ثم إلى جيش تشنغبي الشمال ( جيش جنرال وي يونغ ) ،
فاختار أن يفتعل إصابة بالغة ويوهم الجميع بموته ،
ليطمس كل أثر ، ويعود سرّاً إلى القصر الشرقي
ما لم يكن يتوقعه ،
أن حبيبه الصامت البارد … سيبكي عند قبره
( وبكذا عرفنا ليش زيّف موته )
قال مورونغ يان، وهو يداعب حاجبَي غو لانغ العابسة :
“ استحققتُ الألم… من قال إني لم أخدعك ؟
خداع أميرة ولي العهد مصيره صاعقة من السماء أليس كذلك ؟”
بالرغم من كل ما تفوّه به مورونغ من هراء ،
أحسّ غو لانغ أن شيئًا من الكآبة قد انزاح عن قلبه
رفع عينيه نحوه وسأله بنبرة مشاكسة:
“ وأنت، ألم تقل قبل قليل إنها آخر مرة ؟
ألست خائفًا من البرق ؟”
ابتسم مورونغ يان بثقة :
“ الأمور الخارجة عن الإرادة لا تُعد كذبًا ، أليس كذلك ؟”
غو لانغ: “…”
: “ و أنت الذي لا يرغب بأن تتوقف عن مداعبتي ..” قالها
مورونغ يان وهو يقترب ليقبل قبلة خفيفة على أنفه :
“ وكانت قبلاتك تلك… من يتحمّلها ؟”
غو لانغ أمسك بالبطانية وسحبها فوق رأسه محرجًا ،
لكن مورونغ يان رفع طرفه ودخل معه تحته
سرعان ما انقلبت الملاءات بحركتهما،
واللحاف الأحمر بدأ يتقلّب أيضاً ،
تتخلّله ضحكات مكتومة ، وهمسات
“ أين لمستني قبل قليل؟”
“ لم أكن أقصد… آه… دعني…!”
استمر اللحاف في التقلّب ،
حتى رُمي بعيداً أخيرًا ،
و انسابت أنفاس متلاحقة أثقل من بعضها
داعب مورونغ يان أنف غو لانغ بأنفه،
وضحك بخفوت:
“ الآن فعلًا… نحتاج إلى ماء ساخن ~ .”
غو لانغ تمتم بصوت خافت:
“ فليكن… لست أنا من سيُشعل النار ”
…
وفي مكان بعيد خارج الغرفة ،
حيث لا يُفترض أن يسمع شيئ …
عطس الحارس فجأة :
“ آتشوو!”
✧—————————————
رغم أن الإمبراطور كان غاضب أشدّ الغضب من العلاقة بين
ولي العهد وغو لانغ،
إلا أنه كان رجلاً يعرف التمييز بين العام والخاص،
فلم يغفل عن إنصاف عائلة غو
لم يتحمل تشنغ يوفي عذاب السجن،
فانهار وأقرّ بكل ما ارتكبه : قتل الجنرال نييه تشان ،
وتلفيق التهم إلى نائبه غو تشانغ،
وأشار بأصابع الاتهام إلى لو بينغشان بوصفه المدبّر الحقيقي لكل شيء
أمر الإمبراطور بفتح تحقيق شامل،
وعاد ملف القضيّة القديمة إلى النور
وتم التحقّق من الوقائع ،
ومعاقبة كل من تورّط وفقًا للقانون
ثم صدر مرسوم إمبراطوري يُعلن فيه براءة عائلة غو ويعيد
لهم شرفهم الضائع
وخلال إعادة فحص الوثائق ،
اكتشف الإمبراطور، مصادفة ، أن عائلتَي غو ووي قد خطبتا
غو لانغ ووي تشينغتون منذ أن كانا طفلين
لمعت عيناه بنور المفاجأة ،
فالتقط قلمه سريعًا وحرّر مرسوم جديد :
[ بما أن عائلة غو قد عانت ظلمًا طويلًا ،
ولكن لحسن الحظ ، ابن غو تشانغ لا يزال حيًا،
إذًا أريد أن أرى غو لانغ في المجلس الصباحي … ]
وفي اليوم التالي ،
استُدعي غو لانغ إلى مجلس البلاط بأمر إمبراطوري
كان مورونغ يان يرمق والده بنظرة حذرة يتساءل في صمت:
{ ألم تلتقي به سابقًا ؟ }
لكن الإمبراطور تجاهله تمامًا ،
وانهمك في سؤال غو لانغ عن أحواله ، وكأنها أول مرة يراه ~
ثم قال، كمن يرمي جملة عرضًا :
“ سمعت أنّك كنت مخطوبًا لابنة الجنرال وي ؟”
مورونغ يان: “…”
أجاب غو لانغ بثبات وهدوء:
“ جلالتك لقد أُلغيت الخطبة منذ وقت طويل "
فردّ الإمبراطور وهو يمرّر يده على لحيته البيضاء:
“ بسبب الظلم الذي وقع على عائلتك ، لا شك أنكم
اضطررتم لفسخها.
والآن وقد زال الظلم، فأرى أن أُعيد الأمور إلى نصابها،
وأختار يومًا مباركًا لزواجكما…”
اندفع مورونغ يان معترضًا : “ جلالتك !”
مستعدًا للدفاع عن حبه، لكن…
قبل أن يفتح فمه،
كان غو لانغ قد جثا على ركبته،
ثم اعتدل بصلابة، وصوته يملأ القاعة:
“ جلالتك ، إنّي أحب سموّ ولي العهد ،
وأرغب أن أشاركه الحياة والمصير ،
في السراء والضراء ، حتى يفرقنا الموت .”
ساد القاعة صمت ثقيل ، كأن الزمن قد تجمّد
الإمبراطور: “…”
والمجلس كلّه… لم ينبس أحد بكلمة ….
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق