Ch42 الخطاف الخلفي
شن تيانتيان : “ نظام الهيدروليك الأصفر في الـECAM: انخفاض في مستوى الزيت ،
انخفاض في الضغط
ما الذي يحدث ؟”
تشو : “ لا تتوتري ، سنتبع خطوات الـECAM واحدةً تلو الأخرى لمعالجة العطل .”
شن تيانتيان : “… تم حل المشكلة مؤقتًا "
شن تيانتيان : “ تواصَل مع مركز التوجيه والتنسيق ، أبلِغهم بالحالة ،
إن كان بالإمكان الهبوط مبكرًا فليكن "
شن تيانتيان : “ أخيرًا هبطنا ، الأخ تشو شكرًا لك "
تشو : “ وشكرًا لك أنتِ أيضًا ،
فلنبدأ الآن بإجراءات الإيقاف "
تشو : " يا الهي … لا يوجد ضغط في الفرامل خاصتي
اللعنة !
استخدمي دواسة القدم ، شغّلي المضخة الكهربائية ، بسرعة الآن !”
شن تيانتيان: “ ما زالت الطائرة تتحرك للأمام ، لا أستطيع التوقف بهذه السرعة…"
تشو : " لا تفزعي ، سأتصل بالميدان ليفرغوا المنطقة ،
تأكدي أن ضوء حزام الأمان لم يُطفأ ، واذكري ذلك في البث الداخلي !
سأنوجّه إلى اليسار !”
… طَاخ !
اصدمت الطائرة A320-200 من الجهة اليسرى بجسر
الصعود ، كان الاصطدام بطيئ نسبيًا ،
لكن الصوت دوّى بصوت ضخم في أذنيه ،
فاهتزّ جسده كله ،
سقط مقبض قيادة جيان-15 من بين يديه، وبدأ العالم من
حوله بالدوران
ثم شعر بصدمةٍ قوية في ظهره — كانت قوة اندفاع مظلة القذف…
استيقظ تشو تشيتشن فجأة ، وهو يلهث
احتاج بضع ثوانٍ ليدرك أنه كان يحلم
مدّ يده لا شعوريًا نحو الجهة الأخرى من السرير يريد أن
يوقظ من بجانبه، لكن السرير كان خالي
قبل ثلاثة أيام ——— ،
لقد طار مرةً أخرى في نوبةٍ مشتركة مع الكابتن شن تيانتيان ،
وبما أنهما صديقان ، فكان من المفترض أن تكون الرحلة
مريحة وسلسة ، لكن ظلّاً من التوتر خيّم عليها
أثناء الرحلة من شينزن إلى بكين ، ترك تشو تشيتشن مهمة
القيادة الرئيسية لـ تيانتيان ، وفي منتصف الطريق ظهرت
على شاشة الـECAM رسالة تفيد بانخفاض زيت النظام
الهيدروليكي الأصفر
اتّبعا التعليمات خطوة بخطوة وتعاملَا مع العطل كما يجب،
وأبلغا برج المراقبة فورًا ،
جرى كل شيء بسلام حتى الهبوط — إلى أن اكتشفت
تيانتيان بعد اللمس أن نظام الفرامل في الجهة اليمنى لا
يستجيب ——
الطائرة قد اقتربت من موقفها ، لكنّها لم تتمكن من التوقف
تمامًا ، فاصطدمت بجسر الصعود
أربعون طنًا من الحديد المليء بالركاب ، حتى بسرعة لا
تتجاوز عشرة كيلومترات في الساعة، كفيل بإحداث ضررٍ كبير
رغم ذلك ، أبقى تشو تشيتشن نظره على الميدان ليتأكد أنه
خالٍ من العاملين ، وفي اللحظة الأخيرة حرّك الطائرة بحيث
يصدم الجسر وليس مبنى المطار
أظهرت تيانتيان رباطة جأشٍ نادرة ، فأخذت الميكروفون
بصوت ثابت قائلةً للركاب أن يربطوا أحزمة الأمان ويتخذوا
وضعية الحماية
أطاع معظم الركاب التعليمات ، باستثناء مضيفةٍ كانت
تؤدي عملها وقت الاصطدام ، و سقطت أرضًا وأصيبت
بخدوشٍ خفيفة ،
أما البقية فخرجوا سالمين تمامًا
لكن في الطيران المدني لا وجود لما يُسمّى ' حادث بسيط '
فكل ما يتعلّق بالسلامة الجوية يُعدّ أمرًا عظيم
وقع هذا الحادث بعد شهر واحد فقط من ترقيته إلى رتبة
كابتن طائرة، وهو ما لم يكن فألًا حسنًا ،
و تلك الليلة ، بقي هو و شن تيانتيان في المطار حتى الثانية
صباحًا ، يودّعان آخر راكب وآخر رجل إطفاء
وفي طريقهما إلى الموقف ، لم تستطع تيانتيان أن تتماسك
أكثر ، فامتلأت عيناها بالدموع وقالت بصوت مرتجف :
“ آسفة… الأخ تشو أنا حقًا آسفة "
مدّ تشو تشيتشن يده وربّت على ظهرها قائلاً :
“ يا فتاة على ماذا تعتذرين ؟ العطل عطلٌ فحسب .
لا تلومي نفسك ، فحتى أنا لم أكن أتوقعه ،
وربما حتى كابتن مخضرم له أكثر من عشرين عامًا في
الخدمة لم يكن ليتوقع ذلك .
لقد قمنا بكل ما ينبغي حسب تعليمات ECAM، وأبلغنا
بكل ما وجب إبلاغه في الوقت المناسب ،
لكن من كان يظن أن الضغط سيفقد تحديدًا في تلك
اللحظة ؟ هذا سوء حظ لا أكثر
المهم أن الجميع في الجو وعلى الأرض بخير ، وقد أحسنتِ
التصرف بالفعل .”
ومع ذلك، كان تشو تشيتشن يدرك تمام الإدراك الحالة التي
تمر بها شن تيانتيان — ليس مجرد توتر ، بل الخوف اللاحق
بما حدث ،
فالأفكار تنهال عليها بلا توقف :
ماذا لو كان هناك أشخاص على جسر الركاب ؟
ماذا لو اصطدمت الطائرة بالمبنى ؟
ماذا لو أن معظم الركاب قد فكّوا أحزمة الأمان ؟
مجرد أن تبدأ هذه التساؤلات ، تتدفق المشاعر كالسيل ،
ولا يعود بالإمكان ضبطها ،
كانت تيانتيان تحبس دموعها، تكتم نحيبها وهي ترتجف ،
و رؤية حالها بهذه الصورة أوجعت قلب تشو تشيتشن،
فلم يشأ أن يتركها وحدها ، فأوصلها بنفسه إلى منزلها
وعندما عاد إلى بيته ، كانت الساعة تقترب من الثالثة فجرًا
و دون تفكير ، اتصل بلانغ فنغ لكن الخط كان مغلق باستمرار
فتح الملاحظات وتأكد أن لانغ فنغ في الجو فعلًا — كانت
رحلته طويلة ، فلم يتوقع أن يتمكن من الرد قريبًا
تنهد تشو تشيتشن، ثم فتح سجل المكالمات غير المجابة،
ورد على اتصال من أحد القادة، كما ترك رسالة صوتية
لمسؤول الجداول
فبسبب الحادث الذي وقع، اضطروا للبقاء في المطار قرابة
ست أو سبع ساعات، ما جعله غير قادر على اللحاق برحلته
التالية لعدم كفاية وقت الراحة
جاء اتصال لانغ فنغ في اليوم التالي صباحًا ، عند السابعة تمامًا ——
قال بصوته الذي يرافقه ضجيج المطار :
“ ما الأمر ؟ لماذا اتصلت بي منتصف الليل ؟”
سعل تشو تشيتشن قليلاً وقال :
“ أأنت اليوم في أمستردام ؟”
: “ نعم، عدت لتوي. ماذا حدث عندك ؟”
: “ وقعتلي حادث صغير البارحة…”
تبدّل صوت لانغ فنغ فجأة ، من هدوءٍ واسترخاء إلى حدةٍ وقلق ،
أشار لزملائه من الطيارين أن يذهبوا بدونه ، ووقف في
الممر ممسكًا بحقيبة الطيران، وضع السماعة في أذنه ،
وبدأ يتصفح الأخبار في هاتفه
تشو تشيتشن قد قضى الليل بلا نوم تقريبًا ،
فبدأ يحكي له كل ما حدث منذ لحظة ظهور تحذير انخفاض
ضغط الزيت في نظام الهيدروليك الأصفر على شاشة
الحاسوب، حتى عملية الهبوط وما بعدها خطوة بخطوة
سأله لانغ فنغ مباشرةً :
“ وماذا أظهرت لك تعليمات الـECAM وقتها؟”
: “ كانت الإجراءات طبيعية، اتبعناها واحدة تلو الأخرى دون خلل ،
أنا أعلم…”
قاطع لانغ فنغ كلامه فجأة ، بصوتٍ حازم على غير عادته :
“ ومضخة الكهرباء ؟ شغّلتها بعد الهبوط ؟”
: “ نعم. ثم ضغطت على الفرامل حتى النهاية.”
: “ وماذا عن فرامل التوقف؟”
: “ بعد إطفاء المحركات ، كنت قد رفعت فرامل التوقف مسبقًا .”
انهال لانغ فنغ عليه بسيلٍ من الأسئلة الدقيقة —— ،
وكان تشو تشيتشن يجيب عن كل واحدٍ منها بترتيبٍ وتفصيل ،
لكن مع مرور الوقت ، بدأ يشعر بالدوار وكأنه في استجواب
رسمي ، وليس في مكالمة مع حبيبه القَلِق عليه ،
فلو سمع أحد مكالمتهم الآن ، لظن أن ضابط أجنبي يحقق
معه في حادث جوي
يكون لانغ فنغ في تلك اللحظات متناهِيَ الدقة إلى حدٍّ
مذهل ، وجادًّا بدرجةٍ تفوق المألوف ،
كأن في داخله عقلين يعملان في آنٍ واحد — أحدهما يفكر
في أسباب الحادث، والآخر يراجع كل إجراء في الدليل الفني
للطائرة ،
إلى أن ضاق صدر تشو تشيتشن من هذا الاستجواب غير
المقصود ، فانفجر بنبرة حادة قليلًا :
: “ يااااا رججججل !!! أسئلتك أدق من أسئلة المحققين
الذين جاؤوا أمس ! هل أنت واقف الآن عند مبنى الصيانة
تقلب كُتيّب تشغيل الـA320؟”
عندها فقط توقف لانغ فنغ —- واستعاد وعيه بما يفعل
أراد أن يشرح، أن يقول أنه قلق عليه فحسب ،
لكن قبل أن ينطق بكلمة ، تشو تشيتشن قد أغلق المكالمة —-
ظل لانغ فنغ ممسكًا بالهاتف ، صامتًا
أدرك أنه تسرّع — لم يكن يبحث فقط عن فهم ما حدث،
بل عن منطق يطمئنه،
أراد أن يجد سببًا واضحًا ومسؤولية محددة،
حتى إذا واجه تشو تشيتشن لاحقًا، استطاع أن يريه الدليل
ويقول له بثقة ' لم يكن خطؤك '
لكنه نسي أن ما يحتاجه تشو في تلك اللحظة لم يكن
تفسير ، بل عناق من الطمأنينة ……
بعد أن أُغلِق الخط ، كان بقية أفراد طاقم لانغ فنغ قد
غادروا المطار تقريبًا ، وأرسلوا له رسائل وداع سريعة ،
لم تصل أي إشعارات جديدة بعد ذلك، ففتح بريده
الإلكتروني تلقائيًا وتصفح الرسائل، وظلّ يحدّق في صندوق
الوارد وقتًا طويلاً ،
يحدّث الصفحة مرة تلو الأخرى ، بانتظار تلك الرسالة
الرسمية عن الحادث
لكنها لم تصل ….. فأغلق هاتفه ، والسماء بدأت تضيء
بخيوط الفجر الأولى
————
في الوقت نفسه تقريبًا ، كان هاتف تشو تشيتشن قد بدأ
يرنّ بلا توقف ——
استيقظ الناس من نومهم ، وتناقلت الأخبار بين الزملاء
والأصدقاء ، فامتلأ تطبيق ويتشات برسائل القلق والسؤال
عن حاله
كان المراقبون الجويون أول من علم ،
وأرسل فانغ هاو إليه عدة رسائل منذ الصباح الباكر ،
لم يجد تشو وقتًا للرد منذ عودته من الشركة ،
والآن يقود سيارته عائدًا إلى المنزل عندما تلقّى اتصالًا من تشن جيايو
فتح المكالمة على بلوتوث السيارة وقال :
“ ما الأمر الأخ جيا ؟”
تشن جيايو بنبرة قلقة :
“ سمعت إنكم اصطدمتم بجسر الركاب أثناء التوقف البارحة ؟
فانغ هاو أرسل لك رسائل منذ الصباح ولم ترد "
أجابه تشو تشيتشن بهدوءٍ مرهق :
“ نعم ، كانت آخر رحلة ليلًا . انخفض ضغط الزيت في
النظام الهيدروليكي الأصفر ، تعاملنا مع التحذير حسب
التعليمات .
بعد الهبوط وإطفاء المحركات ، اكتشفنا أن المكابح اليمنى
لا تستجيب ، ولم نستطع إيقاف الطائرة .
بقينا في المطار حتى الثالثة فجرًا ، وذهبت صباحًا إلى
الشركة مجددًا ، والآن أنا في طريقي إلى المنزل .”
تنهد تشن جيايو وقال بصوت مفعم بالأسف:
“ آه… لقد تعبت كثيرًا ، لا شكّ في ذلك "
تبادلا بضع كلمات حول تفاصيل الحادث ،
وكانت أسئلة تشن جيايو لا تختلف كثيرًا عمّا سأله لانغ فنغ
في مكالمته ليلة البارحة ،
قال تشن جيايو :
“ سمعت أن بعض الزملاء واجهوا هذا التحذير من قبل ،
لكن لم تحدث لديهم مشكلة في المكابح بعد الهبوط ،
على أي حال، انتظر نتائج التحقيق ولا تستعجل في الحكم .”
أجابه تشو تشيتشن بهدوءٍ متعب :
“ أجل، أعلم ذلك . شكرًا لكما لأنكما ما زلتما قَلِقَين عليّ "
ضحك تشن جيايو ضحكةً خافتة عبر الهاتف ، ثم قال:
“ سأدع فانغ هاو يتحدث معك قليلًا ، لقد ظلّ منشغل البال
بك منذ الصباح "
ثم سمع صوت تشن جيايو ينادي بنغمةٍ ودودة فيها شيء من الدعابة :
“ تعال باوبي "
تلاه أصوات خطوات خفيفة ، ثم جاء صوت فانغ هاو في
السماعة ، يطمئن عليه ويسأله عن حاله
كان تشو تشيتشن قد روى مجريات الحادث مراتٍ عديدة
— لشن تيانتان، وللانغ فنغ، ولرؤسائه في قسم الطيران،
ولزملائه — حتى لم تبقَى في الحكاية زاوية لم يُعِدها ،
ولهذا لم يكن في مكالمة فانغ هاو ما يستحق إعادة السرد ؛
كان الاتصال مجرد كلمات مواساة صافية
وبعد أن أنهى المكالمة معهما ، خطر في باله فجأة مشهد
من عشاء سابق حين سأله تشن جيايو عن تجربة الهبوط
الاضطراري في محاكاة هونغ كونغ ،
حينها كان تشو قد أجابه بخفةٍ ظاهرة ،
محاولًا التهوين من الأمر وتقديم المواساة ،
أما الآن، فهو يفهمه تمامًا …..
{ الرحلة رقم 416 التي خاضها تشن جيايو كانت أكثر خطرًا
من الحادث الذي مرّرت به البارحة ،
وما تلاه من ضغط نفسي لا يمكنه تخيّله حقًّا … }
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق