القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch5 | TMCTM

Ch5 | TMCTM



: “ أنت فقط تريد شرب اليَاكُولت خاصتي!”

دخل فتى بشعر قصير ومجعد طبيعيًا ، 

يحمل كومة من زجاجات الياكولت ،

دارت عيناه بلون المشمش الداكن بسعادة ، 

وهو يوزّع بعض الزجاجات على زملائه في الصف الأمامي 

الذين كانوا قد نادوه


قال رئيس الصف، لي شياويوان، بأدب وهو يمدّ يده دون تردّد، 

ويأخذ صفًا كاملًا من الزجاجات من بين ذراعي الفتى المجعد :

“ مبارك يا يـاكُولت أخيرًا انضممت إلى صفّنا !”


قال الفتى المجعد وهو يضم ما تبقى من الزجاجات إلى 

صدره ويركض نحو الصف الأخير:

“ هيه ، لا تستهلكها كلها ! اشترِ لنفسك !”


وما إن وصل حتى صاح بحماس :

“ تشينهي-غااا !”

ووضع صفًا كاملًا من الزجاجات أمام لين تشينهي كأنه يقدّم كنزًا ثمينًا ، 

ثم ألقى بحقيبته المدرسية على طاولة لين بإهمال ، 

وقال مبتسمًا:

“ لم أستطع الاستيقاظ صباحًا ، لذا جئت بعد حصة الفيزياء مباشرةً .”


أومأ له لين تشينهي باختصار ،

بدا أن بروده المعتاد قد خفّ قليلًا ، 

فأخذ الفتى دفتر الملاحظات الأسود الموجود على الطاولة.


قال الفتى المجعد وهو يأخذ الدفتر ويغلقه، عابسًا بأنفه:

“ آه، شكرًا ! لكن لا داعي لأن تكتبه لي في المستقبل . 

على أية حال، لا أفهمه. سأطلب منك شرحه حين نعود .”


ثم التفت ، وكأنه أخيرًا انتبه إلى زميل جديد يجلس بجانب لين تشينهي ، وقال:

“ هاه؟ من هذا الطالب الجديد ؟”


تصادف أن لي شياويوان كان يمرّ بنموذج بيانات في يده، 

فبادر بالتعريف:

“ هذا الطالب المنقول حديثًا إلى صفّنا، 

الحائز على المركز الأول في مقاطعة تشينغشوي!”


أومأ الفتى المجعد وقال مبتسمًا لتاو شي:

“ مرحبًا ، اسمي يانغ داولي. 

يمكنك أن تناديني ‘ياكُولت’ مثلهم .”


ثم مال بجسده قليلًا ووضع زجاجة ياكولت على طاولة تاو شي


وكان على معصمه الأيمن سوار أحمر نُسجت فيه خرزات 

ذهبية على شكل عقدة سلام، 

وأسفله برزت وحمة دائرية حمراء لافتة للنظر


سوار أمان أحمر




حدّق تاو شي في الوحمة ، 

ثم في وجه الفتى ، وكأن الزمن توقف للحظة طويلة ——

ثم سمع يانغ داولي صوته يقول أخيرًا:

“ اسمي تاو شي.”


لم يعرف تار شي كم كان وجهه شاحبًا في هذه اللحظة، 

لكنّ الجميع من حوله لاحظ أن حالته ليست على ما يُرام


ظنّ يانغ داولي أن الطالب الجديد غريب بعض الشيء، 

فرمش بعينيه في شك، 

لكن جرس الحصة دقّ في هذه اللحظة، 

فعاد الطلاب إلى أماكنهم، 

واضطر هو الآخر لحمل حقيبته والعودة إلى مقعده


وقبل أن يغادر، وضع لي شياويوان الاستمارة على طاولة تاو شي وقال على عجل:

“ نسيت أن أعطيك هذه البارحة . 

إنها استمارة بيانات طلاب الصف،  عبئها وأعدها إليّ لاحقًا.”

ثم أسرع بالعودة إلى مقعده


حدّق تاو شي في الورقة بتشتّت ، 

وسرعان ما وقعت عيناه على اسم مألوف —:


[ يانغ داولي، 16 عامًا

تاريخ الميلاد: 25 ديسمبر

الأم: فانغ سوي (متوفاة)

الأب: يانغ تشنغمينغ… ]


: “ هل أنت بخير ؟”

استدار بي تشنغفي ينظر إلى تاو شي بقلق ——


رأى تاو شي جالسًا دون حراك ، وجهه شاحب ، وعيناه—

اللّتان كان يراهم بي تشنغفي الأجمل دائمًا—بدت فارغتين


كان بي تشنغفي يعتقد أنه الوحيد الذي يعرف سبب خيبة أمله { لا بدّ أن لين تشينهي قد رفضه مجددًا ! }


تنهد بي تشنغفي وألقى نظرة حانقة نحو ' المذنب '

لكنه تفاجأ بأن لين تشينهي قد أدار رأسه قليلًا ، 

ينظر إلى تاو شي المنكّس الرأس بنظرة جانبية


لكنّه سرعان ما أبعد بصره ، 

وأخرج كتاب اللغة الإنجليزية من الدرج ، 

ووجهه ما زال خاليًا من التعبير


{ آههخ .. لين شيوشين ممتاز في كل شيء ، 

لكن قلبه بارد كالصقيع ….

وها هو من جديد ، 

يجرح قلب ملفوفة الكرنب الصغيرة القادمة من مقاطعة تشينغشوي… }


: “ بي تشنغفي، ما الذي حلّ برأسك؟ 

ألم أطلب منك في المرة السابقة أن تذهب إلى والدك لتُسجِّل؟ 

ماذا قال الطبيب بي؟”


انبعث فجأة صوتٌ نسائيٌّ بارد من المنصة، 

فأفاق بي تشنغفي، الذي كان منشغلًا بالقلق على زميلي 

المقعد في الصف الخلفي، 

وانتفض قليلًا وهو يلتفت إلى الأمام


ضحك جميع طلاب الصف


فمن لا يعلم أن والد بي تشنغفي هو الأخ الأكبر للمعلمة 

بي آوشوي، ويشغل منصب مدير قسم جراحة الأعصاب في 

مستشفى هانّان بمدينة وينهوا ——

حتى أن لقب ' لاو بي' الذي يُطلق على المعلمة ، 

يرجع إلى كونها عمّته الصغرى في الحقيقة 


قال بي تشنغفي وهو يربّت على رأسه بهدوء :

“ قال الطبيب بي إن رأسي ميؤوس منه ، 

وإنها مسألة وراثية في العائلة .”


انفجر الصف بالضحك من جديد ؛ 

لم يملّ أحدٌ من هذه المشاحنات الطريفة بين العمة وابن أخيها


سخرت بي آوشوي، وأشارت بإصبعها إلى بي تشنغفي وكأنها 

تقول ' سأحاسبك لاحقًا '


ثم وجهت أنظارها نحو الصف الأخير


نظرت أولًا إلى الطالب المنتقل حديثًا، تاو شي، فرأته 

مطأطئ الرأس وشارد الذهن


عقدت حاجبيها قليلًا، 

وظنت أنه لم يعتد بعد على البيئة الجديدة


ثم نظرت إلى لين تشينهي الجالس بجواره


وياللدهشة—لم يتأخر هذا الطالب المعتاد على التأخر، 

ولم يكن يقرأ كتابًا آخر كما يفعل دائمًا، 

بل كان يتأمل في كتاب اللغة الإنجليزية الموضوع أمامه —


جالت بي آوشوي ببصرها في أرجاء الصف من جديد، 

وكما توقعت، وقع نظرها على طالب آخر كان يخفض رأسه 

خلسة ليشرب من مشروبه


: “ يانغ داولي ما الأمر ؟ 

أتريد العودة إلى صفّك السابق منذ أول يوم ؟”


الفتى الذي نُودي باسمه كاد أن يختنق ، 

فسارع إلى إخفاء زجاجة الياكولت في درج مكتبه ، 

وهزّ رأسه قائلًا :

“ أنا آسف ، لن أعود ، أعدك بذلك .”


وفي تلك اللحظة ، عاد تاو شي إلى وعيه

جملة—“يانغ داولي”—مزقته من أعماق الذاكرة المرتجفة 

التي كان عالقًا فيها


رفع رموشه ، وحدّق في الفتى ذي الشعر المجعد الجالس 

في الصف الأمامي جهة اليسار


عيناه الداكنتان تضمران سخرية خفيّة لا يراها أحد ——


وعاد إلى ذهنه وجه والدته قوه بينغ الحزين ، 

وهي تقول بصوت مملوء بالأسى ، 

بالنبرة التي طالما أبغضها 


“ صحته كانت سيئة منذ ولادته… كنت مصدومة ، 

وقلت لنفسي إنّ مستشفيات المدن الكبرى أفضل ، 

و لا بد أنهم سيعتنون به جيدًا .”


في صيف العام الماضي —— ، 

كان تاو شي قد عاد لتوّه إلى منزله في خليج تاوشي بعد أن 

نال المرتبة الأولى في امتحان القبول للمرحلة الثانوية على مستوى البلدة



أخته تاو لي قد ذهبت لزيارة الجدة ، 

أما والده تاو جيان فقد أنهى لتوّه عملًا مؤقتًا ، 

ولكن ما جمعه من مال خسره في لعب القمار ، 

وظل منذ ذلك الحين في نوبات غضب دائمة داخل المنزل


اختبأ تاو شي في غرفة الحطب ليرسم ، 

وهناك سمع بالمصادفة شجارًا دار بين تاو جيان وقوه بينغ


قال الأب تاو جيان، ممتلئًا بالضيق :

“ ذاك ابني ، وما الخطأ إن ذهبت لأبحث عنه؟ 

المرأة التي تُدعى فانغ عائلتها لا بدّ وأنها ثرية . 

لقد ربّينا ابنهم كل هذه السنين ، من الطبيعي أن يدفعوا لنا تعويض ، أليس كذلك ؟”


لكن قوه بينغ صرخت ، وقد بدا الغضب واضحًا في صوتها:

“ لا! لا يجوز لك أن تذهب إليه، ستدمّر حياته بالكامل !”


: “ أتظنين أن النار يمكن إخفاؤها بورقة ؟! 

الرابطة الدموية موجودة ، وسيأتي يوم تُكشف فيه الحقيقة !

كنت دائمًا أتعجّب كيف لا يشبهني تاو شي إطلاقًا ، 

ولو لم تخبرني والدتي ، لما عرفت حتى أنني كنت أربي ابن امرأة أخرى !”


أطلق تاو جيان سيلًا من الشتائم والضحك المليء بالمرارة، ثم سأل فجأة بنبرة حادّة:

“ ما الاسم الذي أطلقته تلك الرسّامة على ابني ؟”


صمتت قوه بينغ ولم تُجِب


فتفجّرت شتائم تاو جيان من جديد، 

وتعالت الأصوات، وبدت الحركة وكأن شجارًا قد اندلع


فتح تاو شي باب مخزن الحطب ، وأطلّ منه بوجه خالٍ من التعبير


عند رؤيته ، بدا على وجه قوه بينغ المتخشّب تحطم أخير؛ 

وامتلأت عيناها المتهدلتان والموحلتان بالخوف والتراجع، 

وكان هناك أيضًا أثر من الذنب،

لا يُرى بالعين لكنه محسوس


لم يكن تاو جيان يتوقع وجود تاو شي في مخزن الحطب


لم تكن علاقته به ولا بأخته وثيقة على الإطلاق


رمقه بنظرة عابرة ، 

ثم حكّ رأسه المليء بالشعر القصير المجعد والفوضوي، 

وتمتم بغيظ وهو يلعن قوه بينغ:

“ لم يعد هناك جدوى من الإخفاء ، من الأفضل أن تقولي له الحقيقة بصراحة .”


بدت قوه بينغ وكأنها انهارت أخيرًا ، 

فجلست ببطء على المقعد ، 

وغطّت وجهها بكفّيها دون أن تنطق بكلمة


وبعد لحظات ، بدا وكأنها تستعدّ للتخلّص من عبء ظلّ 

جاثمًا على صدرها لسنوات، 

وللبوح بسرّ قديم ظلّ يعذّبها طويلًا


قالت :

“ قبل ستة عشر عامًا ، جاءت امرأة شابة وجميلة إلى خليج تاوشي النائي . 

كانت وحيدة، تحمل حقيبة سفر وعدّة للرسم . 

من هيئتها وملابسها ، كان واضحًا أنها من المدينة .


لم يتفاجأ القرويون كثيرًا، فعلى الرغم من فقر المنطقة ، 

إلا أن مناظرها الطبيعية خلّابة. 

قبل عامين ، جاء شاب ليلتقط بعض الصور ، ومنذ ذلك 

الحين توالى قدوم الرسّامين والمصورين من حين لآخر .


لكنّ هذه المرأة كانت حاملًا . 

لم يظهر عليها ذلك في البداية ، لكن كلّما طال بقاؤها ، 

بدأ القرويون يتناقلون الأحاديث عنها . 

كان اسمها فانغ سوي .


ظنّوا أنها حامل بطفل غير شرعي، 

وأنها جاءت إلى هذا المكان النائي لتختبئ من أهلها، 

ولترسم بعيدًا عن العيون …..”


في ذلك الوقت، كانت فانغ سوي تستأجر غرفة في منزل قوه بينغ، التي كانت هي الأخرى حاملًا


زوجها، تاو جيان، كان يعمل خارج البلدة، 

وكانت حماتها امرأة قوية تتولى شؤون المنزل


لكن في القرى ، تبقى النساء قادرات على العمل في الحقول حتى أثناء الحمل


والعجيب أن الحماة كانت تعتني بفانغ سوي أكثر من كنتها، 

لا سيما أنها كانت تتلقى منها مالًا وفيرًا


كانت فانغ سوي فائقة الجمال ،

لا تزال قوه بينغ تذكر وجهها بوضوح


كانت من ذلك النوع من السيدات الثريّات المدلّلات منذ الطفولة ، 

ذات بشرة ناصعة لم تتأثر حتى بعد شهور في الريف


وعيناها تحديدًا، كزهور الخوخ المتساقطة على نهر تشينغشوي، 

تغمرهما رطوبة خفيفة، ورموشها المرتفعة قليلًا تمنحها نظرة بريئة وحنونة


وكان يوجد عدد من الشبّان العازبين في القرية يطمعون بها، 

ولكن قوه بينغ، بشخصيّتها الحادّة ، كانت تطردهم جميعًا


وحين كانت فانغ سوي تجلس في الحقل لترسم ، 

كانت قوه بينغ تزرع وتحرث قريبًا منها لتحرسها


وعندما يحين وقت الاستراحة ، كانت قوه بينغ تجلس على الحافة ، 

وتقوم بصنع سِلال وأدوات صغيرة من العشب أو أعواد الخيزران ، 

وتهديها إلى فانغ سوي، التي كانت تردّ عليها بابتسامة 

بسيطة، مفعمة بالسعادة


كان في العالم أُناس يولدون ببساطة في قلوب الآخرين، 

تُثير فيهم غريزة الحماية والعطف، 

سواء أكانوا رجالًا أم نساءً


كانت فانغ سوي قليلة الكلام


وعلى الرغم من أن قوه بينغ عاشت معها لفترة طويلة ، 

فإنها لم تكن تعرف عنها إلا القليل — أنها من مدينة وينهوا، 

وأنها رسّامة تعمل لحسابها الخاص


أما فيما يتعلق بوالد الطفل أو أسرتها ، فكانت أكثر تكتّمًا ، 

وكانت تغرق في الحزن كلّما ذُكر شيء عنهم


خمنت قوه بينغ أنها ربما هربت مع حبيبها دون موافقة 

أهلها ، لكن الحبيب لم يأتِ إليها


ومع اقتراب موعد الولادة، 

كانت برودة الخريف تشتدّ يومًا بعد يوم


توقفت فانغ سوي عن الخروج للرسم، 

ولم تعد قوه بينغ تذهب للعمل في الحقول


وباتا تمضيان أيامهما عاطلتين في البيت


علّمت قوه بينغ فانغ سوي كيف تصنع مشغولات يدوية


كانت فانغ سوي ماهرة بيدها في الرسم، 

لكنها بطيئة في الحياكة، 

وقد استغرقت وقتًا طويلًا لتنسج عقدة أمان واحدة بخيط أحمر


وفي أحد الأيام، بينما تتحدثان عن اسم الطفل، 

نظرت فانغ سوي إلى عقدة الأمان التي صنعتها، 

وارتسم على وجهها تعبير رقيق وهي تقول :


“ فكرت في كثير من الأسماء من قبل،  

وكلها تحمل معاني جميلة . 

لكن بعد كل هذا ، أتمنى فقط أن ينشأ الطفل سالمًا ، 

بعيدًا عن الأمراض والمصائب ، مليئًا بالسعادة. 

لذا، أرى أن اسم يانغ داولي هو الأفضل . 

يناسب الذكور والإناث على حدّ سواء .”


وكانت تلك هي المرة الأولى التي تعرف فيها قوه بينغ أن 

والد الطفل يحمل لقب ' يانغ ' 

في قريتهم ، لم يكن الناس يهتمون كثيرًا بالأسماء ، 

وكانت معظمها بسيطة وساذجة . فقالت لها:


“ أنا شخصيًّا لا أُتعب نفسي بالتفكير، أختار اسمًا وقت الولادة والسلام . 

الاسم الرديء ' يُشبع ' أفضل !”

( تقصد يرضع افضل ) 


ضحكت فانغ سوي دون أن ترد، 

ثم ذهبت وجلست إلى الطاولة، 

وأمسكت قلمًا وبدأت تكتب على ورقة رسائل


نظرت قوه بينغ إليها وسألتها بفضول:

“ أخيرًا قررتِ أن تراسلي عائلتك؟”


هزّت فانغ سوي رأسها وقالت:

“ لا، سأكتب رسالة لابني، وسأدعها له ليراها عندما يبلغ الثامنة عشرة .”


شعرت قوه بينغ أن أهل المدن يحبّون هذه الترهات. فكّرت 

{ ما الفائدة من ترك رسالة للطفل ؟ 

ألن يراها وهي تكبر أمامه ؟ 

هل هناك ما لا يمكنها قوله مباشرة ؟ }


لكنها لم تجادل


وجاء يوم الولادة صعبًا للغاية على فانغ سوي


أما قوه بينغ، فلم تكن قد بلغت الشهر التاسع، 

وكانت في حالة توتر وقلق دائم من الولادة المبكرة


كان ذلك اليوم هو 25 ديسمبر ( الكريسماس) الذي لا 

يعرفه أحد في الجبال ولا يعني لهم شيئ


الثلج قد بدأ يتساقط مبكرًا ، وغمر بياضه سفح الجبل


أسرعت الحماة واستدعت ' قابلات' من قريتين مجاورتين ، 

ورغم أن ثلاث عجائز اجتمعن في المكان، 

فقد كدن يعجزن عن السيطرة على الوضع


( قابلات = نساء يعرفون التوليد )


أما قوه بينغ، فقد وضعت صبيًا. كان ' خديّج ' ، ضعيف البنية ، 

وصوته بالكاد يُسمع ،

و في معصمه الأيمن وحمة حمراء دائرية بارزة ——


( خدّيج = وُلد قبل انتهاء التسعه اشهر ) 


وفي تلك اللحظة ، تمتمت إحدى القابلات لحماة قوه بينغ بنبرة خافتة :


“ هذا الطفل… لا يبدو سهل الإرضاع ”


سمعت قوه بينغ ذلك، فعضّت على شفتيها ولم تنطق، 

ونظرت بصمت إلى فانغ سوي التي تتلوّى من الألم حتى كادت تفقد وعيها


وحين تجاوزت الساعة الثامنة مساءً ، 

أنجبت فانغ سوي طفلها أخيرًا — وكان أيضًا صبيًا ، 

لكنّه جاء إلى الدنيا صارخًا بصوتٍ عالٍ


ألقت فانغ سوي نظرة خاطفة على الطفل ، 

وابتسمت وقالت بصوتٍ واهن : “ لي لي …” — ثم أُغمي عليها

( يانغ داو لي = لي لي ' تدليل )



بدأت فانغ سوي تنزف فجأة حتى عمّ الذعر أرجاء المكان


هرع أحد القرويين واستقلّ دراجة ثلاثية العجلات ليقلّها 

إلى المدينة، 

لكن عندما وصل إلى العيادة، كانت أنفاس فانغ سوي قد انقطعت بالفعل


لم ترغب قوه بينغ في تذكّر تلك الأيام أبدًا


لم تذهب معها لأنها كانت قد وضعت مولودها للتو


وعندما رأت فانغ سوي مجددًا، كانت جثّة هامدة، 

أُعيدت بهدوء، ويداها تحتضنان عقدة أمان حمراء باهتة المنظر


قامت قوه بينغ بإرضاع الطفلين بنفسها


وبين مقتنيات فانغ سوي، وجدت دفتر ملاحظات فيه بعض أرقام الهواتف


فذهبت إلى أحد المنازل في البلدة حيث يوجد هاتف، 

واتصلت بأحد الأرقام


من ردّ عليها كان رجلاً في منتصف العمر، وكان – على 

الأرجح – والد فانغ سوي


فيما بعد ، وصل والدا فانغ سوي مسرعَين ، 

وانفجرا بالبكاء المرّ حين شاهدا نعشها


وبعدهما ، حضر شاب وسيم ، لم ينطق بكلمة ، عيناه 

محمرّتان ، وذقنه مغطى بشعيرات من الواضح أنه لم يحلق منذ فترة


كانت قوه بينغ قد جمعت كل ما تركته فانغ سوي ، 

بما في ذلك مئات اللوحات التي رسمتها في خليج تاوشي، 

والرسالة التي كتبتها لطفلها لتُسلَّم إليه عند بلوغه الثامنة 

عشرة، وحزمة من عقد الأمان الحمراء


وعندما آن وقت تسليم الطفل إلى والدي فانغ سوي، 

أطاعت قوه بينغ كلمات حماتها:


“ لقد سمّت الطفل يانغ داولي ، 

وكانت تتمنى له الصحة والسعادة .”


وبكل برود ، سلّمتهم ابنها — ذلك الطفل ذو الوحمة 

الحمراء على معصمه ——


وما إن سمع الشاب الصامت هذه الكلمات ، 

حتى انفجر باكيًا ، 

وهو يختنق دون أن ينبس بكلمة 


لم يمكثوا طويلًا في خليج تاوشي


اصطحبوا جثمان فانغ سوي والطفل وغادروا سريعًا


وقبل رحيلهم ، حاولت عائلة فانغ إعطاء قوه بينغ مبلغًا كبيرًا من المال ، 

ليعبّروا عن امتنانهم لرعايتها لفانغ سوي طوال تلك المدة ، 

لكنهم كانوا يلمّحون أيضًا إلى رغبتهم في إسكاتها ،

إذ إن ما حدث لم يكن شيئًا مشرفًا 


شعرت قوه بينغ بغصة خانقة في صدرها


وقبل مغادرتهم، حين كانت تُرضع طفلها، ضمّته إلى صدرها 

بصمت ومسحت دموعها


ومنذ ذلك الحين ، لم تظهر عائلة فانغ مجددًا ——-


وظلّت الحكاية مدفونة تحت ثلوج ديسمبر ، 

عامًا بعد عام ، في خليج تاوشي ———


أما الطفل الذي بقي ، فقد أطلقت عليه قوه بينغ اسم تاو شي


قالت له وهي تبكي، جاثية على الأرض:

“ تاو شي …. لا أطلب منك شيئًا إلا هذا : لا تذهب للبحث عنه، حسنًا ؟ 

أو… ربما انتظر حتى يكبر ، حتى يصير راشدًا ، 

ثم اذهب إليه إن أردت ، حسناً ؟”


كان تاو شي ينظر إليها ، إلى قوه بينغ التي ربّته ، 

وهي تبكي بمرارة


ومن البداية وحتى النهاية ، 

لم تقل له قوه بينغ قطّ ' أنا آسفة '


لكن أكثر ما كان يقلقها ويرعبها في أعماقها… 

أن يذهب تاو شي للقاء ابنها الحقيقي، يانغ داولي — 

ويُفسد بذلك حياته الجيدة



للحظة ، راود تاو شي سؤال أراد أن يطرحه على قوه بينغ: 

يانغ داولي لم يكن قد كبر بعد ، 

فكيف كبرتُ أنا إن كنا قد وُلدنا في اليوم نفسه ؟


وأخيرًا، فهم السبب الذي جعل قوه بينغ تخشى شغفه 

بالرسم وكل تميّز أظهره منذ صغره ، 

ولماذا لم تقترب منه جدّته قط ، 

بينما كانت تُغدق الحبّ على تاو لي ، 

ولماذا قالت له قابلة مسنّة من القرية قبل وفاتها همسًا:

“ يا بُني، ما كان ينبغي لك أن تكون هنا .”


فهم أخيرًا لماذا سُمّي ' تاو شي ' 

بينما سُمّيت أخته ' تاو لي '


كانت ' أمّه ' تأمل أن يبقى في خليج تاوشي إلى الأبد ، 

بينما تظل هي تشتاق إلى ذلك الطفل الذي حُكم له بالسعادة


عندما كان صغيرًا، كثيرًا ما تساءل : 

لماذا أمّي وجدّتي يحبون أختي أكثر مني ؟


واتضح أن المشكلة لم تكن فيه ، بل لأنه لم يُحَبّ أبدًا



قالت المعلمة بي آوشوي، وهي تكتم ضيقها منذ وقت 

طويل وأخيرًا لم تعد قادرة على تحمّله، وقد عقدت 

حاجبيها ونظرت إلى الطالب الجديد في الصف الأخير الذي 

كان شارد الذهن بوضوح :


“ تاو شي، اقرأ بصوت عالٍ الفقرة التي قلتُها للتو .”


عاد تاو شي إلى وعيه مجددًا


وقف ببطء، ورأسه مطأطأ، لكنه بقي صامتًا، لا يدري ما يقول


لم يكن قد استمع إلى الدرس أصلًا، فكيف يجيب


كان على وشك أن يعترف بصدق بأنه لم يُنصت، 

عندها رأى يدًا نحيلة تدفع نحوه كتاب اللغة الإنجليزية مفتوحًا


وعلى الصفحة البيضاء النظيفة، 

كانت توجد فقرة محددة بإطار بارز من الحبر الأسود


شعر تاو شي بالذهول ، 

وقرأ الفقرة لا شعوريًّا بصوت مرتجف


لكن أثناء قراءته ، سمع بعض الطلاب يضحكون بخفّة ، 

لأن لغته الإنجليزية المنطوقة كانت ركيكة جدًا


أرسلت بي آوشوي نظرة حادة إلى أولئك التلاميذ الذين ضحكوا 


وبعد أن أنهى تاو شي القراءة، 

طلبت منه الجلوس دون أن تحرجه أكثر، 

رغم أنها كانت تعلم تمامًا أن لين تشينهي ساعده على نحو غير مسبوق


جلس تاو شي في مكانه لفترة ، 

ثم لاحظ أن الكتاب الإنجليزي قد سُحب بهدوء من أمامه


التفت بعد قليل ونظر إلى لين تشينهي الجالس بجواره، 

وقال بصوت خافت:

“ شكرًا .”


لكن لين تشينهي لم يجب ——-

بل أغلق كتاب اللغة الإنجليزية بهدوء ،  

ثم أنزل رأسه مجددًا وسحب كتاب مسابقة الفيزياء ، 

وبدأ يقرأ فيه


يتبع

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • عادي
  • متطور
  • ترتيب حسب الاحدث
    عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق
  1. امه اكثر انسانة حقيرة وانانية ما ابغا اكره الولد لانه المفروض ماله ذنب بالي حصل لكن اتمنى من كل قلبي يجيها الانتقام الالهي اقوى

    ردحذف

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي